علّقت السلطات التونسية، أمس الجمعة، نشاط جمعية "صحفيي نواة" التي تدير موقع "نواة" الاستقصائي المستقل لمدة شهر، وفق ما أعلن الموقع ونقابة الصحفيين التونسيين، فيما قضت محكمة بسجن المحامي والقاضي الإداري السابق أحمد صواب، المعروف بانتقاداته الحادة للرئيس قيس سعيد خمس سنوات، في توسع جديد لحملة تستهدف المعارضة والمجتمع المدني التونسي.
ورغم تأكيدها على تنفيذ القرار، اعتبرت الجمعية تعليق أنشطتها لمدة شهر متعسفًا، مشددة على أنها ستطعن عليه، وقالت في بيان "لن تجف أقلام نواة ولن يخمد صوتها".
من ناحيتها، أدانت نقابة الصحفيين التونسيين القرار واعتبرته "تصعيدًا خطيرًا في سياسة ضرب حرية التنظيم واستهداف الإعلام المستقل"، وفق ما جاء في بيان أكدت فيه رفضها توظيف الإجراءات الإدارية والأمنية لتكميم الأفواه وإخضاع المجتمع المدني.
ودعت النقابة إلى رفع كل القيود المفروضة على الجمعيات والمؤسسات الإعلامية المستقلة والعودة إلى احترام الدستور والمعايير الدولية لحرية التعبير والتنظيم.
وربطت النقابة القرار بـ"المسار الممنهج لتضييق الفضاء العام، وهو في جوهره محاولة لإسكات أحد أبرز المنابر الإعلامية الاستقصائية المستقلة في تونس، واعتداء صارخ على حق الصحفيات والصحفيين في العمل الحر"، محذرة من أن استمرار هذه السياسات لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة السياسية والاجتماعية وإضعاف الدولة أمام الرأي العام الوطني والدولي.
والأسبوع الماضي، واصلت السلطات التونسية استهداف منظمات المجتمع المدني، وعلقت نشاط "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" لمدة شهر، في خطوة مماثلة للإجراء الذي طال "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" مؤخرًا.
وتقول السلطات إن القرارات تأتي على خلفية تدقيق مالي مرتبط بالتمويل الأجنبي، لكن نشطاء في حقوق الإنسان يقولون إن الهدف الحقيقي هو إسكات الأصوات المعارضة والمجتمع المدني، فيما تشير نقابة الصحفيين إلى أن جمعية "نواة" خضعت خلال أكثر من سنة إلى تدقيق مالي شامل، ومدت السلطات بكل الوثائق التي طُلبت منها وأجابت على مختلف المراسلات في إطار احترامها للقانون.
وتأسست "نواة" عام 2004 خلال سنوات حكم زين العابدين بن علي، وعُرفت بتغطياتها في ملفات الفساد السياسي والأمني، ونشر تحقيقات استقصائية حول السلطة ومراكز النفوذ.
وفي تطور موازٍ، أصدرت محكمة تونسية أمس، حكمًا بالسجن خمس سنوات على المحامي والقاضي الإداري السابق أحمد صواب، المعروف بانتقاداته الحادة للرئيس قيس سعيد، بعدما اعتقلته السلطات في أبريل/نيسان الماضي بعد انتقاده النظام وقوله إن "القضاة يعملون بسكاكين على رقابهم"، في إشارة إلى الضغوط السياسية التي قال إنها تُمارس على الجهاز القضائي.
وقال محاميه سامي بن غازي إن الحكم "يستند إلى تعبير مجازي فُسّر بشكل عقابي"، معتبرًا أن "صواب مسجون مكاننا جميعًا". وذكر محامون أن الجلسة استغرقت دقائق قليلة، في غياب صواب الذي رفض المثول عن بعد، معتبرين ذلك "سابقة خطيرة".
ومنذ يوليو/تموز 2021، حين أعلن الرئيس توليه صلاحيات واسعة وحل البرلمان ثم الحكم بمراسيم، تقول منظمات حقوقية إن تونس شهدت تراجعًا مستمرًا في استقلال القضاء وحرية التعبير.
وأقال سعيد عشرات القضاة عام 2022، وحل المجلس الأعلى للقضاء، وهي خطوات وصفتها معارضة وحقوقيون بأنها "انقلاب على المكاسب الديمقراطية".
وتشير تقديرات نقابية وحقوقية إلى وجود ما لا يقل عن خمسة صحفيين وقرابة عشرة ناشطين في السجون، إضافة إلى تجميد حسابات مصرفية لعدد من المنظمات والجمعيات.
وتصف النقابة الوطنية للصحفيين الوضع الحالي بأنه "عودة إلى مناخات الخوف التي كان التونسيون يظنون أنهم تجاوزوها بعد 2011"، معتبرة أن الإعلام الرسمي "أصبح بوقًا للسلطة".
في المقابل، يرفض الرئيس سعيد تلك الاتهامات، مؤكدًا في خطابات متكررة أن "الحريات مضمونة" وأنه لن يتحول إلى "ديكتاتور"، مضيفًا أنه يسعى إلى تطهير البلاد ممن يسميهم "الخونة والفاسدين".