أريج - بإذن خاص للمنصة

مجلات تفترس أخلاق الأكاديميين

منشور الثلاثاء 21 فبراير 2023

في خريف 2019، لاحظ الدكتور عبد الفتاح بدر، عالم النبات، وعميد كلية العلوم السابق بجامعة حلوان وعضو لجنة الترقيات العلمية بقطاع العلوم بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، خطأً في الاسم العلمي لأحد أنواع النباتات على عنوان دراسة لباحثة في إحدى الجامعات المصرية الحكومية. سألها بدر وأعضاء اللجنة عن ذلك، فكانت إجابتها "لا أعلم"، على الرغم من أنها أستاذة جامعية كان يجدر بها ألا تقع في خطأ أساسي كهذا.

لم تدرك الباحثة ولا زملاؤها في البحث الخطأ، لأنه في غير تخصصها الدقيق. لكن ذلك لم يفسد من الأمر شيئًا، إذ حصلت على درجتها كاملة، فالبحث منشور بالفعل في مجلة تدّعي أنها علمية دولية تقييمها Q1 (أي من المجلات صاحبة أعلى معامل اقتباس، وتقع في الربع الأول والأعلى في قاعدة بيانات سكوبس) وبالتالي، يتعذر معه إعادة تحكيم البحث من قبل المحكمين في لجنة الترقيات العلمية.

لم تكن الباحثة التي أنتجت في عام 2017 عدة بحوث علمية كما يقول بدر، والمتقدمة للحصول على الترقية لدرجة أستاذ مساعد بالجامعة، حالة فردية، بل مثلها كثير من الباحثين في الجامعات والمراكز العلمية الحكومية، الذين يتضاعف إنتاجهم العلمي من الأبحاث المنشورة سنويًا.

وعلى الرغم من ضعف معظم تلك الأبحاث، وعدم مشاركة الباحث فيها، فأنها تجد طريقها للنشر في مجلات علمية، تموّه بأنها ذات تصنيف مرتفع، وذلك مقابل مبالغ مالية مرتفعة نسبيًا.

 لا توجد مجلة علمية محترمة ترسل لك بريدًا إلكترونيًا لكي تنشر فيها

يوثق هذا التحقيق تزايدًا في نشر الباحثين في مصر أبحاثهم في مجلات غير محكمة، هدفها الربح، وذلك مقابل سداد نفقات مالية، دونما مراعاة لقواعد النشر العلمي من مراجعة وتحكيم، في ظل غياب رقابة الجامعات، بما يؤدي إلى تلاعب في قواعد البحث العلمي، وخلل في أسس الترقي في مؤسسات التعليم العالي.

بدأت فكرة هذا النوع من المجلات المدّعية للعلمية، عندما استغل ناشرون مغامرون حاجة الباحثين للنشر، من أجل الترقي الأكاديمي. وبدأوا في إصدار مجلات تستقطب الباحثين، مقابل دفع مبالغ مالية لنشر أبحاثهم، من دون مراجعتها وتحكيمها من قبل الأقران. وتعتمد تلك المجلات على إرسال البريد الإلكتروني للباحثين واستدراجهم للنشر فيها، ويُعتقد أن بعض الباحثين ضحايا لقلة خبرتهم، ولكنّ آخرين يعرفون جيدًا أنهم ينشرون في ما يسمى "المجلات المفترسة"، بسبب سرعة النشر وعدم المراجعة، وينفي أكاديميون مسألة قلة الخبرة، لأنه "لا توجد مجلة علمية محترمة ترسل لك بريدًا إلكترونيًا، لكي تنشر فيها"، كما يجزم إسلام حسين، الأكاديمي المصري في إحدى الجامعات الأمريكية.

بحوث معملية على الورق

مثل "باحثة النبات"، يتشارك أحمد مهران*، وهو أستاذ مساعد بكلية الطب في إحدى الجامعات الحكومية المصرية، كتابة الأبحاث مع مجموعة متنوعة الجنسيات من الباحثين، من دون أن يدخل معملًا أو يجري تجربة. فالبحث العلمي اليوم في رأيه "صناعة لها متخصصون، والأبحاث المشتركة تعني تقسيم العمل، ومعظم الأبحاث تتم على الورق فقط، ودون الحاجة للدخول إلى المعمل". والوقت لديه يساوي المال، "ليست لدي رفاهية الوقت حاليًا لإجرائها" في إشارة إلى الأبحاث، حيث يقضي وقته بين المستشفى الجامعي، وعيادته الخاصة، وقرابة ثمانية مراكز طبية متخصصة لإجراء العمليات الجراحية. فكيف يصل إلى مبتغاه في الترقي؟ "شاركت في إجراء الأبحاث بتحمل الكلفة المادية في بعضها، والبعض الآخر بالمشاركة في الكتابة"، هكذا يجيب.

