خاص المنصة
الفنان طارق مصطفى مع جوائزه والأقنعة التي صممها ونفذها

مصمم المؤثرات الخاصة طارق مصطفى: عن رحلة الصعود والرقابة التي تحكم الخيال

منشور الأحد 7 فبراير 2021

في بداية الألفية، لم يكن طارق مصطفى كامل يتوقع أنه سيكون واحدًا من أهم الفنانين السينمائيين في مصر في غضون عشرين سنة. كان طارق، الشاب وقتها، لا يعرف بالتحديد ما الذي يريده في الحياة؛ درس الفنون الجميلة وتخصص أكثر في الرسوم المتحركة وتصميم المنتجات، ولكن دراسته لم تقدم له ما كان يصبوا إليه من متعة يشعر بها كلما ذهب للسينما ليشاهد فيلمًا.

في هذه الفترة كانت السينما الأمريكية تقدم مجموعة من الأفلام التي تعتمد بشكل كبير على المؤثرات الخاصة، ومن بينها ثلاثية The Lord of the Rings التي تحولت بعد ذلك إلى سداسية بعد الثلاثية المكملة The Hobbit، وبعد أن شاهدها تذكَّر الشاب طارق مصطفى حبه الشديد للأفلام منذ الصغر وخاصة أفلام مثل Terminator و .E.T فشعر أنه يريد أن يكون جزءًا من هذا العالم والإبهار الذي يقدمه.

بالصدفة جاءته فرصة لكي يدرس خارج مصر. كان الجميع يتوقع أن يلتحق بكلية من كليات الرسوم المتحركة أو تصميم المنتجات في الخارج، ولكنه كان يفكر في طريق آخر مختلف تمامًا. كان يفكر في دراسة السينما، ولكنها ليست شيئًا واحدًا بل فروعًا متخصصة متعددة. تسائل كثيرًا: هل يدرس التصوير أم الإخراج؟ وهما الفرعان الشهيران اللذان كان يميل إليهما، حتى اكتشف أن الإبهار الذي يشعر به أثناء مشاهدة الأفلام التي يحبها نابع من فرع آخر مختلف عنهما، وهو المؤثرات الخاصة والمكياج. حينها قرر أن يدرس ذلك الفن الذي كاد ينقرض في مصر بعد عقود طويلة من سيادة الماكير الأشهر في تاريخ السينما المصرية محمد عشوب.

يعرف الجميع أن السينما صناعة كبيرة تتطلب فريق عمل كبير، فهي واحدة من الفنون القليلة التي عرفها الإنسان وتتطلب عمل مجموعة من الفنانين معًا من أجل إبداع عمل فني واحد. لا تنحصر فقط في ممثل أو مخرج ولكنها تحتاج أيضًا إلى الكثير من المهن الأخرى كالمصور والمونتير والمؤلف، وكذلك لا يمكنها الاستغناء عن مهن مهمة، خاصة في نوعيات معينة من الأفلام، مثل صانع المؤثرات البصرية. وهذا الاحتياج يزداد يومًا بعد يوم مع انتشار وتقدم التكنولوجيا في العالم عامة، وفي صناعة السينما خاصة.

يتناول الفنان طارق مصطفى رشفة من كوب القهوة ثم يأخذ نفَسًا من سيجارته قبل أن يقول "حينما سافرت إلى جنوب إفريقيا للدراسة كان مستوى المؤثرات الخاصة والمكياج في مصر ضعيفًا للغاية". يضيف مصطفى في حواره مع المنصة "لم أكن أعرف أي شيء عن المؤثرات الخاصة والمكياج في السينما. كنت بلا أي خبرة سواء في هذا الفرع أو أي فرع آخر من فروع السينما".

لم يمنع ذلك مصطفى من التميز في دراسته، ورغم أنها استمرت لعامين ونصف فقط في جنوب أفريقيا، فإنه استطاع في تلك الفترة القصيرة أن يتعلم الكثير عن الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات، وهي العلوم الرئيسية التي يحتاجها أي شخص يعمل في مجال المؤثرات الخاصة والمكياج "ولكن الأهم من كل ذلك هو الخيال" يؤكد مصطفى مشيرًا إلى أن أي شخص يريد أن يعمل في هذه المهنة يجب أن يكون فنانًا، ليمكنه الاستفادة من كل تلك العلوم في مهنته.

