مطرانية شمال سيناء في ضاحية السلام بالعريش. الصورة: محمد علي السوهاجي- المنصة

"الجزية" أو الرحيل: طريق آلام المسيحيين في سيناء

منشور الأربعاء 28 أبريل 2021

يحيي المسيحيون هذا الأسبوع ذكرى أسبوع آلام المسيح، ويستعدون للاحتفال بعيد القيامة الأسبوع المقبل، لكن الآلام تتضاعف في سيناء، إثر إعلان ما يسمى تنظيم ولاية سيناء قتل نبيل حبشي، وهو تاجر مشغولات ذهبية مسيحي كان اختطفه قبل خمسة شهور من مدينة بئر العبد، مع تهديد المسيحيين "المتعاونين مع الجيش" بالقتل، ومطالبة الباقين بدفع "الجزية" في فيديو مصوَّر أطلق عليه "صناع الملاحم 2"، فيما أعلنت مطرانية شمال سيناء استمرار الصلوات كالمعتاد، ووجود الأسقف والكهنة في المدينة.    

ذلك التصعيد فرض حالة من الحذر بين مسيحيِّ العريش، الذين تناقصت أعدادهم بشكل كبير منذ عام 2011، إثر تعرضهم لعمليات استهداف تنوعت بين الحرق والسلب للكنائس والممتلكات والخطف لطلب فدية؛ مثلما حدث في كنيسة مار جرجس والعائلة المقدسة بمدينة رفح، التي تعرضت لاعتداءات مسلحة، وعمليات نهب وسرقة وحرق أثناء ثورة يناير، وأعقب ذلك استهداف لأفراد مسيحيين في رفح تباعًا، حتى رحيلهم من رفح، بعد أن ترك  أحد الملثمين رسالة تهديد بخط اليد في متجر مملوك لمسيحي، بضرورة مغادرة المسيحيين رفح خلال 48 ساعة، وذلك في سبتمبر/ أيلول 2012.

وفي يوليو/ تموز 2013 قتل مسلحون مجهولون القس مينا عبود، 39 سنة، بطلق ناري في الرأس، بالقرب من مقر واستراحة كنيسة بحي المساعيد غربي مدينة العريش، وأعلن فيما بعد تنظيم ما يعرف بولاية سيناء مسؤوليته عن الحادث، وفي يونيو/ حزيران 2016 أعلن عن مقتل القس روفائيل موسى كاهن كنيسة مارجرجس بالعريش، خلال تواجده بالمنطقة الصناعية بدائرة قسم ثان العريش، لإصلاح سيارته، حيث أطلق مجهول أعيرة نارية تجاهه ما أدى إلى وفاته.

فيما رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ست حالات خطف أقباط، خلال النصف الأول من عام 2013 فقط، جميعها انتهت بعد دفع مبالغ مالية، فيما عدا حالة واحدة تمكنت من الهرب، ولكن في السنوات التالية تعرض عدد من المختطفين المسيحيين للقتل، ومنهم مجدي لمعي، 60 عامًا، الذي عُثر عليه مفصول الرأس في 2013، وآخرهم نبيل حبشي الذي صوَّر التنظيم لحظة إعدامه.

وتحيي مناسبات مثل الأعياد دائمًا رغبة داخل المغترب في العودة إلى أرضه وأهله، لكنها بالنسبة إلى مسيحيِّ العريش الذين اضطروا إلى ترك منازلهم تبدو صعبة إذا لم يعد هناك من الأهل من يغري بالعودة إليه، يقول أحد سكان المدينة للمنصة "بنشوف عدد منهم بس قليل جدًا، و غالبًا الستات منهم بيلبسوا طُرح و ملابس مش مميزة علشان ما ينكشفوا، بس عمومًا الموجود منهم عدد لا يذكر ".

