على مدى العقدين الماضيين، تنافس قطبا الكرة المصرية الأهلي والزمالك بشكل خاص، على جلب لاعبين محترفين من أصحاب البشرة السمراء تحديدًا، بهدف تعزيز قدراتهم على المنافسة المحلية والقارية، إلا أن هذا السباق المحموم المصحوب بجدل إعلامي ينتهي عادة بفشل ذريع، ليرحلوا سريعًا بلا بصمات فنية تتذكرها الجماهير، باستثناءات قليلة.
الرغبة في جلب لاعبين محترفين كبدت خزائن الناديين الكبيرين ملايين الدولارات في السنوات الماضية، وسط حضور قوي للعمولات التي تلعب دورًا خفيًا في إنهاء الصفقات وتضخيمها في آن، وقت تنجح أندية أقل شهرة في انتداب لاعبين أفضل بأسعار زهيدة.
ففي العام الذي تعاقد فيه الأهلي مع البرازيلي برونو سافيو من بوليفار البوليفي، بقيمة 1.5 مليون دولار، ضم نادي أسوان، ممثل الصعيد في الدوري الممتاز، لاعبًا مغربيًا سبق له اللعب في دوري أبطال أوروبا، هو أحمد بلحاج، مجانًا، سجل ثلاثة أهداف وصنع سبعة خلال الدور الأول، بينما لم يسهم البرازيلي سوى في أربعة أهداف لفريقه.
هذا الموسم أيضًا انتدب الزمالك ثلاثة لاعبين أفارقة، كان من بينهم المغربي زكريا الواردي، الذي رحل عن الفريق بعد ثلاثة أشهر من انضمامه للنادي الأبيض، لضعف مردوده الفني وعدم قدرته على تحمل الضغوط الجماهيرية، فيما لم يسجل البنيني سامسون أكينيولا الذي تعاقد مع النادي مقابل مليون دولار، سوى هدف وحيد، ولم يشارك الثالث إبراهيما نداي أغلب فترات الدور الأول لمثوله لفترة علاج طويلة.
"ابحث عن العمولة"
في رأي عادل عبد الرحمن، أحد نجوم الأهلي في التسعينيات، فإن السياسات التعاقدية داخل الأندية التي يغلفها البحث عن العمولة هي السبب الرئيسي في عدم جلب أندية القمة محترفين أجانب مميزين.
يفسر عبد الرحمن في حديثه للمنصة أن الكثير من الصفقات التي أتت للدوري المصري في العقدين الماضيين على الأقل لم تخل من بصمة السمسرة، لذلك ترتفع بورصة اللاعبين الأجانب بشكل مبالغ في مصر، بينما لا يقدم غالبيتهم المردود الإيجابي، لضعف مستواهم الفني، وعدم تأقلمهم على الدوري المصري.
"جبت لعيبة برازيليين راحوا الدوري السعودي بـ30 ألف دولار واتسوقوا في مصر بـ3 مليون دولار. الفساد بيسيطر على الاختيارات، والأندية بتتعمد تجيب لاعبين فاشلين لتدويرهم وزيادة نسب العمولة في كل مرة" هنا يتحدث عبد الرحمن عن تجربته في الدوري السعودي مع أندية الباطن والشباب والاتحاد مقارنة بالدوري المصري.
يكشف وكيل لاعبين تحدث إلينا أن الموزمبيقي لويس ميكيسوني لاعب الأهلي المعار حاليًا إلى أبها السعودي، كانت قيمة عقده لا تجاوز النصف مليون دولار، وبإمكان أي ناد التعاقد معه بدفع الشرط الجزائي المقدر بـ600 ألف دولار، غير أن الأهلي أتم التعاقد معه بمبلغ يقترب من مليون دولار.
من المسؤول؟
يلقي محمد عبد الواحد، أحد النجوم السابقين لنادي الزمالك، المسؤولية على مسؤولي التعاقدات داخل الفرق الرياضية، سواء كان مدير التعاقدات أو مدير الكرة أو المدير الفني، ومن بعدهم وكلاء اللاعبين الذين باتوا الحلقة الأقوى في هذا الملف خلال السنوات الفائتة.
يعزو عبد الواحد، وهو أيضًا المدرب العام الحالي لفريق وادي دجلة، في الدرجة الثانية، فشل الانتدابات إلى ما وصفه باستسهال الإدارات في ملف التعاقدات، والاعتماد بشكل كلي على عين وكيل اللاعبين في ترشحياته للاعبين.
"الوكيل دايمًا بيدور على مصلحته الأول، يجيبلك لاعب مغمور على إنه لاعب واعد، ويبيع للإدارة الوهم من خلال مجموعة فيديوهات" يواصل عبدالواحد في حديثه للمنصة.
