تصميم: يوسف أيمن - المنصة

هل هناك ريادة فضائية للعرب أصلا؟!

منشور الأربعاء 27 يوليو 2022 - آخر تحديث الثلاثاء 20 ديسمبر 2022

قصة "رائدة الفضاء" المصرية سارة صبري والضجة حول مدى أحقية إطلاق هذا الوصف عليها من "وكالة الفضاء" المصرية، التي تصف نفسها هي الأخرى بوكالة الفضاء دون ضجة مماثلة بشأن مؤهلات التسمية، ذكرتني بآخر تقرير كتبتُه منذ ست وثلاثين سنة  لمجلة المصور المصرية كمراسلها، مجانًا، من واشنطن. 

يوم 28 يناير 1986 حدثت كارثة إنسانية لبرنامج الفضاء الأمريكي! فبمجرد إطلاق  وكالة الفضاء الأمريكية، ناسا، المكوك أو الأوتوبيس الفضائي "تشالنجر" بصاروخ دفع ضخم من قاعدة كيب كانفرال الجوية بولاية فلوريدا الأمريكية، حتى انفجر بالمكوك بعد دقائق من انطلاقه موديًا بحياة طاقمه المؤلف من سبعة أفراد!

كتبت قصتي للمصور عن الحادث وتداعياته على وقف برنامج المركبات الفضائية الذي نشط في إرسال الكثيرين إلى الفضاء حتى من غير الرواد المتخصصين astronauts. فلم تكن هذه الرحلات للوصول إلى القمر، الإنجاز الذي تحقق، بل للدوران في مسار فضائي حول الأرض لمدة نحو سبعة أيام وإطلاق أقمار صناعية تجارية أو عسكرية للاتصالات بتكليف وتعاقد مع شركات أو دول.

- [ ] حرصًا مني على إيجاد قاسم مشترك يهم قارئ مجلة المصور المصري والعربي وقتها في هذه القصة الأمريكية، أوضحتُ أيضا أن الرحلة ماتت عليها مهندسة فضاء متخصصة اسمها جوديث ريزنك، وأضفت "وهي أول رائدة فضاء يهودية حيث سافرت أول مرة في أغسطس 1984 على مكوك/ أوتوبيس الفضاء الأمريكي ديسكَڤري الذي سافر على متنه في يونيو 1985 أول رائد فضاء عربي وهو الأمير السعودي الشاب سلطان بن سلمان".

لم أكتب في الأسبوع التالي، لكنني وجدت العدد التالي من المصور بعد أيام لدى متجر بقالة عربي بواشنطن يبيع الجرائد المصرية. تصفحت العدد فإذا بالصفحة الأخيرة، المخصصة لبريد القراء، رسالة واحدة فقط بعنوان ضخم، هو رسالة رد وتصحيح للمصور من الأمير سلطان بن سلمان، أول رائد فضاء عربي! 

تستهل الرسالة بدايتها بآية قرآنية "يَٰٓا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍۢ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًۢا بِجَهَٰالَةٍۢ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نادمين". وطبعا الفاسق المقصود هنا هو "مراسلكم في واشنطن زعم أن الأمير سلطان كانت معه في الرحلة سيدة يهودية..." ومضت الرسالة تدحض سفر سموه مع السيدة اليهودية بل إن من كانت معه على الرحلة من مواليد شنغهاي..واسمها...و.."!

اتصلت هاتفيا، في مكالمة دولية مكلفة، برئيس تحرير المجلة التي لم تدفع لي حتى الآن مليمًا على رسائلي السابقة، وكنت غاضبًا. وضحت له أنه لو قرأ ما كتبته، ونشرته مجلته، لوجد الرد على تلك الرسالة "لم أقل إنه سافر معها بنفس الرحلة ولكن جمعتهما مركبة ديسكفري كعامل مشترك كأول يهودية وأول عربي ولكن في عامين مختلفين!".

هدّأ رئيس التحرير، الأستاذ مكرم محمد أحمد رحمه الله، من غضبي وقال إنه كان مسافرًا مع الرئيس مبارك وقتها وزعم أنه وبّخ مساعديه على نشر ذلك الرد دون استيضاح مني، وقال كأنهم "فرحوا" بالرسالة منه! وأكد استعداده لنشر ردي في العدد المقبل.