بالتأكيد لم تقدم له هذه المدة القصيرة من الدراسة كل شيء عن المهنة. يؤكد مصطفى "كانت مجرد مبادئ وأساسيات"، ولكن ما ميزه عن أقرانه في الدراسة في جنوب أفريقيا هي إرادته المستمرة للتعلم والتدريب، وهو الذي دفع أساتذته إلى أن يرشحونه ليتدرب في مجموعة من الأفلام الهوليودية التي كانت تُصوَّر في جنوب أفريقيا حينها ومنها The Ring، وKing Solomon's Mine، وFlight of the Phoenix.

بداية صعبة

ورغم عمله في مجموعة من الأفلام الشهيرة العالمية، وخلو الساحة تقريبًا من كوادر قادرة على صنع المؤثرات الخاصة التي تحتاجها السينما المصرية، لم يستطع الماكير طارق مصطفى أن يجد عملًا لعدة سنوات بعد عودته من الدراسة. يقول في حواره معنا الذي أجريناه في مكتبه بحي الدقي "كان الأمر عسيرًا للغاية، فدخول صناعة السينما في مصر صعب جدًا. ظللت لثلاث سنوات كاملة بلا عمل، ثم بدأت أعمل في أعمال قليلة مثل فيلم يا أنا يا خالتي، حيث صنعت القناع الذي يرتديه محمد هنيدي، وينتقل به للشخصية الأخرى".

https://www.youtube.com/embed/Xlm4L0UIpWQ

ظلت تلك الحالة من القحط مستمرة حتى قابل شابًا آخر يعمل بالتمثيل، وينتمي إلى عائلة فنية كبيرة في السينما المصرية وهو شريف رمزي. يقول مصطفى"ما زال شريف رمزي واحدًا من أقرب أصدقائي. هو أيضًا تخرج في كلية الفنون الجميلة، ويحب السينما مثلي. تعرفنا وقتها إلى المخرج طارق عبد العاطي، واشتركنا معًا في صنع فيلم عجميستا، الذي كان تجربة مهمة جدًا لنا نحن الثلاثة".

سألته، وهل تغيَّر الوضع الآن بعد أن أصبحت أشهر ماكير في مصر، حيث تشارك في أغلب الأعمال الفنية التي تقدمها السينما والتلفزيون وحتى الإعلانات والأغاني المصورة اليوم؟ فكان رده: "بالتأكيد أتمتع الآن بالثقة، فهناك فارق كبير بين هذه البداية الصعبة واليوم. ولا تنس أنه لديَّ الآن فريق كامل من عشرة أشخاص".

يصمت فترة ليشعل سيجارة أخرى ثم يأخذ نفَسًا منها ويكمل "في البداية والنهاية أنت محكوم بميزانية ووقت محددين. وقت التحضير في صناعة السينما بالخارج قد يصل إلى سنوات عدة، لكن هنا في مصر هي مجرد أيام قليلة، وفي أحسن الأحوال بضعة أسابيع. أحيانًا وقت التنفيذ يتطلب عشر ساعات، ولكن الإنتاج لا يوافق على ذلك أبدًا. ولذا نحاول دائمًا أن نجد حلًا لذلك".

ينظر طارق إلى الجدار الذي يقابله الممتلئ عن آخره بنماذج لأقنعة وتاتوهات رسمها ونفذها في أعمال مثل تراب الماس، والكويسين، ثم يقول "مثلًا مع شيرين رضا في فيلم الفيل الأزرق، كنا نعمل على المكياج الخاص بها في اليوم السابق للتصوير، حيث كان التحضير يتطلب من 10 إلى 12 ساعة. كانت تأتي إلينا لنرسم التاتوهات على جسدها، ثم تعود إلى منزلها لتنام، وفي الصباح تأتي إلى موقع التصوير لنبدأ في إصلاح أي مشكلات حدثت في التاتوهات أثناء الليل، ثم نبدأ في التصوير. هكذا كنا نتحايل على الإنتاج من أجل أن نصنع ما نريده في أسرع وقت وبأفضل نتيجة". يضيف مبتسمًا "مهنتي في مصر تتطلب دائمًا أن أجد حلولًا للمشكلات التي تقابلني، وهو ما يستغرق مني بالتأكيد وقتًا طويلًا ومجهودًا كبيرًا".

