
من يقدر على الشراء في الساحل الشرير؟
إذا دققت في إعلانات بيع الوحدات السياحية في الساحل الشمالي وأردت الحصول على إحداها، سيكون مطلوبًا منك تدبير سبعة ملايين جنيه على أقل تقدير لتتمكن من حجز مساحة بضعة أمتار على واحد من هذه الشواطئ.
حسب سماسرة عقارات، فإن سعر المتر في الساحل الشمالي الغربي، أو ما بات يعرف بالساحل الشرير، واصل الارتفاع بمتوسط 10% سنويًا، ما ضاعف أسعار هذه الوحدات خلال العقد الأخير، فمن يقدر على الشراء في الساحل الآن؟ وهل يستمر زخم نمو الأسعار والإقبال على الشراء، أم أننا أمام فقاعة سعرية على وشك الانفجار؟
المقر الصيفي للحكومة
بدأت أسعار الوحدات في الساحل قفزاتها الكبيرة منذ أنشأت الدولة مدينة العلمين الجديدة وفق تأكيد مسؤول سابق في مشروع مراسي التابع لشركة إعمار الإماراتية.
يوضح المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، لـ المنصة أن نفقات البنية الأساسية الهائلة التي وجهتها الدولة للعلمين الجديدة اجتذبت زبونًا جديدًا لمدن المصايف المصرية، وهو الزبون الخليجي، وهو بدوره ما ساهم في إشعال الأسعار بالساحل الشمالي الغربي.
في عام 2017 دشنت الحكومة مشروع مدينة العلمين الجديدة، التي تضم مساحات شواطئ تعادل كورنيش الإسكندرية، وأنفقت الدولة بسخاء على البنية الأساسية للمدينة، حيث تكلفت الداون تاون وحدها نحو أربعة مليارات جنيه، وذلك بهدف تأهيلها لتكون المقر الصيفي للحكومة.
تزامن صعود الدعاية حول العلمين الجديدة، مع الترويج لمدن الساحل الشمالي الغربي وجهةً للسياح غير المصريين، وتجلى ذلك بوضوح في ظهور إعلانات بالإنجليزية لمشروع ساوث ميد التابع لمجموعة طلعت مصطفى، أو في الترويج لمشروع رأس الحكمة الإماراتي في الأوساط الخليجية، ما صعد بسعر المتر فيه لنحو مائة ألف جنيه. وهو ما يؤكد عليه أسامة عمارة، مدير التسويق في أحد المشروعات السياحية بالساحل الشمالي، بأن أسعار الوحدات في المشروعات التي تمتد من العلمين الجديدة حتى مرسى مطروح لا تعبر عن غالبية مشتري الوحدات من المصريين، وإنما تخاطب بالأساس زبونًا غير مصري بدأ يشتري بقوة في آخر أربع سنوات".
زبون الساحل
يمكن القول إن كل ملاك الوحدات في الساحل الشمال الممتد من غرب العلمين حتى مطروح حققوا أرباحًا تصل لضعف القيمة التي اشتروا بها قبل نحو 10 سنوات"، وفق تقدير مدير التسويق أسامة عمارة.
وتتراوح أسعار الشاليهات في بعض مدن الساحل الشمالي حاليًا من سبعة ملايين جنيه إلى ما قد يصل لـ40 مليونًا في بعض الحالات، أما الفيلات فتصل إلى مئات الملايين في بعض الحالات.
اسم المشروع | سعر الشاليه |
---|---|
هاسيندا ووترز (بالم هيلز) | من 8.7 -24.1 مليون جنيه |
جون (سوديك) | من 19 - 43 مليون جنيه |
ساوث ميد (طلعت مصطفى) | من 7.4 - 38.2 مليون جنيه |
تفرض الأسعار المرتفعة لعقارات الساحل الشمالي الغربي سؤالًا حول طبيعة الفئات القادرة على مجاراة هذه المستويات السعرية؛ يضع أيمن سامي، رئيس شركة جي إل إل مصر للدراسات العقارية، ضمن هذه الفئات، من استفادوا من تقسيط ثمن الوحدة على سنوات طويلة، حيث أتاح لهم ذلك الشراء بأسعار ما قبل التعويم.
"تعويمات السنوات الأخيرة ساهمت في رفع أسعار الوحدات بشكل كبير، ومن اشترى قبلها استفاد بسعر منخفض"، كما يقول سامي لـ المنصة.
وشهد سعر الصرف تعويمات متوالية منذ 2022 ساهمت في ارتفاع معدلات التضخم بشكل حاد، وكان آخر انخفاض قوي للجنيه أمام الدولار في مارس 2024.
