مظاهرة القوى الإسلامية بميدان التحرير يوليو/تموز 2011. تصوير: Alisdare Hickson

دليل العلماني الحزين

منشور الأربعاء 29 مارس 2017

مرت قبل أيام  ذكرى استفتاء  19 مارس/آذار 2011، حين قالت الصناديق للدين نعم، في زعم شيخ ما.

المشكلة ليست في أن الإسلاميين سيوافقون على هذه العبارة، بل إن بعض العلمانيين سيوافقون عليها أيضًا.

لا يلتفت أحد إلى ملايين من الشباب المدني الذي فضّل التصويت بنعم من أجل أن يرحل العسكر. ولا يلتفت أحد لملايين من المصريين كانوا يشتاقون ويُصدقون، موضوع "العُرس الديموقراطي". بدا المصريون وكأنهم محمد سعد، الذي تقدم لاحسًا الكاميرا في فيلم شهير صارخًا "إدونا فرصة بقى".

لا، ليس سخرية من الناس. صدقني، بل هي دُعابة يمكنك اعتبارها ثقيلة الدم، عن هذا الهياج الجنسي الذي انتاب المصريون للتصويت. هذا الإقبال الشديد المبرر تمامًا، والذي أوافق عليه بانفتاح. أراد الناس أن يمارسوا الديموقراطية، بعد ثورة وعدتهم بها، بدا لهم كلام العسكر معقولًا وبدت لهم أن هذه فاتحة طريق جديد.

اقرأ أيضًا: رئيس البواقي والفُضَل

لا، لا أحد يلتفت لهذا، بل يتبارى الإسلاميون والعلمانيون في تصديقها. الإسلاميون يتباهون بما فازوا به، والعلمانيون يصرخون بأنه لا حل مع هؤلاء الأوباش الهمج إلا بالدبابة. شيء مفزع، خاصة، حين نتذكر الحقائق التالية:

1- في الانتخابات البرلمانية حصل الإخوان المسلمون، في عز مجدهم وسطوتهم والتهليل والتطبيل لهم على 41% من مقاعد المجلس، وهذا بالتحالف مع أحزاب علمانية صغيرة مثل حزب حمدين صباحي. (نعم حمدين صباحي، أنتَ لم تخطئ في قراءة الاسم)

2- ارتباطًا بالنقطة السابقة، فقد يقول أحدهم إن السلفيين والإخوان قد استأثروا بـ70% من المجلس، ألا يعني هذا أن هناك مدًا إسلاميًا؟ الحقيقة أنه لا يخفى على أحد أن العلاقة بين الإخوان والسلفيين ليست على أفضل حال. نعلم ما صنع الحدّاد بينهما، ونعلم أن"الغاوون"-الاسم الحركي للإخوان لدى السلفيين—هم غاوون فعلا.

ويمكنني أن أذكرّك أيضًا بأن 30% من المجلس ذهبت لثلاثة أحزاب تأسست قبل الانتخابات بأقل من أربعة أشهر، بالاضافة إلى حزب الوفد. يمكنك تخيل ما يمكن أن تؤول إليه الامور اذا ما فكرت ايضًا في النقطتين المقبلتين. 

3- حصل محمد مرسي على مقعد رئيس الجمهورية بأقل من 52% من اجمالي الاصوات.

4-صحيح أنه تمت الموافقة على مشروع الدستور في عهد محمد مرسي. من الصعب جدًا أن تكون نتيجة أيّ استفتاء في العالم بـ"لا" عامة، ولكن الموافقة كانت بنسبة 63% فقط من المصوتين. ورفضته العاصمة بكل ثقلها وتعدادها السكاني وكادت الاسكندرية، أكبر مدينة بعد القاهرة، ترفضه إلا أن النتيجة أسفرت عن "نعم" في الساعات القليلة النهائية وبفارق واحد في المائة.

هل يتذكر أحد ذلك؟ أم أن هذه الحقائق قد ضاعت بين أهواء الفريقين؟!

من ينكر أنه في عشية 30 يونيو/حزيران 2013، كانت شعبية الإخوان في أدنى مستوياتها؟ ومن ينكر الإمكانية الكبيرة لهزيمتهم في أي تصويت حر في هذه الفترة، عِوضا عن رمي الناس بالرصاص؟!

لا، هذا ليس مهمًا. المهم هو المعركة بين الجماعتين. الجيش والإسلاميين على الثروة والنفوذ. وكل ما عدا هذا لا يهم.

