بإذن خاص للمنصة
الكاتبة نورا ناجي

مع نورا ناجي| عن الكتابة والترجمة والجوائز

منشور الخميس 8 يونيو 2023

نورا ناجي كاتبة شابة، تنتمي لمدرسة الكتابة الذاتية، تعيد صياغة همومها في نصوص أدبية تعيد تشكيل العالم وفقًا لما تراه، تهتم بالتفاصيل التي تساعدها على نسج حكاياتها التي تتنوع بين القصة والرواية.

تدور كتابتها حول النساء بشكل أساسي، حيواتهن، ومن يسيطر على قرارتهن وما يتعرضن له كل يوم. واقعية ولكن دون جرعات كبيرة من السوداوية. نساء لا ينتظرن منقذ في النهاية، وغالبًا يساعد بعضهن البعض. حتى في كتابها الوحيد غير الخيالي الكاتبات والوحدة، كتبت عمّا تعانيه الكاتبات من تضييق مجتمعي وسياسي. 

نشرت خلال عشرة سنوات سبعة كتب، وترجمت ثلاثة، وحازت مؤخرًا على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، فرع السرد القصصي والروائي، عن مجموعتها القصصية مثل الأفلام الساذجة، وسبق لها الحصول على جائزة يحيى حقي عن روايتها أطياف كاميليا، ووصلت للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس بروايتها بنات الباشا التي وقعت حديثًا عقد تحويلها لفيلم سينمائي.

مثل الأفلام الساذجة

الملفت أن المجموعة الفائزة هي المجموعة القصصية الوحيدة لنورا، وكانت إحدى مخرجات ورشة للكتابة أدارها الكاتب عادل عصمت، واستلزمت من ناجي كتابة قصة كل أسبوع لمدة عامين تقريبًا، وهي التي تتحدث دائمًا عن إخلاصها للرواية، ما يثير سؤالًا عن اهتمامها بالقصة القصيرة وجدوى انضمامها إلى ورشة إبداعية تعليمية رغم تحققها ككاتبة.

تبرر نورا للمنصة "أحب أن أتعلم كل أشكال الكتابة. الكاتب يجب أن يكون متعلم دائم، لا يكتفي بما يعرفه. القصة تحديدًا تعطيني لحظات من التركيز والتأمل في مشاهد بعينها، ولا أعارض تدوير أفكاري أحيانًا، بأن أتناولها في قصة، ثم أجد لها مساحة أكبر في رواية. بعد أن انتهينا من الورشة وجدت عندي حصيلة من قصص أرضتني كقارئة قبل أن أكون كاتبة، ووجدت بينهم رابط وهو تكثيف كل قصة لشعورٍ معين. وفي الوقت نفسه كنت أعمل على روايتي أطياف كاميليا".

وتضيف "أكتب كل الأنواع الأدبية، حاليًا أكتب قصة قصيرة وفي حال تكونت لدي مجموعة جديدة سأقدمها للنشر. كما أن مشروعي القادم كتاب غير خيالي. لدي شجاعة للتجريب في كل المجالات حتى المسرح، فأنا أعتقد أن لا حدود للأديب".

 يجب أن يتحدث الكاتب عن همه الشخصي الذي يشغله فهذا أكثر صدقًا

تثير إجابة نورا سؤالًا وجوديًا هو لماذا نكتب؟ والمفارقة أن ذلك هو السؤال الذي تلقيه نفسها على من يطلب منها نصيحة في الكتابة أو إرشادًا أثناء عمله على مشروعه "يجب أن يكون لدى الكاتب دافعًا قويًا يعينه على الاستمرار نظرًا لما تتطلبه الكتابة من جهد ووقت". 

