من اللقاء الأخير بين الرئيسين ترامب والسيسي على هامش قمة G7. الصورة: البيت الأبيض- فليكر

أين وزير المالية: العلاقات المصرية الأمريكية كنموذج لزراعات الصوَب

منشور الأربعاء 28 أغسطس 2019

اكتظت مانشيتات الصحف قبل يومين بعبارات المديح التي أطلقها الرئيس ترامب على الرئيس السيسي، وحملت المتون التأكيدات المتطابقة والمنسوخة عن العلاقات الثنائية والمباحثات البناءة التي ستأخذ العلاقات لآفاق جديدة.

وللأسف بما إن اللقاء لا أهمية له على مجريات الأمور دوليًا؛ اقتصرت التغطية الدولية على أن لقاءً ما قد حدث. لذلك لا مفر كالعادة من شيء من الاجتهاد لفهم ما دار في المقابلة، ومنها إلى تحليل لتاريخ العلاقات المصرية الأمريكية، وكيف توقفت في مربع واحد لا تتحرك منه، فهناك دولة في مقابل فرد هنا يحتكر ويحمي العلاقة، حتى باتت كالزراعات المحمية داخل الصُوَب.

 

نموذج من احتفاء الصحف المصرية لما جاء في لقاء ترامب والسيسي. الصورة: المنصة

قمة جبل الجليد

الخيط الأول هو ما قاله ترامب في بداية المؤتمر الصحفي. فبعد  مزحة عن إنه كاد يحصل على تأييد من السيسي أثناء حملته الرئاسية، قال "لقد فهمنا بعضنا البعض جيدًا. إنه رجل قاسٍ للغاية، أستطيع أن أخبركم بذلك. لكنه رجل جيد، وقام بعمل رائع في مصر. ليس سهلًا. لذلك سنتحدث اليوم عن التجارة، سنتحدث عن الجيش. هناك الكثير من الأشياء التي تحدث في الجزء الخاص بك (للسيسي) من العالم، كالعادة، للأسف".

وبعد ذلك شرع ترامب في الحديث عن "الأزمة مع الصين والاتفاق  التجاري الرائع مع اليابان، ثم أطال في الحديث عن إيران، وخطأ أوباما القاتل في منحها 150 مليار دولار مكافأة"، في إشارة للأموال الإيرانية المُجمدة التي أفرج عنها بموجب الاتفاق النووي الذي وقعه أوباما معها، وأنهم حصلوا فوق ذلك على 1.8 مليار دولار. وفجأة استدار ليحدث السيسي "أي نوع من الاتفاق هذا؟ دفع 150 مليار دولار في اتفاق قصير الأجل. هو (مشيرًا إلى السيسي) يود الحصول على 150 مليار دولار في مقابل قصير، كان سيفعل كان سيفعل ذلك. بالإضافة إلى ذلك، منحهم (أوباما) 1.8 مليار دولار نقدًا. ثم توجه للسيسي يسأله "أين وزير ماليتك؟ وزير المالية؟ أيهم؟

ليقول الوزير سامح شكري: ليس هنا، لكنني..

فقاطعه  ترامب وهو يشير إلى السيسي قائلًا "حسنًا. اشرح له.. مائة، 1.8 مليار دولار نقدًا. هل ستقوم بأخذها؟ مصر سوف تأخذها" وهو يقصد هنا أنه لو أتيح مثل هذا المبلغ لهذا الحليف لقَبِله. ولم توجه أية أسئلة للسيسي طوال المؤتمر، أو حتى لترامب عن العلاقات المصرية الأمريكية، وذلك حسب النص المنشور للمقابلة على موقع البيت الأبيض.

 

هذا الجزء من العالم.. للأسف

ومن هذا القليل المتاح نجد أنه فيما يخص أطروحة السيسي عن مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، في مقابل ضخ أموال واستثمارات تؤدي إلى تجفيف منابع المشكلتين من خلال تحسين الوضع الاقتصادي؛ فإن موقف ترامب لا يزال ثابتًا. فهو ينوي مناقشة "التجارة"، وليس المزيد من المعونات أو القروض، وعلى مَن يريد استثمارات أن يخلق المناخ الجاذب لها. فحكومات السبعة الكبار أو غيرها من الدول الغنية، لا سلطان لها على دوائر المال والأعمال في بلدانهم، ولا تستطيع أن تفرض عليهم الاستثمار لدواعٍ سياسية.

