ناشدت أسر عدد من السجناء والمحبوسين احتياطيًا في قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير الرئيس عبد الفتاح السيسي إصدار عفو عام يشمل جميع المقبوض عليهم في قضايا مماثلة، وذلك خلال ويبينار نظمه المركز العربي لدراسات القانون والمجتمع، الجمعة الماضي، لمناقشة أوضاع المحتجزين بسبب آرائهم السياسية في مصر.
امتد ويبينار المركز العربي، الذي تأسس في باريس عام 2018، قرابة الساعتين، وتحدث خلاله 4 من أقارب المحتجزين؛ الأكاديمية ندى مغيث زوجة رسام الكاريكاتير في المنصة أشرف عمر، وسلوى رشيد زوجة القيادي العمالي شادي محمد، ورفيدة حمدي زوجة المتحدث السابق باسم حركة شباب 6 أبريل محمد عادل، وسارة محمد شقيقة السجين عمر محمد علي.
كما شاركت الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان سولافة مجدي، إلى جانب مؤسس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد.
عقاب جماعي
خلال ويبينار المركز العربي، الذي يعرِّف نفسه باعتباره جمعية فرنسية غير هادفة للربح، قالت الأكاديمية ندى مغيث، إن توجيه اتهامات "الانضمام لجماعة إرهابية لشخصيات سلمية مثل رسامي الكاريكاتير والأكاديميين يعزز شعور المواطنين بانعدام المصداقية".
ويواجه زوجها أشرف عمر الذي أُحيل للمحاكمة الشهر الماضي بعد 16 شهرًا في حبسه منذ القبض عليه في يوليو/تموز 2024، اتهامات بـ"مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وارتكاب جريمة من جرائم التمويل، والإرهاب بالأموال والبيانات والمعلومات"، وهي اتهامات جديدة كليًا لم يتم التحقيق معه فيها أمام نيابة أمن الدولة، حسبما أوضح المحامي الحقوقي خالد علي سابقًا.
"هل سيُحاكم زوجي أمام قاضٍ طبيعي، أم أمام قاضٍ يصدر حكمه مسبقًا بناءً على الاتهامات؟ وهل تهتم هذه المؤسسات فعلًا بضمان حقوقه؟"، قالت ندى مغيث، متمنية محاكمة عادلة لزوجها "لأن الأحكام غير العادلة لا تصيب الشخص وحده، بل تمتد إلى أسرته ومحيطه الاجتماعي".
ولم تُحدد بعد جلسة لمحاكمة أشرف عمر في القضية رقم 11846 لسنة 2025 جنايات التجمع الخامس.
تتشابه الاتهامات بين أشرف عمر والقيادي العمالي شادي محمد المحبوس احتياطيًا منذ سنة وسبعة أشهر على ذمة قضية "بانر دعم فلسطين"، إذ يواجه الأخير اتهامات "تأسيس جماعة إرهابية والانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وتكدير السلم العام والاشتراك في تجمهر الغرض منه الإخلال بالنظام العام"، وتقول زوجته سلوى رشيد إنه قبض عليه "لارتباطه بأشخاص شاركوا في وقفة تضامنية مع فلسطين، رغم إنه لم يشارك فيها".
وانتقدت عدم اتساق حبس زوجها مع الخطاب الرسمي الداعم للحقوق الفلسطينية، وقالت "منين بنقول إننا ساهمنا في إنهاء الحرب وبنقبض على الشباب اللي بيتضامنوا مع القضية الفلسطينية؟".
أما المتحدث السابق باسم حركة شباب 6 أبريل محمد عادل فوضعه مختلف، إذ كان مقرَّرًا الإفراج عنه مع انتهاء مدة عقوبته في فبراير/شباط الماضي، لكن بسبب احتساب المدة من وقت صدور الحكم، فقد يخرج في سبتمبر/أيلول 2027.
ويقضي محمد عادل حكم بالسجن أربع سنوات في القضية رقم 2981 لسنة 2023 بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، رغم قضائه أكثر من خمس سنوات في الحبس الاحتياطي قبل صدور الحكم.
وخلال الويبينار، شكت زوجته رفيدة حمدي من قلة الزيارات وتعقيدات إجرائها، وهي شكوى كررتها في أوقات سابقة، آخرها سبتمبر/أيلول الماضي، عندما أعلن عادل عن الإضراب عن الطعام، فكان رد إدارة السجن بمنع زوجته عن زيارته، ثم نقله إلى من سجن جمصة إلى سجن العاشر من رمضان 4.
بالإضافة إلى ذلك لفتت إلى أن استمرار حبسه يزيد احتمالات حرمانها من الإنجاب، وهو ما سبق وأوضحته في التماس قدمته للسيسي في يونيو/حزيران الماضي.