لا يتوقف الأمر عند الترقي الأكاديمي الفردي، بل يبتزّ بعض الأكاديميين أقرانهم بذلك الأسلوب في النشر غير المحكّم، ويحصلون على التكريم، كما حدث مع الأستاذ المساعد بكلية العلوم في إحدى الجامعات الحكومية المصرية، محمد عبد الوهاب*، الذي نشر أكثر من 70 بحثًا العام الماضي، كما يقول بدر، ليحصل على جائزة الدولة للتفوق العلمي. يشرح عبدالوهاب "لدي برامج لتحليل الفرضيات التي أضعها، فأتوصل إلى نتائج إحصائية أشاركها مع مجموعات بحثية على مستوى العالم".

القضية ليست محلية ولا إقليمية، بل عالمية، فوفقًا لدراسة نشرتها مجلة BMC التابعة لدار سبرنجر نيتشر عام 2015، زادت المجلات المفترسة من حجم منشوراتها بسرعة من 53 ألف في عام 2010 إلى ما يقدر بـ 420 ألف مقال في عام 2014، أي بنسبة تتعدى الـ800%.

جذور المسألة

تسببت قواعد الترقيات العلمية الجديدة في مصر، وزيادة مكافآت النشر العلمي، في زيادة رغبة الباحثين لإنتاج ونشر الأبحاث العلمية في مجلات دولية، وزاد على هذا، الرغبة المحمومة من قبل الكثير من الجامعات للتقدم على منصات التصنيف الجامعية العالمية.

"قواعد الترقية المتعسفة" تعتبر واحدة من المفاتيح التي يرى البراء السعيد أستاذ مساعد البيئة النباتية، بكلية العلوم في جامعة الأزهر في بوست فيسبوك، أنها أخلت بأصول إنتاج البحث العلمي، فـ"يتم التضييق علي الباحثين بشكل مستمر بإنتاج قواعد متعسفة للترقية، تدعي أنها ضد الفساد وتسعى لتكريم المتميزين، ولكنها تساعد على انتشار الفساد بشكل كبير". ويعلل السعيد رأيه بالقول "بعد أن كان مطلوبًا نشر أبحاث تحكَّم من أعضاء اللجان الدائمة، التي يؤسف لتدخل العلاقات والصراعات في تحديد مصير المتقدمين إليها، سواء بالسلب أو بالإيجاب، تطور الأمر وأصبح مطلوبًا من الباحثين النشر في مجلات تتقاضى آلاف الدولارات لرفع ترتيب الجامعات والمراكز البحثية، مقابل رفع يد اللجان الدائمة عن الترقيات، وتحويلها إلى إدارة أمور الترقية، دون التدخل في المصائر، لكن عليك أن تجد طريقًا لتوفير الأموال".

من الأزهر إلى ميتشجان، حيث عالم الفيروسات الجزيئية، والباحث الرئيسي بإحدى شركات تطوير الأدوية المضادة للميكروبات بولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة، إسلام حسين، الذي يعتقد أن نظام الترقيات في السلك الأكاديمي، السبب الرئيسي في تزايد النشر في المجلات المفترسة "إذا كنت كباحث تحتاج النشر للترقي وأنت غير قادر على النشر في مجلات رصينة فقد تضطر إلى النشر في المجلات المفترسة، التي تملأ ذلك الفراغ، حيث تطلب منك المال مقابل النشر دون أي مراجعة وفي سرعة ملحوظة".

يتعلق الأمر باللوائح التي قد تمنع قبول المنشور في هذه المجلات، ولكن هذه اللوائح مفتقدة بحسب محمود عبد النعيم*، الأستاذ بكلية الطب بجامعة حكومية مصرية، وعضو بلجنة الترقيات العلمية في الجامعة ذاتها، الذي اعتاد العمل على تقييم الأبحاث المنشورة في مجلات مفترسة لباحثين يسعون إلى الترقي الأكاديمي، فيوضح قائلاً "يقدم الباحثون أحيانًا أبحاثًا تم نشرها في مجلات مفترسة طلبًا للترقية، وهم يعلمون ذلك تمامًا". ويضيف بالقول "ليست هناك لوائح تمنع طالما أن المجلة حاصلة على تقييم Q1، ولكن تظل نتائج هذه الأبحاث وهمية، لأنها تمت دون مراجعة".

