تصميم: أحمد بلال - المنصة
الناشط الجزائري حمزة حموشان

حوار مع حمزة حموشان: قمم المناخ جزء من المشكلة لا الحل

منشور الاثنين 14 نوفمبر 2022

قبل أيام من انطلاق قمة المناخ COP27، أصدرت مجموعة من الباحثين المستقلين كتابًا بعنوان "آبار قديمة واستعمار جديد" يتحدى الخطاب السائد عن التحول الأخضر. يطرح الكتاب، الذي حرره حمزة حموشان وكايتي ساندويل وصدر عن دار صفافة، رؤية تُحمِّل النظام الرأسمالي مسؤولية التلوث، فهو الذي يدير عملية تنظيف البيئة ولكن بطريقة تحافظ على سيطرته على الموارد الطبيعية، وتطيح بحقوق الفئات المهمشة.

في هذا الحوار الذي أُجري بالفيديو من القاهرة، تناقش المنصة مع حمزة حموشان، الناشط الجزائري المقيم في لندن وأحد مؤلفي الكتاب ومؤسس جمعية العدالة البيئية بشمال إفريقيا، أبرز الأفكار التي يطرحها الكتاب، وتقييمه لـCOP27، والتي يرى أنها تمثل فرصة للشركات الملوثة لكي تغسل سمعتها "غسيلًا أخضر".

- بداية ما الذي يعنيه الكتاب بـ "آبار قديمة واستعمار جديد"؟

يتناول الكتاب مسألة الانتقال الطاقي في شمال إفريقيا والمنطقة العربية عمومًا من نظام مبني على الطاقات الأحفورية، لذلك قلنا "آبارًا قديمة"، إلى نظام جديد يرتكز على استعمال الطاقات المتجددة. وحاليًا في العالم هناك توجه عالمي أو على الأقل خطاب عالمي حول هذا "الانتقال الأخضر"، أو الانتقال نحو طاقات مستدامة.

ولكن في نفس الوقت، حين نتكلم عن هذا الانتقال نطرح أسئلة جوهرية حول طبيعته، القوى التي وراءه والتي تدفعه، ومن هم المنتفعون ومن هم المتضررون؟ نحن بصدد رؤية نفس النظام الرأسمالي يعيد إنتاج نفسه ولكن هذه المرة بواجهة خضراء.

نحن نرى نفس السياسات الاستعمارية الجديدة لنهب الثروات والموارد والاستحواذ على الأراضي، ونفس السياسات الاستخراجية تعيد إنتاج نفسها ولكن باسم الانتقال الأخضر.

رأينا أن المؤسسات المالية الدولية والنيوليبرالية تهيمن على معظم الكتابات حول التغيرات المناخية وحول الانتقال الطاقي. وهذه الرؤية منحازه لذوي المال والسلطة، ولا تتعاطى مع مسائل الطبقية، الجندر، العرق، السلطة، والتاريخ الاستعماري.

هذه المؤسسات تركز على اقتصاد السوق وتأتي من أعلى إلى أسفل، ولا تتطرق لحل الأسباب الجذرية لأزمات المناخ والبيئة والغذاء والطاقة، ورؤاها المستقبلية مبنية على الربح الخاص، وخصخصة الطاقة، وخصخصة الموارد الطبيعية، وخصصة الغذاء، وحتى الغلاف الجوي.

والكتاب هو محاولة متواضعة لتغيير هذا الوضع، وهو سلسلة من عدة مقالات من عدة بلدان في شمال إفريقيا تتناول حالات عديدة من الانتقال الطاقي، وتركز على كيفيه جعل هذا الانتقال عملية منصفة وعادلة.

- بالنظر إلى أننا نشهد قمة المناخ في الوقت الراهن، الكتاب يتحدث عن أن القوى الرأسمالية الكبرى تروج "حلولًا كاذبة"، هل ممكن أن تعطينا أمثلة على ذلك؟

عندما نتكلم عن قمة المناخ هي COP27 أي أكثر من 27 سنة وهم يتحدثون. كل عام يلتقي القادة السياسيون ومستشاريهم ووسائل الإعلام ولوبيات الشركات، بما فيها شركات الوقود الأحفوري، تشارك في تلك القمم المناخية.

