مُتَرْجَم| الطريق من صدام إلى دونالد ترامب

منشور الخميس 22 ديسمبر 2016

جون كاسيدي- نيويوركر

اجتمع أعضاء المجمع الانتخابي في كافة الولايات يوم الإثنين الماضي، ليختاروا الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأمريكية. وتزامن مع اجتماعهم طوفان من الكتابات الصحفية، التي حاولت أن تشرح كيف أن مرشحًا لا خبرة له في عالم السياسة ولم تزد معدلات قبوله جماهيريًا في الثامن من نوفمبر/ تشرين ثان –يوم عقد الانتخابات الرئاسية- عن 37.5%، قد تمكَّن من هزيمة سيدة قضت في البيت الأبيض سنوات كسيدة أولى، ثم خدمت كنائبة في الكونجرس ووزيرة خارجية.

لكن الموضوع الصحفي الذي لفت نظري من كل تلك الكتابات، لم يكن متصلاً بالانتخابات بشكل مباشر؛ بل كانت عرضًا لافتًا لكتاب جون نيكسون ضابط المخابرات الأمريكية السابق، الذي كان أول مسؤول استخباراتي يستجوب صدام حسين عقب إلقاء القوات الأمريكية القبض عليه، من مخبأه في حفرة أرضية قرب تكريت في ديسمبر/ كانون أول 2003.  

 

الحفرة التي عُثِر فيها على صدام حسين مختبئًا

رغم أن الصلة بين الحرب التي أزاحت صدام عن مقعده وانتخابات الرئاسة 2016 غير مباشرة؛ إلا أن هذه الصلة محفورة في التاريخ. فلو لم يكن غزو العراق قد وقع، لما مرت المؤسسات السياسية الأمريكية بخيبة الأمل الناجمة عن عواقب تلك الحرب. خيبة الأمل تلك، هي التي جعلت ديماجوجي مثل ترامب يحوز تلك الجاذبية في المناخ السياسي المحلي.

نعم، العديد من العوامل لعبت دورها في صعود ترامب نحو السلطة: تراجع التصنيع، ركود حركة الأجور، النبذ العرقي، الصراع الطبقي، التحيز ضد النساء، والإعلام المرتعش الذي منحه ساعات طويلة مجانية من الإرسال، والأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها منافسته [هيلاري كلينتون] وطاقم حملتها الانتخابية، ومفاجأة اللحظة الأخيرة التي قدمها جيمس كومي مدير المباحث الفيدراليةFBI.

وحقيقة، فإن مشكلة محاولة شرح أسباب هزيمة هيلاري تتلخص في أنها كانت هزيمة حتمية: كل طرح في هذه الشأن سيكون مُقنعًا. لكن النظرة السائدة لتلك الهزيمة، هو أنها تأتي لكون العالم فقد عقله. هذه الرؤية دعمها المناخ الذي خلقته الحروب في العراق وأفغانستان.

يمكنك أن تقول للشعب الأمريكي طوال الوقت أن "داعش" في تراجع، وأنه – إحصائيًا- احتمالات الموت بسبب عملية إرهابية هو احتمال ضئيل جدًا. ولكن عندما قال ترامب خلال حملته: "نحن لم نعد نفوز" دقت هذه الكلمات جرسًا، وعندما وعد بـ"سحق داعش" كان يقول للناس ما أرادوا أن يسمعوه.   

حتى ترامب، انتقد خلال حملته الحرب في العراق، باعتبارها "مقامرة بلا داعي"، رغم أنه أعلن وقتها عن دعمه لتلك الحرب. كتاب جيمس نيكسون "استجواب الرئيس" يمنح ذخيرة إضافية للمتشائمين، وهناك أجزاء متعددة من الكتاب يمكن وصفها بالعاطفية. فهو يؤكد على سبيل المثال: أنه عندما وقع الغزو الأمريكي للعراق في مارس/ آذار 2003، لم يكن صدام حسين يدير البلد فعليًا، "أسلم صدام حسين إدارة الشؤون اليومية للشعب العراقي إلى مساعديه، وكان يقضي معظم وقته في كتابة رواية".

يقول جيمس رايسن محرر الشؤون المخابراتية في صحيفة التايمز في استعراضه للكتاب: "وصف صدام حسين نفسه للسيد نيكسون بأنه رئيس العراق، وكاتب. وشكا لضابط المخابرات الأمريكية أن حكومة الأخير قد صادرت كتاباته ومنعته عن إنهاء كتابه".

قد يكون صدام كاذبًا، ويحاول انقاذ عنقه طبعًا بتنصله من إدارة شؤون العراق. لكن نيكسون صدقه، وكان نيكسون في وضع أفضل من غيره فيما يتعلق بالقدرة على اكتشاف الحقيقة. فبعد دراسته للنظام العراقي في مدرسة الاستخبارات، قضى جيمس نيكسون خمس سنوات في منصب "محلل القيادة العراقية" في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

عرف نيكسون الكثير عن صدام لدرجة أنه تم استدعاؤه هو خصيصًا عقب الغزو لتأكيد هوية صدام، وقد أكدها فعلا بعد إطلاعه على أثر جرح قديم ووشم في جسد الرئيس العراقي الراحل.

