تصميم: يوسف أيمن - المنصة

أنا وأبي و"سيد أندية إفريقيا": عودة إلى قصاصات قديمة

منشور الأربعاء 28 أكتوبر 2020

 

1: أبي

ولدت لأب أفنى شبابه في الخدمة العسكرية، ما أكسبه سمات شخصية صارمة يمتاز بها ذوى السترة الكاكي؛ شخص منظم، روتيني، مهندم، ذو تقاليد رصينة فى مسائل الزي وملائمته للزمان والمكان.

لديه أجابات قاطعة لأسئلة قد نراها جدلية، مثل متى وأين يجوز لنا وضع القميص خارج البنطلون؟

يرى أبي حدودًا واضحة بين الحذاء الكلاسيكي والحذاء الخفيف (البنص)، ويزعجه كثيرًا رؤية حذاء أحدهم وقد انطفت لمعته، معتبرًا ذلك علامة فارقة في الحكم على الأشخاص، نعم الأمر جدّ إلى هذه الدرجة.

لكنه في المقابل، كان أبًا جميلًا، بسّام الوجه، صديقًا مرحًا، متفهمًا لأقصى حد، منحنا مساحات هائلة من الحرية والخصوصية.

خبطته على باب شقتنا مميزة وحصرية، بمجرد سماعها، نهرع أنا وأخى سعيًا لخطف حقيبته في سباق حميم على.. من سيقرأ الجورنال أولًا؟

أبي قارئ منتظم للجرائد، لم ينقطع يومًا عن شراء جريدة الأخبار بالإضافة إلى عدد الجمعة من الأهرام، وهو أيضًا خبير في حل الكلمات المتقاطعة.

بمرور الوقت أصبحنا ممولي الجرائد الحصريين لكل جيراننا، لأغراض القراءة أو حل الامتحانات أو أعمال النظافة. عبارة "سلامو عليكو، ممكن تدونا شوية جرايد" كانت عبارة روتينية. 

إذا كنت دون الثلاثين، فغالبًا فاتك عصر الجرائد الورقية، ولم تختبر متعة فض الجريدة كأول قارئ لها، وطي الصفحة تلو الأخرى بعناية وإتقان بالغين حتى تنتهى وتتركها جانبًا كأنها لم تمس. أنا وأبي لا نحب أبدًا قراءة جورنال سبق قراءته.

حين بلغت الخامسة عشر، أصبحت ذو دخل مستقل للمرة الأولى في حياتي، وبدأ جورنال الأهرام يزاحم أخبار أبي على مائدة الطعام. أصبحت أهراميَّ الهوى بسبب رصانة العرض وعمق التحليلات والتقارير ومقالات كبار الكتاب التي حفظت مواعيد نشرها. تلك المانشيتات الزاعقة المقفاة لجرائد مثل الجمهورية والمساء وغيرهما، لم تنجح في جذبي أبدًا.

صرت قارئًا معتبرًا يحفظ أسماء المحررين وكتاب الأعمدة في كل جريدة، ويعرف أشياءً عن سياساتها التحريرية.

الأقسام الرياضية في الصحف المصرية مثلًا كانت تتبع سياسات متباينة في تغطيات أخبار كرة القدم. ففي الأخبار مثلًا كان يتم تدوير المحررين سنويًا بين ناديي الأهلي والزمالك لتغطية أخبار كرة القدم، وكنت أسعد كثيرًا عندما يحين الدور على محرر اسمه إبراهيم ربيع –رغم شكوكي في زملكاويته- ليغطى أخبار فريق الكرة بالنادى الأهلي. ربيع كان بارعًا في اختيار عناوين تقاريره ذات اللغة الممتعة والصياغات الرشيقة.

أما في الأهرام فقد ظل محمود صبرى هو المسؤول عن تغطية أخبار النادى الأهلي لفترة طويلة.

يُعرف أبي في محيطه بتقديسه للعمل، ونفوره من فكرة الغياب بشكل عام، لكن مباراة عادية للنادى الأهلي ظهيرة يوم في وسط الأسبوع، كانت الشىء الوحيد الكفيل بكسر هذا الروتين الحديدي وإبقائه في المنزل. فهو أهلاوى عتيد، أظنه لم يفوت مباراة للأهلي، كما تزدان حقيبته كل خميس بالعدد الجديد من جريدة الأهلي، التي صار تصفحها طوال الأسبوع أحد أشهر طقوس بيتنا.

