تصوير صفاء عصام الدين، المنصة
معيط ضاحكًا مع كامل الوزير بعد تلقيه اتصالًا هاتفيًا، الجلسة العامة لمجلس النواب، 3يونيو 2024

يوميات صحفية برلمانية| البرلمان يمرر الموازنة بطلب "الستر" وابتسامة معيط

منشور الأربعاء 5 يونيو 2024 - آخر تحديث الخميس 6 يونيو 2024

في جلسة واحدة، وافق النواب على الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2024/2025، المثقلة بفوائد ديون تقترب من نصف قيمة المصروفات، وأضافوا ديونًا جديدةً بعد الموافقة على اتفاقية قرض بقيمة 200 مليون يورو لتوريد قطارات نوم من شركة تالجو الإسبانية.

مرَّت الموازنة في الجلسة العامة للمجلس، الاثنين، 3 يونيو/حزيران، بالتزامن مع إعلان قبول استقالة الحكومة، وتكليف مصطفى مدبولي مجددًا بتشكيل حكومة جديدة، وانعكس الخبر على كواليس الجلسة. 

أما الظروف الاستثنائية فاستمرت للعام الرابع مبررًا، لدى الحكومة والأغلبية، لدعم مشروع الموازنة، فكانت بداية المبررات مع موازنة 2020/2021 جائحة كورونا، ثم أضافت الحكومة الحرب الروسية على أوكرانيا مبررًا لاستمرار عجز الموازنة، ومنها إلى الحرب على غزة؛ المبرر الجديد لتمرير موازنة العام المالي 2024/2025، بنسبة عجز وصلت إلى 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وفوائد ديون 47% من إجمالي المصروفات، التي بلغت 3 تريليونات و870 مليار جنيه.

موازنة التحديات والدعاء

يكفي أن يتحدث النواب عن "التحديات والمخاطر" التي تواجهها مصر أو يستخدموا فزاعة "الأمن القومي"، فبعد هذه الكلمات السحرية لا يناقشهم أحد. أما الدعاء إلى الله ودعم القيادة السياسية، فكان تتمة اعتمدتها الأغلبية في مناقشات الموازنة.

مثلًا، أكد النائب عمرو درويش، عضو المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، الذي وافق على الموازنة، ضرورة النظر إلى حجم التحديات والمخاطر والصراعات الإقليمية وأزمة القضية الفلسطينية وموقف الدولة الوطني منها.

أما وزير المالية محمد معيط فقال "علينا مسؤولية قدام ربنا في ظل التحديات الضخمة والظروف التي يعلمها الجميع داخليًا وخارجيًا"، الأمر نفسه تحدثت عنه النائبة ميرفت ألكسان، العضوة عن حزب حماة الوطن، فربطت بين حرب غزة وتأثيرها على الموازنة الجديدة.

الأمن القومي والدعاء بالستر يمرران الموازنة

واعتبر زعيم الأغلبية (مستقبل وطن)، النائب عبد الهادي القصبي، أن "التحديات العالمية والإقليمية أثّرت على معظم موازنات الدولة سلبًا، وأثّرت على موازنة الدولة المصرية، ومع ذلك الموازنة المعروضة علينا جاءت أكثر إداركًا واستجابةً للصدمات المتتالية التي تابعناها زهاء أربع سنوات متتالية".

أعلن القصبي موافقته على الموازنة بـ"ضمير مستريح في هذه الظروف الاستثنائية"، وانخرط في كلمة انفعالية لتوجيه شكر للرئيس وحتى الشرطة والجيش، ختمها بتأكيد أن "الثقة في الله أجمل أمل"، ولحقها بالدعاء "اللهم اجعل الوطن مطمئنًا".

فيما خاطب النائب علاء عابد، نائب رئيس حزب مستقبل وطن، المواطن المصري في كلمته، ووعده بالأفضل "استحملت الكثير، مضت تسعة أعوام من بناء الدولة المصرية، والقادم أفضل بإذن الله"، يقلل عابد من قيمة كلمات المعارضة عن عجز الموازنة وأزمة الديون وتناقص الدعم "إعمالًا بنظرية تبديل الكراسي، أي نائب موجود مكان وزير المالية أو التخطيط، ماذا لديه من موارد ليحقق ما يتحدث عنه السادة النواب؟".