ورغم زيادة الخطر على الحياة في الكوكب، تلك النخب السياسية العالمية ما زالت تسمح بتصاعد الانبعاثات الكربونية و بتفاقم الأزمة المناخية. الناشطة السويدية جريتا سونبيرج قالتها بعد 30 سنة من "بلا بلا بلا بلا" كلام وكلام. أنا في رأيي أن تلك المحادثات المناخية مفلسة وقد فشلت، وبسطت الشركات متعددة الجنسيات نفوذها عليها.

الحلول الزائفة/false solutions مبنية على ميكانيزمات السوق. هناك إيمان كبير من هذه النخب وهذه الشركات بأن السوق وحده يحل أزمة المناخ، ولذلك يقترحون مثلًا تجارة الكربون. هناك كذلك الصفر الصافي أو ما نسميه بالانجليزية net zero الحلول المستندة للطبيعة أو nature-based solution يقترحون كذلك زراعة الوقود الحيوي اكروفيولز.

هذه الحلول المبنية على اقتصاد السوق، أو ما يسمى الاقتصاد الأخضر أو الرأسمالية الخضراء، لم تحد تمامًا من انبعاثات الغازات الكربونة. نرى تلك الانبعاثات تزداد ولا تنقص. وهذا معناه أن هذه الحلول زائفة، ووضعت فقط من قبل تلك الشركات الأحفورية لكي تواصل عملياتها وتحقيق أرباحها، ولكي تحقق أطراف أخرى المزيد من الأرباح.

دعيني فقط أعطي مثالًا على تجاره الكربون، والتي تعني أنه بدلًا من وضع حدود أو إجبار الشركات متعددة الجنسيات أو الدول الصناعية على التقليل من انبعاثاتها بطريقة مباشرة، تقول مثلًا الملوث في بريطانيا مثل شركة BP يمكنه مواصلة استخراج البترول والغاز ومواصلة الانبعاثات الدفيئة، ولكن في نفس الوقت تدفع بعض الفلوس لمبادرات في بلدان الجنوب، مثل في مصر مثلًا، لزراعة بعض الأشجار.

ويساوون بين العمليتين، مواصلة الانبعاثات والأشجار قائلين أن الاشجار ستمتص تلك الانبعاثات، وهذا علميًا غير صحيح. بطريقة أو بأخرى الانبعاثات تتواصل والشركات تواصل أرباحها وعملياتها.

الشعوب الأصلية تُجرَّد من أراضيها من أجل مشاريع الحفاظ على البيئة، وهناك مجتمعات تنزع منها أراضيها من أجل زراعة الوقود الحيوي

بهذه الطريقة أرى أن قمة المناخ جزء من المشكلة. مثلًا COP26 التي أقيمت في جلاسكو في اسكتلندا، أكبر وفد بالعدد كان وفد الشركات الأحفورية، كان أكبر بكثير من وفد الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه اللوبيات تضع أموالًا كثيرة للتأثير على صناع القرار وكذلك للحفاظ على مصالحها. 

مؤتمر المناخ في أزمة كبيرة حاليًا لأن الوضع العالمي يواجه ظروفًا جيوسياسية كبيرة وخاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا. ما يجعل القوى الكبرى لا تقبل التفاوض لحل أزمة الانبعاثات الكربونية بطريقة جدية. نرى على العكس إدمانًا متواصلًا من الاتحاد الأوروبي للوقود الأحفوري، والدول الأوربية حاليًا تذهب لعدة بلدان، بما فيها الجزائر ومصر وأذربيجان، لتحصل منها على الغاز. 

 أنا أرى أن COP هو فرصة للـ green washing أو ما يسمى بالعربية الغسيل الأخضر. بعض النخب السياسية أو القادة السياسيين أو الشركات الملوثة تأتي وتقول إنها ستستثمر في الطاقات المتجددة، تزرع أشجارًا هنا وفي نفس الوقت تواصل عمليات الاستخراج، تواصل نفس التدمير، لذا فهو استمرار لنفس النظام ولكن بواجهة خضراء.

- يطرح الكتاب تصورًا عن أن الحلول البيئية التي تطرحها النيوليبرالية هي نوع من الاستعمار الجديد، ما الذي يعنيه ذلك؟

عملية الانتقال الحالية للطاقة المتجددة (..) ترتكز كثيرًا على بلدان الشمال، ولكن مبنية على استخراج متواصل لمعادن أساسية ونادرة كـ الليثيوم والنحاس والكوبالت والجرافيت. من أين تأتي هذه الموارد الطبيعية؟ معظمها سيأتي من بوليفيا، من تشيلي، من بيرو، من المغرب، من الكونغو. أي ستتواصل نفس السياسات التدميرية للبيئة ونفس الممارسات الاستغلالية للعمال. وفي نفس الوقت يريدون أن يحافظوا على نفس أنماط الاستهلاك ونفس أنماط الإنتاج المفرطة في استهلاك الطاقة.

