تصميم يوسف أيمن، المنصة
ختان

السودانيات في القاهرة.. حماية مؤقتة من مشرط الختان

منشور الأربعاء 22 تشرين الأول/أكتوبر 2025

"أنا الآن في الثالثة والخمسين من عمري، وما زالت آثاره تلازمني" تقولها مسنةٌ سودانيةٌ مشيرةً إلى تشويه الأعضاء التناسلية، إذ لا تزال ممارسة ختان الإناث متجذرةً بعمق في السودان كأحد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وفقًا للمسح العنقودي متعدد المؤشرات لعام 2014 فإن 86.6% من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة خضعن لختان الإناث، بينما خضعت 66.3% من الفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن 14 سنة لهذه الممارسة.

ورغم مغادرة آلاف السودانيات بلدهن على أثر الحرب المشتعلة منذ أبريل/نيسان 2023، فإن هذه الممارسة لم تتركهن وإن وفرت فرصًا ومجالًا أكبر للتخلي عنها، وهو ما أثبتته دراسة أعدّتها Equality Now/المساواة الآن بالتعاون مع مؤسسة تدوين لدراسات النوع الاجتماعي بعنوان "تشويه الأعضاء التناسلية للإناث بين المهاجرين السودانيين في القاهرة الكبرى: التصورات والاتجاهات".

كما توثق الدراسة لانتشار الظاهرة، وتكشف الشروخ العميقة والخفية التي تخلّفها عبر الأجيال، والحدود، والمعتقدات، فإنها تبين أيضًا أثرًا إيجابيًّا للنزوح فيما يتعلق بممارسة الختان على النساء السودنيات.

هذه لحظة نادرة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل لإعادة تشكيل الأعراف الاجتماعية

تقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من أربعة ملايين شخص فرّوا من السودان منذ اندلاع الحرب الأهلية المدمّرة في عام 2023، إلى جانب نحو 10.5 مليون نازح داخليًا. ويواجه غالبية المتأثرين من النساء والأطفال أخطارًا مضاعفة، ليس فقط بسبب العنف الناتج عن الصراع، بل أيضًا نتيجة انهيار شبكات الحماية الاجتماعية وتدهور نظم الرعاية الصحية.

يعيد الصراع والنزوح تشكيل الظروف التي يُنظر من خلالها إلى التقاليد الضارة مثل تشويه الأعضاء التناسلية للإناث والمعروف بختان الإناث، سواء من حيث قبولها أو التشكيك فيها، أو إعادة ترسيخها بين المجتمعات النازحة وفي أوضاع العودة الهشّة.

وتُعدّ هذه لحظةً نادرةً لا تتكرر كثيرًا لإعادة تشكيل الأعراف الاجتماعية، لأن فترات عدم الاستقرار تحمل في طياتها فرصًا كما تحمل مخاطر. ففي حين قد تؤدي الأزمات إلى تفاقم الممارسات الضارة، فإنها تفتح أيضًا المجال لمواجهتها، مما يوفّر إمكانية حقيقية لتغيير مسار واحد من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا، الذي لا يزال يُمارس على ملايين الفتيات حول العالم.

الهجرة تقوّض الأساس

قانون اللاجئين

أظهرت دراسة Equality Now على منطقة القاهرة الكبرى أن النزوح زعزع الأسس التي كانت تدعم ختان الإناث للسودانيات؛ إذ تفكّكت الشبكات الاجتماعية، وتراجعت سطوة النساء الأكبر سنًا اللواتي كنّ يومًا ما من أقوى المروّجات للممارسة.

المثير أن كثيرًا منهن أصبحن الآن من أبرز المعارضات لها، كما يظهر من قول إحدى النساء اللاتي اعتمدت عليهن الدراسة، "كنت أؤمن بها من قبل. أما الآن، فلن أسمح لحفيدتي أن تمرّ بما مررت به".

لم تعد العديد من المشاركات، وخصوصًا الشابات والمثقفات، ينظرن إلى ختان الإناث باعتباره طقسًا ضروريًا للبلوغ، بل خيانة؛ جُرح لا مبرر له، محاط بأساطير الطهارة والطاعة.

