برخصة المشاع الإبداعي- Joe Haupt- فليكر
من زواج الأميرة ديانا والأمير تشارلز

الأميرة ديانا والحذاء البلوري

منشور الجمعة 19 مايو 2023

تخطر على بالي كثيرًا هذه الأيام سندريلا وقصتها بالتحول من فتاة تعيش ظروفًا صعبة مع زوجة أبيها إلى الفتاة التي تفوز بقلب الأمير الذي يبحث عن صاحبة الحذاء البلوري، ومدى تقاطعها مع حكايات أميرات العصر الحديث.

بحثت فوجدت أن أحد أصول الحكاية يرجع إلى العصور القديمة، ويحكي عن الغانية رودوبيس، التي يخطف النسر حذاءها ويسقطه على حجر ملك فرعوني يبدأ مهمة البحث عن صاحبة الحذاء، ويتزوجها. 

تقول مصادر إن قصة سندريلا والقصص الخيالية الأخرى هي جزء من التاريخ المحكي للشعوب، الذي سبق التدوين والنشر. وقد أُدخلت عليها العديد من العناصر الثقافية الخاصة بكل حضارة تداولتها.

لكنها أخذت شكلها المعروف لنا اليوم في القرن السابع عشر مع الكاتب الإيطالي جيامباتيستا باسيل، ومن ثم مع الكاتب الفرنسي تشارلز بيرو، لتصبح قصة محببة في ثقافات مختلفة وأعيدت كتابتها مرات كثيرة وبكل لغات العالم المحكية. كل النسخ نُسجت حول نفس السمة المُمَيزة؛ فتاة بائسة يغير الأمير الوسيم مجرى حياتها ومصيرها. 

داعبت القصة مخيلة الكثير من الفتيات وتأثرن بها على مر العصور، ولا يزلن. ويعاد إنتاجها قصصًا وأفلامًا ومسرحيات، وستجد أن فتاة في بيرو مثلا تشترك في حلم الأمير والفرس الأبيض مع فتاة أخرى على الطرف الآخر من العالم.

لكننا جميعا لا نعرف النهاية الحقيقية للقصة التي تنتهي صفحاتها على مشهد سندريلا في حضن الأمير، بعد أن يناسب مقاس الحذاء قدمها "الفريدة". هل ظل يحبها؟ هل أحبها أصلًا؟ هل أجادت لعب دور الأميرة الذي وجدت نفسها فيه لمجرد أن مقاس قدمها ناسب الحذاء؟ 

حقيقة، لا تملك سندريلا أي ميزة تجعلنا نعجب بشخصيتها سوى جمالها، فلم تتحدث القصة عن براعتها في أمر ما، أو ذكاء فذ تمتلكه. كل ما في الأمر أننا نتعاطف معها لظروفها الصعبة ونفرح بأن الدنيا "عوضتها بابن الحلال" الذي سيأخذها إلى قصره. 

شهدنا مؤخرًا تتويج الملك تشارلز الثالث مع زوجته كاميلا التي حصلت على لقب عقيلة الملك، وليس الملكة بأل التعريف. بدا المشهد وكأنه عرض في فاترينة محل أنتيكات تعود للقرون الوسطى، فلا الأمير شاب كما في القصص، ولا الأميرة إحدى معذبات الأرض التي أنقذها لتعيش في قصر ويندسور. 

الناس، وبشكل تلقائي، عقدوا مقارنة بين مشهد التتويج ومشهد جنازة أميرة العصر الحديث ديانا؛ الزوجة الأولى لتشارلز والتي تخلى عنها لصالح علاقته وحبه الأول، وعلى ما يبدو الأخير، كاميلا. تحسر الناس على الأميرة الشابة بسيل من الكراهية انصب على الزوجة الأقل جمالًا، وحتمًا الأقل شبابًا وشعبية.

لم تحظ ديانا بقلب الأمير ولم يبادلها الحب كما ذكرت في مذكراتها

لم تكن ديانا هي الأخرى معذبة في حياتها، بل على العكس تنتمي إلى أسرة بريطانية أرستقراطية، اُختيرت عروسًا للأمير بمعايير تتطابق مع معايير حذاء سندريلا. لم تجمعها بالأمير الشاب حينها علاقة حب، أو أي علاقة من أي نوع، بل كانت صديقة لأخويه الصغيرين في طفولتهم بحكم تقارب العائلات.

