صورة موّلدة بواسطة نموذج الذكاء الإصطناعي DALL-E
الصفة غير الربحية لا تحسم سؤال الملكية

خدعة OpenAI.. هيكل غير ربحي وجوهر تجاري

منشور الاثنين 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

في ديسمبر/كانون الثاني 2015 خرجت OpenAI إلى العلن بوصفها مختبر أبحاث غير ربحي، يحمل وعدًا بأن تصل منافع الذكاء الاصطناعي إلى الجميع.

جاء في بيان التأسيس نصًا أن الهدف الأساسي هو تطوير ذكاء رقمي يخدم البشر كافة من دون ربطه بالعائد المالي، مع نشر النتائج على أوسع نطاق؛ من أوراقٍ علمية، وشفرات برمجية، وبناء تعاون مفتوح مع الباحثين والصناعة، مع الانتباه لمخاطر التقنية على المجتمع.

كان هذا الإعلان مدعومًا بتعهد تمويلي قدره مليار دولار -لم يُنفَّذ- تُصرف على سنوات، قدّمه سام ألتمان وإيلون ماسك وبيتر ثيل وريد هوفمان، إضافة إلى Amazon Web Services وYC Research وInfosys.

بهذه الصورة بدت القصة أخلاقيًا وماليًا جذّابة؛ تبرعات كبيرة، وعود بإتاحة المعرفة، ورسالة إنسانية. لكن منذ البداية بقيت مسألة المِلكية غائبة. لم تُوضع صيغة مُلزمة لملكية مشتركة للمعرفة أو للبنية أو للعوائد، بل اعتمد المشروع على رأسمال خاص يسعى بحكم طبيعته إلى العائد أو النفوذ، بصورة مباشرة أو ضمنية.

نموذج ربحي بعوائد محدودة

بين 2016 و2018 رسّخت OpenAI حضورها بأدوات قريبة من روح المشاع، مثل OpenAI Gym التي سهّلت أبحاث التعليم المعزز. وفي 2018 أعلنت وثيقة مبادئ أسمتها الميثاق/Charter، تتبنّى لغة أخلاقية عن توزيع المنافع والأمان والتعاون طويل الأمد. لم تكن وثيقة قانونية مُلزِمة إنما إطار أخلاقي عام بلا تفاصيل حاسمة عن الملكية ومن يملك القرار.

في فبراير/شباط 2019 ظهرت أول إشارة عملية لتغير في الانفتاح على سياسة الإفراج المرحلي عن GPT-2. اختارت OpenAI عدم نشر أقوى نسخة فورًا بدعوى مخاطر إساءة الاستخدام. كان النشر في البداية واسعًا ومفتوحًا، وبعد ذلك تغيَّر النهج، إذ لم تعد الشركة تنشر أقوى النماذج فورًا، وصار الوصول إلى الشفرة ونسخ النماذج الجاهزة للتشغيل والبيانات يتم وفق شروط تحدّدها الشركة، وأحيانًا عبر خدمات مدفوعة. ومع طرح النسخة الكاملة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، استقرّ هذا الأسلوب؛ الشركة هي التي تحدد متى تُتاح النماذج وكيف تُتاح.

صار تشغيل النماذج وتدريبها معتمدًا على بنية سحابية واحدة بعقود طويلة

في مارس/آذار 2019 أنشأت OpenAI كيانًا قانونيًا اسمته OpenAI LP يعمل بنظام ربحي محدود العائد، بحيث يربح المستثمرون والموظفون حتى سقف معيّن، وما فوق هذا السقف يعود إلى الكيان غير الربحي الأم. الهدف المعلن كان تغطية تكاليف الحوسبة الضخمة وجذب المواهب. عمليًا أدخل هذا النظام رأس المال إلى قلب المشروع، فأصبحت شروط التمويل جزءًا من إيقاع عمل المختبر وقراراته.

وبعد أشهر، في يوليو/تموز 2019، ضخّت مايكروسوفت مليار دولار وأصبحت المزوّد السحابي الحصري لعمل OpenAI عبر Azure. وبعد دخول مايكروسوفت شريكًا وتمركز العمل على Azure، أضحى تشغيل النماذج وتدريبها معتمدًا على بنية سحابية واحدة بعقود طويلة. وهو ما يعني ارتباطًا تشغيليًّا عميقًا بالبنية التحتية لمزوّد واحد.

من بيع المعرفة إلى تأجير الوصول

في يونيو/حزيران 2020 قدّمت OpenAI واجهة برمجة تطبيقات/API تسمح للشركات والمطوّرين باستخدام النماذج كخدمة تُحاسَب على قدر الاستهلاك (تُحسب بعدد الوحدات النصّية الصغيرة/tokens التي يعالجها النموذج)، أي أنه يوفر وصولًا مدفوعًا يشبه الإيجار المستمر يدفع مقابل الاستعمال وتبقى الملكية عند صاحب المنصّة.

وفي سبتمبر/أيلول 2020 منحت OpenAI لمايكروسوفت ترخيصًا حصريًا لاستخدام GPT-3 داخل منتجاتها وخدماتها، لتصبح مايكروسوفت وحدها القادرة على دمج النموذج بحرية في برامجها، بينما يصل الآخرون إليه عبر خدمة مدفوعة وبشروط. ومع يناير/كانون الثاني 2023 أعلنت مايكروسوفت الإتاحة العامة لخدمة Azure OpenAI Service، فأصبحت نماذج OpenAI خدمة جاهزة على سحابة Azure.