وبالطبع الحديث عن الجيش أو "الأشياء التي تحدث في الجزء الخاص بك من العالم، كالعادة، للأسف"، فهذا حديث يدور مع مَن يجلس على كرسي السلطة منذ أيام السادات علنًا وقبلها سرًا، ولن يكون له أي عائد على الاقتصاد أو على حياة المواطنين، وهو حوار يتكرر منذ اتفاق كوينسي الذي تم بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود.

لكن هناك، بالطبع، فارق بين نوع العلاقات المصرية الأمريكية، ونظيرتها الخليجية بعد هذا الاتفاق.

 

اتفاق على متن الطراد البحري كوينسي بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز. الصورة: الأرشيف الوطني الأمريكي

علاقة مختلفة بمقابل أعلى

بمقتضى هذا الاتفاق؛ توفّر الولايات المتحدة الحماية للعائلة المالكة السعودية وتحصل في المقابل على احتياجاتها من الطاقة، وقد امتد هذا الاتفاق وتطور ليشمل كافة الدول التي دخلت إلى المعسكر الأمريكي أثناء أو بعد الحرب الباردة.

تنوعت مطالب الأطراف ولكن ظل المحور الأساسي لا يتغير: أمن الأنظمة مقابل احتياجات الولايات المتحدة من المنطقة، يتساوى في ذلك البترول أو أمن إسرائيل، أو الحد من النفوذ الإيراني، بل وصل الأمر أن خاضت العراق تحت قيادة "الزعيم العروبي" صدام حسين، حربًا دموية غير متكافئة مع إيران لثمانِ سنوات لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ذلك لم يشفع لقائد النشامى حينما عبث بالنظام الأمني القائم بموجب اتفاق كوينسي.

لذا ليس مستغربًا أن يضيف ترامب كلمة "للأسف" حينما يتحدث عن المناقشة التي سوف تدور في الجزء الخاص بالسيسي من العالم.

في كل الأحوال فإن ما دار في الإجتماع يخص أمن الحكام ومصالح الولايات المتحدة، والشعوب لا صالح لها به.

أين وزير المالية؟

أما فيما يخص "التجارة" فنلاحظ هنا أن ترامب كان متيقنًا أن وزير المالية سيكون حاضرًا، على أساس أن جزءًا من أجندة اللقاء اقتصادية، ولكن خطط السيسي لجذب الإستثمارات الدولية مثلها مثل مشاريعه القومية لا تقوم على الجدوى الاقتصادية، وإنما معادلة الأمن مقابل الاستثمار، وبالتالي لا حاجة لوزير مالية، أو أي من التكنوقراط الذين قد لا يستوعبون "تفاهمات الطراد كوينسي"، ويمكن حينها للسيد مدير المخابرات أن يسدّ، فهو يعلم عن مالية مصر ما لا يعلمه وزيرها.

انتهى اللقاء دون أية نتائج ملموسة يمكن أن يعلنها الجانب المصري عن أية تطورات اقتصادية أو سياسية تهم الدولة المصرية، وبدلًا من ذلك، انهمر سيل المانشيتات المبشرة.

علاقة الاحتفاء والعمولات

الاحتفاء المبالغ فيه باللقاء مع الرؤساء الأمريكيين، سواء من السيسي أو ممن سبقه من رؤساء مصر منذ عودة العلاقات مع أمريكا، يظل أمرًا غير مفهومٍ للمراقِب. فالمعونة التي تتلقاها مصر لها إيجابياتها بالتأكيد، فهي ولو بشكل رمزي تعني أن مصر هي ثاني أهم دولة عند الولايات المتحدة بعد إسرائيل، المتلقية الأكبر للمعونة الأمريكية، وهي فرصة كان يجب أن ينتج عنها الكثير من الثقل السياسي، إن نجح أحدٌ في استثماره.

فكما تفتح المعونة علاقات مباشرة مع المؤسسة الصناعية العسكرية فيما يخص التسليح تحديدًا، إلا أنه أمر قد يكون له عائد أكبر في قطاع التكنولوجيا عمومًا، بشرط تجنب شرور الفساد التي ارتبطت بهذه الصناعة عالميًا، وله وكلائه هنا مثل الدكتورة ليلى تكلا التي أدينت بتقاضي عمولة من شركة بوينج من محكمة أمريكية، وذلك أثناء خدمتها كعضو مجلس شعب معينة من مبارك، ولم تساءل الدكتورة ليلى وقتها، بل وحصلت على جائزة النيل في مجال العلوم الاجتماعية لعام 2016، دون تفسير واضح عن أية علوم كانت الجائزة.