مع عدم وجود إنترنت وقتها، ذهبت لمكتبة الكونجرس أطالع سجلات كل من وما سافر للفضاء. وكتبت ردي بعد اقتباس ما نشرت لأوضح أنه لا لبس في ميعاد رحلتيهما، فقلت "أعتذر عن خطأ واحد أعترف بوقوعي فيه، ألا وهو وصفي الأمير الشاب بأنه كان أول 'رائد فضاء' عربي!" موضحا أنه لم يكن astronaut (رائد فضاء)، بل أول "زائر فضاء" عربي.

ليست مشكلة فتاة طموحة فرحت بالمبالغات، بل مشكلة بلد تواضعت طموحاته ولم يعد يتنافس حتى مع الخليج سوى في ارتفاع المباني، والبحث عن أفعل التفضيل ولقب أول

حرصت وكالة ناسا على وصف دوره في المهمة بـ"إخصائي الحمولة" payload specialist لتميزه عن زملائه من الرواد. وهو وصف تحرص الوكالة عليه تأدبًا لمن يركبون من غير رواد الفضاء، وغالبًا مايكون من طرف شركة أو دولة تعاقدت مع الوكالة لحمل قمر صناعي ووضعه في مدار فضائي، وبالتالي يكون الراكب هو صاحب الحمولة، أو راكب "فوق البيعة"!

وقتها كان المكوك ديسكفري يحمل قمرًا صناعيًا باسم عرب سات دفعت تكلفته الضخمة الحكومة السعودية. وكانت ذكية في التفاوض مقابل ذلك أن يسافر أحد أبناء الأسرة المالكة، على نفس المركبة لمدة أسبوع ويعود بسلامة الله.

ومن غضبي وقتها، كتبت عن كل كائن حي حملته المركبات الفضائية في أبحاثها ورحلاتها السابقة وليس البشر وحدهم! طبعا، لم تنشر المجلة دفاعي عنها وعما كتبته كمراسلها، وكان هذا آخر علاقتي بالمصور.

كان مفهومًا وقتها نشوة الإعلام العربي، وخصوصًا السعودي، الذي استهلت إحدى مجلاته الشهيرة خبر "ريادة الفضاء" للأمير سلطان بن سلمان بالآية القرآنية على غلافها "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَان". بل إن بعض الكتابات الشعبية على الإنترنت تقول حتى اليوم إن الأمير سلطان لم يكن فقط أول رائد فضاء عربي بل أول عربي يهبط على سطح القمر!

وفي حين تُعرِّف وكالة ناسا أول رائدة فضاء يهودية لديها جوديث رزنيك بأنها حصلت على البكالوريوس والماجستير بتفوق من معهد كارنيجي ميلون المرموق، ثم الدكتوراة من جامعة ميريلاند، وأنها كانت المتخصصة التقنية لرحلة ديسكڤري وللرحلة الأخيرة التي ماتت فيها بمركبة تشالنجر عام 1986، فإن الوكالة نفسها تُعرّف "رائد الفضاء" العربي الأول الأمير سلطان على رحلتها ديسكڤري عام 1985 باسمه مجردًا عن الألقاب: سلطان سلمان عبد العزيز "إخصائي حمولة"، وليس رائد فضاء، وأنه أكمل تعليمه الأساسي والثانوي، ثم تضيف "وأكمل لاحقا دراسات في الإعلام". وهي إشارة إلى دراسة الأمير الجامعية بعد سنوات لاحقة للبكالوريوس ثم الماجستير في أمريكا.

بسبب كارثة انفجار المركبة الأمريكية تشالنجر، أوقف الأمريكيون لسنتين رحلاتهم الفضائية، بل وأوقفوا لاثنتين وعشرين سنة إرسال ركاب عاديين للفضاء اقتصرت فيها الرحلات على الطواقم المتخصصة.

لكن الاتحاد السوفيتي، وفي إطار التنافس على ريادة الفضاء وقت الحرب الباردة، واصل رحلاته للفضاء بعد أيام من حادث تشالنجر. وبعد ثلاثة أشهر فقط من رحلة السعودي سلطان في يونيو 1985 ليصبح "أول رائد فضاء عربي" عن طريق أمريكا، قرر السوفييت في سبتمبر من نفس العام سفر طيار عربي آخر من دولة عربية حليفة لهم وهي سوريا.

وبالتالي، بعد تدريب لعامين، وبينما كان برنامج الرحلات الفضائية الأمريكي متوقفًا، حملت المركبة السوفيتية سويوز في شهر يوليو 1987 الطيار السوري محمد فارس مع اثنين من الرواد الروس إلى محطة مير (السلام) الفضائية.

