مجلس النوب المصري
مجلس النواب يناقش مشروع قانون الإجراءات الجنائية، 4 نوفمبر 2024

تقرير حقوقي: البرلمان الحالي كرّس "تشريعات سلطوية" وأهمل دوره الرقابي

محمد نابليون
منشور الأربعاء 24 أيلول/سبتمبر 2025

أصدرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، تقريرًا تقييميًا لأداء مجلس النواب في دورته البرلمانية الحالية (2020-2025)، خلص إلى أن المجلس شهد "هيمنة شبه كاملة" للسلطة التنفيذية على عملية التشريع، وأقر قوانين ذات طابع "سلطوي" قيدت الحقوق والحريات، بينما ظل دوره الرقابي "غائبًا وغير فعال".

يأتي هذا التقرير متزامنًا مع رد الرئيس عبد الفتاح السيسي مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لإجراء مزيد من الدراسة بشأنه، استنادًا لاعتبارات تتعلق بالحوكمة والوضوح والواقعية "بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن، ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه"، حسب بيان رئاسة الجمهورية.

وعزا التقرير الميل السلطوي للتشريعات الأخيرة، إلى سيطرة حزب مستقبل وطن، بحكم أغلبيته العددية، على غالبية مشروعات القوانين "نظرًا لطبيعة الماكينة الحكومية والأمنية خلف الحزب والتي تمد أعضاءه بمقترحات القوانين التي ترغب السلطة التنفيذية في طرحها".

ويُرجع المدير التنفيذي للجبهة المصرية لحقوق الإنسان أحمد عطالله، في تصريح لـ المنصة، الهدف وراء التقرير  إلى "إبراز حاجة البلاد الماسة إلى برلمان حقيقي وجاد، ولجنة حقوق إنسان برلمانية، تقوم بدورها الرئيسي في حماية الحقوق والوفاء بالتزامات مصر الدولية"، بما يحسّن أوضاع حقوق الإنسان، وليس فقط إعطاء لمسات تجميلية على واقع من الانتهاكات اليومي".

هيمنة حكومية على التشريع

يكشف التقرير، الذي حمل عنوان "تشريعات سلطوية ورقابة غائبة"، أن الغالبية العظمى من القوانين التي أقرها البرلمان وبلغ عددها 879 قانونًا كانت مقدمة من الحكومة، في حين لم يقدم النواب سوى 16 مشروع قانون فقط بشكل مستقل، معتبرًا أن هذه الإحصائية تكشف عن"ميل ميزان القوى في صناعة التشريع لصالح السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية".

وأشار التقرير، المبني على بحث ورصد مكتبيين لمخرجات ونشرات مجلس النواب، إلى أن العديد من التشريعات التي تم إقرارها، مثل قانون الإجراءات الجنائية وتعديلات قانون مكافحة الإرهاب، تمثل "ردة عن منجزات القانون الحديث" وتعمل على "تقييد الحقوق والحريات وتسمح بانتهاك حقوق الإنسان ومنظومة العدالة".

كان مشروع قانون الإجراءات الجنائية واجه انتقادات حادة خلال مناقشته في البرلمان، حيث رأت منظمات حقوقية أنه "يعيد منظومة العدالة الجنائية عقودًا إلى الوراء"، عبر منح النيابة العامة والشرطة صلاحيات واسعة في مراقبة الاتصالات وتجميد الأصول، وتقييد حق الدفاع، وتقنين التقاضي عن بُعد دون ضمانات كافية، مع استمرار أزمة "التدوير" للتحايل على مدد الحبس الاحتياطي.

رقابة شكلية وغياب للمساءلة

على الصعيد الرقابي، يؤكد التقرير أن أدوات المساءلة الحقيقية، مثل الاستجواب وتشكيل لجان تقصي الحقائق، لم تُفعّل مطلقًا في قضايا كبرى أثارت الرأي العام، أبرزها حادث مقتل 18 فتاة بمحافظة المنوفية على الطريق الإقليمي.