 

تصميم: يوسف أيمن - المنصة

تشجيع الأهلي وقراءة الجرائد بانتظام كانا ميراث أبي الجميل.

طوال علاقتي الطويلة بالصحف الورقية التي بدأت عام 1992 تقريبًا، لم أفوت عددًا واحدًا من جريدة الأهلي، سواء كان عددًا أسبوعيًا عاديًا أو عددًا خاصًا صدر احتفالاً ببطولة ما.

من عاداتي القديمة صبيحة كل بطولة أو فوز مهم للأهلي، التوجه لكشك الجرايد بعد صلاة الفجر مباشرة وانتظار عربيات توزيع الصحف وشراء كل الجرائد الصادرة بلا مبالغة، لأنك إذا ذهبت إلى كشك الجرائد في العاشرة صباحًا فإن ذلك يعني أنك لن تجد سوى جريدة مايو، صحيفة الحزب الوطني الذي انحل بعد ثورة يناير. 

مجلة الأهلي لها مانشيتات تاريخية لا تفارق خيالي، منها مانشيت أحمر عريض تصدر أحد أعداد المجلة أوائل عام 1994: الأهلي سيد أندية إفريقيا.

2: الأهلي سيد أندية إفريقيا

فى صيف عام 1964 انطلقت أول بطولة إفريقية للأندية الحائزة على بطولة الدوري في بلادها، ثم توالت بعدها البطولات الإفريقية المختلفة.

قبل أن ينقضي عام 1993 وبمناسبة مرور 50 عامًا على تنظيم أول بطولة أفريقية للأندية، قرر الكاف إعداد تصنيف Ranking لكل الأندية الأفريقية التى شاركت فى بطولات الكاف على مدى نصف قرن.

وأعلن الكاف تصدر النادى الأهلى المصرى للتصنيف برصيد 34 نقطة، وخلفه كوتوكو الغانى بفارق نقطتين فقط، وجاء الزمالك فى المركز السادس برصيد 19 نقطة. فخرجت جريدة الأهلي بعد إعلان نتيجة التصنيف بالمانشيت الشهير؛ الأهلي سيد أندية إفريقيا.

فلسفة التصنيف قامت على إعداد نظام يمنح نقاط بشكل تراكمي للأندية الإفريقية اعتمادًا على نتائجها في بطولات الكاف المختلفة، ليعطينا في النهاية إجابة دقيقة عن المراكز النسبية التي تحتلها تلك الأندية طبقًا لمردودها الفني ونتائجها عبر فترة زمنية ما، على اعتبار أن استمرارية نادٍ في المنافسة في الأدوار النهائية وتحقيق البطولات، مهما تغيرت الظروف أو تعاقبت السنين أو اختلفت الأجيال، تبقى دليلًا حقيقيًا وموضوعيًا على كفاءته وفاعليته.

ست سنوات فقط، من 1972 حتى 1978، شهدت لحظات التوهج القصوى لفريق هافيا كوناكري الغيني، الذي امتلك جيلًا رهيبًا استطاع الوصول إلى نهائي بطولة إفريقيا للأندية أبطال الدورى خمس مرات خلال تلك الفترة، حقق خلالها ثلاثة ألقاب لأبطال الدوري، بينما ممثل غانا الكبير أشانتي كوتوكو، أحرز طوال تاريخه لقبين فقط في كأس أبطال إفريقيا موسمي 1970 و1983. 

ورغم ذلك تقدم كوتوكو الغاني على هافيا كوناكري في التصنيف بعدة مراكز، لأن كوتوكو امتلك سجلًا حافلًا وطويل المدى في الملاعب الإفريقية منذ السبعينيات وحتى الآن، ولأنه حافظ على أداءات قوية باختلاف الأجيال التي مثلته، وحجز مقعدًا شبه ثابت في الأدوار النهائية للبطولات الإفريقية طوال تلك الفترة دون انقطاع. 

حالة هافيا كوناكري/ أشانتي كوتوكو تعطي لمحة وافية ومختصرة عن الفلسفة المؤسسة لتصنيف الكاف، وتقابلها أوروبيًا ثنائية يوفنتوس/ إي سي ميلان. 

خزانة السيدة العجوزة تحتوى على نسختين فقط من دوري أبطال أوروبا مقابل سبع نسخ من ذات الأذنين في حوزة ميلان. ورغم هذا الفارق الواضح في عدد البطولات، يتقدم يوفنتوس على ميلان في تصنيف يوفا للأندية الأوربية الأفضل، ذلك لامتلاكه أرقامًا إجمالية أكبر في تلك البطولة.

