اعتداء أمناء شرطة على أطباء مستشفى المطرية

مهنة الطب: مستشفيات بلا حماية وواقع بلا أمان

منشور الاثنين 16 مايو 2016

 

اجتهد عبد الحسيب رامي ليلتحق بكلية الطب، الكلية المرموقة التي يحلم الكثير من الشباب بالالتحاق بها، ولكن حسام لم يكن يتخيل أن المهنة التي كان يحلم بها ستتحول إلى نقمة عليه، عبد الحسيب الذي يعمل كطبيب امتياز بمستشفى بني سويف العام، كان يقوم بفحص مريض في المستشفى عندما فوجيء بمجموعة من الناس يقتحمون استقبال المستشفى ليضعوا جثة هامدة أمامه، كان من الواضح أن حالة القتيل منتهية لأنه تعرض لطعنات مباشرة في القلب، ولكن أهل القتيل لم يكونوا مقتنعين، قالوا: "لو الواد مات هنموتك جنبه". بجانب ألفاظ نابية وتهديد بالإيذاء البدني، يقول عبد الحسيب: "خشيت أن أصاب بأذى إذا أخبرتهم أن الشخص ميت، وقتها بصيت على الأمن لقيته بيتفرج فاضطررت لتركيب (كانيولا ومحاليل) للجثة وأخبرتهم أنه بحالة جيدة. بعدها تركت الاستقبال واختبأت من ذويه، لأنجو بحياتي، وهرول مرضى آخرون وغادروا المستشفى".

تتقاطع قصة عبد الحسيب مع زميله الطبيب حسام بسطاوي الذي يبلغ من العمر 27 عامًا، حسام الذي يعمل كطبيب مقيم (جراحة عامة) بمستشفى حلوان العام، دأب على الهروب والاختفاء من مرافقين لمرضى يحملون عصيّ وشوم ويحطمون ما تصل إليه أيديهم ويعتدون على من يصادفهم من الأطباء. 

يروي حسام للمنصة: "ليلة الثلاثاء 8 سبتمبر/أيلول الماضي استقبلت شابًا مصابًا بطلق خرطوش في الصدر، وحالته العامة صفر، ونجحت في استرجاع الوظائف الحيوية لكن تبين إصابته بنزيف داخلي، وإحنا معندناش تخصص قلب وصدر واتصلت بطواريء وزارة الصحة على مدار 4 ساعات لتوفير سيارة إسعاف وسرير بمستشفى مجهز لرعايته لكنهم لم يستجيبوا، وطلبت من أهل المريض نقله إلى مستشفى القصر العيني بسرعة لخطورة الحالة لكنهم ظنوا أننى مقصر في رعايته وضربوني واختطفوني تحت تهديد سلاح أبيض في ميكروباص مع المريض، وهددوني بالقتل إذا تدهورت حالته، ولم تستجب النجدة لاستغاثتي حتى تمكنت من الهروب منهم". لم تُحرر إدارة مستشفى حلوان العام أو وزارة الصحة محضرًا بصيغة "الاعتداء على موظف عام أثناء أداء عمله"، وخشى حسام أن يحرر محضرًا باسمه، وفقد حسام حقه في الملاحقة القضائية.

تتصاعد الأمور أكثر من ذلك في بعض الأحيان، ففي منتصف 2014، أصيب طبيب بمستشفى الدمرداش الجامعي بارتجاج في المخ وكسر بعظام الجمجمة من جراء اعتداء أهالي مريض عليه بالجنازير، بعدما أبلغهم بعدم وجود سرير بالعناية المركزة.  

رصد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال عامي 2014 - 2015 وقوع 85 حالة اعتداء على مستشفى حكومي، في 22 محافظة، أسفرت عن 53 إصابة لمقدمي الخدمات الطبية سواء كانوا أطباء أو مرضى.

خاطبت نقابة الأطباء وزارة الداخلية في ديسمبر/كانون الثاني الماضي بشأن شكاوى الأطباء من قيام بعض أقسام الشرطة بتوصيف الاعتداءات على المستشفيات باعتبارها مشاجرات، وقيام قسم الشرطة بحجز الطبيب مع المعتدين لحين عرضهم على النيابة، وطلبت منه سرعة الاستجابة لأي بلاغ من أي منشأة طبية، وتفعيل شرطة تأمين المستشفيات، ولم تجد النقابة استجابة.

تعامل الشرطة مع الاعتداء على المستشفى باعتباره مشاجرة هو ما يجعل الطبيب حسام يخشى من الإصرار على ملاحقة الجناة قضائيًا، يذكر حسام أن العشرات من زملائه تنازلوا عن الملاحقة القضائية لعدم تحرير محضر باسم المستشفى وتخوفهم من توصيف الواقعة كمشاجرة عادية قد يصاحبها احتجاز الطبيب خلال التحقيقات على ذمة القضية، هنا سيكون على الطبيب تحمل الإجراءات القضائية وحيدًا بدون دعم من المستشفى أو الوزارة. 

