صراع الحاويات.. هل تصمد الشركات الحكومية أمام أباطرة العالم؟
تواجه شركات إدارة محطات تداول الحاويات الحكومية منافسةً قويةً من الشركات العالمية التي باتت لاعبًا رئيسيًا في هذا القطاع خلال العقود الأخيرة.
ويتنامى القلق في الشركات الحكومية، كما تفيدُ مصادر، من تصاعد منافسة المحطات الخاصة، خصوصًا وأن المساهمين الرئيسيين في الشركات المشغّلة لتلك المحطات هم أنفسهم من بين خطوط الشحن الأكثر نشاطًا في مصر، ما قد يدفعهم إلى توجيه جزء أكبر من أعمالهم نحو المحطات التي يملكونها.
الصعود التدريجي لدور القطاع الخاص
تواجه شركات الحاويات الحكومية في مصر، خصوصًا بورسعيد لتداول الحاويات والبضائع ودمياط لتداول الحاويات والبضائع، تحديات متزايدة مع اقتراب افتتاح ثلاث محطات حاويات جديدة في مواني شرق بورسعيد، ودمياط، والسخنة، خلال عام 2026.
| الميناء | اسم المحطة | الجهة صاحبة الامتياز |
|---|---|---|
| ميناء دمياط | تحيا مصر 1 | تحالف Hapag-Lloyd وشركتي Eurogate وContship |
| ميناء شرق بورسعيد | المحطة الثانية لشركة قناة السويس للحاويات | شركة قناة السويس للحاويات تساهم فيها Maersk بالحصة الأكبر |
| ميناء السخنة | محطة هاتشيسون | تحالف خطوط Hutchison Ports وCOSCO Shipping و CMA CGM |
تضيف المحطات الجديدة رصيدًا جديدًا إلى القطاع الخاص الذي ازداد حضوره في هذا المجال، إذ فازت شركة قناة السويس لتداول الحاويات بامتياز إدارة محطة تداول في ميناء شرق بورسعيد في 2001، التي تساهم فيها خطوط الشحن الدنماركية Maersk بأكبر حصة .
بعدها بسنوات قليلة، في 2008، استحوذت "موانئ دبي العالمية" على ميناء السخنة وأسست نشاطًا لتداول الحاويات في الميناء، ليلفت الأنظار بشكل أكبر لتنافس الكيانات العالمية على المواني المصرية.
وجددت أزمة الدولار من فرص حضور القطاع الخاص في هذا المجال، فضمن مساعي الحكومة للخصخصة جذبًا لتدفقات النقد الأجنبي، استحوذ كيانان سعودي وإماراتي في 2022 على الحصة الأكبر من الإسكندرية لتداول الحاويات، ولهذا الاستحواذ رمزية مهمة ليس فقط بسبب ضخامة حجم نشاط الشركة لكن لكونها أول محطة متخصصة في هذا المجال تأسست عام 1984.
كذلك تبنت وزارة النقل خلال السنوات الأخيرة تصورًا عن أهمية فتح الباب للقطاع الخاص، وفي هذا السياق منحت شركة Hutchison Ports حق إنشاء محطة حاويات في ميناء أبو قير بالإسكندرية في 2019.
وساعد التوسع في دور القطاع الخاص بهذا المجال في تطوير مستوى خدماته، كما يؤكد مختصون، من بينهم مصدر مسؤول بوزارة النقل مطلع على ملف المواني، طلب عدم نشر اسمه، أكد لـ المنصة أن قرار الوزارة بمنح امتيازات تشغيل بعض المحطات لتحالفات دولية كان بهدف تحويل المواني المصرية إلى مراكز إقليمية للتجارة البحرية.
واستطاع قطاع تداول الحاويات بالفعل إحراز تقدم بفضل الاستثمارات الخاصة، حيث ارتفع ترتيب مصر في هذا المجال عالميًا من 97 في 2007 إلى 57 في 2023، لكن في المقابل أضحت الشركات الخاصة هي المهيمنة.
https://public.flourish.studio/visualisation/25675433/في مقابل تنامي دور القطاع الخاص، لم تشهد الفترة الأخيرة توسعًا مماثلًا لشركات تابعة للدولة باستثناء تجربة محطة تحيا مصر في ميناء الإسكندرية، التي بدأت العمل في 2023، وأقامتها الشركة المصرية للمحطات متعددة الأغراض، وهي شركة حديثة أسستها مجموعة من الأجهزة الحكومية بمساهمة غير حاكمة لأحد خطوط الشحن الفرنسية.
مع انكماش دور الدولة في تداول الحاويات، وكون أغلب الشركات الحكومية لا تزال تعمل بمعدات قديمة مقارنة بما تمتلكه المحطات الجديدة، توجهت بعض الخطوط الملاحية التي كانت تعتمد على محطات الحاويات الحكومية مثل دمياط وبورسعيد إلى محطات أكثر حداثة، كما يكشف المصدر بوزارة النقل.
الزبون يشارك في تقديم الخدمة
إلى جانب المنافسة بالمعدات الأحدث، تقف الشركات الحكومية أمام تحدٍ آخر، وهو طبيعة ملاك شركات تداول الحاويات الجديدة، إذ يشملون في كثير من الأحيان خطوط الشحن المتعاملة مع المواني المصرية.