تكتب نورا، حسب قولها، لتجد ما تستيقظ له كل صباح، لتعيش للأبد. تشبه في دوافعها كاتبات، مثل لطيفة الزيات التي أشارت في بداية مذكراتها أوراق شخصية إلى أنها تكتب لتدفع الموت عنها، ورضوى عاشور التي ترى الكتابة فعل مقاوم للموت حسب كتابها صيادو الذاكرة

ثمة أوصاف أخرى تضيفها صاحبة أطياف كاميليا إلى شخصية الكاتب الشغوف بالكتابة، مثل أن يكون مغامرًا وشجاعًا، لديه فضول تجاه الأحداث العامة، والأحداث العادية. يتوقف أمام ما لا يتوقف أمامه الآخرون. تؤمن نورا أن الكاتب يجب أن يتحدث عن همه الشخصي الذي يشغله فهذا أكثر صدقًا. ذلك كله يعيدنا إلى السؤال السابق. إن كان الكاتب يكتب ليعيش، فكيف يملي عليه أحدهم عبر ورش الكتابة طريقته الخاصة لمناهضة الموت؟

الثورة والحواس

غلاف سنوات الجري في المكان

في روايتها الأحدث سنوات الجري في المكان تجمع نورا بين الذاتية والرغبة في العيش، عبر إنتاج نص يمكن عدّه تخليدًا لجيل الثورة، وتوثيقًا لأحداثها.  تقول "هذه الرواية كانت تحد كبير بالنسبة لي، سواء في طريقة صياغتها أو سردها. أمضيت وقتًا طويلًا جدًا في الكتابة والتحرير دون كلل أو ملل".

استغرقت الرواية التي تقع في خمسة فصول، وتصنف نقديًا كرواية أصوات، عامين تقريبًا لإنجازها. وصاغتها الكاتبة وفق بناء تتغير نبرته كل فصل تبعًا لراويه المتغير، الذي تمهد له بآخر ثانوي، مثل عتبة تصف صوت أو لون أو طعم أو رائحة أو ملمس. نتعرف على الشخصية من خلال وظيفتها الفنية أو موهبتها، فصل يدور عن الفن التشكيلي، وثان عن المسرح، وآخر عن الرواية.

تقول نورا "التجريب جاء في هذه الرواية مصادفةً، أردت أن أكتب عن الحواس والفنانين والثورة. وأنا أميل للتجريب في معظم أعمالي، وأحب تغيير الراوي، أو كتابة البورتريهات. السرد الكلاسيكي لم يكن ليناسب سنوات الجري في المكان، فهي رواية عن فنانين يكتشفون فقدان حواسهم الخمسة. ولا أبالغ إن قلت أنني ظللت لليالٍ لا أنام لأني أفكر في الشكل الذي يجب أن تكتب عليه هذه الرواية".

وتضيف "أشعر أحيانًا بأن لدي مشكلة مع حاسة اللمس. كأني لا أستطيع أن أستشعر الأسطح بالشكل المفهوم. كأن هناك خدر ما. راقبت أصدقائي ومحيطي ووجدت أن غالبًا كل فنان لديه معضلة مع حاسة ما. شغلني الأمر وأردت أن أكتب رواية عن الحواس عند الفنانين، وأيضًا عن الثورة التي شغلتني وكونت وجداني ووجدان جيلي وأجيال أصغر".

ورغم استخدام صاحبة مثل الأفلام الساذجة مفردة التجريب لوصف البناء الروائي لعملها الأحدث، فإن تعدد الأصوات أسلوب دارج في الرواية العربية والعالمية على السواء، وسبق واعتمدته نورا نفسها في روايتيها السابقتين بنات الباشا وأطياف كاميليا، مما يجعل سنوات الجري في المكان العمل الثالث الذي تستخدم فيه تلك التقنية ما قد يصمها بالتكرار.

لكنها ترى أن أسلوب الكتابة من التفضيلات الشخصية للكاتب،"أميل لتعدد الرواة لأنه يعطي مساحة للصورة الأكبر، فالحقيقة لا تروى من جانب واحد، وكل شخص له مبرراته". 

