منذ أن وعيت على هذا العالم وأنا أعتبر نفسي "نص نص". سمارك نصف جمالك فأحاول تعويض النصف الآخر في التفوق الدراسي، وزنك زائد لكن لا بأس سننظر إليك بشفقة ونخبرك أن الجمال جمال الروح فلا تقلقي، تشبهين الرجال في مشيتك وهيئتك حتى جسمك خالٍ من أي معالم أنوثة لكنك "بميت راجل" يمكننا الاعتماد عليك.
جسدك ليس مثاليًا، لديك ترهلات مقززة، اذهبي إلى النادي وجربي المشي الكثير بدلًا من الكسل. لون بشرتك غير متساوٍ، لديك الكثير من البقع والبثور والهالات السوداء، اهتمي بـ "الماساكات" وطرق العناية بالبشرة. جسمك مشعر جدًا؛ هناك اختراع اسمه جلسات الليزر لإزالة الشعر، جربيه، لا يمكن أن تتزوجي بعلامات التمدد هذه (stretch marks) فاذهبي لطبيب بسرعة، يمكن أن تعالج في بدايتها بدلًا من أن يرى زوجك جسدك هكذا في ليلة الزواج الأولى. لم يعد جسدك مشدودًا بعد الحمل والولادة، جربي أن تتبعي نظامًا صحيًا وتمارسي بعض التمارين الرياضية لتستعيدي شبابك مرة أخرى ولا "يطفش" زوجك.
ذهبت لأطباء الجلدية الأشهر والأغلى، جربت جلسات الليزر، الخلطات الطبيعية من العطار، وصفات الطبيب السحرية، اتبعت نظامًا صحيًا، حرمت نفسي من الطعام، ارتديت ملابس واسعة وداكنة لأخفي معالم جسدي وبقع جلدي وآثار الجروح وعلامات التمدد. حاولت أن أكون امرأة ناجحة، عملت كثيرًا ليتغاضى الناس عن قبح وجهي ويعطون اهتمامًا لقوة شخصيتي، أردت أن ألفت النظر بإنجازاتي بدلًا من مظهري الذي لم ينصفني.
لكن لم تتغير الأمور كثيرًا، حتى كبرت وأرهقت وبدأت تلقائيًا أتجنب كل العلاقات المؤذية، أصبحت أكثر عنفًا، أقف وأتصدر لكل من يطلق على شكلي تعليقات سلبية، نعم لم تكن آلية الدفاع الأكثر لطفًا ولكنها كانت فعالة، توقف البعض عن وصمي، وقطع البعض الآخر علاقته بي بعد أن أغضبتهم ردودي العنيفة على تنمرهم.
خلقت لنفسي مجتمعات جديدة أكثر وعيًا، علاقات أنضج وأجمل، أصبح لي أصدقاء أسوياء يرون الجمال في كل شيء، يشجعوني دائمًا بكلمات طيبة، أحببت رجلًا جميلًا يراني لوحة فنية ولا يتذمر، درست الفنون والتصوير، أحببت العالم بتفاصيله وأردت أن أوثق كل ما يستحق الرؤية.
بدأت مشروع "بلا عيبة" منذ سنتين، شاركت تجربتي مع فتيات ونساء من مجتمعات مختلفة، وشاركوني هن أيضًا تجاربهن التي في الواقع كانت أكثر إيلامًا من تجربتي، قررت أن أوثقها لأنها تستحق أن تُسرد، ووافقت بعضهن أن ألتقط صورًا لأجزاءٍ من أجسامهن، الأجزاء التي أقنعهم المجتمع أنها "معيوبة"، يجب تغييرها وعلاجها.
"ما كانش بيهاڤ سكس معايا عشان شكل بطني وأنا حامل، وكان بيتريق على لوني من الشمس لأننا كنا عايشين في بلد سياحية"، هكذا اختارت فريدة* أن تبدأ حكايتها مع زوجها السابق.
تزوجت الشابة التي يبلغ عمرها 24 عامًا لمدة سنة ونصف إلى رجل لم يتوقف أبدًا عن انتقاد جسدها ورفضها، حاولت يومًا تلو آخر أن تغير من مظهرها وجسدها لإرضائه، لكن محاولاتها هذه لم تجدِ نفعًا.
تشرح أكثر "مع إني خسيت جدًا وبقيت 58 كيلو برضو ما كانش عاجب، مفيش ثقة في نفسي خالص، وكنت باخد مهدئات وأدوية اكتئاب. ما كانش بيبل ريقي بكلمه عدلة، أغير ألوان شعر، وأظبط، مفيش..".