في سعي تلك المجلات لإسباغ صفة العلمية على عملها، تتواصل مع أكاديميين متقدمين للعمل معها بشروطها، فقد عُرض على محمد شعبان، أستاذ الهندسة الكهربائية بجامعة بورسعيد، الذي يعمل حاليًا بجامعة مالايا الماليزية الشهيرة، أن يكون مراجعًا في إحدى دور النشر الشهيرة والمدرجة ضمن قواعد جيفري بيل، يقول "أرسلت لي الدار بريدًا إلكترونيًا للمشاركة في مراجعة الأبحاث المقدمة إليها وكنت متحمسًا في البداية، لكنهم طلبوا مني مراجعة أكثر من ورقة بحثية في وقت قصير جدًا".

لم يكن شعبان مطمئنًا لعملية المراجعة، يضيف قائلاً "شعرت أن المال هو الاهتمام الوحيد للناشر، ولا تهمهم القيمة العلمية للبحث".

رفض شعبان العمل مع دار النشر. يقول "عملية المراجعة تستغرق من 4 إلى 6 أسابيع على الأقل، لكنهم يريدون ذلك خلال أسبوع واحد".

بحسب شعبان فإن جودة النتائج التي تتم مراجعتها بحرفية هي الأساس، وهي التي يتوقف عليها النشر في المجلات الرصينة.

يشاركه عبدالفتاح بدر القلق نفسه، حين أشار إلى أن مجلة سويسرية عرضت عليه قبل 15 سنة مراجعة أبحاث في أسبوع، فرفض العمل معها، ويعلق بأن الأبحاث "تتطلب على الأقل من 3 إلى 6 أشهر للمراجعة والقبول لاتخاذ قرار النشر".

سمسرة وتبادل منافع

تطرقت دراسة مصرية منشورة في مجلة ويلي أونلاين ليبراي عام 2018، عنوانها "أين يختار علماء العلوم الاجتماعية والإنسانية العرب النشر: الوقوع في فخ المجلات المفترسة"، إلى الأسباب التي تدفع الباحثين المصريين والسعوديين للنشر في المجلات المفترسة.

أظهرت البيانات أن العديد من هؤلاء يفضلون النشر في المجلات المفترسة، لأنها أسهل وأسرع. إذن هي "السهولة" و"السرعة" وراء إغراء النشر المتزايد في ذلك النوع من المجلات.

قاعدة البيانات التي بناها معدّ التحقيق، بيّنت مشاركة سعودية واسعة في الأبحاث الصادرة عن جامعات مصرية، إذ شارك باحثون من جامعات سعودية في أكثر من 31% من الأبحاث التي أنتجتها الجامعات المصرية، ونُشرت في مجلات مفترسة، وتليها الولايات المتحدة التي شاركت في أكثر من 8% من الأبحاث، ثم الصين بنسبة 7%، فيما تتراوح نسب الدول الـأخرى بين 6% و1% فقط.

خاض مهران تجربة النشر الدولي مع باحثين آخرين من جنسيات مختلفة، حيث يقول "نشرت في مجلات قيل عنها إنها مفترسة، وبشراكة مع باحثين من باكستان، ومن الهند، ودول أخرى، ونشرت مع سعوديين قاموا بتحمل كلفة النشر كاملة، ولكن ما يهمني هو حصولي على درجة البحث كاملة للحصول الدرجة العلمية".

يفسر البراء السعيد ذلك "التعاون" بظهور مجموعات "سمسرة" للأبحاث، يرأسها شخص للتنسيق بين مجموعات الباحثين لإنجاز الأبحاث المطلوبة. ولكن الفكرة ما لبثت أن تطورت لتظهر "مكاتب الأبحاث"، تقدم كل تلك الخدمات جملة واحدة "وهو أمر شديد الخطورة" برأي السعيد، الذي يقول "حتى فكرة البحث أصبحت غير مهمة، فكل ما على الباحث هو دفع المبالغ المطلوبة واختيار التخصص المطلوب وسيحصل على ما يريد. تنتشر تلك المكاتب وتنشر إعلاناتها لمساعدة الباحثين في كل مكان للأسف. ليس هذا فحسب، بل إن هؤلاء يقومون بكل العمل، بداية من الفكرة، وصولًا للنشر في أقل وقت ممكن".