في نوفمبر 2023 أقال مجلس الإدارة سام ألتمان بدعوى نقص الصراحة في تواصله مع المجلس. وتصاعدت الأزمة سريعًا مع تهديد مئات الموظفين بالاستقالة وضغط الشركاء، فعاد ألتمان وتبدّل تركيب المجلس. 

وفي يوليو 2024 تخلّت مايكروسوفت عن مقعد المراقب في مجلس إدارة OpenAI وسط تدقيق تنظيمي من هيئة المنافسة والأسواق البريطانية/CMA وهيئة التجارة الفيدرالية الأمريكية/FTC ومراجعات المفوضية الأوروبية. كان ذلك تغيّرًا شكليًّا في المقاعد، بينما بقيت السيطرة الفعلية مرتبطة بعقود الوصول والبنية التحتية والشراكات الممتدّة. أي أنها مجرد حركة تموضع في السوق دون تنازل جوهري.

خرجت OpenAI من الهيكل الهجين إلى ملكية سوقية مكتملة بواجهة منفعة عامة

وفي خريف 2025 جاء التحوّل الأكبر. في أكتوبر/تشرين الأول أعلنت OpenAI استكمال إعادة هيكلة قانونية، إذ أصبحت الذراع الربحية شركة منفعة عامة باسم OpenAI Group PBC، وبقيت السيطرة الشكلية لدى الكيان غير الربحي الذي أصبح اسمه OpenAI Foundation. 

لكن جوهر هذا التغيير كان الرسملة، إذ تَملّك الكيان غير الربحي حصة تُقدّر بنحو 26% في الشركة الربحية واستقرّت حصة مايكروسوفت عند نحو 27%، مع تمديد شراكة النفاذ إلى النماذج والتقنيات حتى 2032، والتزامات واسعة بشراء قدرات حوسبة من Azure بمبلغ 250 مليار دولار. وهكذا خرجت OpenAI من الهيكل الهجين إلى ملكية سوقية مكتملة بواجهة منفعة عامة.

الملكية تحدد المصير 

يظل وصف أي جهة بأنها غير ربحية وصفًا إداريًا أكثر منه إجابة عن سؤال الملكية. وما يحسم مستقبل الذكاء الاصطناعي حقًا هو من يملك مفاتيحها من أوزان النموذج/model weights، أي النسخة الجاهزة من النموذج بعد تدريبه، القادرة على الفهم والإجابة وليست مجرد كود، والبيانات التي تدرب عليها، والبنية السحابية التي يعمل عليها، وحقوق الترخيص التي تضبط من يستخدمه وبأي شروط. 

والنموذج نفسه ليس ملكًا عامًا إنما أصلٌ مملوك لجهة واحدة، ولا يستطيع أي فرد أو مؤسسة تشغيله أو تعديله أو نسخه إلا بموجب ترخيص صريح من المالك. حتى الترخيص هنا يعني فقط حقَّ استخدامٍ بشروطٍ محددة، ولا نقول ملكية. يشبه الأمر برامجَ الكمبيوتر المدفوعة، حيث تملك حق الاستعمال، لكنك لا تملك المنتج نفسه.

أما تحويل الذراع الربحية لـOpenAI إلى شركة منفعة عامة فإنه يضيف التزامًا معلنًا بمراعاة أثر اجتماعي، لكنه لا يغيّر مواقع القوة والسيطرة -ولا تأثيرهما على تطور التقنية- ما دامت الأصول الأساسية والحقوق التعاقدية في يد المالك. في النهاية ستكون القرارات اليومية بشأن الأسعار والإتاحة تتشكل من تكلفة التدريب وتدفقات الإيراد وشروط العقود، لا من الصفة القانونية وحدها.

رغم كل ذلك، المجال لا يزال مفتوحًا لتصميم قواعد تحمي الجمهور وحقه في المعرفة والسلامة. فالمطلوب هو منع الشروط الحصرية في عقود السحابة التي تُشغّل النماذج، وفرض تسعير عادل ومعقول وغير تمييزي للوصول إلى الواجهات الأساسية، وتأسيس سعات حوسبة مشتركة تُدار برسوم شفافة، وإعلان معايير واضحة لقرارات عدم نشر الأوزان ومتى تُتاح، وضمان قابلية نقل البيانات والاستهلاك بتكلفة منخفضة حتى لا يُحبس المستخدمون عند مزوّد واحد. 

الصفة غير الربحية لا تحسم سؤال الملكية، بينما الملكية هي التي تحدد مسار تطوّر التقنية. وحين يبقى استخدام النموذج مرهونًا بترخيص من المالك، وتظل الأوزان والبيانات والبنية السحابية وحقوق الترخيص تحت سيطرة مركّزة، يتقدّم تأجير الوصول على نشر المعرفة، وتترسّخ قدرة المالك على التسعير والمنع. والخروج من هذا المسار يقتضي البدء بتصميم ملكية عامة عادلة تجعل الوصول والمعرفة مشاعًا منظمًا، لا امتيازًا خاصًا.