واختتم كلمته "أدعو الله أن يستر هذه الدولة بستره الذي ستر به ذاته، فلا عين تراك ولا يد تصل إليك".

مدبولي "حَافْ".. والحذف يطول مصطفى بكري

أعلنت وجوه المعارضة المعتادة من المستقلين وممثلي حزبي الإصلاح والتنمية والمصري الديمقراطي الاجتماعي، رفض مشروع الموازنة، لكن مفارقات عدة تخللت كلماتهم، التي بدا أن الأغلبية والحكومة يتربصان بها، فتكررت حالات الحذف من المضبطة

نجت كلمة النائب ضياء الدين داود من مقصلة الحذف، التي طالت كلماته عدة مرات، لكنه لم يفلت من مقاطعة رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، الذي تدخل أثناء انتقاده "حكومة مصطفى مدبولي"، "حَافْ بدون ألقاب". 

طالب جبالي، داود، بالالتزام بلقب "الدكتور" مصطفى مدبولي، فحاول داود توضيح أن الحديث عن رئيس مجلس الوزراء دون لقبه ليس تقليلًا منه، قائلًا إنه "اسم علم، هو مصطفى مدبولي، وأنا اسم علم ضياء الدين داود"، لكن رئيس المجلس تمسك بلقب الدكتور، فطاوعه داود أملًا في استكمال إلقاء كلمته، التي كان يستعرض فيها مسار تضاعُف الديون في حكومة مدبولي منذ 2019 حتى الآن. 

أما النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة الذي رفض مشروع الموازنة، وانتقد أداء الحكومة المالي والاقتصادي، قال "إن هذه الجلسة ينبغي أن تكون جلسة محاكمة، يشرفني فيها أن أمثل الادعاء عن شعب عظيم يستحق حياة ومستوى معيشة أفضل من ذلك بكثير".

حاول رئيس المجلس إنقاذ كلمة إمام من الحذف

تصدى وزير المالية محمد معيط للتعقيب على انتقادات إمام للحكومة، وطلب حذف عبارته عن المحاكمة من المضبطة، لكن رئيس المجلس اعتبر أنها من باب المباح في النقد السياسي. 

تصور الحاضرون للجلسة أن الكلمة مرت ولن يلاحقها مقص الحذف، لكن النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، وعضو المجلس عن حزب مستقبل وطن، اعتبر نفسه محاميًا عن الحكومة، وطلب حذف الكلمة من المضبطة.

حاول جبالي الإبقاء على الكلمة كما هي، موضحًا للنواب أن "النائب لم يوجه أي إهانة"، وأن المحاكمة لفظ في النقد السياسي، لكن رغم انتقال الكلمات لنواب آخرين، طلب زعيم الأغلبية بنفسه حذف العبارة من المضبطة، وطرح القرار لتصويت النواب، وبالفعل استجاب النواب لتوجيه زعيمهم وقرروا الحذف.

امتد مقص الحذف إلى النائب مصطفى بكري، الذي لم يُحسب يومًا على المعارضة في الفصل التشريعي السابق أو الحالي، ومع ذلك لم تسلم كلمته، فقرر جبالي حذف جزء منها بناء على طلب وزير شؤون المجالس النيابية علاء فؤاد. 

كان بكري تطرق إلى قرار الحكومة برفع سعر رغيف الخبز، وانتقد سياساتها في ملف تخفيض الدعم، وقال "لازم تكون الحكومة عاقلة في التعامل مع ملف الدعم، لا سيما في ظل الجهود العظيمة التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في عملية التطور والبناء".

تلقى الوزراء خبر الاستقالة خلال الجلسة واستقبل معيط مكالمة أسعدته

اعترض الوزير على استخدام لفظ "الحكومة العاقلة"، ربما اعتبره سخرية من الحكومة، وطالب بحذف العبارة من المضطبة، فعرض جبالي الاقتراح على النواب للتصويت عليه، ودعمت الأغلبية قرار الحذف من المضبطة. 

المكالمة الضاحكة

للمرة الأولى، يقبَل رئيس الجمهورية استقالة الحكومة قبيل تمرير موازنتها، وهي المرة الأولى أيضًا التي نشهد مناقشة موازنة عام مالي جديد، بالتوازي مع إعادة تكليف رئيس مجلس الوزراء المستقيل بتشكيل حكومة جديدة. 

