تصميم أحمد بلال، المنصة، 2024
عمليات التجميل للنساء

غش البوتوكس وحروق الليزر .. عيادات تشويه النساء

منشور الخميس 16 تشرين الأول/أكتوبر 2025

قُبيل زفافها، قصدتْ يارا أمين أحد مراكز التجميل بغرض إجراء جلسات ليزر لإزالة الشعر، إلا أنها خرجتْ من المركز بحروقٍ من الدرجة الثانية لم يزُل أثرُها حتى اليوم. 

اكتشفتْ يارا أنها خضعت لتدخلات تجميلية على يد منتحلة صفة وليست طبيبة، "قبل الفرح بكام شهر قررت أبدأ جلسات إزالة للشعر. فعلًا رحت مركز مشهور في المهندسين وابتديت جلسة ورا التانية"، تقول لـ المنصة.

وتضيف المهندسة ذات الـ 32 سنة أنها مع الجلسة الثالثة بدأت تشعر بحرقة شديدة في المنطقة الحساسة وتغيّر لون الجلد حتى أصبح أسود داكنًا، "حسّيت بوجع جامد فرحت لدكتور جلديّة متخصص، وقال لي إن عندي حروق من الدرجة التانية".

تبرأ المركز من العاملة لديه بعد شكوى يارات "قالولي إنهم فصلوها بعد ما اكتشفوا إنها مش طبيبة". 

تلجأ الفتيات إلى مراكز تجميل من أجل عمليات بسيطة مثل الفيلر والبوتوكس ونضارة الوجه وتكثيف الشعر، التي قد يظنون أنها لا تحتاج إلى أطباء بقدر ما تحتاج إلى متخصصين، غير أن عددًا من الحوادث التي توالت مؤخرًا، أشهرها حادث إسراء كرم، في أغسطس /آب الماضي، طرحت أسئلةً حول هذه المراكز وتراخيصها والعاملين فيها.

وفقدت إسراء حياتها خلال خضوعها لتدخلات تجميلية استعدادًا لحفل زفافها، حيث حُقنت بمادة دخلت بعدها في حالة غيبوبة انتهت بوفاتها. 

عمليات للتشوهات والعدوى

حقن فيلر في الشفاه

مثلها مثل غيرها لم تسطع فاطمة جابر الحصول على حق ولا باطل من مركز التجميل الذي لجأت له لإجراء تجميلي بسيط يتمثل في شد الذراعين.

تعرفت فاطمة، ربة منزل (40 سنة) من خلال السوشيال ميديا على مركز في منطقة فيصل بمحافظة الجيزة، "رحت أعمل العملية، فخرجت منها مشوّهة. الجرح ما التأمش واتعرّضت لعدوى شديدة عملت صديد" تقول لـ المنصة.

وتضيف "حاولت أكلم الدكتور بس زعق لي وقال لي إني غبية وبكدب عشان آخد منه فلوس، وحاولت أروح العيادة ما لقيتش حد أتكلم معاه، خصوصًا إن صاحب العيادة نفسه دكتور والعيادة مرخّصة".

لم تتمكن فاطمة من تقديم بلاغ لأنها تعيش في أسوان والمركز في الجيزة، وحتى تتمكن من بدء إجراءات مقاضاة المركز يتوجب عليها تحرير محضر في قسم الشرطة بالحي التابع له المركز، وهو ما ليس في مقدورها كما أنها كانت "في حالة صحية ونفسية صعبة جدًا".

بينما تعرضت يارا وفاطمة لتشوهات في أماكن يمكن إخفاؤها، فإن هند عبد الله، 33 سنة، معلمة، واجهت ما هو أسوأ "كنت عايزة أعمل حقنة فيلر عشان أملا تجويف تحت العين، وفعلًا رحت عيادة تجميل مشهورة في مدينة الشيخ زايد بالجيزة".

"اتحقن لي الفيلر بطريقة غلط وبكمية أكتر من اللازم، وده عمل تورم حوالين عيني. لما رحت لطبيب جلدية قال لي إن الحقن اتعمل بطريقة غير صحيحة"، تقول لـ المنصة.

بخلاف فاطمة ويارا، قررت هند التحرك قانونيًا "قدّمت شكوى في وزارة الصحة، واتفاجئت إن في ناس كتير قبلي كانوا مقدّمين شكاوى ضد نفس العيادة. ومع التحقيق اكتشفوا إن العيادة أصلًا مش مرخّصة، ومافيش دكاترة بيديروها ولا بيشتغل فيها متخصصين".