3: هل هناك أسعد من عبادي؟

لطالما كان العمل بالصحافة حلمي الكبير، وكمشجع أهلاوي صميم، فقد كنت أنظر بكثير من الغبطة إلى صورة ذلك الشخص صاحب الملامح الصعيدية المنشورة إلى جوار تقاريره في جريدة الأهلي وأتساءل؛ هل هناك أسعد من عبادي؟

في نهاية التسعينيات كتب عبادي القوصي المحرر في جريدة الأهلي تقريرًا عن النشرة الدورية التي يصدرها الكاف شهريًا، والتي أشارت بعد ختام موسم 1998 الرياضي إلى المنافسة الشديدة بين الأهلي وكوتوكو على صدارة التصنيف، بعدما استطاع الفريق الغاني إضافة نقطتين إلى رصيده ليتساوى مع الأهلي في المركز الأول، وخسر الأهلي انفراده بالصدارة لأول مرة منذ انطلاق التصنيف في نتيجة متوقعة لقراره بالاعتذار عن المشاركة في البطولات الأفريقية، والعقوبات التي ترتبت على هذا القرار. 

الزمالك أيضًا استغل غياب الأهلي وفقز ثلاثة مراكز دفعة واحدة، ليستقر في المركز الثالث، بعدما رفع رصيده إلى 27 نقطة. ثماني نقاط كاملة أضافهم الزمالك لرصيده؛ ثلاث نقاط بعد خسارته نهائي أبطال الدوري عام 1994 أمام الترجى، وأربعة لفوزه بكأس أبطال الدوري عام 1996، ونقطة واحدة نظير توقف مشواره عند مرحلة دوري المجموعات في بطولة دوري أبطال افريقيا عام 1997 في نسختها الجديدة.

 

صورة ضوئية من تصنيف الكاف للأندية الإفريقية عام 1998 

عام 1999 شهد تغيرًا طفيفًا مع عودة الأهلي للمشاركة لأول مرة منذ ثلاث سنوات بعد انتهاء عقوبة الحرمان، وأضيفت نقطة وحيدة لرصيده ليصبح 35 نقطة إثر إنتهاء رحلته عند مرحلة دوري المجموعات لدوري أبطال أفريقيا عام 1999. في هذا الموسم أضاف الزمالك إلى رصيده نقطتين.

الانتعاشة الكبرى لرصيد الزمالك كانت عام 2000 بعد انتزاعه كأس إفريقيا للأندية أبطال الكوؤس من بين أنياب كانون ياوندي وسط جمهوره، مضيفًا أربع نقاط كاملة لرصيده الذي أصبح 33 نقطة، بينما لم يضف الأهلي إلى رصيده سوى نقطة واحدة محققًا إجمالي 36 نقطة، وذلك بعدما فشل في اجتياز دوري المجموعات في البطولة نفسها.

انتهى عام 2000، والأهلي ما زال في الصدارة برصيد 36 نقطة، بينما الزمالك في المركز الثالث برصيد 33 نقطة.

حتى الآن، لا أحاديث عما يسمى بنادي القرن.

4: حمى التصنيفات القرنية

عبر العالم بأمان للقرن الحادي والعشرين بعد تجاوز أزمة الصفرين، وسرعان ما تسابقت الهيئات والمؤسسات الدولية لإعلان اختياراتها للأفضل خلال القرن الذي مضى. تناقل العالم تسميات لشخصية القرن ولاعب القرن وفيلم القرن في انتشار سريع ومدوٍّ لحمى التصنيفات القرنية.

حينها، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) اختياره لنادي ريال مدريد الإسباني كأفضل نادٍ في العالم خلال القرن العشرين، بعد تنظيمه استفتاءً جماهيريًا عبر موقعه، وخلفه مانشستر يونايتد الإنجليزي.

وأوصى فيفا جميع الاتحادات القارية التابعة له بإعداد معاييرها الخاصة لإعلان أفضل الأندية والمنتخبات لكل قارة. في إفريقيا تولت اللجنة الفنية للكاف وضع معايير اختيار منتخب القرن الإفريقي. أما على مستوى الأندية، فقد تم اعتماد التصنيف الذي يعلنه الكاف كل موسم معيارًا لاختيار نادي القرن بعد إدخال بعض التعديلات عليه، كان أهمها منح نقطة لبطل السوبر الأفريقي، وتمييز بطولة دوري أبطال إفريقيا بأثر رجعي بداية من نسخة عام 1997 بعد تطويرها وزيادة عدد فرقها ومبارياتها، بحيث يتم منح نقاط إضافية للفرق المشاركة فيها بداية من دوري المجموعات وحتى الأدوار النهائية.