تلقى الوزراء المشاركون في الجلسة العامة محمد معيط، وكامل الوزير، وهالة السعيد، وعلاء فؤاد، خبر الاستقالة خلال مناقشة الموازنة العامة. استقبل وزير المالية محمد معيط اتصالًا تليفونيًا بعد كلمته التي رد فيها على انتقادات النواب للحكومة، وحديثه عن تعهد الحكومة بتحسين مستوى معيشة المواطنين.

بالطبع لم نستمع للمكالمة، لكن صورة معيط الذي يتحدث في الهاتف ويضحك نقلتها شاشة البث لغرفة الصحافة، إذ كان يجلس بجوار  وزيرة التخطيط هالة السعيد، التي تذيع الشاشات كلمتها.

بعد المكالمة تبادل معيط الحديث مبتسمًا، في لحظات نادرة تحت القبة مع زميله وزير النقل، كامل الوزير. 

قد تكون لغة الجسد، والبهجة التي طغت على وجه معيط تعكس نبأً سارًا على النقيض من كل المرات التي كان الضيق والتربص يرافق ملامح الوزير خلال جلسات المجلس تحسبًا لكلمات المعارضة التي يجب أن يتصدى لها مدافعًا عن أدائه وعن الحكومة. 

تضارب وشماعات

كانت لعبة الأرقام بطل مناقشات الموازنة على مدار الأحد والاثنين، فبينما تروج الحكومة ونواب الأغلبية والموالاة لأرقام، كانت المعارضة تستخدم أرقامًا أخرى. 

أما النائب المستقل أشرف أبو الفضل فلجأ لشماعة اللاجئين، "اللاجئين وخصوصًا السودانيين ملت مصر، 20 مليون لاجئ في البلد يكلفوا البلد زيادة عن الطاقة".

لا نعلم مصادر أبو الفضل التي رفعت أعداد اللاجئين إلى هذا الرقم، بينما توضح بيانات مفوضية شؤون اللاجئين أن العدد لا يتخطى 700 ألف لاجئ.

أما النائب عبد المنعم إمام، فواجه وزير المالية بتباين أرقام الموازنة المعروضة على النواب، والبيانات التي يعلنها صندوق النقد الدولي، وقال "أرقام بتروح لصندوق النقد الدولي، وأرقام تانية بتوصل لمجلس النواب، وهذا أمر يستوجب المحاكمة، ولا يجب السكوت عليه".

لم تمر كلمات إمام مرور الكرام، ورد عليه وزير المالية في جلسة الأحد، وكرر رده في جلسة الاثنين خلال استكمال المناقشات، وقال "صندوق النقد الدولي يكتب اللي عايز يكتبه وهو بيعمل حساباته براحته"، مضيفًا "ليس بالضرورة التوافق على التقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي لأن لديه افتراضاته ولدي افتراضاتي كحكومة".

دراج: النقل حصلت على أكثر من 50% من القروض.. والوزير: 6% فقط

امتدت لعبة الأرقام إلى مناقشات اتفاقية قرض بقيمة 200 مليون يورو بين مصر وإسبانيا، لتوريد 7 قطارات نوم من شركة تالجو. وبينما وافقت الأغلبية، لاقى القرض اعتراضات محدودة من النواب.

النائب عبد المنعم إمام، قال إن "الهيئة القومية للسكك الحديدية والهيئة القومية للأنفاق والطرق والكباري ديونهم 35 مليار دولار و645 (مليون دولار) بخلاف قرض اليوم"، فيما قال النائب المستقل أحمد دراج إن وزارة النقل تسببت في أكثر من 50% من القروض.

ودافع وزير النقل والمواصلات، كامل الوزير، عن أدائه ووزارته "كل الأرقام اللي اتقالت غلط، القروض 10 مليار  دولار من 168 يعني 6%، وقروضنا تنموية طويلة الأجل بفترات سداد طويلة وفائدة ميسرة".

مرت موازنة الحكومة المستقيلة، وحسب المصادر البرلمانية، قد يعقد المجلس جلسة طارئة قبيل عيد الأضحى، أي قبل نهاية الأسبوع المقبل، للموافقة على التشكيل الوزاري، لكن المؤكد أن أيًا كانت الأسماء والخبرات فالسياسات مستمرة ولم يقترب مجلس النواب بمعارضيه من أصل الأزمة.