ذكر الدكتور أحمد شوشة عضو مجلس نقابة الأطباء للمنصة أن أزمة الاعتداء على الأطباء في المستشفيات تفاقمت عقب ثورة 25 يناير. وأضاف أن النقابة تحاول دعم الأطباء خلال مرحلة التقاضي، وظلت النقابة تخاطب وزارتي الصحة والداخلية والنيابة العامة لتأمين المستشفيات وتغليظ العقوبات ولكن لم يستجب أحد. 

وفقًا لمجلس نقابة الأطباء فعدد التعديات غير متوفر، ولكن الدكتور هاني مهنا، عضو مجلس النقابة، أشار إلى أن لجنة الإعلام بالنقابة تعمل على إعداد إحصائية لحالات الاعتداء على الأطباء منذ بداية عام 2016. 

النقابة تُصَعِّد

تكرار عدم الاستجابة جعل الأمور تسوء أكثر، وفي يناير الماضي، اعتدى 9 أمناء شرطة على أحمد السيد، طبيب مقيم (جراحة عامة)، ومؤمن عبد العظيم النائب الإداري بمستشفى المطرية التعليمي، عقب تلقيهم العلاج.

وكالعادة، قُدّم البلاغ باسمه المجني عليهما لا باسم المستشفى، وتم توصيف الواقعة باعتبارها مشاجرة عادية، واضطر الطبيبان للتنازل عن حقهما بعدما أخبرهما محقق النيابة أنه سيتم حبسهما لمدة 4 أيام على ذمة القضية مع أمناء الشرطة أصحاب الخصومة، وذلك بعدما حرر الأمناء محضرًا كيديًا ضد الطبيبين.

تورط الشرطة في الاعتداءات دفع نقابة الأطباء هذه المرة لاتخاذ خطوات تصعيدية وعقد جمعية عمومية طارئة في منتصف فبراير/شباط الماضي، وكان من ضمن القرارات الإغلاق الاضطراري لأي مستشفى يتعرض لاعتداء، وتقديم محضر باسم وزارة الصحة وتتكفل بتكلفته في حال الاعتداء على طبيب خلال أداء عمله، وتركيب كاميرات مراقبة في كافة الطرقات بجميع المستشفيات، ومنع دخول أى شخص يحمل سلاح.

ولكن تصعيد النقابة لم يوقف التعديات على المستشفيات، ففي أبريل/نيسان الماضي، تعرض الطبيب الشاب كريم محمد للاعتداء من قبل 4 أفراد مرافقين لمريض، ونتج عنه فقدانه للوعي لمدة يومين، خرج كريم من العناية المركزة ليتابع سير التحقيقات ليكتشف أن البلاغ مقدم باسمه أيضًا وليس باسم وزارة الصحة.

أوضح الدكتور أحمد شوشة أن مديري المستشفيات لم يستجيبوا لقرار النقابة بأن يُحرر محضر التعدى على الأطباء باسم وزارة الصحة ولا يزال يتم تحرير محاضر التعدي باسم الأطباء مما يعرضهم للضغوط والمتاعب وقد يضطر بعضهم للتنازل عن حقه لافتًا لاستمرار ظاهرة التعدي على الأطباء خلال أداء عملهم رغم القرارات التصعيدية التى أقرتها النقابة.

ولكن في المقابل أوضح الدكتور إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء للمنصة مردود الخطوات التصعيدية التي طبقتها النقابة في سرعة استجابة وزارة الداخلية لنداءات أطباء تعرضوا للاعتداء، وتفاعل بعض إدارات المستشفيات مع قرار النقابة بتحرير المحضر باسم إدارة المستشفى وليس الطبيب، بالإضافة لتوجيه النيابة العامة تهم استعمال القوة والاحتجاز بدون وجه حق والاعتداء على موظف عام لأمناء شرطة اعتدوا على أطباء بمستشفى المطرية نهاية يناير الماضي، هذا الأمر الذي قد تصل عقوبته إلى سنتين وفقًا لقانون العقوبات.

وأضاف الدكتور إيهاب الطاهر  أن هناك نية لعقد اجتماع طاريء للجمعية العمومية بدار الحكمة الفترة المقبلة للتصويت ومناقشة الخيارات الآتية: الإضراب الجزئي، الاعتصام وتنظيم مسيرات لمقر مجلس الوزراء، تقديم استقالات جماعية مسببة، والمطالبة بتأمين شرطي فعلي للمستشفيات بدلًا من التأمين الصوري الحالي لعدد كبير من المستشفيات، وتضمين قانون العقوبات المصري مادة تشدد عقوبة الاعتداء على المستشفيات والأطقم الطبية (الأطباء، التمريض، الأمن الإداري)، وتركيب كاميرات مراقبة بالمستشفيات لتوثيق أي حالة اعتداء ضد المستشفى.   

يحلم الطبيبان عبد الحسيب وحسام وكريم وغيرهما من الأطباء بالأمن خلال أداء عملهم بالمستشفيات، ويأملأن أن يعودا لمنزليهما على أقدامهما، يؤكد الأطباء على قصور الإمكانيات في المستشفيات ويئنون منها مثل المرضى ويطالبون وزير الصحة بزيادة ميزانية الوزارة للإنفاق على تطوير المستشفيات، ويأملون قبل كل شيء أن يمارسوا المهنة التي طالما حلموا بها بدون إحساس بالقهر أو الخطر.