اللافت أن الأزواج تحدثوا أيضًا عن الأضرار التي تسبَّب بها ختان الإناث لزيجاتهم، من تقويض للثقة إلى تدمير للعلاقة الحميمة.

إضافة إلى تغير كثير من الأفكار السائدة، فإن المقابلات المعمّقة مع المشاركات في الدراسة كشفت كيف أعاد النزوح ترتيب الأولويات. فعندما تكافح الأسر من أجل تأمين الغذاء والسكن والرعاية الصحية والتعليم، يصبح من الصعب تخصيص موارد من أجل الحفاظ على تقاليد مثل ختان الإناث.

عامل مهم آخر هو وجود قوانين صارمة في مصر ضد ختان الإناث، وهو ما يشكّل رادعًا قويًا لأولئك الذين يخشون الملاحقة القانونية على قلتهم.

لكن الدراسة تشير بالمقابل إلى نقص واسع النطاق في وعي المهاجرين السودانيين بالتشريعات المصرية التي تجرّم الختان، ما يثير القلق بشأن المساءلة، خصوصًا إذا أُخضعت الفتيات لهذه الممارسة دون معرفة بالعواقب القانونية المترتبة عليها.

وتحذر من أنه دون توعية قانونية موجّهة، تصبح العائلات عرضة للتجريم بدلًا من الحصول على الدعم، ما يشير إلى الحاجة الملحّة إلى حملات توعوية سهلة الوصول وحساسة ثقافيًا لتعريف مجتمعات اللاجئين بالقوانين المحلية.

العائدات في خطر

إذا أثبت النزوح قدرته على تعطيل مثل هذه الممارسات، فإن الواقع القاسي في السودان يهدد هذا التقدّم الهش نحو التخلي عن ختان الإناث. فالحرب دمّرت البنية التحتية الصحية في البلاد، وأعادت التقدّم في مجال المساواة بين الجنسين الذي استغرق عقودًا إلى الوراء.

الختان لا يؤذي الأجساد فقط، بل يُدمّر العلاقات ويقوّض الثقة ويهدر الاستقلالية

يعاني السودان من إطار قانوني متذبذب وهش فيما يتعلق بختان الإناث. فرغم تعديل القانون الجنائي عام 2020 لتجريم هذه الممارسة على المستوى الوطني، لا يزال تنفيذ القانون ضعيفًا وغير فعّال.

وفي مناطق النزاع، حيث انهارت أنظمة العدالة الرسمية، غالبًا ما تحلّ الهياكل التقليدية محلها، وهي المساحات غير الرسمية التي ازدهرت فيها ممارسة ختان الإناث تاريخيًا.

لذا يتجسد الخطر الحقيقي في العائدات اللواتي سيتجدن الأعراف القديمة بانتظارهن. ومن دون توفير دعم يراعي السياق الثقافي ويركّز على احتياجات الناجيات، إلى جانب فتح باب الحوار المجتمعي، قد تشعر كثيرات بأن عليهن الامتثال من جديد، ما يعني عودة انتشار ختان الإناث حتى بين من أدركن خطورته وبدأن في رفضه ومعارضته خلال فترة النزوح.

لحظة فاصلة 

يشير مصطلح تشويه الأعضاء التناسلية للإناث إلى جميع الإجراءات التي تنطوي على الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية للإناث الخارجية، أو إصابة أخرى للأعضاء التناسلية للإناث لأسباب ثقافية أو أسباب غير طبية أخرى.

ختان الإناث ليس إرثًا ثقافيًا ينبغي الحفاظ عليه، ولا أذى "أخف" يمكن تجاهله في الأزمات

وتوفّر الدراسة لمحة عن الاتجاهات نحو ختان الإناث في أوساط الجاليات السودانية في الخارج، وتكشف عن حقائق طال إخفاؤها في السودان مثل أن ختان الإناث لا علاقة له بالدين، وليس ضروريًا، ولا يعد ممارسةً بريئةً. إنه لا يؤذي الأجساد فقط، بل يُدمّر العلاقات ويقوّض الثقة ويهدر الاستقلالية.