ويفيد المستشار السابق لوزير النقل محمد علي المنصة بأن "توجهات الخطوط الملاحية العالمية ستشهد تغييرات كبيرة في الفترة المقبلة، وستعيد ترتيب محطاتها، لتُركز بشكل أكبر على المشروعات والمحطات الجديدة التي أصبحت مسؤولة عن إدارتها بشكل كامل، وستكون ملزمة بتحقيق أحجام تداول سنوية محددة وفقًا للعقود المبرمة".
يعارضه المصدر في وزارة النقل لافتًا إلى أن خطوط الشحن لا تتعاون مع شركات الحاويات بعينها إلا بناء على الامتيازات التنافسية التي تتمتع بها، فـ"عقود التشغيل لا تُجبر أي خط ملاحي على التردد على محطة محددة، بل تتيح حرية اختيار الأرصفة وفقًا للجدوى الاقتصادية التي يراها مناسبة".
https://public.flourish.studio/visualisation/25675842/أمام هذه التوقعات المتعارضة، لا يخفي مسؤولون في شركات حكومية تحدثوا لـ المنصة قلقهم من المنافسة المتزايدة التي سيواجهونها خلال الفترة المقبلة.
"بورسعيد" تحت الضغط
بنظرة أكثر قربًا، تَظهرُ العلاقات المتشابكة بين محطات الحاويات والشركات التابعة لها ومدى تأثيرها على الشركات الحكومية.
ويضع عضو بمجلس إدارة شركة بورسعيد لتداول الحاويات، مُشغل محطة حاويات ميناء غرب بورسعيد، طلب عدم نشر اسمه، أسبابًا عدة لتراجع نشاط الشركة، خلال السنوات الأخيرة، من بينها المنافسة القوية لمحطة الحاويات في شرق بورسعيد التي يملك النسبة الأكبر فيها القطاع الخاص.
يفسر لـ المنصة انتقال بعض الأعمال من غرب بورسعيد إلى الشرق بأن "خط الملاحة العالمي Maersk قلّص اعتماده على غرب بورسعيد لكي ينقل نشاطه إلى المحطة المملوكة لشركة قناة السويس للحاويات، التي يساهم بنسبة كبيرة فيها".
https://public.flourish.studio/visualisation/25779674/وينوه عضو مجلس الإدارة أن الخط الملاحي الفرنسي CMA CGM، الذي كان يتردد على ميناء غرب بورسعيد، دخل مؤخرًا في تحالف تشغيلي مع Maersk، وانتقل للحصول على خدماته من محطة شرق بورسعيد، وهو ما خصم من رصيد الشركة الحكومية.
بناءً على ما أظهرته التجربة السابقة للمنافسة القوية من شركة قناة السويس لتداول الحاويات، يتوقع المصدر أن تزداد مخاطر تراجع نشاط "بورسعيد" بعد أن تفتتح "قناة السويس" محطتها الثانية في شرق بورسعيد العام المقبل.
أوناش دمياط في مواجهة Hapag Lloyd
العام المقبل، ستكون المنافسة صريحة داخل ميناء دمياط بين شركة دمياط لتداول الحاويات الحكومية ومحطة تحيا مصر 1 التي يديرها تحالف ملاحي عالمي.
"خط Hapag Lloyd الذي سيتولى تشغيل المحطة الجديدة يمثل نحو 32% من حجم التداول الحالي على رصيف شركة دمياط لتداول الحاويات، ما يشير إلى تأثير مباشر على أداء الشركة بعد بدء تشغيل محطته الجديدة"، يؤكد عضو مجلس إدارة في شركة دمياط لتداول الحاويات.
وبينما يرى عضو مجلس الإدارة، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن امتلاك Hapag Lloyd للمحطة الجديدة سيدفعها لنقل أعمالها من "دمياط" الحكومية، فإنه يشير إلى أن شركته تعمل على مواجهة هذه التحديات عبر جذب خطوط ملاحية جديدة، إلى جانب توفير معدات الشحن والتفريغ المتطورة، ورفع كفاءة الإجراءات الفنية والتشغيلية.
وأوضح لـ المنصة أن الشركة استثمرت بكثافةٍ في تحديثات للمحطة منها توريد 6 أوناش ساحة عملاقة من إحدى الشركات العالمية في مواجهة 12 ونش استلمتهم Hapag Lloyd لصالح المحطة الخاصة مؤخرًا.
بشكل عام، يعتبر مصدرٌ وزارة النقل المنافسةَ القويةَ بين شركات الدولة والقطاع الخاص تصبُّ في النهاية لصالح مصر، وتعزز روح المنافسة على تقديم أفضل خدمات.
لكن المستشار السابق للوزير محمد علي ينبه إلى أن المكاسب التي ستحققها الشركات الأجنبية لن تصب بالضرورة في الصالح المصري، حيث تذهب عوائد المشروعات التي تديرها شركات عالمية، وهي بالعملة الأجنبية، للخارج، ومن ثم فإن الفاقد الأكبر للعوائد هو الكيانات المحلية ليس إلا.
لذا يرى محمد علي ضرورةً في أن تعمل الشركات الحكومية على تحديث خدماتها بوتيرة سريعة، ليظل نشاط الحاويات يصب في خدمة الاقتصاد المصري.