في رواية نيكسون للأحداث، فبحلول 2003 كان صدام ابعد ما يكون عن الإعداد لإطلاق وابل من أسلحة الدمار الشامل على حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ كان صدام مشغولاً بالخلاف مع نائبه طه يس رمضان. يتساءل نيكسون: " هل كان صدام يستحق إزاحته عن الحكم؟" ويواصل: "سأتحدث عن نفسي فقط عندما أقول أن الإجابة:لا... صدام لم يكن هو من يدير الحكومة وقتها".

من الصعب أن نبالغ في حجم الكارثة التي أطلقها بوش وتشيني ورامسفيلد وبلير وباول. بين 2003 و2011. ووفقًا لدراسة أجريت عام 2015على يد أكاديميين من الولايات المتحدة وكندا، فإن الحرب والأحداث التي تلتها تسببت في موت حوالي نصف مليون عراقي وغيرهم من الجنسيات التي حاولت الهروب من العراق.

 

مستشفى عراقي دمره القصف الأمريكي

لم تنجم هذه الخسائر الكبيرة في الأرواح كلها عن إطلاق نيران أو انفجارات؛ بل كان بعضها بسبب شرب مياه ملوثة أو غيرها من المشكلات الناجمة عن الصراع، أو من حقيقة ان المستشفيات إما دُمِّرَت أو تلقت حالات أكبر من قدرتها الاستيعابية. ولكن هذه الميتات التي تجاوزت النصف مليون، كان يمكن تفاديها لو لم يقع الاحتلال، وهذا ما توصل إليه الباحثون.

هذه هي الخسائر في العراق فقط! ما يقرب من 7 آلاف مقاتل في القوات العسكرية الأمريكية، فقدوا حياتهم في العراق وأفغانستان. وفي الإطاحة بصدام التي تلاها فشل كبير في تهدئة الاوضاع في العراق؛ قادت الولايات المتحدة تحالفًا انتهى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة كلها، وجاءت عواقبه تراجيدية لتلعب دورًا كبيرًا فيما يحدث الآن في سوريا ومصر وليبيا وتركيا والعديد من المواضع الأخرى.

بالتاكيد غزو العراق لم يخلق الأصولية الإسلامية أو الصراع السني –الشيعي؛ لكن، كما قلت في 2014 عندما أحكمت "داعش" قبضتها على الموصل، فإن الاحتلال فتح صندوق باندورا، وهو ما يعيدنا إلى ترامب.  

بالتأكيد ليس لدى ترامب أية حلول حقيقية ليقدمها. هو ديماجوجي كلاسيكي، قدم للجماهير شعارات واثقة وقليل من الأطروحات المحددة. وخلال اختياره لفريقه المسؤول عن السياسة الخارجية، اختار (أو فكر بجدية) في أناس لديهم رؤى مسبقة قوية، وانحيازات أيدولوجية، وازدراء للعمل الذي تقوم به أجهزة الاستجبارات والمعلومات، ولديهم استعداد لشيطنة أنظمة حكم أو أشخاص، مثلما يفعل الجنرال المتقاعد مايكل فلين (الذي اختاره ترامب مستشارًا لشؤون الأمن القومي)، وديفيد فريدمان الذي اختاره الرئيس المنتخب سفيرًا لدى إسرائيل، وجون بولتون الذي يفكر ترامب في اختياره لمنصب رفيع بوزارة الخارجية.

لدينا جميعًا خبرة الآن بما يمكن لهذه النوعيات من الشخصيات ان تفعله في الدولة، وإلى أي اتجاه سيقودونها. يقول جيمس نيكسون الذي تخصص لسنوات في متابعة صدام، أن الاخير أراد بعد هجمات 11/9 أن يكون هناك تعاون بين بلده والولايات المتحدة في محاربة القاعدة والتنظيمات المتولدة عنها. صدام كان ديكتاتورًا علمانيًا يخشى صعود الأصولية الدينية: " في ذهن صدام، كانت الدولتان حليفتان طبيعيتان في محاربة التشدد.. وكما قال عدة مرات خلال التحقيق معه، فإنه لم يفهم لماذا لم تتمكن الولايات المتحدة من رؤية ما يراه". والسبب كان واضحًا: إنها إدارة بوش التي قررت لأسبابها الخاصة أن تتخلص منه [من صدام] في استعراض عالمي للقوة.

في العراق وسوريا اليوم، تعاونت الولايات المتحدة تكتيكيًا مع نظام ديكتاتوري آخر وهو إيران، في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وبينما كان التقدم بطيئًا، لكنه كان منتظمًا، واضطر مقاتلو التنظيم للتخلي عن قدر لا بأس من الأراضي. وعلى ترامب أن يقرر إن كان سيستمر في هذا المسار؛ أم أنه سيستجيب لنضائح بعض مستشاريه الذين يتبنون موقفًا يميل أكثر نحو المواجهة مع إيران.  

نأمل أن يختار الموقف الأول. على كل حال، هو لن يقدر على الهروب من الإرث السام لمارس/ آذار 2003، التي تبدو الآن نقطة تحول تاريخية. وسيدرك قريبًا جدًا، ما أثق في أن أوباما أكده له خلال مقابلتهما الأخيرة: ليسهت هناك حلول سهلة.