مظاهرات لمصريين في اسطنبول عام 2013. صورة برخصة المشاع الإبداعي: Kris Fricke- فليكر

بعد التقارب المصري التركي: ما مصير قنوات الإخوان والعاملين بها؟

منشور الأحد 21 مارس 2021

تقارب وتفاهمات سياسية جديدة بين مصر وتركيا وتهدئة إعلامية متبادَلة، لكن لهذا أعراض جانبية كبيرة على مجموعات من العاملين المصريين في القنوات التابعة للإخوان التي تبث من تركيا. الضوابط الجديدة ألقت بظلالها على العاملين في القنوات الثلاثة التي تبث من إسطنبول، وهي الشرق ومكملين ووطن، إذ بات مستقبل هؤلاء، السياسي والمهني معلقًا بمزيد من المفاوضات المصرية التركية حول تطبيع العلاقات بين الجانبين، فضلًا عن الأزمات المالية العاصفة التي يعاني منها شباب الجماعة في تركيا.

ماذا سيحدث لهؤلاء؟ هو ما يجيب عنه هذا التقرير.

لم يكن أحمد عطوان أو زميله عماد البحيري، مقدما برنامج الشارع المصري في قناة الشرق يعلمان شيئًا عن أي تغيير قد يطرأ على السياسة التحريرية للقناة، قبل الخميس الماضي، 18 مارس/ أذار، حين ذهبا للقناة قبل موعد بث البرنامج بوقت كاف لمتابعة إعداد الحلقة، حيث أبلغتهما إدارة  القناة أن اليوم إجازة بالنسبة لهما، في ضوء التعليمات الجديدة التي تلقتها من السلطات التركية، ليغادرا القناة، ويكتفي بعدها عطوان بكتابة آية قرآنية ذات دلالة على فيسبوك "وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً".

 

بوست أحمد عطوان على فيسبوك

وبحسب رسالة جرى تداولها بين العاملين في قنوات الإخوان، الخميس الموافق 18 مارس/ آذار الجاري، واطلعت المنصة عليها فإن التعليمات كانت تخصيص البرامج في قنوات المعارضة عن الشؤون الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، والبعد عن الجوانب السياسية، وعدم ذكر رأس النظام المصري والحكومة، والبعد عن القضايا المصرية العامة بالتدريج خلال مدة أقصاها 3 شهور.

وعندما خرج الأمر للعلن وأصبح حديث وسائل التواصل الاجتماعي بسبب إلغاء البرامج السياسية ذلك اليوم، اضطر المسؤولون عن القنوات للحديث صراحة عن التعليمات التي تلقوها من الجانب التركي، وربما كان هناك اتفاق على إسناد هذه المهمة إلى رئيس مجلس إدارة قناة الشرق، أيمن نور ، الذي ظهر يومها على عدة قنوات منها مكملين والشرق والجزيرة مباشر، لكن كان أصدق مداخلاته وأكثرها وضوحًا، تلك التي قدمها عبر غرفة أنشأها العاملون في تلك القنوات عبر تطبيق كلوبهاوس، حيث تحدث لنحو ست دقائق لم تخل من الصراحة.

كشف أيمن نور عما أثير في الاجتماع مع السلطات التركية، معترفًا أن لغة الخطاب في بعض الأحيان كانت لا تتوافق مع مواثيق العمل الصحفية، ثم قال بوضوح "وأيوه مطلوب مننا تعديل آلية الخطاب".

أشار نور أيضًا إلى أن جزء من المتغيرات هي المصالحات الخليجية، وبداية الحوار المصري التركي، وقال إن ثمة ارتباك داخلي وقع في قناة الشرق، وإن هناك اجتماعات مستمرة مع الزملاء في القناة ومسؤولي القنوات الأخرى. وكان نور حريصًا أيضًا على تكذيب الأنباء التي تم تداولها في هذا التوقيت بشأن وضع عدد من قيادات الاخوان تحت الإقامة الجبرية، أو نية السلطات التركية ترحيل عناصر الإخوان الذين يقيمون على أراضيها.

