الصفحة الرسمية للمتحدث باسم الرئاسة
من لقاء السيسي والأمين العام للأمم المتحدة على هامش القمة الأفريقية


نص كلمة السيسي خلال الجلسة الافتتاحية للقمة الأفريقية الـ 33 بأديس أبابا 9/2/2020

منشور الأحد 9 فبراير 2020

بسم الله الرحمن الرحيم،

الأخوة والأخوات،

أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي، ملوك ورؤساء الدول والحكومات الإفريقية

السيد أنطونيو جوتيريش سكرتير عام الأمم المتحدة،

السيد موسى فقيه رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي،

السيد أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربي،

السيد الدكتور محمد أشيتيه رئيس وزراء دولة فلسطين الشقيقة،

السيدات والسادة، الحضور الكريم

في البداية اسمحوا لي مجددا أن أتقدم بالتهنئة لأخي فخامة رئيس الوزراء أبي أحمد على حصوله على جائزة نوبل للسلام، وأرجو منكم جميعا أن نوجه له التحية.

(تصفيق)

اسمحوا لي في البداية أن أوجه تحية تقدير وإجلال إلى شعوب قارتنا الإفريقية التي ندين لها جميعا بالثقة التي أولتنا إياها لكي نحول تطلعاتها إلى واقع مستحق، إلى واقع مستَحَق يفضي إلى مستقبل أفضل، تلك المسؤولية التي نتحملها كقادة، والأمانة، والأمانة التي ينبغي أن نؤديها بإخلاص وفاء بعهدنا أمام شعوبنا.

لقد شرفت مصر بمسؤولية قيادة دفة الاتحاد الإفريقي على مدى عام مضى، تسارعت خلاله خطى إفريقيا بكل قوة وثبات، وكان للتعاون الصادق بيننا، وللإرادة القوية التي جمعتنا أبلغ الأثر في دعم رئاسة مصر للاتحاد، وفي سعيها الدؤوب لتحقيق ما يلبي طموحاتنا جميعا، سواء في العديد من المحافل الدولية، أو على صعيد العلم المشترك القاري والإقليمي.

ولا يخفى عليكم، أن فترة الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي قد اتسمت بالزخم الشديد على جميع المستويات، وفي مختلف المجالات، حرصت مصر خلالها كل الحرص على الاضطلاع بمسؤوليتها في حمل لواء الاتحاد بكل صدق وأمانة، في المحافل الإقليمية والقارية والدولية كافة، حيث لمسنا خلالها عن قرب حجم التحديات التي تواجه قارتنا الغالية، وبالمقابل، حجم الفرص الواعدة التي تزخر بها للتقدم وللتنمية.

من هنا، يطيب لي أن أستعرض معكم في هذا الصدد خلاصة التجربة المصرية من خلال عدد من المحاور القارية ذات الأولوية، التي ترتبط ببعضها البعض، وتحظى باهتمامنا جميعا مع إلقاء الضوء على أبرز الجهود والأنشطة التي تمت تحت الرئاسة المصرية في هذا الإطار.

أولا، رغم تنامي التحديات أمام قارتنا، لاسيما استمرار النزاعات، وزيادة مخاطر الإرهاب والتطرف، خاصة في منطقة الساحل والقرن الأفريقي، فقد حرصنا على تعزيز حالة السلم والأمن في إفريقيا، معتمدين على ترسيخ مبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية، باعتباره السبيل الأمثل للتعامل مع أزمات القارة، وفهم خصوصيات الدول والشعوب الإفريقية.

إن هذا المبدأ ليس طرحا نظريا، حيث طبقته مصر عمليا هذا العام من خلال العديد من المبادرات، لاسيما عبر استضافة قمتين تشاوريتين حول ليبيا والسودان. كما اختبرنا هذا الطرح خلال العام المنصرم في الكثير من القضايا، خاصة أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، وغينيا بيساو.

وإذ نثمن في هذا الصدد علاقات الشراكة القائمة على الاحترام المتبادل بين الاتحاد الإفريقي وبين مختلف الدول والمنظمات، فإننا ندرك قيمة أمننا وسلامتنا وسيادتنا، والحفاظ على مقدرات شعوبنا وأوطاننا.

وانطلاقا من رؤية أشمل لتعزيز السلم والأمن، فقد دفعنا بمفهوم ارتباط استدامة السلام بالتنمية، حيث أود هنا إبراز الجهد الذي تم من أجل التفعيل الكامل لمركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات الذي تستضيفه مصر. وهو ما يعد إسهاما في المبادرة الرائدة بإسكات البنادق في إفريقيا، والتعامل مع أوضاع اللاجئين والنازحين والعائدين، التي هي عنوان موضوع العام الماضي للاتحاد الإفريقي.