لا متخصصون بمراكز التجميل

تكشف أستاذة الأمراض الجلدية والتجميل بجامعة عين شمس حنان الكحكي، عما تصفه بـ"الكارثة"، وهو "إن ما فيش دكاترة متخصصين بيعملوا الحقن التجميلي في العيادات دي سواء كانت مرخصة أو غير مرخصة".

تشير طبيبة الجلدية إلى أن من يقود هذه العيادات في الأغلب أشخاص لا يمتون إلى مهنة الطب بصلة "في مراكز تجميل بتديرها كوافيرات معتمدين بس على خبرتهم في الميك أب، وكمان العيادات دي بتستعمل حقن مغشوشة منتشرة في السوق".

إدارات العلاج الحر بالمحافظات تغلق ما بين 30 إلى 50 مركزًا غير مرخص شهريًا

تضع حنان عددًا من الشروط الواجب توفرها في من يتولى عمليات الحقن التجميلي "اللي يحقن لازم يكون دكتور دارس تشريح، لأن الحقن ليه طرق معينة ونسب محددة، مش حاجة بسيطة زي ما الناس فاكرة"، تقول لـ المنصة.

وتشدد على أن "الحَقن الغلط ممكن يسبب تشوهات وأوقات يوصل للوفاة"، مشيرة لاستقبالها العديد من الحالات التي تعاني تشوهات بسبب الحقن الخاطئ أو الليزر "إللي كمان لازم يتعمل على إيد دكتور متخصص، لأنه ممكن يسبب حروق. عشان كده ضروري الدكتور يكون عارف التاريخ الصحي للحالة قبل الجلسة، ويحدد إذا كان الجلد جاهز ولا لأ".

بدوره يحذر أستاذ الأمراض الجلدية من استخدام عيادات التجميل غير المرخصة لأدوية مغشوشة "السوق السودا مليانة بمواد مجهولة المصدر ورخيصة بيحقنوا بيها على إنها فيلر وبوتوكس".

ويوضح لـ المنصة أن مثل هذه الأدوية تسبب أضرارًا خطيرة بداية من التشوهات حتى السرطان، لافتًا لما سماه انتشار موجة الحقن التجميلي "إللي للأسف بتم داخل مراكز غير مرخصة ولا مؤهلة ولا حتى معقمة".

رقابة بلا جدوى

لا ترى وزارة الصحة تقصيرًا من جانبها في الرقابة على عيادات التجميل، ويؤكد حسام عبد الغفار المتحدث باسم الوزارة لـ المنصة على وجود رقابة دورية، لافتًا لحجم البيانات الرسمية بعدد العيادات والمراكز غير مرخصة التي يتم إغلاقها.

وتغلق إدارات العلاج الحر بالمحافظات ما بين 30 إلى 50 مركزًا غير مرخص للتجميل شهريًا، بإجمالي ما يصل لـ500 مركز سنويًا، وفق هشام زكي، رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص بوزارة الصحة. 

وطبقًا للمادة 13 من قانون تنظيم المنشآت الطبية المعدل لعام 2004، فإنه يتم إلغاء ترخيص المنشآت الطبية إذا أديرت المنشأة لغرض آخر غير الغرض الذي منح من أجله الترخيص، وإذا زاول بالمنشأة الطبية أشخاص غير حاصلين على ترخيص بمزاولة مهنة الطب.

كما تنص المادة 14 من القانون على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 20 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أدار منشأة طبية سبق أن صدر حكم بإغلاقها أو صدر قرار إداري بإغلاقها قبل زوال أسباب الإغلاق".

ويؤكد زكي لـ المنصة على أن غالبية المخالفات التي تُضبط تتمثل في الإدارة من غير تراخيص، والعثور على أدوية وحقن مجهولة المصدر، ووجود عمالة غير مؤهلة.

فيما ينوه عبد الغفار إلى ضرورة اطلاع المواطنين على تراخيص العيادات قبل الخضوع لأي تدخلات جراحية أو تجميلية، مؤكدًا على أن هذا حق مكفول، داعيًا المتضررين إلى التقدم بشكاوى "من خلال الخط الساخن، أو الموقع الإلكتروني، أو الشكاوى المباشرة ويتم التعامل مع تلك الشكاوى بأهمية قصوى".

ويتطلب افتتاح مركز تجميل بالليزر الحصول على ترخيص من الوزارة، ما يستلزم تقديم مستندات تشمل شهادة صلاحية جهاز من المعهد القومي لعلوم الليزر، وشهادة صلاحية مركز طبي من المعهد القومي لعلوم الليزر، وشهادة اجتياز دورة تدريبية في أمان الليزر من المعهد، وشهادة إجازة استخدام أجهزة الليزر الطبية.