يلفت عبد الواحد إلى أن المحترفين الجيدين دائمًا ما يبحثون عن فرصة في أوروبا ومن يفشل في الالتحاق بأي نادٍ أوروبي يبدأ رحلة البحث عن فرصة بنادٍ في شمال إفريقيا، لذا لا يأتي إلينا الفرز الأول أو الثاني في بعض الأحيان.
يعتمد اختيار اللاعبين الأفارقة في وادي دجلة على سبيل المثل على فريق كشافين، يتابع اللاعبين لفترات ويحضرهم إلى النادي للاختبار لفترة لا تقل عن الأسبوعين وتصل إلى الشهر قبل الاستقرار على تسجيله بصفوف النادي، بينما في أندية القمة لا يوجد متسع من الوقت للاختبار، ويتم الحكم وفقًا لأرقام اللاعب في المواسم السابقة والمهارات التي يبلورها الوكيل في فيدويوهات اللاعب، وفقًا لعبد الواحد.
إلى جانب ذلك، تنقب الأندية الصغيرة في دوريات مغمورة وأكاديميات متخصصة، بينما لا يكلف مديرو التعاقدات في أندية القمة عناء التنقيب والاعتماد على مجموعة من الوكلاء المعتمدين لديهم، ما يحرم النادي من فرص الحصول على لاعبين جيدين بسعر مناسب.
كون كثير من الأندية لا تتبع مجموعة مستثمرين تراجع القرارات المالية التي تتخذها الإدارة، يفتح بابًا واسعًا لإهدار الموارد، بحسب عبد الواحد "كمان في صفقات تُعقد في الخفاء بين المدربين والوكلاء، بهدف المجاملات".
صفقات الفيديو لا تصنع نجومًا
عيد مرازيق، المدرب السابق لفريق مصر للمقاصة، ينتقد الاتكال على الفيديو في اختيار اللاعبين ويعتبر ذلك غير احترافي، حيث تلجأ الفرق الأوروبية عادة إلى مراقبة اللاعبين الذين تخطط لانتدابهم لفترة لا تقل عن ستة أشهر، للتأكد من قابليته للتطور ضمن منظومة الفريق، وهو النظام الذي لمسه المدرب المصري خلال فترة معايشته في نادي ليفربول الإنجليزي رفقة المدرب الألماني يورجن كلوب.
يضع مرازيق الذي اعتاد الانتقال بين فرق الدرجة الثانية وله تجربة وحيدة في الممتاز مع فريق مصر للمقاصة، الكرة في ملعب المدير الفني، كونه صاحب اليد العليا في اختيار الصفقات الجديدة، ومع وجود نسبة كبيرة من الأجانب قليلي الموهبة في صفوف الدوري الممتاز وتحديدًا الأندية الكبيرة، هذا يعني أن المدرب سمح بفرض الإدارة لرؤيتها بخصوص هؤلاء اللاعبين.
اضطر مرازيق خلال قيادته للمقاصة العام الماضي إلى الاستغناء عن لاعبين أجانب لا يصلحون لتمثيل النادي، وهو ما يثبت فشل سياسة النادي في انتدابهم، بينما لم يسعفه الحظ لاختيار آخرين أصحاب جودة عالية تناسب إمكانيات النادي.
ليس شرطًا أن ينجح أهل القمة دائمًا في انتداب صفقات جيدة. يشير مرازيق إلى أن الدرجة الثانية مصنع النجوم ووجهة كثيرين من اللاعبين مثل إيرك تراروي لاعب بيراميدز المعار إلى إنبي، قضى فترة في نادي أسوان قبل انتقاله إلى المقاصة، الذي قدم اللاعب بصورة جيدة جعلته محط أنظار أندية القمة قبل أن يظفر به بيراميدز في النهاية.
مصر ليست جاذبة للفرز الأول أو الثاني
على الجانب الآخر، يشير وكيل اللاعبين أحمد بحراوي إلى أن الدوري المصري غير جاذب بطبعه لصفوة غرب ووسط إفريقيا، الذين باتوا يقصدون أوروبا مباشرة، بعد سطوع نجم الكثير منهم في الآونة الأخيرة، ويتم ذلك بواسطة كشافين يراقبون الأكاديميات المهتمة باكتشاف وتسويق النجوم، بينما يفضل اللاعبون الأقل جودة الاحتراف في الدوريات المغاربية لتسهيل عملية انتقالهم إلى أوروبا أو الدوريات الخليجية، باعتبارها مرآة جيدة لهؤلاء اللاعبين.
يعزو بحراوي نجاح الدوريات المغاربية في استقطاب لاعبين أفارقة يافعين بأسعار زهيدة إلى وجود نظام رياضي لا يتسم بالعشوائية كما هو الحال في مصر، بالإضافة إلى دور الكشافين المغاربة في اختراق الدوريات الفقيرة وهو المنبع لأندية كبيرة تشارك في البطولات القارية مثل الترجي والنجم والصفاقسي التونسيين والوداد والرجاء المغربيين.