نورا مع كتب الأطفال المترجمة

أين يعيش الأطفال

تتمتع كتابات نورا، التي تمارس الترجمة الأدبية أيضًا، بحساسية خاصة. لذلك لم يكن غريبًا أن يأتي أول أعمالها المترجمة في أدب الأطفال،حيث صدر لها عن دار الشروق ترجمتين بعنوان هل يمكننا حقًا مساعدة النحل؟، وهل يمكننا حقا مساعدة الأشجار؟

لكن هل ينعكس ذلك الاهتمام على الترجمة فقط أو يتسع لكتابة نص موجه للأطفال أيضًا، تقول "يوجد كتاب قيد النشر للأطفال من عمر 7-9 سنوات اسمه أين يعيش الأطفال؟، رسوم حسن الحلوجي. لكن نشر الكتاب لازال يواجه صعوبات نظرًا لأزمة الورق والطباعة". 

يتعرض أدب الأطفال في العالم العربي من حيث فرص النشر إلى نوع من التهميش والخوف من المخاطرة بمواضيع مختلفة نظرًا لتكلفة طباعة كتب الأطفال. فتُفضّل دور النشر الالتزام بترجمة الكتب التي أثبتت نجاحها. ويبقى أدب الأطفال لدينا مستوردًا ولا يعبر كثيرًا عن الطفل المصري والعربي. 

تُعلق نورا "هناك سياسة خاطئة في كتب الأطفال في مصر وهي اعتقاد أنه يجب تقديم الحياة الوردية فقط. وهذا عكس ما يقدم أصلًا في الخارج للأطفال. يجب أن نتكلم عما يعاني منه الأطفال بالفعل. هناك سلاسل كاملة للأطفال تتحدث عن المشاعر والهموم والمخاوف وتترجم للعربية. قصتي "أين يعيش الأطفال" ترددت أكثر من دار في نشرها لأنها تدور عن طفلة في مشفى تحاول التخلص من سيطرة المشفى عليها  بقوة سحرية، ما تجعلها تزور أماكن أخرى. في حين أن هذه القصة هي واقع لأطفال كثيرين، ومعظم الأطفال اختبروا الشعور وقت العزل خلال جائحة كورونا. إن دققنا النظر حتى في الكتابات القديمة للأطفال فإن العالم ليس ورديًا، في كليلة ودمنة على سبيل المثال يأكل الأسد الغزال".

وفضلًا عن الترجمتين المشار إليهما، صدر لنورا هذا العام أيضًا رواية ما يذكرني بك للكاتبة كولن هوفر، وربما يكون ذلك نشاط ملفت لكاتبة لا تتعيش مباشرة من الكتابة والنشر ، وتعتمد على مهنة الصحافة والإعداد التليفزيوني كمصدر للرزق.

لكن نورا ترى في الترجمة ما يحفز على الالتزام "الترجمة تشعر الكاتب بالإنجاز. إذ يرى المترجم عملًا كاملًا منجزًا أمام ناظريه خلال عدة أشهر. كما أن ترجمة الروايات مجزية ماديًا ولا أحد ينكر ذلك. الترجمة للأطفال على الصعيد الآخر ليست مجزية ماديًا إلا أنها ممتعة، وتنتهي سريعًا نظرًا لعدد الكلمات، وفي النهاية تشكل مشروعًا كاملًا، يشجع الكاتب على الاستمرار".

وتضيف "الترجمة مفيدة في فترات التوقف عن الكتابة، حتى لا يشعر الكاتب أنه سقط في كبوة، كما أنها تربطه بالأدب والبحث، وتفتح مداركه على عوالم وأساليب مختلفة في الكتابة".

ما بين الترجمة والكتابة، تسعى نورا للتعبير عن همومها وما يشغلها، لتصبح الكتب رفيقتها الدائمة، تحملها معها أينما ذهبت، وكأنها عنوانًا عاكسًا لما تحبه وما تؤمن به، وما ترغب في أن تعيشه. تصنع منها وبها عالمها الذي تريد العيش من خلاله إلى الأبد.