 

مطرانية شمال سيناء في ضاحية السلام بالعريش. الصورة: محمد علي السوهاجي- المنصة

"منقدرش نرجع"

خليل سدراك* أحد المسيحيين الذي غادروا العريش قال للمنصة إن أسرته تلقت تهديدات مباشرة قبل رحيلها "والدي اتهدد مرتين في 2014 وفي 2015، لكن على الرغم من ده سبت العريش مرتين ورجعت، وحصل اللي حصل في 2017، ومشيت ومرجعتش من ساعتها".

ويشير سدراك إلى تزايد حدة استهداف المسيحيين في عام 2017، حيث قُتل سبعة أقباط، كما جرى استهداف المسيحيين في منازلهم وحرق جثث البعض ونهب المنازل قبل حرقها، كما عمل القائمون بهذه الاعتداءات على الحصول على التليفونات المحمولة للضحايا، وهو ما وفر لهم قاعدة بيانات جاهزة بأسماء وأرقام تليفونات باقي المسيحيين في المدينة، ومع تزايد حالات القتل، توجه عدد من الأقباط إلى مؤسسات الدولة، وقدموا شكاوى إلى الجهات الأمنية تتضمن فحواها التهديدات التي تلقوها عبر التليفونات المحمولة والمنشورات التي تركت تحت أبواب المنازل، ولم يجدوا أية استجابة تذكر منها، سواء بتشديد الحراسة أو بطمأنتهم حول وجود خطط للتدخل وبسط الأمن، حسبما وثقته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تقريرها عن وقائع القتل والتهجير القسري بحق أقباط العريش، المعنون "موت مُعلَن".

تلك الأحداث يسترجعها سدراك بكثير من الأسى، لعدم تحرك نواب البرلمان وقتها لدعم مسيحيي العريش، وعدم تعاطيهم مع الأزمة بما هو واجب عليهم.

عن إمكانية العودة يقول "نفسي طبعًا أرجع وسط ناسي وأهلي وبيتي وأصحابي. أنا مش عاوز أتكلم في السياسة عشان الموضوع كبير ومتشعب، لكن هل ترضى إن زميلك أو صاحبك أو أخوك المسيحي يرجع ويدفع الجزية؟ إحنا مش ضحايا رحيل وضرر مادي بس، لازم يكون في دعم نفسي أول شيء، كتير مننا وصل لمرحلة إنه محتاج علاج نفسي من اللي حصل. بتكلم من ناحية الأمان والسلام النفسي كمواطن مسيحي مصري".

رغم افتقاد سدراك لأصدقائه في العريش، لكنه لا يستطيع المغامرة بالعودة إلى مسقط رأسه، "عشت 30 سنة في العريش، وكل أصحابي هناك، لكن هنا (يقصد موقعه الحالي) مليش أصحاب في زحمة الحياة، وكل شخص في دوامة، عكس العريش لأنها بلد صغيرة كل واحد عارف الثاني، على الأقل لما تكون في مشكلة بين اتنين يا يتم الصلح في قعدة يا كل واحد ياخد حقه".

ما حدث 2017 يسترجعه الأهالي الآن مع ما اعتبروه غيابًا للاهتمام بين وسائل الإعلام بضحايا الجانب المدني بالعموم، حيث تعرض أيضًا أهالي سيناء إلى الاستهداف و القتل، دون إبراز تلك التضحيات والثمن الفادح الذي لايزال مستمرًا نتيجة العمليات الجارية منذ عام 2013، ما خلَّف معاناة انسانية في منازل مئات الأسر، وعن هذا كتب الناشط من شمال سيناء حسن حنتوش على صفحته بفيسبوك، معبرًا عن استياءه من "التمييز " الذي لاحظه عند التعامل الإعلامي مع ضحايا ما يسمى "داعش".