 

تصنيف فيفا لأفضل الأندية في العالم والذي تم بتصويت الجمهور 

نتيجة لتلك التعديلات، تمت إضافة أربع نقاط كاملة لنادي الزمالك؛ نقطتان لخروجه ثاني مجموعته في دوري أبطال إفريقيا عام 1997 ونقطتان لحصوله على كأس السوبر مرتين عامي 1994 و1997.

كما أضيفت أربع نقاط للنادي الأهلي؛ نقطتان لخروجه ثاني مجموعته في دورى الأبطال عام 1999 ونقطتان لخروجه ثاني مجموعته في نسخة عام 2000، ليأتي الأهلي في المركز الأول برصيد 40 نقطة، يليه الزمالك في المركز الثاني برصيد 37 نقطة.

ويعلن الكاف فى مايو 2001 تتويج النادي الأهلي بجائزة أفضل فريق إفريقي في القرن العشرين.

5: الزمالك بطل نصف الدنيا

قرر نادي باريس للدائنين إسقاط ما يقرب نصف ديون مصر، بعد المشاركة في حرب الخليج الثانية ضمن قوات التحالف، ليشهد النصف الأول من التسعينيات قفزة نوعية شهيرة للطبقة الوسطى أصابتنا إحدى توابعها، فتمكنا من الحصول على عضوية عاملة في نادي الترسانة الرياضي.

للتو، اصطحبنى أبي لشراء فانلة زرقاء وشورت أبيض وحذاء رياضي ماركة باتريك، وفي صباح اليوم التالي كنت أقف مع أقراني في الملعب الفرعى بميت عقبة، نستمع لتعليمات كابتن طارق جلال مدرب أشبال الترسانة تحت 12 سنة.

الترسانة النادى العمالي العريق هو الوصيف الأقدم للكرة المصرية، فقد حل ثانيًا خلف الأهلي في أول نسخة لبطولة الدوري عام 1948، وأحرز أول ألقابه عام 1963 ليتساوى مع نادي الزمالك بلقب لكل منهما. ولكن بعد منافسة قصيرة الأمد أصبح الزمالك ثاني قطبي الكرة المصرية، وتوارى الترسانة شيئًا فشيئًا.

تقلبات الزمن وسوء الحظ وأشياء أخرى حرمت الترسانة من نيل المكانة التي يستحقها فى الكرة المصرية. فبعد تأهله للمشاركة في أول بطولة أفريقية للأندية عام 1964 كحامل لقب الدوري المصري، رفضت إدارته سداد الرسوم المادية المقررة وحُرم الشواكيش من تسجيل ريادة تاريخية، وربما من إحراز أول كأس إفريقية لمصر بفضل جيل ذهبي بقيادة الثنائي حسن الشاذلي ومصطفى رياض.

ملعب الكروكيه القديم الذي هدم ليصبح حديقة أطفال، ومكتبة الأهرام الشهيرة التي كانت تحتل باطن مدرجات استاد الشواكيش، كانا معلمان شهيران لا يتذكرهما سوى الأعضاء القدامى للنادي الأزرق. على أرفف تلك المكتبة، ووسط صفوف المطبوعات العديدة، قرأت المانشيت الأغرب على الأطلاق: الزمالك بطل نصف الدنيا.

حدث ذلك صبيحة فوز الزمالك بطل إفريقيا 1996 على بوهانج الكوري بطل آسيا في الموسم نفسه، وإحرازه كأس البطولة الأفروآسيوية، وهي بطولة شرفية تجمع بين بطلي إفريقيا وآسيا للأندية أبطال الدورى أقيمت 11 مرة فقط خلال الفترة من 1986 حتى 1998، ثم توقفت تمامًا.

في آسيا استبعدت تلك البطولة من التصنيف المعد لاختيار بطل القرن العشرين طبقًا لمنظمة الاتحاد الدولى لتأريخ وإحصاءات كرة القدم IFFHS، ولم يختلف الأمر كثيرًا في إفريقيا حيث قرر الكاف أيضًا الاعتماد على البطولات التي ينظمها بشكل مباشر وتشرف عليها لجانه، ما أضر بنادي الزمالك باعتباره الفريق الإفريقي الوحيد الذي يحمل لقبين في هذه البطولة (1988 و1997).