 

خبر أسوشيتد برس عام 1995 عن العمولة التي تقاضتها الدكتورة ليلى تكلا لتسهيل اتفاق بيع معدات عسكرية. الصورة: المنصة

الصديق الوحيد

هذه المعونة كانت من المفترض أن تصبح أحد الأسس لعلاقات أكبر وأوسع بعد اتفاقية كامب ديفيد، وليست محورها. وكان الحد الأدنى من تطور العلاقات هو أن تصبح هناك اتفاقية تجارة حرة بين الدولتين تفتح السوق الأمريكي الذي كان أساسيًا في النمو الاقتصادي لدول مثل اليابان والصين، وبموجبها تستطيع أي مصانع في الدولة المصرية التصدير إلى السوق الأمريكية دون حد أقصى أو كوتة للشركة الواحدة، وهذا أحد العوامل الهامة في جذب الاستثمارات.

كما أن إمكانيات التعاون والشراكات في مجالات مثل الطب والتعليم والبرمجيات وغيرها من الميادين التي تفوقت فيها الولايات المتحدة، الدولة فائقة الحداثة، كانت قائمة، ولكن ظل نظام مبارك قابضًا على كافة مفاتيح العلاقات بين البلدين، ظنًا منه أنه كـ "صديق أوحد" لأمريكا؛ هو شرط استقرار نظامه. 

وبدلا من تفعيل هذه الفرص المحتملة أصبحت الاستفادة الوحيدة هو ذلك المبلغ الذي تدور عليه معارك متكررة كل عام تقريبًا بين أنصار الديموقراطية من جانب، وأنصار الاستقرار ومصالح أمريكا الاستراتيجية أولًا، داخل الدوائر السياسية الأمريكية.

 

السادات ونائبه مبارك مع مجموعة من قادة الجيش. الصورة: موقع الرئيس السادات

توقف الزمن بالعلاقات المصرية الأمريكية، التي كان من المقرر لها أن تأخذ أبعادًا أخرى لو أنها علاقات بين دولتين، وأن يُطلَق العنان لمن هو قادر على التفاعل مع الدولة الأمريكية بدوائرها السياسية والاقتصادية، بدلًا من أن تقتصر العلاقة على رحلة سنوية كالتي كان يقوم بها "القائم بأعمال رئيس الجمهورية" السابق حسني مبارك، أو محاولات السيسي الإبقاء على هذا النمط من خلال علاقة شخصية غير متكافئة مع رئيس قد يكون خارج السلطة بعد نحو عام.

تأمين الظهر، نسبيًا، بأمريكا

إن النفوذ السياسي والاقتصادي الدولي للولايات المتحدة أمر لا يستهان به، والاعتقاد بأن أي نظام يستطيع تأمين نفسه من خلال أمريكا فيه شيء من الصحة، ولكن عمليًا لن نجد أن الولايات المتحدة أوصلت أحدًا إلى الحكم في المنطقة منذ إنشقاق السادات عن المعسكر السوفيتي وتحوله إلى معسكر الأطلسي.

فبينما تكشف إحدى الوثائق عن لقاء السادات بوزير الصحة الأمريكي إليوت ريتشاردسون يوم 2 أكتوبر/ تشرين أول 1970 حين جاء على رأس الوفد الأمريكي لتقديم العزاء في عبدالناصر، واعتبار البعض هذا اللقاء علامة لحسم السلطة لصالح السادات فيما بعد؛ إلا أن الفيصل في تمكين الأخير من الرئاسة عقب انفجار الصراع على السلطة عام 1971، لم تكن الولايات المتحدة وإنما قوات الحرس الجمهوري بقيادة الفريق الليثي ناصف. ولا توجد في أي من الوثائق الأمريكية التي أسقطت عنها السرية، أية إشارة لاتصالات أمريكية بالفريق ناصف أو بأي شخص في الجيش المصري للتدخل وحسم الصراع لصالح السادات.