مثلًا الشعوب الأصلية تُجرّد من أراضيها من أجل مشاريع الحفاظ على البيئة، أو تلك المجتمعات التي تنزع منها أراضيها من أجل زراعة الوقود الحيوي، أو تلك المجتمعات الرعوية التي تُبنى على أراضيها مشاريع طاقة شمسية أو ريحية، بدون أن تشارك في تلك القرارات.

هذه الممارسات التي نراها مثلًا في المغرب في مشروع ورزازات الذي أطلق في 2016، قبل قمة المناخ التي عقدت في مراكش، وهو مشروع بُني على 3000 هكتار من الأراضي الرعوية بدون استشارة تلك المجتمعات.

بناء هذا المشروع تطلب 9 مليارات دولار من ديون إضافية على المغرب، وهو بلد عنده ديون كبيرة جدًا. وحين تدقق في تفاصيل المشروع والتكنولوجيا المستعملة، يستعملون تكنولوجيا اسمها concentrated solar power/ الطاقة الشمسية المركزة. هذه  تستلزم كميات هائلة من المياه لتبريد النظام وغسل الألواح الشمسية، وورزازات منطقة شبه جافة. إن توجيه المياه من الشرب والزراعة نحو ذلك المشروع ليس مستدامًا كما يقولون . 

الانتقال الطاقي يبدو أولوية عندما نتحدث عن الأزمة المناخية وخاصة في بلدان الجنوب أو البلدان النامية. ولكن بلدان الشمال والبلدان الغربية أو الشركات، وهي تحاول أن تتحول إلى الطاقات المتجددة، تفعل ذلك على حساب شعوب وبلدان الجنوب. لذلك إن لم نتطرق لهذه المسألة كقوى تقدمية وحركات بيئية وحركات عمالية سيكون هناك استعمار جديد واستعمار أخضر، وسيتم الاستيلاء على ثرواتنا بما فيها الشمس والطاقة الرياحية والهيدروجين الأخضر. 

- تستخدمون مصطلح الانتقال الطاقي العادل للحديث عن كيفية التحول إلى طاقات أكثر استدامة ولكن بطريقة عادلة، ممكن أن تشرح لنا أكثر عن هذا المفهوم؟

أجندات الانتقال الطاقي كلها تأتي بالضغوطات من الخارج. من الاتحاد الأوروبي، من شركات أوروبية تدفع لتلك المشاريع. مثلًا هناك مشروع دفعه رجل أعمال بريطاني بالشراكة مع شركة أكوابور السعودية اسمه إكس لينكس، وهو مشروع عملاق يريدون بناء محطات شمسية ومحطات رياح كبيرة في جنوب المغرب وتصدير الكهرباء الخضراء التي تأتي من الطاقات المتجددة عبر كابلات تحت مياه البحر نحو بريطانيا.

هذه مشاريع ستأخذ مساحات كبيرة من الأراضي، ويستعملون نفس الخطاب الاستعماري القديم حول البيئة والصحراء الشاسعة الخالية التي يمكن استعمالها وهذا غير صحيح. معظم الأراضي لها استعمال وخاصة من الشعوب الرعوية في تلك المناطق جنوب المغرب.

أما بخصوص الانتقال العادل، هو مفهوم بدأ في سبعينات القرن الماضي في الولايات المتحدة، وقام على نشاط الحركات العمالية ضد الصناعات الملوثة، واكتسب شعبية وانتقل إلى مناطق كثيرة مثل أمريكا اللاتنية وجنوب إفريقيا، وكان إطارًا موحدًا للنضالات ضد النظام الرأسمالي الذي يدمر الكوكب ويستغل العمال ويُحمّل الفئات المهمشة بالتكاليف البيئية.

أصبح واضحًا أن النظام الحالي يدمر الأسس البيئية والاجتماعية للحياة، وأنا في رأيي أنه سينهار لا محالة،  ولكن حين نتكلم عن الانتقال إلى حلول بيئية أكثر استدامة يجب أن يكون هذا الانتقال عادلًا.