
معاشان للزوجة المعاقة.. حق قانوني تمنعه التأمينات
لم تمنع الإعاقة ميادة محسن من العناية بأسرتها، فتقوم بأعمال البيت، وترعى أولادها الثلاثة بمساعدة زوجها، ولأن راتبها الصغير لا يكفي متطلباتها، فهي تنظر للحصول على معاش والدها باعتباره طوق نجاة ملقى لها إلا أنها لم تمسك به بعد.
أصيبت ميادة بشلل الأطفال وهي في عمر سنتين، وعاشت في كنف والدها، وحين رحل تحصلت على معاشه الذي توقف حين تزوجت، إذ انطبق عليها قانون التأمينات بوقف معاش الأب كما يحدث عادة لكل المتزوجات دون تمييز، إلى أن صدر قانون جديد في 2018، و"ساعتها حسيت إني اتنجدت"، تقول لـ المنصة.
ومنَح قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 الزوجة المعاقة صلاحية الحصول على معاش الأب إلى جانب راتبها الخاص. وتنص المادة 25 منه على أنه "استثناءً من أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1975، وأحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، يحق للأشخاص ذوي الإعاقة الجمع بين معاشين من المعاشات المستحقة لهم عن أنفسهم أو عن الزوج أو الزوجة أو الوالدين أو الأولاد أو الإخوة أو الأخوات".
ووفق المادة ذاتها يكون ذلك "بدون حد أقصى، ويكون لهم الحق في الجمع بين ما يحصلون عليه من معاش أيًا كان ما يتقاضونه من أجر العمل، وتتحمل الخزانة العامة للدولة هذا الفارق، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون شروط وضوابط تطبيق ذلك".
قانون مع وقف التنفيذ
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي دعا لحل مشكلة الزوجة المعاقة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 خلال مؤتمر "حكاية وطن"، وطلب من وزير المالية دراسةَ وضع 300 ألف زوجة معاقة، وجاء رد وزير المالية بأن ذلك له شقٌ ماديٌّ وآخر قانونيٌّ وسيكلفُ الدولةَ أكثر من مليار ونصف المليار، فعلق الرئيس آمرًا "محدش بيجيب حاجة من جيبه كله من جيب مصر".
دعوة الرئيس لحل المشكلة ووضوح مادة القانون واقتضاؤها صرفَ المعاش الخاص بالأب للزوجة المعاقة وجواز جمعها بين الراتب والمعاش، وبين معاشين، لم يمنحا ميادة وغيرها ممن يماثلن حالتها حقهن في معاش التأمينات.
يوضح المحامي الحقوقي ياسر سعد لـ المنصة أنه رغم أن قانون 2018 يمنح النساء الحق في الحصول على معاشين، وأكد على استثناء ذوي الإعاقة من قانون التأمينات صراحةً، فإن هيئة التأمينات ترفض تطبيقه بزعم تعارضه مع المادة 100 من قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019 التي اشترطت لحصول الابنة على معاش والدها ألَّا تكون متزوجة.
"فيه حالات لستات مش بيشتغلوا وما عندهمش دخل، ومش قادرين يشتروا حتى الدوا بتاعهم"، تقول ميادة التي أنشأت جروب على فيسبوك للمطالبة بحق ذوي الإعاقة من المتزوجات من المعاش، والضغط من أجل تطبيق القانون.
حصلت نادية على حكم بالحصول على معاش الأب بعد عدة جلسات
لم تتوقف المناشدات عند السوشيال ميديا، لكن عددًا من الزوجات ذوات الإعاقة نظمن وقفات احتجاجية أمام وزارة التضامن، كان آخرها في مارس/آذار الماضي و"تم تجاهلنا تمامًا"، كما تقول ميادة التي التقت نيفين قباج وزيرة التضامن السابقة "ووعدتني بحل المشكلة وذلك بعد أن وجه الرئيس أمرًا بحل مشكلة الزوجة المعاقة في الحصول على معاشين ولكن لم يحدث شيء، وكأننا نطلب صدقة".
بدورها، سلكت نادية سليمان، ذات الإعاقة والمتزوجة، طريقًا آخر للوصول إلى حقها، إذ رفعت دعوى قضائية ضد الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي عام 2021 أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط، وحصلت على حكمٍ بالحصول على معاش الأب بعد عدة جلسات، وعلى الرغم من رفض المحكمة الاستشكال الذي قدمته هيئة التأمين الصحي فإن الحكم لم ينفذ إلى الآن.
لا تزال نادية، 57 سنة، تتابع مع محاميتها لمعرفة الإجراءات التي يجب اتخاذها، "رحت لهيئة التأمينات هنا في أسيوط وحاولت معهم بكل الطرق ومعايا أوراق بالحكم، وقالولي بشكل واضح مافيش معاش للمعاقات المتزوجات".