وكان تشارلز يواعد شقيقة ديانا الأكبر سنًا! لكن تم استنساب الأخت الصغرى لتكون العروس المحتملة. رُتب الأمر على طريقة زواج الصالونات، وقُدِّر لابنة العشرين عامًا أن تصبح فردًا من العائلة المالكة البريطانية. 

أجادت الدور وأتقنت تفاصليه، بوجهها الطفولي ونظرتها الحالمة استطاعت أن تأسر القلوب حول العالم، ومنحتها الصحافة لقب أميرة القلوب. كلنا ذبنا بحب الأميرة التي تشبه جميلات الفيري تيلز، بفساتينها ومجوهراتها صارت أيقونة للفتيات حول العالم، يعزز مجرد وجودها، حلم الأمير الفارس.

تولت مهامها الخيرية كفرد من الأسرة المالكة، واستمرت بها حتى بعد الانفصال، وكانت الوسيلة التي أبقتها تحت الأضواء كرمز عالمي لعمل الخير. لتحل محلها لاحقًا مغامراتها العاطفية الطائشة، ومن ثم حادث موتها الذي تدور حوله الكثير من نظريات المؤامرة عن تورط العائلة المالكة، بل والملكة شخصيًا بمقتلها.

وفي المحصلة بقيت ديانا حديث الناس في حياتها ومماتها. تُحكى قصتها من جيل إلى جيل، وهذا ما يفسر تأثر فتيات صغيرات اليوم بقصتها وفجيعة موتها. 

لكن تشارلز خرّب لنا الحدوتة وأفسدها. كان يجب أن يحب الجميلة فقط بسبب جمالها ومقاس قدمها اليسرى

لم تحظ ديانا بقلب الأمير ولم يبادلها الحب كما ذكرت في مذكراتها. قدمت نفسها كضحية تعاني من "قسوة العيش" كأميرة، ما ضرب قصص الخيال في مقتل درامي قلب المعادلة تماما، وأتاح لنا بشكل كاريكاتيري معرفة بقية القصة: بعد أن يتزوج الأمير الفتاة الشابة، تصبح حكاية الحذاء البلوري مملة وغير كافية لبناء حياة سعيدة. 

ولو دققنا في الأمر قليلًا، سنكتشف أن تشارلز نفسه، بغض النظر إن كنا نحب شخصيته أم لا، هو النموذج الأكثر واقعية لقصص الحب صعب المنال. الشخص الذي دافع عن حبه ودفع الأثمان الحقيقية. 

تعود قصة حب تشارلز وكاميلا إلى ما قبل زواجه من ديانا، تجمعهما صداقة عميقة والكثير من القواسم والاهتمامات المشتركة. لكن كاميلا لم تكن الخيار الأنسب بحسب معايير الأسرة المالكة، ما حال دون ارتباطهما. وضع استمرار علاقة الحب بينهما، حتى بعد زواج كل منهما، الجميع أمام أمر واقع: أن تشارلز مستعد للتنازل عن العرش وعن فرصه بأن يصبح ملكًا مقابل زواجه من كاميلا. 

لكن تشارلز لم ينل سوى الغضب، وأجرؤ على قول والكراهية! لأنه خرّب لنا الحدوتة الحلم، وأفسدها في عقولنا. كان يجب أن يحافظ على السردية كما هي، وأن يحب الجميلة التي تستحق، فقط بسبب جمالها ومقاس قدمها اليسرى، أن تحظى بكل نعم الحياة، كي نشعر أن كل شيء على ما يرام. 

أكيد أن علاقة تشارلز بكاميلا وهما بخريف عمريهما ليست بالمثالية، لكنها على الأقل قدمت لنا نموذجًا واقعيًا عن قصص الأميرات يغير مفاهيم كنا نحسبها هي الحقيقة المطلقة، عن أن الحب والسعادة من نصيب الجميلات فقط. ربما هذا ما يسمونه النضج، من يدري! 

 

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.