مونيكا حنا، فيسبوك
الدكتورة مونيكا حنا

حوار| مونيكا حنا: مواجهة الأفروسنتريك تكون بالبحث العلمي لا بالعنصرية

الخلاف معي سياسي في جوهره

منشور الأحد 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

أكاديمية مصرية مرموقة في مجال علوم المصريات والآثار، وجدت نفسها فجأة في قلب عاصفة من الهجوم والتشويه على السوشيال ميديا.

بنَت مونيكا حنا حضورها العام على الدفاع عن الآثار والتراث المصري، وعلى نقد سياسات رسمية في إدارة الملف الأثري، من ملاحظاتها على طريقة عمل المتحف المصري الكبير، إلى انتقاداتها العلنية لرموز في القطاع وعلى رأسهم الدكتور زاهي حواس، لتصبح اليوم هدفًا لحملة إلكترونية تتهمها بالتشكيك في "أصل المصريين"، ودعم "الأفروسنتريك".

بوست يهاجم عالمة الآثار مونيكا حنا ويضعها في سلة واحدة مع الإسلاميين، 19 نوفمبر 2025

في المقابل، ترى مونيكا، وهي أستاذة مساعدة في الآثار والتراث الحضري، وعميدة كلية الآداب والعلوم بالجامعة الأمريكية، أن ما تتعرض له ليس سوى نتاج مباشر لرفضها تسييس العلم، ووقوفها ضد ما تسميه "لجانًا" تنتمي لحركة ما يسمى بأبناء كيميت المتعصبين للقومية المصرية ويعتقدون بنقاء العرق المصري.

تفرق مونيكا في حديثها لـ المنصة، بين النقد الذي لا ترفضه في حد ذاته، وما تراه حملة منظمة تتعرض لها حاليًا.

وتُرجع الأمر إلى مجمل حضورها ومواقفها في آن "أنا بتكلم بالعلم وليس بالأيديولوجيا. كتير من الناس عاوزينك تاخد صف، يمين أو يسار، وما حدش متقبل إنه يكون لك رأي مستقل".

الجينات والهجرات

واحدة من أكثر التهم انتشارًا ضد مونيكا ما يتعلق بحديثها عن "الجينات الإثيوبية" وعلاقتها بالمصريين، وترى فيه مثالًا واضحًا على التلاعب بالخطاب العلمي وتحويله إلى سلاح في حرب الهوية "أنا قلت إنه في عصور الهجرات المرتبطة بما يعرف بالـhaplogroup أغلب سكان نهر النيل كان لهم جينات مشتركة مش في مصر بس، ولكن أيضًا في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأدنى، إحنا بنتكلم عن تاريخ طويل للهجرات على امتداد وادي النيل، لا عن ادعاء إن أصل المصريين إثيوبي كما يروّج البعض".

ولتبسيط الصورة للقارئ غير المتخصص، تضع مونيكا الحضارة المصرية في سياقها الجغرافي والتاريخي الأوسع قائلة "العلاقة بين الحضارة المصرية القديمة والهجرات الإفريقية علاقة تفاعلية معقدة، تركزت بشكل أساسي على محور وادي النيل. مصر، بموقعها الجغرافي الفريد، كانت نقطة تلاقٍ جيني وحضاري بين شمال إفريقيا والشرق الأدنى. الأدلة الأثرية والمناخية تشير إلى أن الهجرات الناتجة عن جفاف الصحراء في عصور ما قبل التاريخ ساهمت في استيطان وادي النيل وتطور الحضارة المصرية".

وتضيف أن النوبة مثّلت "العمق الإفريقي الأقوى لمصر"، وأن التأثير كان متبادلاً "بلغ ذروته في حكم الأسرة الخامسة والعشرين النوبية لمصر بأكملها". ومع ذلك، توضح أن هذا التأثير ظل محكومًا بقيود الجغرافيا، "حدود هذا التأثير كانت مرتبطة أيضًا بطبيعة الأرض. الصحاري والمسافات الطويلة شكلت حواجزًا طبيعية قللت من الاتصال المباشر بين مصر ومناطق إفريقيا جنوب الصحراء الغربية والوسطى. التأثير الأكبر ظل دائمًا مرتبطًا بوادي النيل شمال جنادل النيل".

بوست يتضمن تحريضًا على اللاجئين في مصر، 14 نوفمبر 2025

هذا النقاش العلمي عن الهجرات والجينات تحول إلى مادة للاشتباك الاجتماعي والسياسي بفضل "عزوف الشباب عن الانخراط في العمل السياسي العام" حسب أستاذة الآثار، معتبرة أن كثيرًا من الشباب "منخرط في جدلية عقيمة لإثبات ملكيتهم لحضارتهم، التي هي بالفعل ملكهم في إطار حرب هوياتية، بدلًا من الانخراط في الحاضر لخلق مستقبل حقيقي لهم".

تشرح "التراث والماضي المبهر يجب أن يثريا الحاضر، لا أن يتحولا إلى أداة لخلق صراع مجتمعي هوياتي عقيم. كنت متخيلة أن حركة الكمايتة مثلًا يخرج منها مرشحون للبرلمان المصري، تكون أجندتهم الحفاظ على التراث واسترداد آثارنا المنهوبة. لكن ذلك لم يحدث".

وتطرح سؤالًا اعتبرته جوهريًا، "هل يستطيع هذا الشباب دحض العلم الزائف للأفروسنتريك أو غيرهم بالكلام العنصري المقيت، الواقع أننا لا نجد هذه الحركات في الصفوف الأولى ضد التنقيب عن الآثار خلسة، أو الإهمال في المواقع الأثرية، أو شطب الآثار، أو التعديات على المواقع الأثرية".

رفض المركزيتين معًا

رغم أنها كانت من أول من انتقد تقديم كليوباترا كأيقونة "أفروسنتريك" في عمل أنتجته نتفليكس، تُتهم مونيكا حنا اليوم بدعم هذا التيار.

ترى مونيكا أن هذا الاتهام جزء من بناء صورة معكوسة لها تمامًا، "السبب الرئيسي لهذا الاتهام هو رفضي للعنصرية وإصراري على الاعتراف بالروافد الإفريقية لمصر القديمة، تمامًا كما أعترف بالروافد المتوسطية والشمال إفريقية. للأسف، كثير من آراء التيار القومي اليوم تحاكي تيار المركزية الأوروبية في رفض المركزية الإفريقية؛ يعكسونها فقط. من وجهة نظري يجب رفض المركزيتين معًا".

فالمواقف الانفعالية ليست فعالة في هذا السياق، "ويجب أن يكون ذلك من خلال النشر العلمي القوي والكتابة العلمية السليمة، وليس عبر مكايدات السوشيال ميديا والشتائم" تقول الأكاديمية المصرية.

انتشر الأفروسنتريك عالميًا، لارتباطه بشكل مباشر بالسياق الأمريكي، توضح "بما يسمى American identity politics/ السياسات الهوياتية المبنية على السياق الأمريكي، وبعقود من سرقة التراث الإفريقي الذي يجب استرداده. هذا الفراغ الثقافي الناتج عن النهب يحاول الأمريكيون من أصل إفريقي ملأه من خلال هذا العلم الزائف".

تقر مونيكا بأن "هناك جرح حقيقي"، لكنها ترى أن طريقة معالجته من خلال سرديات متطرفة لا تخدم الحقيقة التاريخية.

تضع الباحثة الحاصلة على جوائز عالمية في مجال الآثار والحفاظ عليها، حدًا فاصلًا بين "الروافد الإفريقية الطبيعية" للحضارة المصرية و"محاولات نسب الحضارة" لأجندات معاصرة مثل الأفروسنتريك، قائلة "التفريق يعتمد على التباين بين المنهجية العلمية والدافع السياسي. الروافد الطبيعية تشير إلى التفاعل الحضاري المتبادل والمثبت تاريخيًا وجغرافيًا، وتستند إلى أدلة أكاديمية مثبتة من الآثار والنصوص. هذه الأدلة تؤكد أن الحضارة المصرية نشأت وتطورت في بيئة إفريقية وتفاعلت بشكل حيوي مع محيطها، خصوصًا النوبة (وادي النيل العليا)، لكنها لا تُقصي التأثيرات الأخرى، بل تعتبرها جزءً من مركّب حضاري معقد".

لتركيز على لون بشرة المصريين القدماء أو عرقهم مدخل خاطئ لفهم الهوية المصرية

في المقابل، فإن محاولات النسب الأيديولوجي، سواء جاءت من المركزية الإفريقية أو غيرها، "تسعى لاختزال أصل المصريين القدماء في مجموعة واحدة وإقصاء الجوانب الأخرى، معتمدة على انتقاء متحيز للأدلة والتركيز على مفاهيم عرقية معاصرة، مثل لون البشرة، لخدمة أهداف سياسية أو اجتماعية حالية تتعلق بملكية التراث وتأكيد الهوية، بدلًا من الفهم التاريخي للتطور الحضاري". لهذا تؤكد أن "تأصيل الثقافة المصرية القديمة كأصل للهوية، وليس العرق أو التشابه الجيني، هو خطوة أقوى بكثير، لأنه يغلق الباب أمام هذه المزايدات".

مصر ثقافة

بدأت الحملة ضد الباحثة الأكاديمية قبل 3 سنوات، حين نشرت مقالًا بعنوان "مصر ثقافةً وليست عرقًا" والذي بات أكثر الأسلحة استخدامًا ضدها، تُدافع "كتبت المقال كاستجابة مباشرة للجدل الدائر حول الفيلم الوثائقي كليوباترا الذي عرضته نتفليكس وما تلاه من نقاشات حول العرق".

توضح "التركيز على لون بشرة المصريين القدماء أو عرقهم مدخل خاطئ لفهم الهوية المصرية. الفن المصري القديم نفسه يصور مجموعة متنوعة من ألوان البشرة والملامح، ما يشير إلى أن التنوع كان حاضرًا دائمًا. الشخصيات التاريخية البارزة لم يتم تعريفها في تراثنا من خلال لونها، بل من خلال مساهماتها في البناء المعماري والفني والحضارة واللغة".

وتضيف "عبارة 'مصر ثقافة وليست عرقًا' كانت استنتاجًا مفاده أن الهوية المصرية مركّبة ومتعددة الطبقات، بُنيت على مدى آلاف السنين، وتُعرَّف من خلال الممارسات الثقافية المشتركة والتقاليد واللغة، وليس عبر فئة عرقية واحدة وثابتة".

إعادة تدوير هذا العنوان له بعد سياسي، كما ترى مونيكا "أعتقد أن هناك من له مصلحة في تأجيج الصراع الهوياتي في منطقتنا، لأنه يساهم في تغذية صراع أوسع في المنطقة كلها".

تعتبر مونيكا أن "مفهوم العرق أحد أكثر المفاهيم إثارة للجدل، وهو في جوهره بناء اجتماعي حديث نسبيًا، وليس حقيقة بيولوجية ثابتة".

تاريخيًا، لم يظهر بمعناه التقسيمي الحديث إلا مع بداية عصر الاستعمار الأوروبي. في القرن الخامس عشر كانت كلمة race تعني السلالة أو النسل، ثم تطورت في القرن الثامن عشر لتصبح أداة علمية مزعومة.

وتستعيد الباحثة المصرية كيف استخدم مفكرون مثل لينيوس هذا المفهوم "لتقسيم البشر إلى فئات هرمية (أوروبية، آسيوية، إفريقية)، وربطوا المظهر الخارجي بصفات سلوكية وفكرية، ما وفر تبريرًا أيديولوجيًا للهيمنة الاستعمارية والعبودية". مشيرة إلى أن علم الوراثة أثبت أن جميع البشر متطابقون بنسبة 99.9%، وأن التنوع الجيني داخل أي مجموعة سكانية يُفترض أنها (عرق واحد) أكبر بكثير من التنوع بين المجموعات المختلفة.

أما السمات الجسدية التي نستخدمها في التصنيف، مثل لون البشرة، فتصفها بأنها "سمات متدرجة/Clinal توجد على طيف مستمر"، وهي نتاج تكيف تطوري مع المناخ، لا فئات منفصلة، وتخلص إلى أنه "لا يوجد جين للعرق يجمع كل أفراد مجموعة ويفرقهم عن أخرى".

أبناء كيميت والنقاء العرقي

تتصدر مجموعات "أبناء كيمت" الانتقادات الموجهة ضد مونيكا حنا، وهو ما تفسره بـ"رفضي الطرح الأيديولوجي لمصر القديمة الذي يقدمونه، فأغلب معلوماتهم مستقاة من مصادر الهوس بمصر القديمة (Egyptomania)، ومن بعض العلم الزائف الخاص بعلم المصريات".

وعندما تُسأل عمّا إذا كانت الخطابات التي تتغنى بـ"النقاء العرقي المصري" تحمل نزعات فاشية أو عنصرية، تجيب فورًا "بلا شك".

لا يقتصر الهجوم على حنا على اتهامات الهوية والعرق، بل يمتد إلى محاولة تصنيفها سياسيًا. يصفها البعض بـ"اليسارية"، بينما يتهمها آخرون بأنها "مدعومة من الغرب". تعلق ساخرة "الحقيقة الموضوع ده بيفكرني بفيلم لطيف اسمه فوزية البرجوازية من إخراج إبراهيم الشقنقيري. أنا بصراحة مش فاهمة إزاي الكلام عن العلم يُصنَّف على إنه كلام يساري".

توضح "رفضي تشجيع كلام أيديولوجي متطرف يُترجم فورًا إلى أني يسارية. في حين إني برفض مواقف يسارية متطرفة تُسفه الحضارة المصرية أو تتجاهل الرد على ادعاءات المركزية الأوروبية، وكتبت أكتر من مرة في هذا الاتجاه".

وتضيف "الخلاف معي سياسي في جوهره. بسبب رفضي الموافقة على تدخل الأيديولوجيا في العلم، وكوني أواجه هذا التيار، وأصف بالضبط ممارساته العنصرية وتبنيه أفكارًا مسمومة عن التراث المصري، كل هدفها زعزعة السلم المجتمعي في مصر"، مؤكدة "وده اللي بيعمل المشكلة".

ترى مونيكا نفسها "منفتحة على العالم الغربي بحكم التعليم والزواج، وأتفاعل معه بشكل يومي، لكنني أرى أن جوهري ست صعيدية، بسبب العائلة، وبسبب أن أغلب شغلي كان في الصعيد. جدة والدي، اسمها صديقة في أبو قرقاص بالمنيا، وكانت زوجة العمدة. كانت تسيب الطبنجة متعمّرة تحت المخدة. يمكن عشان كده أخدت جزء من تراث الستات القوية منها، ومن جدتي، ومن أمي".

من هذه الخلفية تنظر حنا إلى مصر "أنا بشوف مصر بعيدة تمامًا عن الكلام العنصري للجان الكمايتة. مصر الحقيقية هي اللي عندها ثقافة نابعة من الجغرافيا والتاريخ والتراث، ومش محتاجة المزايدات الفارغة. مصر القديمة لسه عايشة جوا الناس متمثل في تراث معنوي قوي".