 

وبعد هذا اللقاء بحوالي عشر سنوات فشلت الاستخبارات الأمريكية في حماية السادات من الاغتيال، على الرغم من أن وجوده في الحكم كان في غاية الأهمية لإنهاء معاهدة السلام.

ويعتقد الكثير من المحللين أن السبب في هذا الإخفاق هو كون قتلة السادات من خارج الكتلة القيادية للجماعات الإرهابية. فخالد الإسلامبولي كان لا يزال يخدم في الجيش المصري وعلاقته بالجماعات كانت محدودة للغاية وتمر من خلال أخيه محمد شوقي، ولو كان هو أحد كوادر هذه الجماعات أو أن الفترة ما بين اتصاله بقيادات مثل محمد عبدالسلام فرج وعبود الزمر قد طالت؛ لانكشف الأمر للاستخبارات الأمريكية التي تعتمد في الأساس على اختراقاتها المتعددة والعميقة لتلك الجماعات، كي تأمن شرها.

تصنيع الأسطورة على يد مبارك

ربما كان أكثر ما تسبب في المبالغات في إمكانية الولايات المتحدة حماية نظام ما؛ هو ما حدث مع مبارك عام 1986 حينما توقفت مصر عن سداد فوائد الديون، وكانت ستتعرض لعواقب اقتصادية وخيمة، ولكن أمريكا حالت دون ذلك بكل نفوذها.

فمبارك كان قد حافظ على معاهدة السلام، وكانت المقاطعة العربية لمصر التي تلت ذلك أحد أسباب الوضع الاقتصادي الحرج، ولم يكن ممكنًا التخلي عن مبارك ليواجه العواقب منفردًا، وكان مأزقًا حقيقيًا ولكن الولايات المتحدة أصرت ألا تهتز أركان حكم مبارك.

وحدث ما لم يكن في الحسبان يوم 2 أغسطس/ آب 1990 حينما احتل صدام حسين دولة الكويت، وحصل مبارك بعدها على تعهد من بوش الأب، بأنه لو شاركت مصر بقوة عسكرية في حرب تحرير الكويت؛ فسوف تسقط نصف الديون عنها، وقد كان.

ففي مايو/ آيار من العام التالي تم شطب نصف ديون مصر المستحقة لمجموعة نادي باريس، وأثبتت الولايات المتحدة أنها من الممكن أن تكون حليفًا حقيقيًا. فبدون هذه المساندة لما تجاوزت رئاسة مبارك عشر سنوات على أقصى تقدير.

 

خبر إسقاط نصف الديون المصرية من صحيفة نيو يورك تايمز. الصورة: المنصة

استمرت العلاقات بأفضل حال حتى في فترة رئاسة بوش الابن الثانية، والتي انقطع فيها الود بين الرئاستين، لكن استمرت العلاقات دون أية اضطرابات. فالأساس كان علاقات أجهزة الاستخبارات ببعضها، وعلاقة وزارة الدفاع هنا بالبنتاجون هناك، وعادت العلاقات الرئاسية إلى مجاريها بوصول رئيس جديد للبيت الأبيض.

وجاء أوباما إلى القاهرة، وألقى خطبته الشهيرة، وبدا الوضع كما لو أن قدر أمريكا مبارك، وقدر مبارك أمريكا.

معادلة جديدة في يناير

ثم جاء يناير 2011 وثبت عدم صحة هذا التصور. ففي البداية أصدرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بيانًا حماسيًا يدعم الحليف القوي المستقر مبارك، ولكن في خلال 48 ساعة راجعها أوباما وأصدر بيانًا طالب فيه مبارك بالرحيل، وذلك بعد 30 سنة من الزيارات للبيت الأبيض. 

بالطبع هذا البيان يجب أن يُصنف تحت بند الشكليات، فلو نجح مبارك في الاستمرار لما عدم موظفو البيت الأبيض الحيلة في إصدار بيان جديد يرحب بالاتفاق بين الشعب ورئيسه، أو أية صيغة مماثلة، كما أنه لا توجد أية أدلة عن أن للولايات المتحدة رجالها في الدولة المصرية، فهي ببساطة تنتظر إنتهاء أي صراع أو اضطرابات؛ فتتعامل مع المنتصر فيها. 

