اتحاد القبائل- فيسبوك
اثنان من مقاتلي اتحاد قبائل سيناء الذي يتعاون مع القوات المسلحة المصرية.

"مجلس الدولة": لا راتب لموظف خطفه مسلحون في سيناء بل إعانة لأسرته

منشور الثلاثاء 12 أكتوبر 2021

 

أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فتوى قضائية، انتهت فيها إلى عدم جواز صرف راتب موظف عام بالوحدة المحلية لإحدى قرى مدينة بئر العبد، بشمال سيناء، اختطفه مسلحون العام الماضي، بدءًا من تاريخ فقده، بل تصرف لعائلته إعانة شهرية تساوي معاشه، ولا يجوز إنهاء خدمته.

وتأسست هذه الفتوى التي صدرت ردًا على طلب الرأي القانوني المقدم من محافظة شمال سيناء، على أن "انقطاع (الموظف) عن العمل نظرًا لهذا الظرف يعد انقطاعًا لا إراديًا ومن ثم فلا يجوز إنهاء خدمته استنادًا إلى ذلك".

وفتاوى قسمي التشريع والفتوى في مجلس الدولة، التي تصدر مسببة دائمًا، ليست مُلزمة كالأحكام القضائية، لكنها تعد مؤشرًا على توجهات قضاة مجلس الدولة في تفسير وتطبيق القواعد القانونية في النزاعات المعروضة أمامهم. 

واختطف الموظف، التي تتحفظ المنصة على نشر اسمه بناءً على طلب أسرته حفاظًا على سلامته، على يد عناصر مسلحة استوقفت سيارته التي كان يستقلها مع زوجته أمام منزله في 23 يوليو / تموز 2020 ، وأشهروا سلاحًا ناريًّا في وجهيهما، وأجبروا الزوجة على الترجل من السيارة وتركوها في الطريق وحدها وغادروا ومعهم الموظف والسيارة. 

وينشط تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" منذ 2014 وتستهدف عملياته قوات الجيش والشرطة بالإضافة إلى المدنيين. 

حررت الزوجة بعد الحادث محضرًا حمل رقم 368 لسنة 2020 إداري رمانة، لتبدأ الشرطة تحرياتها التي أيدت رواية الزوجة. في هذه الأثناء، وفي الشهر التالي على حادث الاختطاف، كانت الوحدة المحلية التي يعمل المخطوف موظفًا بها وقفت بالفعل صرف راتبه، وإزاء استمرار تغيبه وخلو قانون الخدمة المدنية رقم (81) لسنة 2016 الذي ينظم علاقة العمل هذه من نص حاكم لتلك الحالة، تقدم المحافظ بطلب الرأي القانوني من مجلس الدولة. 

أصحاب الحظ العاثر

استندت الفتوى الصادرة عن مجلس الدولة في ترجيحها وقف صرف الراتب على قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019، الذي أقر عدم صرف رواتب المفقودين الذين لم يعثر عليهم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ فقدهم، على أن يصرف للمستحقين عنه إعانة شهرية مقررة بحكم المادة 34 من القانون، تعادل قيمتها ما يستحقونه عنه من معاش في حالة وفاته.

بالتالي فإنه، وحسب الفتوى، تستحق عائلة الموظف المخطوف إعانة شهرية اعتبارًا من 1 يوليو 2020، أول الشهر الذي اختطف فيه، طالما أنه لم يُفقد في أثناء تأدية عمله حيث تقدّر الإعانة حينها بما يعادل المعاش المقرر في تأمين إصابات العمل والمعاش المقرر في تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة.

ويستمر صرف الإعانة لمدة أربع سنوات ما لم يظهر المعروضة حالته حيًّا أو تثبت وفاته حقيقة أو حكمًا.

المحامي الحقوقي خالد علي انتقد عدم معالجة قانون الخدمة المدنية حالات تغيب الموظف عن عمله بسبب اختطافه جبرًا، معتبرًا في حدثيه إلى المنصة أن مجلس الدولة حاول قدر الإمكان أن يوجِد لأسرة ذلك الموظف المبرر القانوني لصرف مستحقاته التأمينية، وذلك بأن اعتبرته الفتوى في عداد المفقودين.

وبحسب علي فإن الإشكالية وفقًا لما هو وارد بالفتوى كانت صعوبة بقاء أسرة ذلك الموظف بدون راتب يكفلها، وفي الوقت ذاته عدم جواز صرف راتبه دون عمل، ومن ثم فإن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع التي أصدرت الفتوى حكًّمت في الأمر نصوص قانون التأمينات الاجتماعية الخاصة بصرف الإعانات لأسر المفقودين.

وعلى الضفة الأخرى من قناة السويس، تحدث مصدر مقرب من عائلة الموظف المختطف إلى المنصة موضحًا أن المخطوف كان "من أصحاب الحظ العاثر"، مشيرًا إلى "الظروف المعيشية الصعبة" لأسرته قبل اختطافه بسبب ضعف راتبه ما راكم عليه الكثير من الديون لأشخاص وجيران في قريته؛ المريّح.

وأضاف المصدر الذي تحفظ على نشر اسمه أن الموظف المخطوف "يعيش مع زوجته الخمسينية التي تعمل بنظام العقد بإدارة الإرشاد الزراعي التابعة لمديرية الزراعة بشمال سيناء"، وهي إدارة تختص بشؤون التوعية الزراعية بالمحافظة، كما تساعد المزارعين على إنتاج وتسويق المحاصيل وأهمها محصول الزيتون الذي تشتهر به المحافظة، موضحًا أن الزوجة هي الأخرى تعاني من ضعف راتبها بالنظر إلى أنها عاملة متعاقدة وغير مثبتة.