وأورد التقرير مثالًا آخر، وهو قضية الباحث الاقتصادي أيمن هدهود، الذي تعرض في الخامس من مارس/آذار 2022 للاختفاء القسري على يد الأجهزة الأمنية، قبل أن يعلن عن وفاته لاحقًا في التاسع من أبريل/نيسان من نفس العام، داخل مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، في المقابل شككت الرواية الرسمية في سلامة قواه العقلية لتبرير احتجازه.

في الوقت الذي طالبت فيه النائبة راوية مختار في بيان عاجل بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، لم تتم الاستجابة لها، بل واجهت مداخلة مضادة من النائب مصطفى بكري ببيان عاجل حاول فيه حصر الحادثة في بعدها الطبي والنفسي، نافيًا أي بعد سياسي أو حقوقي لها، ومؤكدًا على "عدم وجود ممارسات التعذيب أو الاختفاء القسري في مصر".

ويؤكد التقرير اقتصار النشاط الرقابي للنواب على استخدام أدوات أقل قوة مثل "طلبات الإحاطة" و"الاقتراح برغبة"، تركز بشكل شبه كامل على قضايا خدمية ومحلية في دوائرهم الانتخابية، دون التطرق للملفات الحقوقية والسياسية الجوهرية.

أداء ضعيف للجنة حقوق الإنسان

وخصص التقرير جزءًا كبيرًا منه لتقييم أداء لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، واصفًا نشاطها بـ"المحدودية والضعف".

وحسب التقرير، رصد باحثو الجبهة نحو 15 قانونًا وثيق الصلة بأجندة الحقوق والحريات وحقوق الإنسان، ولم تشترك لجنة حقوق الإنسان إلا في مناقشة خمسة منها فقط وهي: قانون المسؤولية الطبية وحماية المريض، وقانون لجوء الأجانب وقانون الإجراءات الجنائية الجديد، وقانون إنشاء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات.

وأكد التقرير أن مشاركة اللجنة في مناقشة تلك القوانين لم تسفر  عن أي تحسين جوهري في موادها "فباستثناء تعديل قانون العقوبات لتغليظ العقوبات على جرائم التحرش والتنمر، أتت القوانين الأربعة الأخرى غير متوافقة مع التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان".

ففي حالة قانون اللجوء تحديدًا الذي قدمته الحكومة، أيدت لجنة حقوق الإنسان صلاحيته للمناقشة، رغم تضمنه انتهاكات ومخالفات للالتزامات الدولية أبرزها "استخدامه لمصطلحات تجريمية تميّز بشكل غير مفهوم بين طالبي اللجوء الشرعي وغير الشرعي، وزيادة أعباء إثبات اللاجئ لمركزه القانوني، ومنح اللجنة الوطنية المسؤولة عن طلبات اللجوء سلطات تعسفية".

وفي حالة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، شاركت اللجنة في سنّه وتمريره، رغم ما يتضمنه من نصوص استثنائية من بينها "توسيع صلاحيات مأمور الضبط أثناء تفتيش المنازل واتخاذ الإجراءات التحفظية المناسبة وفقًا لسلطته التقديرية دون إذن قضائي مسبق، ودون تحديد دقيق للقرائن المطلوبة. كما تضمن مشروع القانون مواد تنطوي على انتهاك مباشر للحق في الخصوصية"، وهي من بين الملاحظات التي تضمنها اعتراض رئيس الجمهورية على مشروع القانون ورفضه التصديق عليه.

كما انتقد التقرير تركيز اللجنة على أنشطة "توعوية وإعلامية" للرد على الانتقادات الدولية، بدلًا من دورها الحقيقي في الرقابة، مشيرًا إلى أن زياراتها لأماكن الاحتجاز كانت "تنسيقية وذات طابع دعائي" وليست مفاجئة ورقابية.

وقدم التقرير مجموعة من التوصيات للبرلمان المقبل، أبرزها "مراجعة القوانين المقيدة للحقوق والحريات"، وتفعيل أدوات الاستجواب وتقصي الحقائق، وتعزيز دور لجنة حقوق الإنسان في عملية التشريع والرقابة.