وأنواع الختان حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان هي:

قطع البظر: إزالة البظر جزئيًا أو كليًا (والبظر هو جزء صغير وحساس وناعظ من الأعضاء التناسلية الأنثوية)، وفي حالات نادرة جدًا، تُستئصل القلفة فقط (وهي الطية الجلدية التي تحيط بالبظر).

الاستئصال: استئصال البظر والشفرين الصغيرين كليًا أو جزئيًا، مع استئصال الشفرين الكبيرين أو بدونه (الشفرين هي الطية الجلدية الخارجية بالمهبل).

الختان التخييطي: تضييق الفوهة المهبلية من خلال عمل سداد غطائي. ويُشكل السداد عن طريق قطع وإعادة وضع الشفرين الداخلي أو الخارجي، مع استئصال البظر أو عدم استئصاله.

ولا تزال هناك مفاهيم خاطئة منتشرة على نطاق واسع تُصوّر أن النوع الأول من ختان الإناث (القطع الطفيف) غير ضار أو ضروري، وهو ما يعزّز الأسطورة الخطيرة بأن بعض أشكال الختان مقبولة وأقل ضررًا.

ورغم أن النوع الثالث يُعتبر الأخطر، فإن الأضرار الجسدية والنفسية الحقيقية الناتجة عن النوعين الأول والثاني غالبًا ما يُقلّل من شأنها بسبب المعتقدات الثقافية والدينية، وذلك لتبرير استمرار هذه الممارسة.

 

يضاف إلى ذلك الانتشار المتزايد "لتطبيب" الختان، أي ممارسته على يد مختصين صحيين، مما يخلق شعورًا زائفًا بالأمان، ويُرسّخ الاعتقاد الخاطئ بأن بعض أشكاله "آمنة".

الطريق إلى الأمام

تضع الدراسة عددًًا من الخطط فيما يتعلق بإعادة دمج العائدين السودانيين بما يتضمن معالجةً صريحةً لقضية ختان الإناث، من خلال آليات حماية للفتيات، ودعم نفسي اجتماعي للناجيات، وتوعية مجتمعية تستهدف المؤثرين، خصوصًا من النساء الأكبر سنًا القادرات على تغيير الأعراف من الداخل.

كما توصي الهيئات الإقليمية والجهات المانحة بأن تضمن عدم تجميد أو تجاهل جهود مكافحة ختان الإناث خلال فترات الصراع أو ما بعدها.

وتؤكد على أنه ينبغي التعامل مع ختان الإناث بنفس الجدية التي تُمنح للأشكال الأخرى للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك دمجه في حملات التوعية والحوار المجتمعي وآليات المساءلة، حتى ضمن الاستجابات الإنسانية الطارئة.

كما يجب دعم منظمات المجتمع المدني النسوية السودانية، سواء في المنفى أو داخل السودان، فهي رغم قلة تمويلها وتعرضها للمخاطر، تتمتع بقدرة فريدة على مخاطبة مختلف الأجيال والبيئات، وتمثل الجسر بين المقاومة في الخارج والإصلاح في الداخل.

ختان الإناث ليس إرثًا ثقافيًا ينبغي الحفاظ عليه، ولا أذى "أخف" يمكن تجاهله في الأزمات. إنه انتهاك صارخ لحق الفتاة في سلامة جسدها وصحتها وكرامتها. وهذه الحقوق لا تختفي مع النزوح، ولا تُعلّق في الحرب، ويجب ألا تُنسى عند وضع سياسات العودة وإعادة الاندماج.

هذا ما يفرض تفكيك منظومة الختان ككل، سواء كان ذلك ما يعرف بـ"القطع الأخف" أو ما يطلق عليه "السُنة" أو جرى "تطبيبه". كل شكل من أشكال الختان هو انتهاك، وفكرة أن الضرر يمكن تبريره، إذا كان الألم أقل، خرافة خطيرة تدعم استمرار هذه الممارسة.