وقد كانت هذه القضايا وغيرها، وقاد كانت هذه القضايا وغيرها حاضرة بقوة على جدول أعمال الدورة الأولى من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، الذي استضافته مصر في ديسمبر الماضي بمشاركة العديد من الأشقاء الزعماء الأفارقة والقيادات الدولية والإقليمية، وهو المحفل الذي نسعى أيضا من خلال تدشينه إلى ترسيخ مبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الإفريقية.

ثانيا، شكل دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية حيز النفاذ والبدء في إطلاق آليات عملها خلال القمة الاستثنائية التي عقدت في جمهورية النيجر الشقيقة، إنجازا تاريخيا، فتحرير التجارة في إفريقيا، وإزالة القيود أمام تدفق السلع والخدمات، يفتح صفحة جديدة حافلة بالفرص، التي من شأنها نقل التكامل القاري إلى مستويات جديدة وآفاق أرحب، خاصة مع تواصل الالتزام والحوار البناء، والعمل الجاد الذي بدأ بالفعل خلال العام الماضي.

وفي السياق ذاته، وإدراكا منا لأهمية تطوير أسس الشراكة والتعاون بين الاتحاد الإفريقي والتجمعات الإقليمية الاقتصادية دول الأعضاء لتحقيق الاندماج القاري المنشود، وترسيخ مبادئ التكامل والاعتماد المتبادل، فقط وضع اجتماع القمة التنسيقية الأولى بين الاتحاد الإفريقي والتجمعات الإقليمية الاقتصادية بالعاصمة نيامي في يوليو الماضي أساسا ثابتا لهذا الغرض، سوف نستمر في متابعته وتطويره لتحقيق أهدافه.

ثالثا، إن جهودنا لتحقيق التكامل القاري والتنمية الشاملة لن تكون لها، لن تكون لها الفاعلية والتأثير المطلوب، دون الارتقاء بالبنية التحتية في إفريقيا، فتوثيق الترابط بين أنحاء القارة أمرا لا غنى عنه، من أجل إنجاز الاندماج الاقتصادي، ونقل السلع والخدمات، والعلوم والأفكار والتكنولوجيا، ومن ثم، تبنت مصر هذا الاتجاه خلال رئاستها للاتحاد، مؤكدة انفتاح أفريقيا، للتعاون مع الشركاء، ومؤسسات التمويل الدولية، لتحقيق التنمية الشاملة، وتنفيذ مشروعات البنية التحتية القارية في إطار من المنفعة المتبادلة.

كما تكللت الجهود القارية والمصرية في هذا الشأن بالإطلاق المرتقب لخطة العمل الثانية لبرنامج تطوير البنية التحتية في إفريقيا 2021-2030 والتي يتعين علينا دعمها، وأخص بالذكر: مشروع وضع الخطة الرئيسية للربط الكهربائي القاري، تمهيدا لإنشاء السوق الإفريقية المشتركة للطاقة، ومشروع محور القاهرة كيب تاون، وغيرها من مشروعات ربط السكك الحديدية والطرق، التي ستسهم في تحقيق أهدافنا المشتركة.

رابعا، إن مضاعفة عوائد الاستثمار في التنمية في إفريقيا متوقفة على تمكين ودعم المرأة والشباب الإفريقي، وتسليحهم بأدوات العصر من التكنولوجيا الحديثة، انطلاقا من كونهم العامل الديموغرافي الأهم والأكبر بقارتنا، فهم نصف الحاضر، وكل المستقبل، ومن ثم، ومن ثم فإن الإشراك الفعال للمرأة وشباب إفريقيا في جهود التنمية وإحلال السلام ضرورة قصوى لتأمين مكتسبات ترتقي بالواقع الإفريقي وتضمن له مستقبلا أفضل.

ولقد شهد هذا العام تحركات قارية متميزة على هذا الصعيد، كان أبرزها إطلاق مبادرة تأهيل مليون شاب بحلول 2021 لتوظيف الشباب الإفريقي.

خامسا، شهدت السنوات الأخيرة جهودا مستمرة للنهوض باتحادنا الإفريقي، وتحديث آلياته، وتطوير قدراته، من خلال مسار طموح للإصلاح المالي، والإداري، والمؤسسي، نتطلع إلى أن تكفل نتائجه للاتحاد تحقيق الأهداف المنشودة، وترشيد استخدام الموارد المالية، والعمل بكفاءة وفاعلية، وترسيخ ملكية الدول الأعضاء للبيت الأفريقي.

ولقد اتخذ اتحادنا خلال العام الماضي خطوات مهمة على صعيد تفعيل مسار الإصلاح، وترجمة مقرراته لنتائج ملموسة، شملت إجراءات إصلاح منظومة التوظيف بمفوضية الاتحاد الإفريقي، وإحكام الرقابة المالية والإدارية، فضلا عن تفعيل صندوق السلام باعتباره آلية إفريقية، تعزز من استقلالية القرار الأفريقي في مجال السلم والأمن، وستستمر جهودنا في هذا الملف الحيوي، حيث ستنظر قمتنا الحالية في المقترح النهائي للهيكل التنظيمي الجديد لمفوضية الاتحاد الأفريقي.

أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي،

شعوب قارتنا الإفريقية العظيمة،

تعتز مصر بتمثيل إفريقيا، وتضع نصب أعيننا كعهدها دائما مصالح شعوب القارة وتطلعاتهم، ومن هنا، فلقد حرصت على المشاركة في جميع المحافل الدولية التي اختصت بإفريقيا، بدءا من الجمعية العامة للأمم المتحدة، مرورا بقمتي مجموعة السبعة ومجموعة العشرين، ووصولا لقمم واجتماعات المشاركات الاستراتيجية المتنوعة، مع كل من اليابان وروسيا وألمانيا وبريطانيا، حاملا على عاتقي شواغل وآمال شعوب القارة السمراء في الحياة الكريمة، والحصول على حقها في التنمية المستدامة، وفرص العمل، ومتحدثا بلسان القارة عن أهمية وضع أفريقيا على الخريطة الاستثمارية الدولية، واستفادة شعوبها من ثرواتهم الطبيعية الهائلة.

وأقول لكم بكل صدق، إن هذه الجهود في أي محفل، ومن كل موقع، لم تكن لتفضي للنتائج المرجوة منها على مدى عام مضى، لولا التفاعل المثمر، الذي اتسمت به جهودنا جميعا، ولولا ثقتكم الغالية وتعاونكم البناء، ومن ثم فإنني أود أن أتوجه بكل الشكر والتقدير للدول الأعضاء كافة، ولرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ولأعضاء المفوضية، وأجهزة ومؤسسات الاتحاد الإفريقي المختلفة، الذين لم يدخروا جهدا من أجل دعم مختلف مبادرات والمساعي التي شهدها العالم.

كما أتوجه بخالص التهنئية لشقيقي الرئيس رامافوزا، رئيس جمهورية جنوب أفريقيا، الذي سيتسلم مهام رئاسة الاتحاد الإفريقي بداية من اليوم، وأؤكد ثقتي غير المتناهية في القيادة الحكيمة والفعالة للرئاسة الجنوب أفريقية لاتحادنا. كما أؤكد لفخامة الرئيس رامافوزا دعمي التام والمستمر لكل المساعي التي سيبذلها فخامته من أجل البناء على ما تحقق من إنجازات.

وأعدكم، بأن الجهود التي بذلتها الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي لن تكون نهاية المطاف، فستظل مصر امتدادا لدورها التاريخي، داعما أساسيا لتعزيز أطر العمل الإفريقي المشترك، كما ستحرص على مواصلة التنسيق مع جميع الأجهزة المعنية بالاتحاد، لمتابعة كل المبادرات والأنشطة التي تم إطلاقها تحت رئاستها، لضمان استمراريتها في المستقبل واستثمارها على المستوى الأمثل.

أبناء قارتنا الأفريقية العريقة،

إن الطريق نحو بلوغ غاياتنا التنموية، إفريقيا التي نريدها 2063، لا يزال ممتدا باتساع آمالكم يا شباب أفريقيا، ولابد من السير على ذلك الطريق بالعمل الجاد والفكر الثاقب، معتمدين على قدراتنا الذاتية الوطنية، والقارية، مع الترحيب بكل تعاون دولي على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلة.

ولا أقول لكم لا تهتموا بالصعاب، إنما أدعوكم إلى مواجهتها بأدوات العصر من العلم والمعرفة، والتحلي بصفات الأجداد من الحكمة والعزيمة والعمل والمثابرة. وإنني لعلى ثقة من أننا قادرون معا على تغيير الواقع إلى ما هو أفضل، وصياغة مستقبل أكثر ازدهارا يليق بقارتنا الفتية، ويضعها  في مكانها المستحق بين دول وقارات العالم.

واتصالا بما تناوله خلال الجلسة المغلقة حول عقد قمة إفريقية مخصصة لبحث إنشاء قوة إفريقية لمكافحة الإرهاب، أؤكد استعداد مصر لاستضافة تلك القمة الافريقية الخاصة من واقع مسؤوليتها وإيمانا منها بأهمية ذلك المقترح لتحقيق السلم والأمن في أفريقيا، وأدعو للتشاور المستفيض حول كل الأبعاد التنظيمية والموضوعية لتلك القمة، وهذه القوة المقترحة بمعرفة مجلس السلم والأمن الإفريقي، وهيئة مكتب اللجنة الفنية للدفاع، على أن يعرض على هيئة مكتب القمة في أقرب وقت.

أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(تصفيق)


ألقيت الكلمة في أديس أبابا، بحضورأنطونيو جوتريش سكرتير عام الأمم المتحدة، وملوك ورؤساء الدول والحكومات الإفريقية.


خدمة الخطابات الكاملة للسيسي تجدونها في هذا الرابط