انفصلت فريدة بعد أن اكتشفت خيانته لها في بيتهم، وأصبحت الآن أكثر اتزانًا مع رفضها الدائم لمحاولاته الرجوع لها بعد الطلاق.
قالت "كان شخص مريض، وكان بيتغذى على إنه يدمر نفسيتي، ويحسسني إني أقل وإني ما بعملش حاجة ومليش قيمة، كان المفروض يعرف إن دي حاجات طبيعية، زي ما أنا كنت بقبله بخراه العادي وعفانته".
لورا علوش كانت أكثر صبرًا من فريدة، فقد تحملت الشابة السورية المقيمة في السويد حبيبها السابق الذي استمر في تعنيفها نفسيًا ثلاث سنوات كاملة.
تحكي لورا التي يبلغ عمرها 23 سنة وتستكمل تعليمها في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "كنت عايشة معه بجحيم وكنت عم موت ببطء وأنا مو حاسة". تحكي كيف استمر حبيبها السابق في إلقاء النكات والسخرية من تغيّرات جسدها، كان يظن أن الأمر كوميديًا، رغم محاولاتها أن تلفت نظره وطلبها التوقف دون جدوى.
"كميات أكلي كترت بشكل طبيعي فلما بلشت (بدأت) إسمن (أزداد وزنًا) بلشت تظهر شوية سترتش ماركس (علامات تمدد) ع الفخدين من فوق ومن جوا وكمان طلعتلي بطن صغيرة. كان على طول بيعلق عليها أو حتى يمسكا هيك بإيده مع إني كذا مرة قلتلو لا تعمل هيك بتضايق، مع هيك كان ع طول يمسكا بإيده ويعصرا وبعدين يقلي معلش بس أنا بحبك متل ما إنتي، بس طبعًا أنا كانت ثقتي بشكلي تصير بالأرض".
تخلصت لورا من هذه العلاقة، وبدأت حاليًا في مرحلة التعافي من الضرر النفسي التي تسبب فيه حبيبها السابق، ورغم أنها خطت خطوات كبيرة وملحوظة في مرحلة الشفاء والتعافي وبدأت تستعيد ثقتها في نفسها مرة أخرى، إلا أنها ما زالت تتذكر الكثير وما زال بعض كلامه محفورًا بقلبها.
قالت لورا "لسة أوقات كلامو بيرن براسي لأنه كان كتير بيعنفني لفظيًا عمومًا، اليوم وأنا على طريق التعافي من تأثيرات هالعلاقة عليي، لسة أوقات بتطلع على حالي بالمراية و بقول بطني لسة كبيرة ولازم إنحف أكتر، مع إنو وزني وصل للـ 46".
زوج آنچيل السابق لم يكن يلقي ملاحظاته المشابهة ظنًا منه أنها دعابات خفيفة الظل، ولكن "من ضمن الجمل الشهيرة اللي كان بيدمر نفسيتي بيها كان بيقولي إنتي كنتي برنسيسة ومش عاجبك حد ومناخيرك ف السما، لازم تفتكري إن أنا اللي كسرت مناخيرك، كان بيقولي كده كل يوم".
عاشت آنچيل (36 سنة) عشر سنوات من الزواج والألم والمعاناة مع زوجها في كندا، تحملتهم من أجل طفلها والمجتمع والغربة، وما زالت حتى هذه اللحظة وبعد انفصالها عن زوجها السابق تدفع ثمنًا كبيرًا في أمر لم يكن لها ذنب فيه.
تقول "كان مش عاجبه فيّا أي حاجة. دايمًا بيتريق على لون شعري وجسمي عشان كنت تخينة، رقبتي عشان كانت سمرا من التخن، بعد ما ولدت ابني تخنت جدًا و كان دايما بيتكلم على بطن الولادة، وإني باردة جنسيًا بسبب جسمي. قعدت كتير كدة، كتير سنين يمكن عشر سنين، جالي اكتئاب و فقدت ثقتي في نفسي تمامًا، وكرهته كرهته أوي كنت بقرف منه، مبحبش إنه يلمسني حتى، رافضاه بكل حاجة فيا".
حاولت آنچيل كثيرًا أن تعبر عن ألمها مما يفعله. تكلمت معه، تكلمت مع أهلها ولم يفهمها أحد، أهملت دراستها وعملها، لم تعد تكثر بشيء على الاطلاق وفقدت رغبتها في الحياة.