يسميهم البراء السعيد "سماسرة"، فيما يطلق عليهم عبد الفتاح بدر "مقاولون"، والتسميتان لفعل واحد، إذ يلجأ الباحثون الذين اعتادوا النشر في المجلات المفترسة إلى طرف خليجي، لدفع كلفة النشر. يقول بدر "أصبح لدينا مقاولو أبحاث يقومون بعرض خدماتهم، فعندما لا يستطيع الباحث دفع كلفة نشر تتجاوز الألفي دولار حاليًا، يلجأ إلى طرف آخر، سواء كان من دولة خليجية أو معارًا مصريًا، بحيث يتحمل الكلفة، ويتم وضع اسمه واسم جامعته على البحث".

بحسب بدر، أدى ذلك إلى زيادة عدد المشاركين في الأبحاث، رغم اختلافهم في التخصصات، "ومن الواضح أن بعضهم ليست له مساهمات في ما ينشر، فأصبحت عملية تبادل منفعة، ضع اسمي على هذا البحث، وأضع اسمك على بحث آخر، خاصة في ذكر الباحث الرئيسي، والباحثين الآخرين، لأن الرئيسي يحصل على الدرجة كاملة".

في دراسة منشورة بمجلة نيتشر لعام 2021، بعنوان "النشر المفترس في Scopus: دليل على الاختلافات بين البلدان" تم رصد قائمة لأعلى وأقل عشرين دولة في العالم ينشر باحثوها في مجلات مفترسة، حسب النسبة المئوية للمقالات المنشورة، في الفترة من 2015 وحتى عام 2017، وتأتي مصر من بين قائمة الدول الأعلى، في المرتبة 14 عالميًا في ذلك النوع من النشر.

الذاهبون إلى الطرق المختصرة

ولعدم توفر قواعد بيانات وإحصاءات جامعية محدَّثة بعدد الأبحاث المنشورة في المجلات المفترسة حتى الآن، لجأ معدّ التحقيق لبناء قاعدة بيانات على عينة من المجلات ودور النشر المفترسة، بلغت نحو 400 مجلة، صُنفت ضمن قائمة بيل، التي نشط فيها الباحثون المصريون في الفترة من يناير/كانون الثاني 2014 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2020، وهي الفترة التي تضم آلاف الدراسات المنشورة، بمشاركة معظم الجامعات الحكومية المصرية.

ووفقًا لتحليل البيانات، بلغ عدد الأبحاث التي نشرت من الجامعات المصرية الحكومية في عينة المجلات المفترسة أكثر من 6 آلاف دراسة بحثية. في الوقت الذي بلغ فيه إجمالي عدد الأبحاث الكلي الذي نشر من الجامعات المصرية للفترة المذكورة نفسها نحو 104537 بحثًا، وفقًا لقاعدة بيانات سكوباس، أي أن نسبة الأبحاث المنشورة في المجلات المفترسة، بلغ قرابة 6% من إجمالي الأبحاث المنشورة في تلك الفترة.

نسبة الأبحاث المنشورة في المجلات المفترسة من إجمالي الأبحاث المنشورة وفق قاعدة البيانات التي أسسها معدُّ التحقيق

رجوعًا لقاعدة البيانات تلك، بلغت الزيادة في نشر الأبحاث الصادرة عن الجامعات المصرية في المجلات المفترسة 336 دراسة بحثية سنويًا، بما يعني زيادة نسبتها 438% (نحو أربعة أضعاف) في عدد الأبحاث التي نشرت سنويًا منذ سنة الرصد (2014)، ولكن هذا المعدل لا يعكس الصورة كاملة، لأن الزيادة في عدد الأبحاث شهدت طفرات كبيرة في سنوات بعينها، مثل 2019 و2020 حيث شهد عام 2019 نسبة زيادة في عدد الأبحاث المصرية المنشورة في مجلات مفترسة، بلغت 82.8%، عما تم نشره في 2018، واستمر العدد في الزيادة بشكل ملحوظ، حيث شهد العام 2020 زيادة بأكثر من 30%.

وتأتي أغلب الأبحاث المنشورة في تلك المجلات من أربع جامعات أساسية، هي: القاهرة (15.61%)، والزقازيق (10.3%)، والمنصورة (9.34%) والإسكندرية (9%)، غير أن هذه النسب قد تكون مرتبطة بحجم المؤسسة البحثية أكثر مما يعتقد أنها نزعة لدى باحثيها إلى النشر في المجلات غير الرصينة.