تركيا توضح موقفها

بسبب تواتر الأنباء عن ترحيل الإخوان أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية، اضطر ياسين أقطاي، أحد مستشاري الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهو يتحدث العربية، إلى الدخول على نفس غرفة كلوبهاوس، وعلى الجزيرة مباشر لاحقًا، وقناة الشرق في اليوم التالي، حيث حرص على نفي تلك الأنباء، نظرًا لأن القانون في تركيا يمنعهم من تسليم اى مواطن لديهم إلى دولة تطبق حكم الإعدام

يبقى أهم ما ذكره  أقطاي هو أن   السلطات التركية لم تكن تتابع القنوات المصرية التي تبث من أراضيها، وجاءها مؤخرا ملاحظة من السلطات المصرية بشأن محتوى هذه القنوات، وأضاف "عندما تابعنا وجدنا بعض الخروقات فطلبنا منها الالتزام بالمواثيق الإعلامية"، وتحدث أيضًا عن أنه "ربما تكون هناك نصيحة لقنوات الإخوان في تركيا بالتهدئة، ولا أعلم إن كان هناك أمر بالإغلاق. لن نسلم الإخوان، ومصر لم تطلب ذلك. لم نعتقل أي شخصية على أراضينا".

 

مستقبل قنوات الإخوان المسلمين بات محل شك بعد تغير الموقف التركي منها، وعندما سُئل أيمن نور في لقائه مع قناة الجزيرة مباشر عن إمكانية رحيل هذه القنوات من إسطنبول لم ينف ذلك الاحتمال، لكنه قال إنه إن حدث سيكون بقرار من القائمين على هذه القنوات، وليس بإملاء من أحد، في حين أن حمزة زوبع لمَّح في برنامجه إلى أن "أرض الله واسعة" وأنهم لو طُلب منهم أن يخالفوا ضمائرهم فيمكنهم وقتها الرحيل من تركيا.

لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فالسلطات التركية أتاحت لهذه القنوات تيسيرات من الصعب أن توجد في أي مكان بالعالم، فوفقًا لأوكتاي يلمز، وهو محلل سياسي مؤيد للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فإن هذه القنوات تُركت تعمل في حالة من الفوضى، ولم يُطلب منها حتى الحصول على تراخيص.

يضاف إلى المشهد معرفة أن التجربة السابقة لقنوات الإخوان في البث من دول أخرى لم تكن على ما يرام، وليس بعيدًا عن هذا ما جرى في فبراير/ شباط 2014 حين أوقفت السلطات اللبنانية بث قناة أحرار 25 وألقت القبض على القياديين بالجماعة مختار العشري ومسعد البربري، وسلمتهما إلى مصر.  

لذا يبقى الطرف الأهم حتى اللحظة في تحديد مصير هذه القنوات هو "الممول القطري"، وهو الوصف الذي استخدمه عاملون في قناة الشرق أثناء خلافهم مع الإدارة، حيث لم يفصح حتى الآن عن موقفه أو ماذا يخطط لهذه القنوات، وهو ما ستنبئنا به الأيام المقبلة.

تهدئة مصرية مقابلة

التهدئة الإعلامية لم تكن من الجانب التركي وحده، حيث قال مصدران منفصلان في قنوات تابعة للمجموعة المتحدة إن تعليمات وصلت لقنوات وصحف ومواقع مصرية يوم الاثنين الماضي الموافق 15 مارس/ آذار، بوقف تناول الشأن التركي، وذلك قبل 3 أيام من طلب تركيا لقنوات تابعة للإخوان المسلمين "تخفيف حدة الانتقاد للنظام المصري، والتركيز أكثر على القضايا الدولية وبرامج الثقافة والمنوعات".

وتضم المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية تحت مظلتها قنوات الحياة، وأون، وسي بي سي، ودي إم سي.

قال واحد من المصادر للمنصة "جالنا توجيهات بوقف الحديث عن تركيا وأردوغان يوم 15 مارس، ومنع تناول أخبار المعارضة التركية والنواب الأتراك المعارضين لأردوغان، ومنع أي خبر عن الأزمة الاقتصادية هناك، وذلك لأجل غير مسمى".

كما وصلت التعليمات عينها إلى المواقع الإلكترونية التابعة للمجموعة مثل الوطن والدستور، فيما تسود حالة من الترقب أروقة المواقع المختصة بالشأن التركي التي تصدر من مصر بتمويل إماراتي، مثل تركيا الآن.   