نجلس بجوار العلماني الحزين، الذي يقول إن كل هذا صحيح، ولكن من يضمن الغد؟ من يضمن الصندوق بعد كل ما جرى؟ لقد أذلنا الإخوان برجلٍ قُتِل ظُلما (وهذا صحيح بصرف النظر عن اختلافنا معهم) فما بالك بألفٍ من الناس على أقل تقدير؟

قد يقول لنا العلماني الحزين، الذي لم يتورط بصدق في التعمية على الجنرالات أو في شرعنة المذابح؛ إن الإسلام السياسي، مهما كان اسمه، إن وصل فلن يعفو، ولن يفرق بين علماني طيب وعلماني شرير، ربما حتى سيقولون إن العلماني الطيب هو العلماني الميت.

 

أعرفُ شخصيًا أناسًا علمانيين أثقُ تمامًا في نزاهتهم واحترامهم وإنسانيتهم، تحولوا إلى كتلٍ من القلق تتدحرج على الأرض إبان حكم الإخوان. كان مجرد رؤية الذقون التي تستطيل مزعجة، والإخوة الذين بدأوا في نصيحة وشتم السيدات "غير المحتشمات" في وسائل النقل مقلقة.

أتذكرُ أنني قرأت مانشيت في صفحة الأهرام الأولى يصف المعارضين بـ"الخوارج" وغير ذلك من النعوت الإسلاميةِ الطابع. ووجدت نفسي أتساءل عن العلاقة ما بين السلطة والجماهير. (بالمناسبة كان رئيس تحرير الاهرام ساعتها هو نقيب الصحفيين الجديد. ألف مبروك.)

صحيح، كل هذا صحيح، وكل ما نخوضه هو رهان غير مؤكد، ولكن ما يبدو لي هو أنه كلما استمرت هذه السلطة الغاشمة فوق مقاعدها، كلما ازدادت سطوة الإسلام السياسي وتأثيره.

 العسكرُ يستفيدون من فزاعة الإسلام السياسي. والإسلام السياسي ينتشر تحت اسم المضطهد. ينتشر تحت جبن حكامٍ عن الاصلاح، أو جهلهم، أو تدينهم المتطرف هم أنفسهم، بعيدًا عن أقنعة المدنية حليقة الذقن. الإسلام السياسي ينتشر لأن الجهل بالعالم وبالعلم وبالتاريخ ينتشر. وما دخل الدبابات بالثقافة، وما دخل البندقية بالحبر؟

الخوف من ردة غاضبة للإسلام السياسي إثر القمع له ما يبرره، ولكنّ استمرار القمع يعني تأكيد الاجابة، وليس العكس. قد نحاول أن نفكر ونقول إن القمع الناصري هو من حوّل الإخوان لجماعة شبه علمانية، فلِمَ لا تدور جولة جديدة نُحوّل فيها السلفيين إلى إخوان أيضًا؟

 حسنًا. أنا لا أري ذلك واردًا.  يمكن أن نفكر أنه في عام 1952 كان ثلثا القوى في الشارع المصري  علمانية من شيوعيين وليبراليين ووفد، ويمكن ان نقول أن ثلثها كان للاسلام السياسي، بعد 60 عامًا من القمع على تباين شدته، ماذا كانت النتيجة؟!

المجتمع المفتوح الحديث هو المجتمع القلِق. المجتمع الذي يضع نفسه أمام تحدٍ وجودي متجدد في كل يوم. كل تجليات الفن العظمي جاءت من اضطراب وقلق وبحثًا عن الصيغ المثلى للأسئلة.

في عالم صرنا نراه بلا إجابة. إن لم يكن العلماني الحزين مستعدًا للدفاع عن نفسه، للدفاع عن وجوده وطريقة حياته، وأن يتحمل القلق المصاحب لكل هذا، فأنا اخشى أن جيوش الدوجما، الذقون الكثيفة التي لا يساورها شك، سيكون لديها فرصة لا يستهان بها لطرده من التاريخ.

عامة، يمكن للعلماني الحزين أن يفضل حزنه على القهوة فحسب، ويمكن أن يقلق، أيضًا، من وشاية مخبر أو من بطش فاسد. يمكنه أن يقلق أيضًا على عيشٍ أصبح لا يجده، ويمكنه أن يقلق أيضًا من الدواء الذي قد لا يجده هو أو أسرته، ويمكنه أن يكف عن القلق بشأن الإسلاميين، عن طريق أن يضع السلطة في يد جزار سيقتله عاجلا أو آجلا، مخلصًا إياه من قلقه وحزنه.

اقرأ أيضًا: دليلُ الديكتاتور.. كيف يسيطر الطغاة على شعوبهم؟

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.