 

تصميم: يوسف أيمن - المنصة

6: بالنقاط أم بالبطولات؟

"أشعر كأننى جزء من قصة خرافية، حيث شهدت انتقال القطن من مجرد نادٍ اجتماعى للعمال إلى نادٍ يلعب نهائي إفريقيا أمام الأهلي".

هكذا تحدث بيتر كابتيني رئيس نادى القطن الكاميروني في حوار منشور على موقع هيئة الإذاعة البريطانية. شركتا مصر للغزل والنسيج وسودوكوتون الكاميرونية، هما ملوك صناعة القطن والمنسوجات في أفريقيا.

أنشأت كل واحدة من الشركتين نادٍ اجتماعي للعمال ما لبث وأن تحول إلى نادٍ رياضي يشارك في المسابقات المحلية والقارية في كل من مصر والكاميرون.

الشقيق الأكبر - نادى غزل المحلة - يقع ملعبه الشهير ذو الثلاث مداخن فى مدينة المحلة الكبرى شمال القاهرة، أما نادي القطن فيتخذ من مدينة جاروا شمال العاصمة الكاميرونية ياوندى معقلاً له.

لا نكاد نجد اختلافًا بين غزل المحلة والقطن، من حيث النشأة أو تشابه النشاط الاقتصادي أو حتى على صعيد المنافسات القارية، فكلاهما لم يحظَ بشرف الوقوف على منصات التتويج الإفريقية، رغم تاريخ مشاركاتهما المشرف.

الجيل التاريخي لفريق غزل المحلة فى السبعينيات قدم مستويات رفيعة ونتائج خيالية خلال منافسات الأندية الأبطال عام 1974 لكنه خسر الكأس في المبارة النهائية أمام كارا برازفيل الكونجولي، ثم عاد واشترك في نسخة عام 1975 لكن توقفت رحلته عند الدور نصف النهائي أمام أينجو رينجرز النيجيري.

أما النهائي الشهير الذي تحدث عنه كابتيني رئيس نادي القطن فقد انتهى عام 2008 بخسارة فريقه لكأس البطولة في قلب جاروا، علمًا بأن نادي القطن سبق له اللعب في نهائي كأس الاتحاد الإفريقي عام 2003 لكنه خسر أيضًا لمصلحة الرجاء البيضاوي المغربي.

غزل المحلة والقطن الكاميرونى، من الأفضل؟

عدد البطولات معيار جاف وجامد، وفي حالتنا تلك لا يعيطنا إجابة. لأن الفريقين ارتقيا إلى الأدوار النهائية عدة مرات، لكن رصيدهما من البطولات صفر.

الاعتماد على عدد البطولات في تقييم أداءات ونتائج الفرق الإفريقية خلال القرن العشرين معناه شطب نتائج كل الفرق التي لم يحالفها الحظ بالتتويج حتى لو خسرت البطولة بركلات الترجيح في المباراة النهائية، وحذف مغامراتهم من سجلات التاريخ، وذهابها طي النسيان كأنها لم تكن.

ولذلك لا توجد جهة واحدة في العالم تعتمد معيار عدد البطولات المجرد لتقييم مشوار نادٍ ما، سواء بشكل شهري أو سنوي أو عقدي أو حتى خلال قرن من الزمان، ولأن معيار النقاط يحمل من الدقة والكفاءة والموضوعية ما يحفظ لنا حقوق الأجيال التي مثلت فرقها وقدمت أداءات ونتائج مبهرة وإن لم تنل شرف الفوز بالبطولة في نهاية المطاف.

في حالة المقارنة بين غزل المحلة والقطن فإن معيار النقاط يفض الاشتباك ويضع حدًا أخيرًا لأوجه التشابه بين الفريقين ويمنح الأفضلية للقطن. فعملاق جاروا يسبق غزل المحلة في تصنيف الأندية الإفريقية خلال القرن العشرين، بعدما استطاع جمع سبع نقاط، مقابل خمس نقاط فقط هما كل رصيد غزل المحلة جمعهم بعد خسارة نهائي 1974 (ثلاث نقاط) وقبل نهائى 1975 (نقطتان).