تعترف نادية التي تعمل بالتربية والتعليم بأنها أحيانًا تفقد الأمل وتفكر في الكف عن المحاولة، لكنها تعود لتتمسك بحقها، وتضيف "جوزي اقترح ننفصل عشان آخد معاشي، زي الستات ما بتعمل وأنا اللي ما وافقتش".
تفاصيل يومية
فشلت ميادة في شراء جهاز تعويض بعدما تعطل الجهاز الذي كانت تستخدمه، حيث يتعدى سعره الـ200 ألف جنيه حاليًا، "لما عطل ماعرفتش أجيب غيره، ودلوقتي بستخدم كرسي وبحتاج علاج طبيعي، وجوزي ما يقدرش يوفر كل الفلوس دي"، تشير بهذا إلى ما تعانيه المعاقات من ظلم كبير، ومدى احتياجهن لمصروفات تفوق الحالات العادية.
حسب منى عزت رئيس مجلس أمناء مؤسسة النون لرعاية الأسرة، فإن المعاقة تعاني في مجتمعاتنا من الإهمال وسوء التقدير، حتى أن القانون الذي يكفل لها حق العمل ويطبق نسبة 5% يُنفذ بصورة مهينة، ولا تتوفر لها الوظائف الملائمة، لتحصل على الفتات وراتب ضئيل لا يكفيها، ما يجعل المعاقة المتزوجة من الفئات الهشة التي تحتاج رعاية صحية مستمرة ومساعدة في مهامها المنزلية والأسرية. وفقًا للمسح القومي للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر عام 2022، فإن أكثر من نصف الأفراد ذوي الإعاقات من المتزوجين بنسبة 55.9%، بينما 12.2% لم يتزوجوا أبدًا و20.3% من الأرامل، 2.2% مطلقين.
وتبقى أرقام الزوجات من المعاقات تقديريةً، فلا يوجد إحصاء دقيق ولا بيانات وصفية لهن، وهو ما تشير إليه النائبة في البرلمان ووكيلة لجنة ذوي الإعاقة بحزب الشعب الجمهوري، الدكتورة نجلاء العسيلي، مؤكدة على الحاجة لبيانات دقيقة عن أعداد المعاقات المتزوجات وحالتهن الاقتصادية وما يحصلن عليه من دخل.
بين التضامن والتأمينات
يبدو من تتبعِ المشوار الذي خاضته الزوجات المعاقات منذ إقرار القانون، أن حقهن توزع بين الجهات الحكومية التي تخلى بعضها عنهن، وأخلى آخرون مسؤوليتهم، فيما استكثر عليهن البعض الجمع بين المعاشين وتحججوا بتعارض القوانين.
تؤكد الدكتورة إيمان كريم، المشرفة العامة على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة على أن قانون 2018 يكفل لذوات الإعاقة المتزوجات الحق في الحصول على معاشين، وتكشف لـ المنصة أن المجلس تواصل مع المسؤولين لنقل مطلب الزوجات، لكن لم يحدث شيء، "فيه تعطيل في تنفيذ القانون لا نعرف من المسؤول عنه".
الإشكالية في فهم القانون من جانب التأمينات وهي سبب عدم تطبيقه
من جانبها، أخلت وزارة التضامن الاجتماعي مسؤوليتها، ووضع ياسر بخيت وكيل الوزارة بالمنيا "الأمر في يد التأمينات"، مؤكدًا لـ المنصة على أن المشكلة مطروحة أمام مجلس الوزراء وسيعود البرلمان لمناقشتها على أمل الحل.
وسبق وتقدمت النائبة البرلمانية الدكتورة نجلاء العسيلي بطلبات إحاطة بخصوص الموضوع ذاته، لكن تعارُض القوانين بقي عنوان هذه النقاشات، وهو ما أكد عليه المحامي الحقوقي ياسر سعد مشيرًا إلى أن هذه الإشكالية في فهم القانون من جانب التأمينات هي سبب عدم تطبيقه، ومضيفًا "لازم يحصل تنسيق بين التأمينات ووزارة المالية".
في أبريل/نيسان 2023 حين ناقشت لجنة التضامن في البرلمان برئاسة النائب أحمد فتحي طلب الإحاطة الذي قدمته النائبة هند حازم بأحقية الزوجة المعاقة في الجمع بين معاشين، أكد محمد سعودي نائب رئيس هيئة التأمينات الاجتماعية أنه "لا يمكن فتح الباب على مصراعيه للحصول على معاشات".
النهج نفسه في إنكار التأمينات لحق الزوجة من ذوي الإعاقات، أكد عليه عبد الرحمن صلاح المسؤول الإعلامي بالهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية في تصريحه لـ المنصة بأن "القانون يشترط ألا تكون متزوجة"، مشيرًا إلى أن المادة 25 من قانون 2018 تنص على منح مساعدات شهرية للمعاقين فقط.