مصدر ثان يعمل في قناة لا تتبع المجموعة المتحدة قال إن التعليمات ذاتها وصلت لقناتي صدى البلد وبرنامجها الرئيسي على مسئوليتي للمذيع أحمد موسى، وكذلك قناة تن الإماراتية وبرنامجها الرئيسي للمذيع نشأت الديهي الذي يركز فيه على انتقادات المعارضة التركية ضد الرئيس أردوغان، مضيفًا "التعليمات وصلت لصدى البلد وتن بوقف أي شيء عن تركيا إيجابًا أو سلبًا لحين إشعار آخر".

لا تأتي فرادى

خلال هذا الأسبوع يستعد مجموعة من الشباب المفصولين من قنوات إسطنبول، إثر أزماتها المالية السابقة، إلى تحريك دعاوى قضائية أمام القضاء التركي للحصول على مستحقاتهم المالية التي لم ينالوها بموجب التسويات المتفق عليها سابقًا، وذلك بحسب تأكيد مصدر من المفصولين للمنصة، الذي أشار إلى أن الجميع الآن يترقب تحولات كبرى ستحدث في القنوات بعد التعليمات الأخيرة. 

يتصل بهذا السياق المعلومات التي تكشفت بشأن صفية سري، المذيعة السابقة في قناة الشرق التي اختفت عن الشاشة، إثر خلاف مع إدارة القناة، ليتبين مؤخرًا أنها تعمل الآن عاملة في مشغل لصناعة الملابس، وعلق مصدر من شباب الجماعة في تركيا قائلًا "تباكت القنوات خلال الأيام الماضية على الفنانة جيهان فاضل بسبب أخبار أنها تعمل فى سوبر ماركت بكندا، ولم يلتفتوا هم أنفسهم إلى جريمتهم مع صفية سري التي حرموها من الظهور على الشاشات بسبب خلافها مع إدارة قناة الشرق"، حيث وصف الطريقة التي تُدار بها منظومة إعلام الإخوان في إسطنبول بأنها تشبه منطق "العصابات" إذا غضبوا من أحد لا يجد فرصة للعمل، مشيرًا إلى أن قائمة المغضوب عليهم تتسع يومًا بعد يوم. 

مجموعة أخرى من الشباب صدرت بحقهم قرارات فصل مما يسمى بـ"رابطة الإعلاميين المصريين في إسطنبول" التي يديرها حمزة زوبع، وهو كيان الهدف من وجوده تمثيل الإعلاميين المصريين الموجوين في تركيا أمام السلطات التركية، وبالتالي فإن هؤلاء المفصولين سيواجهون أزمات فى تجديد والحصول على الإقامة بعد فصلهم . 

أحد الشباب المفصولين قال للمنصة، "لم يكتفوا بفصلنا من العمل ومحاربتنا في أرزاقنا لكنهم يحاولون تعطيل حصولنا على حق اللجوء الإنساني بكل الطرق الملتوية، ويضعوننا في مأزق أمام السلطات التركية، قد ينتهى بنا إلى السجون".    

أزمة فضائيات الإخوان أتت لتضيف حملًا جديدًا لأثقال شباب الجماعة في تركيا، الذين يعانون أزمات مالية متتالية، وفي يناير/ كانون الثاني 2020 بث أحمد عبد الجواد، أحد النشطاء الموجودين هناك تسجيل فيديو مطول عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، أنه اضطر للعمل في مسح الأحذية والسلالم حتى يتمكن من توفير قوت يومه، رغم أنه كانت تجمعه صداقة بأحد المسؤولين في القنوات، كان يمكن لهذه العلاقة أن تجعله الإعلامي الأول في إسطنبول، لكن هذا لم يحدث لأنه لا يجيد "حمل الشنط" بحسب تعبيره. 

حديث عبد الجواد ليس الوحيد، فهناك آخرون تحدثوا عن اضطرارهم للمبيت في حدائق إسطنبول العامة، بسبب أنهم طُردوا من مساكنهم لعدم تمكنهم من سداد الإيجار ، وآخرون اضطروا أن يُخرجوا أبنائهم من المدارس بسبب ضيق الحال وشظف العيش.


