ناشد تحالف واسع يضم 23 حزبًا سياسيًا ومنظمة حقوقية ونقابةَ محامين، الرئيس عبد الفتاح السيسي عدم إصدار مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد وإعادته للبرلمان مرة ثانية، لمزيد من الدراسة والنقاش المجتمعي، بعد أن أقرَّ مجلس النواب تعديلات تمثّل "رِدَّة وتراجعًا" عن ضمانات الحقوق والحريات الأساسية، بحسب بيان نشرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
والخميس الماضي، وافق مجلس النواب، نهائيًا على مشروع القانون بعد التصويت على المواد الثماني التي تحفَّظ عليها رئيس الجمهورية، وبينها المادة 105 التي تتيح لعضو النيابة العامة استجواب المتهم دون حضور محامٍ في حالات "الخشية على حياته وفوات الوقت".
وشهدت الجلسة العامة للمجلس خلافات واسعة ورفض من نقيب المحامين عبد الحليم علام لتعديل المادة، وانسحاب الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي اعتراضًا على الأمر نفسه، باعتباره مخالفًا للمادة 54 من الدستور التي تكفل حق المتهم في الاستعانة بمحامٍ أثناء التحقيق.
وأعرب الموقعون على بيان مشترك، ومن بينهم أحزاب التحالف الشعبي الاشتراكي والكرامة، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحملة نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية، عن "خيبة أمل كبيرة" بسبب تجاهل البرلمان للمقترحات التي قدموها سابقًا، والتي استندت إلى نصوص الدستور والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وأوضح البيان أن الاعتراض الرئاسي على بعض مواد القانون كان منح "بارقة أمل" بإمكانية إدخال تعديلات جوهرية عليه، لكن البرلمان "تعامل مع الأمر بشكل متسرع وغير مبرر"، إذ قصر مناقشاته على المواد المعترض عليها فقط، دون مراجعة المواد الأخرى المرتبطة بها، ما أدى إلى "تناقضات تشريعية" أفرغت التعديلات من مضمونها.
وحدد البيان ثلاثة اعتراضات رئيسية على التعديلات الأخيرة، رأى أنها أضعفت ضمانات المحاكمة العادلة بدلاً من تعزيزها؛ وفي مقدمتها المادة السادسة المتعلقة بتأجيل سريان القانون إلى أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما اعتبره الموقعون "إهدارًا لفرصة تطبيق فوري لنصوص إيجابية"، خصوصًا المتعلقة بمدد الحبس الاحتياطي التي كان يمكن أن يستفيد منها المحبوسون فورًا، مشيرًا إلى أن التأجيل كان ينبغي أن يقتصر على المواد التي تحتاج تجهيزات لوجستية فقط.
وتضمنت الاعتراضات التناقض بين المادتين 105 و64، إذ أشار التحالف إلى أن البرلمان، رغم تقييده استجواب المتهم دون محامٍ في المادة 105، أغفل تعديل المادة 64 التي تمنح مأمور الضبط القضائي سلطة استجواب المتهم "في حالات الضرورة" دون النص على وجوب حضور محامٍ، ما خلق تناقضًا تشريعيًا واضحًا بين المادتين.
كما حذر البيان "بشدة" من الصياغة الجديدة للمادة 112، التي استحدثت ما يسمى بـ"الأمر بإيداع المتهم أحد أماكن الاحتجاز بحجة تعذر استجوابه بحضور محامٍ"، واعتبر الموقعون أن هذا الإجراء "بديل جديد للحبس الاحتياطي"، وقد يفتح الباب أمام "حالة اعتقال فعلي دون استجواب"، مع إمكانية تمديد الإيداع بما يشكل "التفافًا خطيرًا على المدد القصوى للحبس الاحتياطي ويهدر حقوق المتهمين".
واختتم التحالف بيانه برفض التعديلات "جملة وتفصيلاً"، مناشدًا الرئيس إعادة مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ في فصله التشريعي المقبل لإعادة النظر فيه "بشكل متأنٍ ومتسق مع الدستور، وبما يضمن تعزيز العدالة الجنائية وصون الحقوق والحريات".
كما حمل البيان المشترك توقيعات حزبي العيش والحرية، والشيوعي المصري وأمانة العمال بحزب المحافظين، ونقابة محامين حلوان، والمركز العربي لدراسات القانون والمجتمع، ومؤسسات حرية الفكر والتعبير، وقضايا المرأة المصرية، والحق لحرية الرأي والتعبير وحقوق الانسان، والمرأة الجديدة، وبيان للحقوق والحريات، ومبادرة ميزان للقانون، وثيميس لسيادة القانون، ومكتب حرية المحاماة- هالة دومة وشركاها، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمنبر المصري لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وإيجيبت وايد لحقوق الإنسان، والمركز الاقليمي للحقوق والحريات، ومركز دفاع- خالد على للمحاماة.
كان رئيس الجمهورية اعترض على ثماني مواد من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ورده إلى لمجلس النواب الذي وافق عليه نهاية أبريل/نيسان الماضي، وذلك بعد انتقادات أممية وحقوقية محلية "لما يتضمنه من إقرار نظام للمحاكمات عن بعد دون ضمانات كافية، وتوسيع سلطة النيابة العامة فيما يتعلق بالحجز لدى الشرطة والحبس الاحتياطي، ومنحها سلطة تقديرية واسعة في منع المحامين من الحصول على ملفات القضايا، ومحاضر التحقيقات بدعوى مصلحة التحقيق".