ومن يشك في هذا عليه أن يراجع البيانات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض والخارجية الأمريكية عقب الإطاحة بمرسي ويقارنها بالمديح الذي انهال على السيسي بعد ذلك. وقد أشيع أن مبارك قال قبل تنحيه بعدة أيام "الأمريكان باعوني" ولا أدري إن كان فعلًا قال هذا أو أنه من الممكن أن يكون بهذه السذاجة. فالأمريكان لا يبيعون ولا يشترون، وليس لديهم أدوات تمكنهم من اختيار مَن يأتي إلى السلطة، ولكن متى أتي زيد أو عبيد، يكونوا هم الأكثر جهازية من غيرهم في التعامل معه.

 

خطاب باراك أوباما في جامعة القاهرة. الصورة: البيت الأبيض- فليكر، مفتوحة المصدر

أصل المشكلة

أساس المشكلة الآن في العلاقة مع أمريكا ومنذ زيارة نيكسون عام 1974 هي أنها علاقة بين "دولة" الولايات المتحدة الأمريكية، و"الرئيس المصري شخصيًا" ودائرة يحدد هو قطرها.

ففي حالة مبارك، كانت تشمل هذه الدائرة وزارة الدفاع والمخابرات العامة ومديرها عمر سليمان، ثم تتسع لتشمل بعض رجال الأعمال وغرفة التجارة الأمريكية- المصرية وعدد من الأكاديميين.

أما اليوم فالدائرة ضاقت ولا تحتوي إلا على المجموعة التي كانت تجلس بجوار السيسي، وبالطبع خالية من السيد وزير المالية.

وعلى هذا الأساس يحصل الجانب الأمريكي على ما تعتقد الإدارة القائمة أنه مصلحة الدولة ويحصل الرئيس المصري على ما يعتقد أنه في صالح استقرار نظامه، وقد يطول هذا الوهم كما كان الحال مع مبارك، أو يقصر مع السيسي أو مع مَن يأتي بعده إن استمر هذا النمط. 

 

لقاء ترامب والسيسي ولا يظهر فيه من الوزراء إلا سامح شكري، وعباس كامل. الصورة: البيت الأبيض- فليكر

وكيف يتصرف المتلقي الأكبر للمعونة؟

يظل نفوذ الرئيس المصري محدودًا داخل الولايات المتحدة وقدرته على جلب الفائدة تشهد عليها المعونة البائسة التي كان يجب أن تتوقف منذ سنوات ليحل محلها علاقات حقيقية بين الدولتين. فهمزة الوصل، التي هي الرئيس، اختزلت العلاقات في الزيارة السنوية للبيت الأبيض، ولقاءات مغلقة كلما أتيحت الفرصة تذكرنا بالزراعات المحمية داخل الصوب، تذبل إن خرجت منها.

أتذكر هنا حينما حدثت الأزمة بين أوباما ونتنياهو حول المعاهدة النووية مع إيران؛ نجح نتنياهو في الحصول على دعوة من الحزب الجمهوري وإلقاء خطاب أمام الكونجرس يندد بالمعاهدة ويحذر من عواقبها، ولم يتوقف في البيت الأبيض بل تجاهله تمامًا وحشد ضده. وأتذكر أيضًا أن أحد مناصري نتنياهو كان الكاتب إيلي ويزل الحائز على جائزة نوبل، الذي نشر إعلانا عن نيته حضور خطاب نتنياهو ووجّه فيه سؤالًا لأوباما قائلا "هل ستنضم إليّ في الاستماع إلى حجة منع الأسلحة عن أولئك الذين يبشرون بالموت لإسرائيل وأمريكا؟".

بالطبع لم يكن هذا بسبب القوة الخارقة لرئيس وزراء إسرائيل، ولكنه "جهد دولة" تدافع عن مصالحها وتحشد الكثير، ولا أقول كل، طاقاتها لتسانده، فالبعض داخل إسرائيل عارض هذا التوجه، دون تبعات، في مقابل ما يحدث لكل مَن يعارض رأس الدولة المصرية في مسعى داخلي أو خارجي.

فهل يأتي يوم يكون فيه محمد البرادعي، مثله مثل إيلي ويزل، وغيره من الطاقات المحظورة في هذا البلد في الدائرة الموسعة التي تدير علاقات مصر الدولية، وتحصل على استحقاقاتها على تلك الساحة، لصالح الدولة كلها وليس فقط لصالح النظام القائم؟

 

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.