ورجوعاً إلى العينة نفسها، تم تحليل بيانات أكثر من أربعة آلاف دراسة، توفّرت فيها البيانات الخاصة بمدة التحكيم والنشر، أظهرت نتائج التحليل أن 73% من الأبحاث في المجلات المفترسة، يجري تحكيمها في مدى زمني يصل إلى شهر واحد أو أقل، ولا تزيد نسبة الأبحاث التي يستغرق تحكيمها ثلاثة أشهر أو أكثر على 5%.

معدل الفترة الزمنية التي يستغرقها تدقيق البحوث والموافقة عليها

حجم الأرباح

في العام 2014، حصدت المجلات المفترسة مبلغ 74 مليون دولار، جراء نشر خمسمائة ألف بحث علمي، تحوم الشكوك حول استيفائها شروط النشر في مجلات مشكوك في مصداقيتها على مستوى العالم، وفق دراسة نشرتها مجلة BMC المشار إليها سابقًا، حيث بلغ متوسط سعر النشر قرابة 178 دولارًا أمريكيًا حينها. ويستلزم نشر البحث حاليًا في هذه المجلات، دفع ألفي دولار، بحسب بدر.

التخصصات العلمية تفتح فمها

من خلال قاعدة البيانات، تبدو تخصصات العلوم، والهندسة، والصيدلة، والزراعة، والطب صاحبة أعلى معدلات من الأبحاث المنشورة في المجلات المفترسة؛ إذ تحتل كليات العلوم المرتبة الأولى بنحو 40%، من عدد الأبحاث المنشورة في مجلات مفترسة عن تلك الفترة الزمنية.

يعتقد محمد شعبان إنه لا بد من وجود أنظمة أكثر قوة، لتشجيع الأكاديميين في مصر على زيادة إنتاجهم البحثي، من خلال القنوات الأخلاقية. يقول "يغري النشر المفترس العديد من الأكاديميين، للبحث عن طرق مختصرة للنشر بسرعة، وكسب الترقيات دون تدقيق صارم في عملهم".

بحسب شعبان، فإن مشاركة الأكاديميين في المجلات المفترسة بالنشر، تتفاقم بسبب الأكاديميين عديمي الخبرة، الذين يمكن أيضًا دفعهم إلى ذلك الطريق، بسبب نقص الكفاءة البحثية، والرفض من قبل المجلات القياسية، والحاجة الملحة للنشر بسرعة.

ويرى شعبان أن قضية النشر المفترس يجب أن تكون ذات أولوية، خاصة في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، التي أصبحت الآن الأهداف الرئيسية لتلك المجلات.

على من يقع الضرر؟

يطال ضرر النشر غير العلمي عدة مستويات، يبدأ من "منظومة البحث العلمي"، كما يُطلق عليها إسلام حسين، وذلك عند نشر أبحاث غير مدعّمة النتائج، ويأتي تاليًا من يعتمد عليها ويقتبس منها.

يعتقد محمد شعبان أنه لا بد من وجود أنظمة أكثر قوة؛ لتشجيع الأكاديميين في مصر على زيادة إنتاجهم البحثي، من خلال القنوات الأخلاقية "يغري النشر المفترس العديد من الأكاديميين للبحث عن طرق مختصرة للنشر بسرعة، وكسب الترقيات دون تدقيق صارم في عملهم".

كما تتضرر الدولة المصرية، إذا شاعت عنها تلك السمعة، بحسب عبد النعيم الذي يضيف قائلاً "مصر متقدمة في مجال النشر الدولي، ولكن هناك استخدام للحيلة، فهناك باحثون ينشرون في مجلات لا تدقق في البحث العلمي".

ويتفق أكثر من عالم بأن هذا السلوك يصيب الباحث الجاد بالإحباط أحيانًا، فلا يستطيع مجاراة زميله، إلا إذا اتبع السلوك ذاته، برأي عبد النعيم، ليحصل على مكانة علمية لا يستحقها.

منذ أشهر قليلة، نال مهران درجة الأستاذية، وقد نشر أكثر من 18 بحثًا في عام واحد، على الرغم من ضيق الوقت. وينتظر حصوله على مكافأة النشر العلمي، والتميز في نشر الأبحاث، بينما تأخر العديد من زملائه في نفس الدفعة عن الترقي، بسبب عدم قدرتهم على استكمال الأبحاث المطلوبة، لالتزامهم بأخلاقيات البحث العلمي.


* أسماء مستعارة.


تنشر المنصة هذا التحقيق بالتزامن مع “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” (أريج) في إطار اتفاق شراكة.