مخاوف رفيدة حمدي لا تقتصر على الحرمان من الزيارات والإنجاب فقط، إذ تخشى كذلك من تدوير زوجها على قضية جديدة بعد انتهاء مدة الحكم "عندنا قضايا تانية ممكن تتحال ويتحكم فيها بأربع أو خمس سنين، ويخرج بقى سنة 2050 أو ميخرجش خالص".
وفي كلمتها، عبرت سارة محمد علي، شقيقة عمر محمد علي، عن استيائها من استمرار حبسه رغم تقديم الأسرة طلبات متعددة للعفو، مضيفة "قدمنا أكثر من طلب عفو، ومرة تلقينا اتصالًا من الداخلية يؤكد خروجه في احتفال 25 يناير 2021، لكن محصلش، بعدين عرفنا السبب إنه بيدفع ضريبة انتماء والده لجماعة الإخوان والذي قُتل في أحداث رابعة عام 2013".
تفسر سارة علي استمرار حبس شقيقها "الدولة مش عايزاه يطلع عشان ميتقالش إنها بتفرج عن أبناء الإخوان، أخويا محبوس 11 سنة ومفروض يكمل لـ25 سنة بسبب اختيار أبوه" على حد قولها.
ويقضي عمر، الذي كان يبلغ من العمر 22 سنة وقت صدور الحكم عليه في مايو/أيار 2016، حكمًا عسكريًا بالسجن المؤبد على ذمة القضية رقم 174 لسنة 2015 جنايات غرب عسكرية، بتهم "الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، وحيازة سلاح ناري وذخائر بدون ترخيص، وإفشاء سر من أسرار الدفاع عن البلاد".
تبييض السجون
وبينما دعا مدحت الزاهد إلى تبييض السجون (إخلاؤها من المسجونين سياسيًا)، أشار محمد السادات إلى الإفراج عن بعض المحبوسين في الفترة الماضية بعد "فتح قنوات حوار مع جهات أمنية ونيابات متخصصة"، وهو ما لا يعكس الواقع، إذ لم تشهد الفترة الماضية سوى الإفراج عن علاء عبد الفتاح، وإعلان النيابة العامة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إخلاء سبيل 38 متهمًا على ذمة قضايا تجري نيابة أمن الدولة العليا تحقيقات فيها، بينهم متهمين في قضايا "دعم فلسطين"، فضلًا عن تجميد أعمال لجنة العفو الرئاسي دون قرار رسمي، وهو ما يؤكد السادات أيضًا.
وأشار السادات إلى وجود "إرادة سياسية للتخفيف من الملفات المتعلقة بالسجون"، لكنها "تخضع لاعتبارات أجهزة معينة توافق أو ترفض أو تقترح الانتظار شوية" على حد قوله.
وعن تجميد لجنة العفو، قال إن الإفراج لا يعتمد عليها ولا على المجلس القومي لحقوق الإنسان "بل على الإرادة الفعلية لدى صانع القرار".
واعتبر منسق الويبينار محمد عادل الحبس الاحتياطي "جريمة وسخرة" إذا لم تُحتسب مدته ضمن العقوبة الفعلية، داعيًا المجلس القومي لحقوق الإنسان للانخراط بفعالية في متابعة التعويضات وضمان حقوق المحتجزين.
بدوره، دعا مدحت الزاهد إلى وضع جدول زمني يمتد لسنة أو سنتين لتبييض السجون، مؤكدًا أن فتح نوافذ الحرية وضمان حق الاختلاف يمثل ضرورة وطنية ومجتمعية لضمان التنوع في المجال العام.
والشهر الماضي، أعلنت مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية وأكثر من 50 شخصية عامة وأسر مُعتقلين، تأسيس "لجنة الدفاع عن سجناء الرأي" تحت شعار "مصر بلا سجناء رأي" بهدف توحيد الجهود المدنية والقانونية لتبييض السجون والإفراج عن المسجونين على خلفية قضايا متعلقة بحرية التعبير والعمل العام، والتأكيد على حقهم في الإفراج الفوري وضمان أوضاع احتجاز تتفق مع القانون.
وحسب البيان التأسيسي، تستهدف اللجنة تقديم الدعم القانوني لسجناء الرأي والسياسة، وتلقي البلاغات حول الاحتجاز أو الإخفاء القسري، ومتابعة ظروف الاحتجاز داخل السجون، وإصدار تقارير دورية عن أحوالهم ونشرها للرأي العام في وسائل الإعلام والجهات المختصة، إلى جانب التواصل مع وسائل الإعلام لمتابعة التطورات ذات الصلة.