تضيف "بقيت ميتة كدة، آه هي دي الكلمة أنا كنت ميتة وهو عمره ما بطل يجرحني بالكلام ده. معرفش ليه استحملت عشان ابني ولا عشان خايفة ولا عشان أهلي ولا عشان الباكجراوند (الخلفية) بتاعت المجتمع بتاعنا. بالمناسبة إحنا كنا عايشين برة من ساعة ما اتجوزنا، وهو متعلم من برة، دة مكمل دراسته هنا مش ف مصر، بس حتى هدومي كان بيتريأ عليها مع اني عادي بلبس زي الناس كلها".
قررت آنچيل ان تخضع لعملية جراحية تساعدها على فقدان وزنها، ولكن زوجها رفض الفكرة تمامًا وهددها بتركها إذا قامت بهذا الأمر، فعادت آنچيل إلى مصر مرة أخرى وأجرت العملية وفقدت الكثير من الوزن واستعادت الكثير من الثقة.
تنسب الفتاة الدور الأكبر في هذا التغير إلى والدها الذي ساعدها وشجعها على إجراء العملية، واستمر في تحفيزها معنويًا بكلماته الطيبة ليذكّرها كم هي جميلة وتستحق كل ما هو جميل مثلها.
قررت آنچيل أن تكمل الدراسات العليا في مصر، فهي خريجة كلية الطب، وعندما رجعت مرة أخرى من مصر إلى كندا، البلد الذي يعيش فيه ابنها وزوجها، وجدت أن هذا الأخير أرسل لها إعلام الطلاق ويطالب فيه بحضانة كاملة لابنهم، ولكنها حصلت في نهاية الأمر على الحضانة وبدأت عملًا ثابتًا وقدمت أوراقها إلى جامعة لتبدأ الدراسة من جديد.
ولكن المشكلة لم تنتهِ تمامًا بالنسبة لآنچيل التي تقول "حتى بعد ما ثقتي رجعت متهيألي حتى لما أخلص دراسة وأشتغل، مبقتش واثقة ف حد، وتقريبًا بخاف من كل الرجالة دلوقتي ومبعرفش أتعامل معاهم، أنا بكرهه أوي وبكره نفسي اللي كانت عايشة ميتة معاه".
عانت هؤلاء النساء من التعنيف النفسي لسنوات من أزواجهن وشركائهن حتى تخلصن منهم واستعدن حياتهن من جديد، ولكن إيمان سامي كانت تعاني مشاكل مشابهة مع أشقائها الذين كانوا سبب امتناعها عن الضحك لسنوات، خوفًا من إظهار أسنانها غير المتناسقة و"الغربية".
تقول إيمان التي يبلغ عمرها 22 سنة "طول الوقت كان إخواتي شايفين إن فيا عيوب، كنت أصغر واحدة فكنت ملطشة البيت يعني، أخويا الوسطاني بالذات كان دايمًا يعلق ع سناني مع إنه أكتر حد شبهي في إخواتي كلهم أصلا، بس كان طول الوقت شايف إني بضب وسناني شبهه سنان الأرانب وحاجات كدة".
حاولت إيمان معالجة الأمر في صغرها، وتطلّب الأمر تدخلًا طبيًا أكثر من مرة، لم يفلحوا جميعًا في تغيير شكل أسنانها كثيرًا.
تقول"قعدت فترة طويلة الموضوع عامل لي أزمة كبيرة، مش عارفه أضحك، ببتسم بس، بحط إيدي على بقي وأنا بضحك، كنت بعيط كتير، ورحت لدكاترة أسنان كتير وعملت حاجات في بقي وركبت أسلاك وحاجات وبتاع برضه مظبطتش".
ظلت إيمان سنوات تتعمد الابتسام فقط وتضحك بحرص وهي تغطي فمها بيديها حتى لا تظهر أسنانها وهي تضحك، كانت تبكي كثيرًا في صغرها بسبب هذا الأمر، لكن مع الوقت توقفت إيمان عن كل ذلك وقررت أن تتقبل الأمر، وألا تسمح لكل ذلك أن يؤثر عليها.
أنهت ايمان كلامها "لحد ما كبرت شوية وتفكيري بدأ يتغير وبدأت اللي هو خلاص بقا، دي طبيعتي، و بحب شكلي كدة وبحب سنتين الأرنب اللي قدام وسناني الكبيرة الضخمة اللي طالعة قدام انا بحبها.. بس".