ما قاله الفنان طارق مصطفى جعلني أحاول أن أفهم منه؛ لماذا تميَّزت أعماله عن بقية أقرانه الذين سبقوه في المهنة في مصر؟ فكان تفسيره "كل منا لديه طريقته. لا يمكن مقارنتي بالأستاذ محمد عشوب. الأمر فقط أن ما تعلَّمته كان متطورًا أكثر مما كان يعرفه. ما زلت أتعلَّم وأتدرب حتى عبر الإنترنت وأشتري كتبًا وأتابع مجلات، وأتبادل الخبرات والمعلومات مع أبناء مهنتي في الخارج، بالإضافة إلى استخدامي مواد خام مختلفة لصنع الخدع. وأجرِّب دائمًا بهذه المواد حتى لو كنت لا أعرف وظيفتها الفعلية".

يعود مصطفى إلى بدايته مرة أخرى التي واجه من خلالها صعوبة للدخول إلى عالم السينما والتليفزيون، فيقول "كانت فترة مرهقة للغاية على عدة مستويات ومنها قدرتي نفسها على معرفة الطريقة المثالية لصنع الخدع في مصر خاصة أنه ليست كل الخدع صالحة لصنعها في مصر بسبب ارتفاع درجة الحرارة وأوقات التصوير الطويلة وعدم وجود مساعدة من الآخرين الذين يعملون معي في نفس العمل الفني". ولكنه يقول متفائلا "لكن استطعنا أخيرًا أن نقدم نتائج جيدة بداية من جرح بسيط في الجسم إلى قناع كامل. وهذا إنجاز كبير لم تشهده مصر من قبل".

علامة مسجلة

صار اليوم اسم طارق مصطفى علامة مسجلة في السينما والتليفزيون المصري، فحينما يحتاج أي عمل فني إلى شخص قادر على صنع المؤثرات الخاصة والمكياج يكون اسمه أول ما يطرح. أهلته جودة ما يقدمه ليكون أبرز صانع مؤثرات خاصة في الوقت الحالي، كما تعلم على يديه مجموعة من صناع المؤثرات الخاصة الذين كانوا ضمن فريقه، ثم أنجزوا لاحقًا أعمالهم السينمائية المنفردة، يعلِّق مصطفى "يسعدني ذلك للغاية لأنه يؤكد أننا استطعنا أن نؤسس لشكل جديد في هذه المهنة بمصر. فخور وسعيد جدًا بذلك".

الانتعاشة التي يمر به فن الماكيير حاليًا لم تمنع رغم ذلك ما يواجهه أصحابه من مشكلات، يلخصها مصطفى قائلًا "لا يوجد مكان لتعليم المهنة في مصر، وليس هناك تسهيلات للحصول على المواد الخام، ولا توجد سيناريوهات نجد فيها أفكار تحرِّض على التخيُّل وتقدِّم مؤثرات خاصة متميزة، بالإضافة إلى وجود جهاز رقابة ضد ظهور الدم أو المشاهد العنيفة، وهذا يحد للغاية مما يمكنك عمله، ويقيِّد من حريتك في القيام بما تريد أن تقدمه، وهذا بالتأكيد يحتاج للتغيير ولتطبيق نظام الفئات العمرية، ليتمتع صنّاع الأفلام بُحرية صناعة فيلم رعب، مع عرضه لفئة عمرية محددة".

عندما سألته لماذا لا يوجد قسم للمكياج والمؤثرات الخاصة في معهد السينما بمصر، رغم أنه فرع هام وموجود في كل معاهد السينما حول العالم، ابتسم قبل أن يجيب "هذا أمر غريب وغير مفهوم للغاية بالنسبة لي، ولا أعرف مَن المنوط به الحديث عن ذلك. وجود قسم للمؤثرات الخاصة والمكياج في معهد سينما أمر ضروري للغاية. وأرى أيضًا أن الملابس ليس لها علاقة بالديكور، ولذا يجب أن يكون لها قسم منفصل عنه".

توقف قليلًا ثم أضاف وهو ينظر إلى الأقنعة الكثيرة المعلَّقة على الحائط خلفي "أعتقد أن المعهد يحتاج إلى إعادة تأسيس، لأنه توجد فروع وطرق جديدة كليًا في صناعة السينما الآن مختلفة عما كان يدرِّسها المعهد، التي ما زالت موجودة منذ افتتاحه في الستينيات من القرن الماضي. ربما يكون أكثر قسم متماسك في معهد السينما هو قسم التصوير، أما الديكور فينقصه الكثير مثل production Designing (وهو ما يعرف في مصر بالإشراف الفني والديكور) وهو فرع يشمل الديكور والملابس والمكياج وهو غير موجود بالمرة في مناهج المعهد. والـproduction designing يقوم به الآن في السينما المصرية المخرج المنفذ أو الاستايلست. الموضوع معقد وغير منظم تماما في المعهد. أما المكياج فالغريب أنها مادة واحدة فقط يدرسها قسم تصوير بمعهد السينما وقسم التمثيل في فنون مسرحية".