القداسات مستمرة

الموقف الرسمي للكنيسة في شمال سيناء هو استمرار الصلوات رغم التهديدات، إذ قالت مطرانية شمال سيناء في بيان لها إن "لا إرهاب ولا تهديد سيؤثر على وحدة شعب شمال سيناء، ككل الشعب المصري المتضامن باليد الواحدة والإيمان بالله من أجل تجاوز أي محنة لاستمرار عجلة التقدم والتنمية التي يلمسها الجميع"، كما أعلنت المطرانية عن وجود الأنبا قزمان، أسقف شمال سيناء والكهنة مع المسيحيين داخل المحافظة، واستمرار الصلوات كالمعتاد كل الأيام والمناسبات المقبلة، والاحتفال بعيد القيامة".

 وكان الأنبا قزمان، نعى نبيل حبشي "شهيد الكنيسة والوطن، الذي اغتالته أيدي الإرهاب الغاشمة الدموية"، وقال في بيان "تزف المطرانية روحه المباركة مع الأبرار والقديسين، طالبين لنفسه راحةً ونياحًا، ولأسرته وأولاده ومحبية تعزيات السماء، واثقين في قدرة قواتنا المسلحة وقوات الأمن تحت رئاسة قائدنا المحبوب الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي لا يتهاون في أي نقطة دم لأحد من أولاده المصريين حتى ولو خارج القُطر".

نبيل حبشي الذي بث ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في 17 أبريل/نيسان الجاري تسجيلًا لإعدامه أطلق عليه "صناع الملاحم 2"، أجمعت روايات شهود العيان على أن ثلاثة ملثمين مسلحين بأسلحة آلية اعترضوا طريقه على بعد عشرات الأمتار من منزله في حي الغزلان بمدينة بئر العبد، في 7 نوفمبر الماضي، شاهرين اﻷسلحة لترهيب اﻷهالي ومنع تدخلهم.

بيتر حبشي، نجل القتيل، قال إن التنظيم طالب الأسرة بدفع فدية مليوني جنيه خلال 48 ساعة "اللي كلمني قالي يا تدفع أو هنقطع راسه وندور عليك وهنقطع راسك انت كمان، فأبلغت الجهات الأمنية، وعندما اتصل بي نفس الشخص، وقال لي إن المطلوب 5 ملايين جنيه فدية".

 

نبيل حبشي. الصورة: بيتر حبشي- فيسبوك

الداخلية تعلن تصفية مسلحين 

وفي 19 أبريل أعلنت وزارة الداخلية "مقتل ثلاثة عناصر إرهابية" وملاحقة ثلاثة آخرين، ضمن خلية متورطة في قتل حبشي، واستهداف الأقباط في شمال سيناء.

وذكرت الداخلية المصرية في بيانها أنه "تم تحديد اثنين من العناصر الإرهابية التي لقيت مصرعها وهما القيادي الإرهابي محمد زيادة سالم زيادة واسمه الحركي (عمار)، الذي يعد من أخطر العناصر الإرهابية وتولى الإعداد والتخطيط والتنفيذ للعديد من الحوادث الإرهابية التي شهدتها محافظة شمال سيناء، كما تولى مسؤولية توفير الدعم اللوجيستي للعناصر الإرهابية، والثاني هو الإرهابي يوسف إبراهيم سليم واسمه الحركي (أبو محمد) المتورط في تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية ومن المعاونين للأول في توفير الدعم اللوجيستي".

وأضافت "جار ملاحقة باقي عناصر تلك الخلية الإرهابية المتورطة في حادث مقتل المواطن نبيل حبشي، حيث أمكن تحديدهم، وتبين أنهم كل من جهاد عطا الله سلامة عودة وأحمد كمال محمد شحاتة وخالد محمد سليم حسين"، بحسب البيان.

يأتي هذا مع حلول أسبوع الآلام واقتراب عيد القيامة الذي ينتظر المسيحيون الباقون في العريش الاحتفال به، آملين ألا يعكر صفوهم طلقات رصاص أو حوادث جديدة.   


* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر