أيام المونديال | مصر وأوروجواي.. إعادة اكتشاف الذات

منشور السبت 16 يونيو 2018

الاختبارات القوية فارقة؛ تكشف قدرتك على التنظيم وبذل الجهد وتحمل المشاق، تعزز ثقتك بنفسك أو تقضي عليها نهائيًا. ومباراة مصر أمام أوروجواي كانت واحدة من تلك الاختبارات القوية التي ساهمت، رغم الهزيمة، في تعزيز ثقة الجماهير المصرية بمنتخبها.

خسرت مصر المباراة بهدف قاتل في الدقيقة 89. وتتبقى لها مباراتان أمام روسيا ثم السعودية يجب عليها الفوز بهما واقتناص النقاط الست لضمان التأهل إلى دور الـ16.

قبل المباراة

لا تحظى طريقة لعب الأرجنتيني هيكتور كوبر بشعبية في مصر. هناك غضب لا يمكن تجاهله أو إنكاره من تراجع المنتخب للدفاع.

ورغم نجاح كوبر في تحقيق الهدفين الرئيسين من التعاقد معه وهما: التأهل إلى كأس الأمم الإفريقية وكأس العالم إلّا أن كثيرين لا يفضلون استمراره في منصبه.

وقبل المونديال، زاد الغضب الجماهيري بسبب النتائج السلبية التي حققها المنتخب في مبارياته الودية استعدادًا للبطولة خاصة مباراة بلجيكا التي خسرها بثلاثية نظيفة وشكّكت في صلابة المنظومة الدفاعية للمنتخب المصري بشكل كبير. وبات معتادًا أن نسمع احاديث عن احتمالية تعرّض المنتخب لهزيمة ساحقة من أوروجواي التي تضم في خط هجومهما الثنائي المرعب لويس سواريز مهاجم برشلونة الإسباني وإدينسون كافاني مهاجم باريس سان جيرمان الفرنسي.

حين انطلقت المباراة، ظهر لنّا المنتخب بوجه مغاير عن ذلك الذي ظهر عليه خلال الوديات. وبدا من الدقيقة الأولى أن المنظومة الدفاعية المحكمة للفراعنة قادرة على الحد من خطورة المنتخب الأوروجوياني إلى حد كبير.

وجد كافاني وسواريز ورفاقهما صعوبة كبيرة في الوصول إلى الشباك المصرية. كل المنافذ إلى المرمى مغلقة سواءً في عمق الملعب حيث يتمركز محمد النني وطارق حامد أمام قلبي الدفاع أحمد حجازي وعلي جبر، أو على طرفي الملعب حيث يُقاتل الظهيران والجناحان في كل طرف في محاولة لمنع تمرير أي كرة عرضية.

وحين كان ينجح المنتخب الأوروجوياني في تخطي كل تلك الدفاعات كان يصطدم بالحارس المتألق محمد الشناوي.

وبعيدًا عن الخطأ المكرر الذي جاء منه الهدف في الوقت القاتل فإن كوبر أثبت أن منظومته الدفاعية ليست هشّة، وأنها قادرة على الحد من خطورة منتخب يمتلك اثنين من أفضل المهاجمين في العالم، تمامًا مثلما كما كانت قادرة على إيقاف بعض المنتخبات الإفريقية القوية مثل غانا ونيجيريا والمغرب وغيرها.

باصي لصلاح

الفائدة الكبرى من هذه المباراة، من وجهة نظري، اشتباكها مع الفكرة السائدة التي يتم ترديدها باعتبارها حقيقة مطلقة لا تقبل النقاش وهي أن المنتخب المصري يضم محمد صلاح و10 آخرين كل وظيفتهم قطع الكرة وتمريرها إليه فحسب. أو كما يحلو للبعض تسمية المنتخب بمنتخب "باصي لصلاح".