بضيف طارق مصطفى"أما المواد الخام فالسلطات المصرية تعتبرها سلع رفاهية. وحينما نقول لهم إنها مواد لعمل المؤثرات الخاصة يدخلوننا في دوامات من الإجراءات والتفاصيل مثل الفحص الكيميائي وغيرها. في أحد المرات اشتريت ثمانية علب ألوان مجمل ثمنهم 20 جنيها استرليني أي حوالي 400 جنيه. لأجد السلطات تطلب مني فحصًا كيميائيًا على كل علبة منهم بمبلغ ألف جنيه أي أن مجموع المبلغ ثمانية آلاف جنيه".

دون تقدير كاف

سألته إذا ما كان يجد مقابلًا ماديًا جيدًا يساعده على سد هذه التكاليف من أجور وخامات وغيرها ليجيب "ليس كثيرًا. ربما معنويًا لكن المادي بالتأكيد لا. بالإضافة إلى الميزانيات الضعيفة المخصصة للمؤثرات البصرية ضمن ميزانية العمل كله. بل إن الإنتاج كثيرا ما يقتطع من هذه الميزانية القليلة ويضغط علينا في العمل أكثر لصنع المؤثرات في وقت أقل وبتكاليف أقل.

يضيف مصطفى "عليَّ أن أشير أيضا إلى أن نوعية الأعمال لا تعطي مساحة كبيرة للمؤثرات الخاصة لتقدم أفضل ما لديها. ربما لو وجدنا خيالًا أكثر في السيناريوهات لساعدنا ذلك على أن نقدم أفضل ما لدينا".

سألته عن نوعية الأعمال التي يتمنى أن يشارك فيها، أو تلك التي يرى أن فيها من الخيال ما يحرضه على صنع مؤثرات خاصة متميزة ومختلفة؟ فأجاب "أتمنى أن أشارك في عمل يطور من خيال المشاهدين لكي يفكروا خارج الصندوق وأن يحلموا لأن الحلم والخيال هما ما يجعلاننا نتقدم إلى الأمام، أيًا كانت نوعية العمل؛ تاريخي أو إسلامي أو فضائي".

أضاف "كنت أتمنى مثلًا أن أشارك في صنع أفلام هوليودية مثل Pan's Labyrinth ثم Paul أو ثلاثية The Lord of the Rings".

وعن صناع المؤثرات الخاصة الذين تأثر بهم قال "أكثر من أحب أعمالهم اليوم هو البريطاني نيل جورتون. قبله كنت أحب أعمال ستان ونستون. وبالتأكيد الأب الروحي ديك سميث. يوجد الكثير من المتميزين وكل واحد فيهم لديه رؤيته الفنية المختلفة ولديه ما يتميز فيه عن الآخرين".

برز اسم مصطفى كامل مؤخرًا مع النجاح الكبير الذي حققه في صنع مكياج مرض البهاق التي ظهرت به جميلة عوض في مسلسل إلا أنا: لازم أعيش، لكنه عندما يتحدث عن ذلك النجاح فإنه يتحدث بصيغة الجمع، قائلًا "مهنتا تطورت كثيرًا في الفترة الماضية خاصة في السنوات العشر الأخيرة. وهذا أمر إيجابي جدا".

وحينما سألته إذا كان ذلك التطور قد انعكس على وضعهم داخل الوسط نفسه، يجيب "حينما تحتاج الصناعة إلينا نجد تقديرًا كبيرًا. الوسط يتكون من ثلاثة أضلع: صناعة وتجارة وفن. وبالتالي إذا لم يكن ما نصنع من فن غير مفيد تجاريًا سوف يتغاضوا عنه ونفس الأمر مع الممثل مثلا حيث قد تجد ممثلًا جيدًا جدًا ولكن لا يعمل لأنه تجاريًا غير مفيد".