اقرأ أيضًا: خروقات في ثوب الإخوان: اتهامات بالاختلاس وتصفية الحسابات بالمال

 


يُذكر أن هذه الأزمات المعيشية انتشرت بين صفوف عناصر الإخوان في إسطنبول بسبب عمليات التصفية التي أجرتها القنوات الفضائية بعد أن تعرضت لأزمات مالية خلال السنوات القليلة الماضية، وخلال الساعات الأخيرة فإن التوقعات تشير الى أن التعليمات الخاصة بضبط الخطاب الإعلامي قد تؤثر بشكل أو بآخر على العمالة داخل هذه القنوات، سواء اضطرت القنوات للإغلاق تمامًا أو لجأت لتخفيض حجم العمالة، وهو ما يعني تفاقم الأزمات المعيشية لدى الشباب المتواجدين في إسطنبول. 

بؤس العيش الذي يمر به شباب الجماعة في تركيا، سبق أن تسبب في إنهاء ثلاثة منهم حياتهم التي لم تتجاوز أعمارهم خمسة وعشرين عامًا، سنة 2018، بحسب عمر مجدي، أحد شباب الجماعة الموجودين في إسطنبول، الذي قال إن هؤلاء كانوا خرجوا من مصر بعد صدور أحكام ضدهم بالسجن، لكنهم لم يجدوا أي دعم من القيادات فاختاروا الانتحار.   

هل تغير خطاب قنوات الإخوان؟

توجد فروق نوعية بين قنوات الإخوان، حتى وإن كان المضمون متشابهًا، تلفزيون وطن مثلًا  مملوك رسميًا لجماعة الإخوان والناطق باسمها، وبالتالي فإن خطابه يحمل صبغة رسمية إلى حد ما، في حين أن قناة الشرق معروف عنها أنها ذات صبغة أكثر تحررًا من القيود، وربما لهذا السبب هي الأكثر مشاهدة وفقًا للتقارير التى كانت تصدر عن مؤسسة إبسوس قبل توقف نشاطها فى مصر، أما مكملين فهي القناة التي يعمل بها العدد الأكبر من شباب الإخوان، وهي التي تحمست لتقديمهم على الشاشة.

هذه الفروق النوعية أثرت بشكل أو بآخر على التناول الإعلامي للشاشات الثلاثة في ضوء التعليمات الجديدة، لكن تبقى الملاحظة الأهم هي حرص مقدمي البرامج عدم ذكر اسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وصل الأمر مثلًا  إلى أن حمزة زوبع استخدم لفظ "سيكو سيكو" حتى يتجنب ذكر اسمه في برنامجه، على قناة مكملين.

أهم ملامح التغير فى الخطاب كان في قضية سد النهضة، حيث كانت السياسة التحريرية لهذه القنوات فيما قبل تحمِّل بشكل واضح القيادة المصرية مسؤولية أزمة السد، استنادًا إلى توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي على وثيقة إعلان المبادئ، لكن مع التعليمات الجديدة بدأت القنوات تتجه الى الهجوم على إثيوبيا وإصرارها على اتخاذ إجراءات  أحادية بملء الخزان دون مراعاة مصالح مصر والسودان، كما ورد في برنامج كل جمعة على شاشة الشرق.

اما البرامج القائمة على تلقي اتصالات من الجمهور فكان المذيع حريصًا على التعقيب على أي خروج عن النص أو ذكر لاسم الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأن هذا هو رأي الجمهور وأن القناة غير مسؤولة عنه، كما فعل أحمد سمير مقدم برنامج آلو مكملين، رغم أنه كان معروفًا عنه الهجوم بشراسة وربما بألفاظ تحمل تجاوزات على رأس الدولة، ورغم أن محتوى الحلقة كان يهاجم بطء إجراءات توفير لقاحات فيروس كورونا للمواطنين، لكن مقدم البرنامج شرح طريقة الحصول على اللقاح في مصر، استنادًا لبيانات وموقع وزارة الصحة، تمامًا كما يحدث في الفضائيات المصرية الخاصة والحكومية.

بالمقابل؛ فإن محتوى القنوات الثلاث، بحسب متابعة المنصة له بداية من يوم الجمعة وحتى اليوم، تضمن أيضًا هجومًا على سجل مصر في حقوق الإنسان وانتهاكات وزارة الداخلية ضد المواطنين، لكن لهجة الهجوم نفسها اختلفت، ونأت عن الشخصنة أو التجاوز اللفظي كما كان يحدث سابقًا، كما أن الجرعة الترفيهية والدينية ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية شغلت مساحة معتبرة من البث لا تخطئها العين.