وحرص الروس على بقاء رحلة العربي، السوري، الذي أطلقوه معهم  22 ساعة أطول من فترة الأسبوع التي قضاها العربي، السعودي، الذي أطلقه الأمريكيون معهم للفضاء قبل عامين. وعرّف الروس المسافر السوري على تلك المركبة بـ"باحث فضائي" وليس رائد فضاء كباقي رواد نفس الرحلة!

ثم بعد مرور 32 عاما، حرصت الوكالة الروسية على عدم تسمية أول إماراتي على مركبتها بوصف رائد فضاء بل "إخصائي حمولة". وهو الطيار هَزّاع المنصوري، الذي سافر على مركبة سويوز الروسية لمعمل بمحطة الفضاء الدولية المشتركة في أكتوبر 2019 لثمانية أيام.

وتصف وكالة الفضاء الأمريكية هَزّاع بـ"رائد زائر" visiting astronaut لتمييزه، بسبب تخصصه في بلده، عن المعايير الدولية لوصف "رائد فضاء". ووقعت الإمارات في أبريل الماضي على اتفاق مع شركة أكسيوم للفضاء بأن تحمل في العام القادم الرائد هَزّاع للمحطة الدولية لستة أشهر كاملة، لتكون أطول فترة لعربي في الفضاء!

بالمقارنة، ومنذ أيام فقط، لم تشعر "وكالة الفضاء" المصرية بأي حرج في وصف الشابة المجتهدة سارة صبري بأول "رائدة فضاء" مصرية بعد تدريب ومحاكاة منها لأسبوعين، لا علاقة لهما بأي مدرسة أو وكالة مصرية، على انعدام الجاذبية، وبعد كسب لوتري خيري بالصعود لثلاث دقائق خارج المجال الجوي، بالإضافة إلى ثماني دقائق صعودًا بصاروخ وهبوطًا بكبسولة محمولة بمظلة!

هذه ليست مشكلة فتاة طموحة فرحت بالمبالغات، بل مشكلة بلد تواضعت طموحاته ولم يعد يتنافس حتى مع مدن الخليج سوى في ارتفاع المباني، والبحث عن أفعل التفضيل ولقب أول. هذه عقدة ومشكلة عالم عربي بأسره يريد حتى الغنيُّ فيه بماله وسلطانه أن يختصر المسافة بالوصول للفضاء بدلًا من معرفة واستخدام تكنولوجيا الوصول للفضاء.

ما زلنا نتفاخر بإطلاق الأقمار الصناعية العربية، وآخرها القمر الصناعي نايل سات الذي سافر لفيف من المسؤولين المصريين من القاهرة وواشنطن لحضور إطلاقه من ولاية فلوريدا، ونقلوا على الهواء الحدث الجلل: قمر صناعي مصري، اسمًا واستخدامًا، لكنه أُطلقَ من قاعدة أمريكية، وبصاروخ سبيس إكس لشركة أمريكية، وصناعة فرنسية-أمريكية، ولكن الرخصة والأموال مصرية، فما الإنجاز؟! كم من تاجر يمكنه فعل ذلك، لكن بعض الشركات تفضل استئجار الترددات فهي أرخص من التفاخر الفضائي المكلف!

الخلاصة، عصر الفضاء لم نصله بعد أو نرتاده، تتساوى في ذلك سارة المصرية لـ 11 دقيقة، وسلطان السعودي لسبعة أيام وساعة، ومحمد فارس السوري لسبعة أيام و23 ساعة، وهزاع الإماراتي لثمانية أيام قبل ثلاث سنوات، ولستة أشهر مزمعة في العام المقبل، بل وكذلك قمرانا في الفضاء: عرب ونايل سات لعشرات السنين الماضية. فلا نملك معرفة ولا تكنولوجيا، ولا نتنافس ربما إلا في البث الفضائي ضد بعضنا البعض!

ويكفي أن نعرف، أن مصير ثاني رائد فضاء عربي، وهو العقيد السوري محمد فراس، كان الهروب من قمع النظام السوري واللجوء إلى تركيا منذ سنوات!

لأننا كما قال ابن بلده الشاعر السوري نزار قباني

"خلاصة القضية توجزُ في عِبارة:

لقد لبسنا قشرة الحضارة.. والروح جاهلية"!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.