هكذا نعمل

وتطرح الصورة اللافتة التي ظهرت عليها جميلة عوض خلال المسلسل سؤالًا عن تجهيزات المؤثرات الخاصة، والكيفية التي يعمل وفقها مصطفى كامل في ظل ما أشار إليه مسبقًا من ضغطهم العمل إلى ساعات معدود لاستيفاء متطلبات التصوير، يقول "الأمر متغير مع كل فيلم أو إعلان أو أغنية. الأساس هو أن تفهم ما هو المطلوب لا ما تريد أنت أن تقوم به. فأحيانًا ما تريد أن تقوم به يكون ليس له علاقة بالموضوع أو عكس رؤية المخرج أو سيضر الشخصية خلال الأحداث في جزء أنت لست ملم به. أهم شيء هو أن تفهم أنك لست المسؤول الأول والأخير ولكنك مسؤول فقط عن جزء محدد في العمل وأن الموضوع كله يتوقف على تعاون الجميع".

ولأن الحياة ليست مثالية في الأغلب، يواجه صانع المؤثرات الخاصة مشاكل أبعد مما يواجهونه مع رغبة المخرج أو ضعف السيناريو أو قدرة الإنتاج، مثل أن يرفض الممثل أعمال المكياج بدعوى أنها تجعلها قبيحًا، و "تحدث الكثير من هذه الخلافات والمشكلات، ولكن دوري ليس أن أحلها بل أن أستطيع تنفيذ المطلوب بأسرع طريقة وأفضل نتيجة لأن ذلك مهم جدًا بسبب السرعة المطلوبة في الصناعة. لكن لو قابلتني مثل هذه المشكلة مع أحد الممثلات فهي مهمة المخرج لا مشكلتي. فانا أنقل إليه الموضوع وهو من يتعامل مع الممثلة. على المخرج أن يجد حلا إما بتغيير الممثلة أو تغيير ما يريده".

وتنتج مثل الخلافات نتيجة جهل الكثيرين بما يقوم به صانع المؤثرات الخاصة حتى من العاملين بصناعة السينما نفسها، لأنها تعتبر مهنة جديدة نسبيا على صناعة السينما والدراما في مصر، التي سبق لها أن عانت كثيرًا من بدائية أعمال المكياج والمؤثرات البصرية لعقود طويلة، حيث نرى بين الآن والآخر مقاطع أو صورًا من أفلام قديمة تثير السخرية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي والذين يقارنوها دائمًا بمثيلتها من خدع في السينما الأمريكية في تلك الأوقات نفسها.

أما عن المراحل المختلفة لعمل المؤثرات الخاصة من بحث وتصميم وتخطيط وتنفيذ، فيوضح مصطفى أن "كل عمل يختلف عن الآخر. قد يقوم الاستايلست بالبحث حيث يكون هو الشخص الذي يصمم الشخصية. وأحيانًا أخرى نقوم بذلك معًا وأحيانًا أخرى نقوم نحن بالبحث وننفذ كل شيء".

ويضرب مثالًا بفيلم الفيل الأزرق، حيث إن مصممة الملابس ناهد نصر الله هي التي رسمت كل الشخصيات منذ البداية. ولكن "ما يحكمني أنا ومصممة الملابس هو المخرج. المخرج مروان حامد محدد جدًا لدرجة أني أحيانا ما أقول له: دعنا نجرب شيئا آخر، ولكنه دائما ما تكون في عقله صورة محددة نادرًا ما يقبل غيرها".

أما في مسلسل بـ100 وش، فكان الأمر مختلفًا "لم تكن لدينا أفكار محددة مسبقة. مثلًا كنا نريد تغيير شكل آسر ياسين ليكون عجوزًا ولكن لم تكن لدينا صور مسبقة ولذا كنا نصمم ما نريده. كنا نجرب ونرى ما هو الأفضل".

قُل: مؤثرات خاصة

شارك طارق مصطفى في أعمال متباينة من حيث النوع والمستوى الفني مثل الشيخ جاكسون ذي الطابع الدرامي، وولاد رزق، وهو أكشن، والفيل الأزرق الذي يمكننا إدراجه تحت بند الرعب، وصولًا إلى الكوميدي في الحرب العالمية الثالثة، وهو ما جعلني أسأله عن تقديره الشخصي لقدرة تأثير ما ينفذه من خدع في المشاهد، ليجيب "يأتي ذلك بعد بحث وفهم عميق. ولكن الأهم من ذلك هو وجهة النظر الفنية لأن نفس هذه الشخصيات التي تجدها في فيلم الحرب العالمية التالتة إذا كانت في فيلم آخر سوف أقدمها بطريقة مختلفة. بالتأكيد تحقيق وجهة النظر الفنية يأتي بنسب مختلفة لأن أحدًا لا يستطيع أن يحقق وجهة نظره بشكل كامل. ولكن تحقيق وجهة النظر هذه بنسبة جيدة يعني أنك نجحت، إما لو كانت وجهة نظرك غير مناسبة فأنت تفشل وفشلك هذا سوف ينعكس على العمل نفسه. الرهان هنا على وجهة النظر الفنية. ولذا أجمل شيء هو أن أسمع من شخص أن ما صنعته جيد ومناسب".