يضيف سامي المصريين في الخارج للفئات المستهدفة لتسويق هذه الوحدات، بالنظر لتمتعهم بدخول دولارية لم تتأثر قيمتها الحقيقية بالتعويم، وصارت الدعاية العقارية تلاحقهم في المهجر.
وساهمت أزمة شح الدولار خلال عامي 2022 و2023 في اتجاه قطاعات من العاملين في الخارج لتوجيه دخولهم لسوق الصرف السوداء، لكن هذه الظاهرة انحسرت منذ تعويم الجنيه في مارس/آذار 2024، وعادت التحويلات لتسجل معدلات نمو قياسية خلال العام الحالي.
يضيف المسؤول السابق في مراسي لهذه الفئات "كبار العائلات في مجالات البيزنس مثل التجارة وصناعة الحديد والأسمنت وغيرها هم عملاء قرى الساحل ممن لديهم قدرة مالية على الشراء".
يلخص معاذ عبد الله، مدير التسويق في شركة تسويق عقاري، ملامح الفئات المشترية لوحدات الساحل الشمالي الغربي بأنهم "المصريون من أصحاب الدخول المرتفعة، القادرون على دفع أقساط شهرية بداية من 50 ألف جنيه، أو المصريون المقيمون في الخارج، أو الأجانب والعرب".
الساحل الطيب
ملاك الوحدات السياحية في قرى الساحل الطيب الذي يمتد من الإسكندرية حتى مارينا، كانوا محظوظين أيضًا، إذ ساهم زخم الساحل الغربي في رفع أسعار الإيجارات، حسب سماسرة سألتهم المنصة.
في قرية الشروق، الكيلو 45، يكشف سمسار، طلب عدم نشر اسمه، أن إيجار الفيلا يتراوح بين 12 و15 ألف جنيه في اليوم، في حين كان العام الماضي يتراوح بين 8 و12 ألف جنيه.
ويشرح إسلام الهواري سمسار الوحدات بمارينا وبورتو مارينا، أن من الطرق الشائعة حاليًا لتأجير الشاليهات أن يسلم المالك الوحدة الخاصة للسمسار في موسم الصيف في الفترة من يونيو/حزيران وحتى أكتوبر/تشرين الأول، ليتولى الأخير تأجيرها مقابل مبلغ مالي يصل إلى 400 ألف جنيه في حالة الوحدات الفاخرة التي يصل إيجارها لـ7000 جنيه في اليوم.
يشير الهواري إلى أن مثل هذه الاتفاقات كانت تتم بـ300 ألف جنيه حتى العام الماضي، وارتفعت 100 ألف هذا العام مع تضخم الإيجارات.
هل تنفجر الفقاعة؟
بالرغم من الأسعار المزدهرة لإيجارات وتمليك عقارات الساحل، يشير متابعون لهذا القطاع إلى أنه بات يعاني من تباطؤ في المبيعات مشابه لحالة القطاع العقاري الذي يرى البعض أن أسعاره تضخمت بشكل مبالغ فيه وصار أشبه بفقاعة على وشك الانفجار.
يؤكد رئيس شركة JLL للدراسات أيمن سامي على أن العقار عمومًا يعاني في الوقت الحالي من تباطؤ في البيع، والأمر نفسه في الساحل، وإن كان بدرجة أقل، مستدركًا بأن هذا التباطؤ لا يمثل ركودًا"، متوقعًا أن يتعافى الطلب على وحدات الساحل مع تحسن سبل التمويل بفضل اتجاه الفائدة للانخفاض.
يتفق الاستشاري العقاري محمد خطاب مع استنتاج أن القطاع العقاري يشهد تباطؤًا ناتجًا عن ارتفاع الأسعار معللًا الأمر بأنه نتيجة "تقلبات سعر الصرف في 2023 اللي سمحت بدخول العديد من المضاربين للسوق العقارية وساهموا في زيادة السعر بشكل مبالغ فيه".
لكن خطاب يعتبر أن الإقبال على الوحدات الساحلية سيظل مزدهرًا على المدى الطويل بسبب ندرة الأراضي المتاحة في هذه المنطقة.
بشأن بمستقبل الساحل الشرير، يتنبأ استشاري تطوير عقاري بأنه سينفد في يوم من الأيام لمحدودية المساحة والوحدات، وندرة الأراضي المتاحة. "أتصور أنه بعد عشر سنوات سيكون المتاح في الساحل مجرد وحدات resale، ولن يكون هناك وحدات جديدة، وهذه الندرة هي سبب الزيادات المتراكمة في أسعار الوحدات".