خطورة هذا التصور هو أنه أولًا يختزل كل الجهد الذي يبذله اللاعبون في الدفاع والهجوم في شخص لاعب واحد. ثانيًا يُظهر المنتخب وكأنه لا يملك منظومة قائمة على تقييد اللاعبين وإلزامهم بمجموعة من الأفكار المحددة. كما لو كان الأمر لا يعتمد من الأساس على التدريبات أو طريقة اللعب قدر اعتماده على شخص واحد.

وهناك خطورة أخرى لا يمكن تجاهلها، وهي أن الحديث الدائم عن أنه منتخب باصي لصلاح ينعكس سلبًا على اللاعبين. يُفقدهم ثقتهم في قدراتهم ويجعلهم كأنهم أشباه لاعبين يسيرون في ظل نجمهم الكبير وفتاهم المدلل.

ومن وجهة نظري، فإن لاعبي المنتخب حاولوا منذ الدقيقة الأولى للمباراة إعادة تقديم أنفسهم لنا وللعالم أيضًا على أنهم قادرين على تقديم مباراة كبيرة سواءً حضر صلاح أو لم يحضر. وقد نجحوا في ذلك إلى حدٍ كبير.

كما أن هناك نقطة إيجابية للغاية ظهرت يوم أمس، ففي غياب اللاعب الوحيد القادر على تحطيم دفاعات المنافسين بمفرده كان لابد من وجود حلول أخرى بديلة. والحلول لم تكن في استبداله بلاعب آخر يكرر الدور نفسه ولكن في تغيير الطريقة التي ينتقل بها المنتخب من الدفاع إلى الهجوم.

لم يعد التحوّل من الهجوم إلى الدفاع قائمًا على لاعب بعينه قدر اعتماده على أفكار من بينها صعود الظهيرين أو أحدهما للمشاركة في الدعم الهجومي. وهو ما سمح لأحمد فتحي الظهير الأيمن أن يسدد أخطر كرة مصرية على شباك أوروجواي في الدقيقة 71. بالإضافة إلى تدوير الكرة أمام منطقة جزاء الخصم ومحاولة البحث عن ثغرة في قلب الدفاعات الأوروجويانية وهو ما لم يكن يحدث في حالة الاعتماد على صلاح وحده.

لم تثمر تلك الأفكار عن هدف للفراعنة. وجد المنتخب صعوبة كبيرة في إنهاء هجماته بسبب التسرع أحيانًا وبسبب ظهور مروان محسن بمستوى سيئ، إضافة إلى معاناة عبد الله السعيد الهجومية في ظل تقييده بالعديد من الواجبات الدفاعية لكنّها أكدت لنا بوضوح أن المنتخب قادر على تنويع أفكاره الهجومية لتعويض غياب صلاح وأنه لن يظل أسيرًا طوال الوقت لإمكانات لاعب بعينه.

مرحلة جديدة

بشكل شخصي، لا اعترف بما يسمى هزيمة مشرفة أو غير مشرفة، إذا خسر المنتخب في الدقيقة الأولى أو في الثواني الأخيرة فكلاهما سواء، ولكنّ حسابات تلك المباراة تبدو مختلفة قليلًا بالنسبة لي.

فهي، دون مبالغة، تعد مباراة فارقة بين مرحلتين؛ الأولى كانت الجماهير تنظر إلى المنتخب فيها باعتباره قليل الحيلة لا يملك إلا حلًا هجوميًا واحدًا هو "باصي لصلاح". وبين مرحلة أخرى، تشعر فيها الجماهير بقدر من السعادة والفخر بقدرة لاعبيها على تقديم أداء جيد وصلب حتى في غياب لاعبهم الأبرز.

المباراة أعادت تقديم المنتخب إلى جماهيره قبل المنافسين باعتباره قويًا ومنضبطًا وقادرًا على تقديم كرة جيدة ونتائج إيجابية قد تقوده إلى عبور مرحلة المجموعات.

ويحتاج المنتخب المصري لحصد ست نقاط في مباراتيه المقبلتين أمام روسيا ثم السعودية، من أجل أن يعزز حظوظه في التأهل إلى الدور ثمن النهائي في البطولة.