ينتقد بحراوي كذلك عدم تمتع مدربين كثر بالرؤية الفنية الكافية لاختيار لاعبين أجانب صغار السن، ما حرم الأندية من التعاقد مع لاعبين صنعوا أسماءهم في دوريات كبيرة، مثلًا أنه رشَّح من قبل لاعبًا غينيًا يافعًا يدعى مومو ياساني يلعب حاليًا في صفوف نادي شريف المولدوفي، لكنه لم يحظَ بإعجاب المدربين الفنيين في مصر، إلى جانب لاعب مالي آخر تعاقد معه أحد أندية البريميرليج.
"التقفيل المحلي"
دفع الفشل المتكرر في انتداب لاعبين أجانب جيدين أندية القمة إلى إتباع نهج "التقفيل المحلي"، وهو التعاقد مع لاعبين أفارقة يحملون قمصان أندية تنافس في الدوري الممتاز، بدلًا من خوض تجارب التنقيب المجهدة والمكلفة ماديًا.
هذا ما حدث مع القطبين الكبيرين في السنوات الماضية، فمثلًا تعاقد الزمالك مع الكانغولي كابونجو كاسونجو بعد تسجيله 12 هدفًا بقميص الاتحاد السكندري في موسم 2016- 2017، ورغم تسجيله 8 أهداف أعاره الزمالك لنادي الوحدي السعودي في عامه الأول بالنادي الأبيض.
بالطريقة ذاتها، ضم الزمالك الإيفواري رزاق سيسيه والتونسي سيف الدين الجزيري من أسوان والمقاولون، على الترتيب. فشل الأول في إثبات نفسه ورحل في سلسلة إعارات انتهت بانضمامه مجانًا إلى البنك الأهلي، بينما لا يزال الدولي التونسي الجزيري المهاجم الرئيسي للفريق، وهو من سجل 14 هدفًا في 58 مباراة حتى نهاية الموسم الماضي.
الزمالك سعى لاستنساخ تجربة "التقفيل المحلي" مع النيجيري جون إيبوكا لاعب سيراميكا كيلوباترا الذي تألق الموسم الماضي رفقة إنبي، لكن مغالاة ناديه أدت إلى انسحاب الزمالك من الصفقة، قبل أن ينتقل النيجيري في النهاية إلى الدوري الليبي.
اللافت أن إيبوكا انضم إلى إنبي قبل عامين بشكل مجاني بعد خضوعه لفترة معايشة في حضور المدرب حلمي طولان، ليشهد موسمه الأول تألقًا وتبدأ حلقة الصراع على ضمه، قبل أن يظفر به في النهاية نادي سيراميكا كليوباترا.
كذلك، جرب الأهلي حظه مع الكونغولي والتر بواليا الذي قدم مستوي جيدًا رفقة فريق الجونة، ما جذب أنظار الشياطين الحمر للتعاقد معه بمبلغ ضخم اقترب من مليوني دولار قبل عامين من الآن، لكن اللاعب لم يقض أكثر من 6 أشهر داخل جدران التتش، لم يسجل خلالها سوى ثلاثة أهداف، ليتخلص منه النادي بإعارته إلى الدوري القطري ومنه إلى السعودي دون نجاحات تذكر.
بيراميدز أيضًا المعروف عنه تنقيبه المستمر عن اللاعبين الأجانب، نال نصيبه في هذا المضمار، حيث انتدب وحده من الدوري المصري الغاني جون أنتوي لاعب الأهلي السابق، والفلسطيني محمود وادي الذي تألق بقميص المصري البورسعيدي، وكذا التونسي الدولي فخر الدين بن يوسف الذي قدمه الإسماعيلي للدوري المصري.
المدرب المصري عادل عبد الرحمن يرى أن اختيار اللاعبين الجدد يجب أن يتم من خلال مدرب كرة قدم خبير وشخص مختص بالتسويق، ولا يجب ترك الأمور في يد المدير الفني وحده، مشيرًا إلى أن "الدوري المصري يتحكم فيه مدربون وسماسرة بشكل كبير لذا نجد حركة مدربين باستمرار رغم فشلهم يصاحب ذلك أيضًا عملية اختيارات فاشلة للاعبين تنطوي على تدوير رأس المال".
يبقي الحل من وجهة نظر أبو العلا إعادة نظام الكشافين وعدم الاتكال على الوكلاء بشكل مستمر، وتطبيق قانون الرياضة فيما يتعلق بتأسيس شركات كرة قدم مسؤولة عن إدارة الفريق حتى يتم محاسبتها من الجمعيات العمومية عن ما أنفقته وما حققته للنادي بميزانيات واضحة.