الوقت، النضج والوعي كانوا عوامل كبير في حب إيمان لتفاصيلها المميزة، وهكذا كان الحال أيضاً في قصة يمني عصام، وهي مدونة وكاتبة صحفية حرة.
بدأت يمني كلامها "مفيش راجل كنت معاه كان راضي عن شكلي، واللي كان راضي عاجبه أجزاء آه وأجراء لأ".
تحكي إيمان أنها سمعت انتقادات وآراء عديدة عن شكلها، معظمها متناقض وسلبي، فالبعض نصحها بفقدان الوزن، بعد فقدانها للوزن نصحها آخرون باكتساب بعض الوزن مرة أخرى كي لا تصبح "معضّمة". طالبها البعض بترك شعرها المموج كما هو، واقترح عليها آخرون أن تفرده.
لكن في نهاية تقول ايمان بمنتهى الثقة والقوة "بس خلاص أنا كفرت بكل الكلام دا، فبقيت حرفيًا كل ما أعدي قدام سطح لامع، مراية في عربية، واجهة محل، أي حاجة، أقف وأبص على نفسي وأقول إيه القمر دا، إيه الجمال دا، سواء أنا لوحدي، معايا صحابي، معايا ناس معرفهمش، بقت دي أول حاجة بيعرفوها عني".
مارتينا ألفي، 21 سنة، طالبة جامعية، أصيبت بالبهاق في سن صغير، لم تستوعب الأمر في البداية، ولم تعرف كيف سوف يؤثر هذا الاختلاف على حياتها. لكن لحسن الحظ مارتينا محاطة بمجموعة من الأهل والأصدقاء الداعمين.
تقول مارتينا "في الأول كنت خايفة ومش فاهمة، وبعد شوية الموضوع اختلف. أنا بحب نفسي كدا، حاسة إن ربنا ميز شكلي بالطريقة دي، لون البهاق حولين عيني، وضحكتي اللي اتبروزت بخطوط البهاق. يعني مش بس قابلة روحي، أنا كمان شايفة إن دي طريقة ربنا إنه يجملني ويميزني".
مارتينا فتاة مؤمنة كبرت ونضجت في بيت مؤمن أيضًا، تحب الحياة وتملأ العالم بضحكتها الجميلة، تشعر بالامتنان لأن فتاة مثلها لم يستطع المجتمع أن يطفئ روحها لمجرد أنها خرجت عن مقاييسه المفتعلة للجمال.
لا أعلم من وضع مقاييس الجمال في هذا المجتمع، من أعطى لنفسه الحق من الأساس بأن يقيم شكلي، مظهري وجسدي من وجهة نظره الشخصية التي ليس ضروريًا أن تكون صحيحة. في الحقيقة لا أكترث لما هو صحيح وما هو خطأ، فهذا جسدي، يتغير بحكم الوقت، السن، الشمس، المجهود، حادث أليم.
بعد سنتين من العمل والتصوير وسماع القصص، عرفت أني لست وحدي، وأني لست "معيوبة"، أنا فقط "طبيعية".
كلنا نحمل بعضًا من آثار رحلتنا في الحياة ندوبًا وبقعًا في قلوبنا وأجسادنا، وجسدي لوحة فنية، تغير لونه، رُسِمت عليه علامات التمدد وآثار عملية جراحية، تجاعيدي زادت مع مرور السنين، ومع تذكير صغير بحرق نتج عن زيت الطعام الساخن، خطوط البهاق الذي أصبت به منذ الصغر أصبحت تحدد ملامح وجهي، وترسم خريطة على جسدي.
ضحكتي جميلة لأنها من قلبي بغض النظر عن شكل أسناني، وزني لا يحتاج نقصانًا أو زيادة طالما صحتي جيدة، شعري حر طليق لم يخلق لشيء محدد غير راحتي، وراحتي فيما اختاره سواء قررت تغيير لونه، فرده أو تركه مموجًا كما هو.
أنا جميلة لأنني طبيعية، لست "فوتوشوب"، ولأنني طبيعية فمن الطبيعي أن يتأثر جسمي وجلدي ولوني بحياتي وأحداثها، لأنني إنسانة، لست دمية مصنوعة من البلاستيك.
* جميع الأسماء الواردة في هذا التقرير، باستثناء مارتينا ألفي، أسماء مستعارة بناءً على طلب صاحباتها.