مخطوفٌ غير مفقود

المحامي خالد علي يرى أن ذلك الموظف "ليس مفقودًا وإنما مخطوفًا، وهناك فروق قانونية شاسعة بين فكرة الفقد والخطف؛ فالفقد يتمثل في تغيب شخص ما كان من المقرر أن يعُدْ لكنه لم يعُدْ ثم انعدمت سبل الوصول إليه أو معرفة مكانه، أما الخطف فأقرب مثال له يتجسد في حالة الأسرى وهي الحالات التي تكون فيها السلطات على علم بمكان الشخص المتغيب".

واستطرد "وبالتالي فنحن في هذه الواقعة الماثلة أمام حالة خطف لأنه المعلوم لدى السلطات وفقًا لما أيدته تحريات قطاع الأمن الوطني أن ذلك الموظف مخطوف لدى الجماعات الإرهابية بشمال سيناء، ومع الأخذ في الاعتبار أنه وقت وضع القوانين المنظمة للعاملين المدنيين بالدولة لم يكن في مخيلة القائمين على التشريع أن تكون هناك حالات خطف، غير أنه الوضع الموجود في سيناء الآن يستدعي أن تتبنى الدولة تعديلات تشريعية تعالج ذلك الأمر".

بالتالي فإن المحامي الحقوقي الذي ترشح في انتخابات الرئاسة عام 2012، اعتبر أن القياس على حالة المفقودين الذي اجتهدت فيه الفتوى بسبب عدم وجود نص قانوني ينظم المسألة "قياس إيجابي ولكنه غير واقعي، على اعتبار أنه يوجه رسالة لأسرة الموظف بأن السلطات في طريقها لإصدار حكم بموته، بغض النظر عن المجهود الذي يجب أن تبذله الدولة في البحث عنه وعودته إلى أهله سالمًا".

وأشار إلى أن "الدولة توسعت مؤخرًا في إصدار التشريعات الخاصة برعاية أسر شهداء ومصابي ومفقودي العمليات الإرهابية، وضمت إلى المستفيدين من خدمات الرعاية التي يقدمها الصندوق الخاص بهذا القانون أسر شهداء ضحايا العمليات الأمنية أيضًا، علمًا بأن الأطباء على سبيل المثال أيضًا تبنوا عدة مطالب مؤخرًا لضم أسر الأطباء ضحايا كورونا لخدمات هذا الصندوق، وأرى أنه يجب ضمهم، وكذلك الحال بالنسبة لأهالي سيناء والموظفين المدنيين في سيناء ممن ينبغي أن يكن هناك تشريع يشمل تأمينهم ضد مخاطر الخطف من قبل الجماعات الإرهابية، ويعالج الواقع القانوني لإشكالية الخطف على نحو لا يستسهل التعامل مع المخطوف بوصفه مفقود".

إعانة لازمة

في حيثيات فتواها، قالت الجمعية العمومية إن قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم (148) لسنة 2019 يشمل العاملين المدنيين في الجهاز الإداري للدولة ضد عدة مخاطر، من بينها تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة بالإضافة إلى حالات فقد المؤمَّن عليه أو صاحب المعاش "فقرر المشرع منح المستحقين عنهما إعانة شهرية تعادل ما يستحقونه من معاش بافتراض وفاة المفقود سواء كان مُؤمنًا عليه أو صاحب معاش، وذلك اعتبارًا من أول الشهر الذي وقع فيه الفقد، وتُقدر تلك الإعانة بما يعادل المعاش المقرر في تأمين إصابات العمل والمعاش المقرر في تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة إذا كان فقد المؤمن عليه في أثناء تأدية العمل".


اقرأ أيضًا: العودة بالدم: هكذا استقبل أهالي 4 قرى في بئر العبد منازلهم بعد طرد "داعش"

الدعوة لتأسيس سوق سريع للخضراوات جاءت عقب عودة سكان قرية قاطية.

وأضافت الفتوى أن القانون نص على أن "يستمر صرف تلك الإعانة إلى مستحقيها لمدة أربع سنوات ما لم يظهر المفقود حيًّا أو تثبت وفاته حقيقة بظهور جثمانه أو حكمًا بصدور الحكم القضائي أو القرار الذي يقوم مقامه باعتباره ميّتًا، وبعد فوات تلك المدة من تاريخ الفقد أو ثبوت الوفاة حقيقة أو حكمًا، يُعتبر تاريخ الفقد هو تاريخ انتهاء الخدمة وذلك في تقدير جميع الحقوق التأمينية وفقًا لأحكام هذا القانون، وتعتبر الإعانة السابق صرفها معاشًا منذ تاريخ تحقق إحدى الوقائع المشار إليها".

كما شددت الفتوى على أن قانون الخدمة المدنية عندما ربط بين الانقطاع عن العمل والحرمان الأجر والمسؤولية التأديبية وإنهاء خدمة الموظف، بـ "الانقطاع الإرادي" الذى يرجع إلى إرادة الموظف، وأكد عدم جواز ترتيب الأثر نفسه على الانقطاع لأسباب خارجة عن الإرادة، وهو ما تنبه إليه المشرع حين قيّد سلطة جهة الإدارة في إنهاء خدمة الموظف للانقطاع عن العمل حال تقدمه بعذر مقبول خلال المدة المقررة قانونًا، بما يؤكد انصراف حكم المساءلة التأديبية وإنهاء الخدمة في حالة الانقطاع عن العمل إلى حالة الموظف المنقطع إراديًّا دون سواه، فإذا كان الانقطاع لعذر قهريّ جاز للسلطة المختصة الاعتداد بهذا العذر، فإذا قبلت هذا العذر امتنع عليها إنهاء خدمته.