بالنسبة لأي نادٍ فإن المعيار الأكثر عدالة هو الذى يمنحه الأفضلية. فمسؤولي نادي المقاولون العرب قد يرون مثلًا أن معيار نسبة المشاركة مقابل نسبة الإنجاز هو الأدق. ذئاب الجبل حصدوا لقب بطولة أبطال الكؤوس الإفريقية أعوام 1982، 1983، 1996 من أصل خمس مشاركات فقط في بطولات الأندية الأفريقية، بنسبة نجاح 60%، ورغم ذلك جاء نادي المقاولون العرب في ترتيب الأندية الأفضل في القرن العشرين متأخرًا خلف الزمالك الذي حقق خمسة ألقاب خلال أكثر من عشرين مشاركة بنسبة تقل عن 25%، حسبما نبهنا الكاتب مؤمن المحمدي في كتابه الوثائقي الممتع أهلاوي.

6: صباح الخير يا جوهانسبرج

إلى اليوم، ما زالت جوهانسبرج تستدعي واحدًا من أسوأ ذكرياتي الكروية بعد خسارتنا للسوبر الأفريقى أمام منافسنا اللدود. وإلى اليوم، لا أستطيع الصفح عن محمود الجوهري ابن الأهلى الذي قاد المنافس للتفوق علينا. كما لن أنسى غلاف جريدة أخبار الرياضة الذي تصدرته صورة أيمن منصور صاحب هدف فوز الزمالك، وقد أصبح اسمه "أيمن سوبر".

بعد ساعات قليلة من إعلان الكاف تصدر النادى الأهلى لتصنيف الأندية الإفريقية خلال 50 سنة من البطولات القارية، استضافت جوهانسبرج فى يناير 1994 النسخة الثانية من كأس السوبر الافريقي وجمعت الأهلي بالزمالك.

 كانت المرة الأولى التي ينتقل فيها ديربي القاهرة الشهير إلى أقصى جنوب القارة. هذه المباراة شهدت قرارات تحكيمية غريبة ضد الأهلى الذي رأى لاعبوه -مثل أي فريق مهزوم- أن الحكم ظلمهم، فاعترض بعضهم بحدة أثناء وبعد المباراة، ما أدى لصدور عقوبات مشددة أبرزها إيقاف إبراهيم حسن نجم الفريق لسنة كاملة.

شعرت إدارة الأهلي بالغضب والظلم إزاء تلك القرارات الخشنة، فأتخذت قرارًا كارثيًا بمقاطعة بطولات الكاف، والاتجاه لبطولات الاتحاد العربي. بررت إدارة الأهلي قرارها بعدم جدوى البطولات الإفريقية مقارنة بتكاليفها الباهظة.

وفي رد فعل سريع وحاسم، أصدر الكاف -الذى كان الأهلاوى مصطفى فهمي يشغل منصب سكرتيره العام- قرارًا بحرمان الأهلي من المشاركة فى البطولات الأفريقية لمدة ثلاث سنوات. في تلك الآونة كان الأهلى يمتلك جيلًا ذهبيًا يعيش أزهى عصوره الكروية، لكن عقوبة الإيقاف حرمته من نقل تفوقه المحلي إلى الساحة الإفريقية، ومضاعفة رصيده من النقاط.

قرار إيقاف الأهلى كان بمثابة طاقة القدر لغريمه التقليدى الزمالك للولوج نحو الملاعب الإفريقية الموصدة أمامه بسبب غيابه عن منصة التتويج المحلية أغلب سنوات التسعينيات. وأبناء ميت عقبة لم يفوتوا الفرصة وتمكنوا من تحسين موقعهم في تصنيف الأندية الأفريقية، من فريق يحتل المركز السادس برصيد 19 نقطة عام 1994 إلى فريق يحتل المركز الثاني برصيد 37 نقطة عام 2000 ما جعله المستفيد الأكبر تقريبًا من قرار الكاف بحرمان النادي الأهلي من المشاركة الإفريقية.

 

صورة ضوئية من صحيفة الأهرام

وهنا يحق لنا السؤال؛ هل كان وجود مصطفى فهمي في الكاف لمصلحة الأهلي أم الزمالك؟

من حق أى شخص أو جهة الاعتقاد بعدم عدالة المعايير لأى سبب، لكن الادعاء المختل بأن الأمر كله ثمة لعبة دبرها العالم كله لمجاملة نادٍ بعينه هو محض هراء يجب إزدراؤه وفضح تهافته بشكل حاسم وواضح. أما محاولة السطو على اللقب بشكل غير شرعي، فحسنا فعل الكاف حين رفض استخدام شعاره الرسمي في الترويج لمعلومات كاذبة.

واليوم، ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين، ما زالت الإحصائيات تخبرنا أن لا جديد، النادي الأهلي مازال يتصدر التصنيف، وبفارق بعيد عن أقرب منافسيه.