ما جاء في اللجنة
من أجل إنهاء هذه التشابكات شكَّل مجلس الوزراء لجنةً في يناير/كانون الثاني الماضي، لم يعلن عنها، من أجل "توحيد إجراءات عرض حالات الأشخاص ذوي الإعاقة" بالتنسيق بين وزارة التضامن والمجلس القومي للإعاقة، حضر اجتماعها ممثلون من عدد من الجهات للحديث عن معايير الجمع بين المعاش والراتب وقضية الزوجة المعاقة، حسب تصريح لمصدر مسؤول بالمجلس القومي لذوي الإعاقة.
حضر الاجتماع محمود رشدي ممثلًا عن الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، وخليل محمد خليل، رئيس الإدارة المركزية لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، وهاني عقل من المجالس الطبية، ومها هلالي، مستشارة وزيرة التضامن لذوي الإعاقة، واللواء جمال عوض، رئيس هيئة التأمينات، ومنال حنفي، من التضامن الاجتماعي، وصباح عيد، مدير عام بقطاع موازنة الأمن والعدالة بوزارة المالية، ومصطفى بهنساوي، من وزارة المالية، وناريمان فرج، خبيرة من المالية.
كشف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، لـ المنصة أن "اللجنة ناقشت إنشاء قاعدة بيانات للأشخاص ذوي الإعاقة، وتوحيد جهة الكشف الطبي لإثبات العجز". كما طلبت من "التضامن" بالتعاون مع التعبئة والإحصاء حصر عدد الزوجات المعاقات المستحقات للمعاش.
اقترحت وزارة التضامن تخصيص مساعدة شهرية ثابتة بقيمة 3 آلاف جنيه للزوجة المعاقة مع زيادة سنوية منتظمة
توصلت اللجنة إلى أن المشكلة تكمن في اختلاف تفسير القانون ما بين التأمينات والتضامن، "وكمان تفسير معنى المعاق أساسًا مختلف بين الوزارتين"، كما يقول المصدر، فما تعتبره وزارة التضامن "عجزًا عن الكسب" يُستثنى صاحبه من قانون التأمينات ليجمع بين المعاش والراتب، لا تعترف به هيئة التأمينات بالصفة نفسها، حيث لا يزال التعريف الرسمي لـ"العجز عن الكسب" مُعلقًا بين جهتين، كل منهما تعتمد معيارًا مختلفًا، وهو ما تعمل اللجنة على توحيده.
ورغم أن كارت الخدمات المتكاملة يُفترض أن يفتح لحامله من ذوي الإعاقة باب الحصول على معاشين، فإن ذلك لا يحدث، فـ"التأمينات لا تعترف بالكارت"، يقول المصدر، مشيرًا إلى اشتراطها على صاحبه الخضوع لكشف طبي خاص بها، حتى لو كان قد اجتاز بالفعل القومسيون الطبي الرسمي.
وكشف أنه خلال اجتماعات اللجنة، أعادت وزارة التضامن تقديم اقتراح يقضي بتخصيص مساعدة شهرية ثابتة بقيمة 3 آلاف جنيه للزوجة المعاقة، مع زيادة سنوية منتظمة. لكن هذا الطرح لم يلقَ قبولًا من النساء المعاقات، حسب ما نقله المصدر، إذ اعتبرن أن المقترح لا يراعي الفوارق في استحقاقات المعاش، خصوصًا أن بعض الزوجات قد تصل مستحقاتهن حال الجمع بين المعاشين إلى أكثر من 10 آلاف جنيه. "وقتها اعتبرته النساء غير عادل".
يقول المصدر إن "التضامن" رأت في هذا الرفض تحديًا إضافيًا، خاصة في ظل القلق من الأعباء التي قد تفرضها مثل هذه التسويات على ميزانية الدولة.
الحل عند الرئيس
ترى النائبة نجلاء العسيلي أن الأمر يحتاج لقرار من رئيس الجمهورية لسرعة تنفيذ القانون، خصوصًا وأن هناك حكمًا صدر لصالح امرأة معاقة في الصعيد واجب النفاذ، في إشارة إلى حالة نادية.
فيما تشدد نجلاء العسيلي على أن "المرأة المعاقة في أمس الحاجة للحصول على المعاش وهي مستعدة لعدم الحصول عليه بأثر رجعي شرط ألا يحدث تأخير"، تؤكد ميادة محسن على أن الزوجات المعاقات لن يفقدن الأمل وسيحاولن الوصول بأصواتهن للرئيس من جديد للحصول على حقوقهن في الحصول على المعاش، كما نص القانون.