يشترط للترخيص بإنشاء وإدارة عيادة خاصة أن يكون المرخص له طبيبًا أو طبيب أسنان مرخصًا له مزاولة المهنة

وتتضمن أيضًا شهادة تسجيل المركز من النقابة، وترخيص تشغيل منشأة طبية، وشهادة تخصص للطبيب، وترخيص مزاولة المهنة للطبيب من وزارة الصحة، ضمن متطلبات أخرى تتضمنها المادة 2 من القانون رقم 51 لعام 1981، الخاص بتنظيم المنشآت الطبية، والتي تنص على أنه "لا يجوز لمنشأة طبية مزاولة نشاطها إلا بترخيص من المحافظ المختص، بعد تسجيلها في النقابة المختصة، مقابل رسم تسجيل يؤدى إلى النقابة، على أن تقوم المحافظة بإخطار وزارة الصحة بالبيانات اللازمة لتسجيلها".

وفيما تشترط المادة 6 أيضًا للحصول على ترخيص بإنشاء وإدارة عيادة خاصة أن يكون المرخص له طبيبًا أو طبيب أسنان مرخصًا له بمزاولة المهنة، فإن رئيس الإدارة المسؤولة بوزارة الصحة عن منح الترخيص، هشام زكي، يعترف بوجود مراكز التجميل غير المرخصة التي تعتمد على عمالة وليس أطباء أو متخصصين.

"هؤلاء العاملين يكون دورهم مساعدة منتحل صفة طبيب التجميل، ويجرون جلسات التجميل، وغالبيتهم لا يعرف كيف يتم استخدام أجهزة التجميل، وهو ما يؤدي في جميع الحالات إلى إصابات وتشوهات جسدية للمرضى"، يقول زكي.

وينوه بأن "هذه المراكز تعتمد كذلك على حقن ومستحضرات طبية وأدوية يتم تصنيعها في مصانع غير مرخصة لأنها لا تملك أي صفة رسمية للتعامل مع الجهات الرسمية للحصول على أدوية ومستحضرات مسجلة لدى هيئة الدواء".

مطالب برلمانية بتشديد الرقابة

تكرار سقوط ضحايا مراكز التجميل دفع أعضاء بمجلس النواب للدخول على خط الأزمة للمطالبة بضرورة التفتيش وضبط مراكز التجميل غير المرخصة.

وسبق للنائب أشرف أمين أن تقدم بسؤال برلماني اعتبر فيه أن الإجراءات التجميلية والطبية التي تمارسها هذه المراكز تعرِّض حياة المواطنين، خاصة النساء والشباب، لمضاعفات صحية خطيرة قد تصل إلى التشوهات أو العدوى المزمنة، مطالبًا فيه بإحالة المخالفين للمحاكمات العاجلة.

"هذه الحوادث تثير الرأي العام وتفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية حول دور الوزارة في حماية حياة المواطنين، خاصة أنه يتم الترويج لها عبر السوشيال ميديا، دون تدخل رادع"، يقول أمين لـ المنصة.

وتتفق إيرين سعيد، عضوة لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، مع أمين في ضرورة فرض رقابة شديدة على مراكز التجميل غير المرخصة، مشددة "على وزارة الصحة باستحداث طرق جديدة للرقابة الالكترونية على المراكز، وتوفير وسيلة تمكن المريض أن يتحقق من ترخيص المركز".

وتدعو لضرورة وجود QR كود خاص بالعيادة يتضمن كل التفاصيل الخاصة بها والأطباء الموجودين بالمركز، وتاريخهم الطبي، "ده هيسهل على وزارة الصحة، ومافيش حاجة لمفتشين ويقلل من الغش في المستحضرات التي يتم استخدامها سواء في الأسنان أو التجميل أو التخسيس".

على الرغم من محاولات التصدي من وزارة الصحة لانتشار هذه المراكز، فإنه لا تتوفر آليات واضحة لتعوبض ضحاياها، فـ"ما الجدوى من إغلاقها وأنا شبه مصابة بتشوه بمنطقة حول العين نتيجة للحقن الخاطىء من أشخاص لا يمتون إلى الطب بأي صلة"، تقول هند بحسرة.

أما يارا فأجلت حفل زفافها إلى أن تشفى حروقها التي تركتها تجربتها مع إزالة الشعر بالليزر، كما أنها لن تتمكن من تكرار التجربة إلا بعد مرور 3 سنوات، وفق ما أخبرتها طبيبتها.