يخلط دائما الناس بين عمل فنان المؤثرات البصرية و المكياج، لذا كان علينا أن نسأل مصطفى عن الفارق بين المهنتين. يجيب مبتسمًا، خاصة أنه يعاني كثيرًا من ذلك الخلط الذي يقع فيه الناس بين المهنتين "الجمال جزء مهم جدًا للمرأة ولذا كل النساء يردن أن تكنَّ أكثر جمالًا. وهذا اسمه التجميل ومن يقوم به هو ماكيير التجميل، الذي يتوقف عمله حد جعل المرأة أكثر جمالًا وأحيانًا الرجال أيضًا إذا كان مذيعًا أو ممثلًا. لكن تغيير شخصية شخص هو أمر مختلف عما يقوم به ماكيير التجميل. ومن ضمن التغييرات هو أن تجعله قبيحًا أو أسمن أو أكبر في السن أو من طبقة اجتماعية مختلفة أو حتى كائنًا فضائيًا. هنا منطقة مختلفة وأوسع كثيرًا من الأخرى والأدوات والأفكار والعلم الذي تستخدمه أكبر وأكثر تعقيدًا من مجرد التجميل".

سألته إن كان ما نفذه من تصميمات قد تحول بعد استخدامه إلى نوع من التجميل، ليشير إلى أن "التاتو الذي رسمته لشيرين رضا في الجزء الأول من الفيل الأزرق أعجبها جدا لدرجة أنها ذهبت بعد ذلك إلى فنان تاتوهات حتى تصنعه هو نفسه ولكن هذه المرة بشكل حقيقي ودائم".

وعلى الرغم مما يقع في الجمهور التقليدي وحتى صناع السينما غير المطلعين كفاية على ما ينتج عالميًا، ثمة شباب كثيرون يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي ليعرضوا محاولاتهم في تقليد المؤثرات الخاصة في الأفلام باستخدام أدوات بعضها بدائي لتنفيذ جروح في الجسد أو تشوهات في الوجه، لكن يتوقف أغلبهم عند تلك المرحلة دون تخطيها، وينصحهم خبير المؤثرات الخاصة أن "عليهم أن يجربوا دائما وأن يبتعدوا عن الفيديوهات التي على يوتيوب. يجب أن يقرؤوا كتبًا وأن يأخذوا كورسات مع أناس معروفين. معظم من يتواصلون معي يصنعون صورًا مكررة شاهدوها في فيديوهات على يوتيوب. النتائج تكون واحدة. لذا فالتعلم عن طريق اليوتيوب ليس مفيدًا. أيضا عليهم أن يوفروا لأنفسهم المواد الخام ولا يتعللوا بأن المواد الخام غير متوفرة. عليهم على الأقل أن يحاولوا الوصول إلى تلك المواد".

يضيف مصطفى أنه "على كل واحد يعمل أو يريد أن يعمل في هذه المهنة أن يدرك أن أهم شيء هو أن يحب عمله ويستمتع به. لا أحد يعمل في هذه المهنة إلا ويحبها بالفعل. وأهم شيء أيضا هو إمتاع الناس فإذا لم تستطع فعل ذلك فعليك أن تدرك أن لديك مشكلة كبيرة. يجب أن يتحلى من يعمل بهذه المهنة بالخيال والتطور والأفكار والرغبة الدائمة في التجريب".

التجريب هو السمة الرئيسية في صناعة المؤثرات الخاصة والفن بصورة عامة، وهي السمة التي ميزت الفنان طارق مصطفى منذ أول أعماله يا أنا خالتي وصولًا إلى ما يُنتظر صدوره قريبا مثل 30 مارس. وهي أعمال طور فيها من قدراته على صنع المؤثرات الخاصة بما يصب في النهاية في صالح المهنة وتطور صناعة السينما ككل، وجعلت من أعماله علامة أثرت في ذهن الجمهور المصري والعربي الذي شاهد الفيل الأزرق ولا تراجع ولا استسلام وكل أسبوع يوم جمعة وبـ100 وش، وإلا أنا وغيرها الكثير من أعماله اللافتة.