أصدر جيش الإسلام في سوريا مؤخرًا بيانًا يطالب فيه بالسماح للدول الصديقة بمد المعارضة المسلحة بصواريخ مضادة للطائرات، وأضاف البيان أن تلك هي الطريقة الوحيدة لإجبار حكومة دمشق على التوصل لتسوية سياسية.
ذلك البيان وتلك المطالبة أثارا من جديد السؤال الذي كان دائمًا ما يدور في ذهني عن السبب وراء ترك الصراع السوري كل هذه المدة بدون أي محاولات جدية لحله، وفي رأيي فإن تلك الأزمة تركت لتتعفن.
العالم ترك سوريا
ببساطة، كان ممكنًا إقامة منطقة حظر طيران فوق الأراضي السورية تمامًا كما حدث في ليبيا أو على الأقل منع نظام الأسد من استخدام البراميل المتفجرة التي يستخدمها الطيران السوري وتتسبب في مقتل الكثير من المدنيين كما تتسبب في تدمير البنية التحتية.
هذا الاستخدام المكثف للبراميل المتفجرة إنما يشير إلى أمرين، أولهما أن النظام السوري ينتقم من المناطق التي انتفضت ضده منذ بداية الأزمة السورية، وثانيهما ضعف كفاءة الطيران السوري بحيث تصبح الرغبة الأولى هي فقط إحداث أكبر قدر من التدمير وليس إصابة أهداف محددة بدقة.
قد يختلف البعض مع ذلك الطرح ويرد بأن الأمر لم يكن بتلك السهولة لأن النظام السوري مدعوم من قوى أخرى مثل روسيا وإيران، وهو أمر مردود عليه أيضًا، فألم يكن من المفترض أن توجه الولايات المتحدة ضربة عسكرية لسوريا وذلك بعد استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ومن ثم تراجعت عن ذلك بعد اتفاق قضى بتنازل دمشق عن سلاحها الكيماوي؟
أولم تكن تلك الضربة ستتم بدون الحاجة لإذن من روسيا؟ ومتي بدأ الروس في التدخل مباشرة في الصراع السوري، أليس بعد مرور 4 سنوات من عمر الصراع فقد خلالهم الأسد السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية؟
لم يحدث التدخل الروسي إلا عندما اقترب جيش الفتح من الساحل السوري بعد أن حقق كثيرًا من الخروقات في جبهة سهل الغاب في ريف حماة القريب من الساحل الذي يعتبر معقل الطائفة العلوية والخزان البشري للنظام السوري، كما توجد فيه القاعدة الروسية في محافظة طرطوس وهي المنفذ الوحيد للروس على ما يمسى بالمياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط.
ولكن لم يحدث ذلك لأن سلاح الطيران السوري كان يمثل عامل التوازن في الصراع بين النظام السوري الذي فقد ما يزيد عن نصف مساحة سوريا، والمعارضة المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية، اللذان أصبحا يسيطران على الكثير من المناطق السورية.
هذا التوازن، الذي كان ولا يزال مطلوبًا حتى لا يتمكن أي طرف من الأطراف من إنهاء الصراع لصالحه، لازمٌ لتأبيد الصراع.
ما يمكن أن يؤكد ذلك الاستنتاج أنه ومع دخول الطيران الروسي الكفء بالطبع، مقارنة بنظيره السوري، سرعان ما ظهرت الدعوات لتسليح المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات حتى أن روسيا هددت من يحاول القيام بذلك الأمر وبأنها ستعتبر ذلك مساعدة مباشرة للإرهاببين وفقا لقولها.
التساؤل الذي يطرح نفسه هنا، لماذا طرحت بقوة فكرة تزويد المعارضة السورية المسلحة بصواريخ مضادة للطائرات بعد دخول الطيران الروسي في المعادلة؟ على الرغم من أن الطيران السوري لم يبرح السماء السورية ليل نهار، ولكن كما أوضحت سلفًا فإن كفاءة الطيران الروسي لا تقارن بنظيره السوري وبالتالي قدرته على تغيير قواعد الصراع على الأرض على عكس الطيران السوري الذي كان فقط يحاول أن يضبط إيقاع الأمور في ظل الهزائم المتتالية التي كانت تتعرض لها القوات السورية وبالأخص في الشمال المفتوح على تركيا.
فنجد الطيران السوري يغطي عملية هروب الجنود النظاميون من مستشفي جسر الشغور إحدى مدن محافظة إدلب التي سقطت بكاملها فيما عدا قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين في قبضة جيش الفتح، كما نجده يحاول على قدر الإمكان مساندة القوات الموجودة في مطار دير الوزر المحاصر من قبل تنظيم الدولة الإسلامية منذ ما يقرب من 3 سنوات، كما كان يعمل جاهدًا على منع سقوط مطار كويرس العسكري في ريف حلب في يد تنظيم الدولة الإسلامية أيضا الذي حاصر المطار منذ عام 2014 ولم تنجح القوات السورية في فك الحصار عن المطار إلا بعد تدخل القوات الروسية في الصراع السوري.
دلالة البيان الصادر عن جيش الإسلام
يعتبر جيش الإسلام يد السعودية في الداخل السوري، فالفصيل العامل في ريف دمشق بالأساس وبالأخص في الغوطة الشرقية يتلقى دعمه الأساسي من النظام السعودي وقد جاء مقتل قائده زهران علوش خلال غارة جوية يعتقد أنها روسية بعد أقل من أسبوعين من اجتماع المعارضة السورية الذي عقد في الرياض في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليمثل رسالة قوية من الروس للسعودية بأن خيوط اللعبة ليست في يدها وبأن محاولاتها لتوجيه دفة المعارضة السورية على هواها لن تمر بهذه السهولة مع الأخذ في الاعتبار رغبة روسيا في إخراج جيش الإسلام من الفريق المفاوض وإدخال أطراف أخرى منها الأكراد على سبيل المثال.
السعودية ردت على اغتيال الرجل الأول لها في الداخل السوري من خلال أمرين أولهما كان إعدام الشيخ باقر النمر وثانيهما هو تعيين محمد علوش المسؤول السياسي في جيش الإسلام ككبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية الذي من المفترض أن يشارك في مفاوضات جنيف 3 فيما يبدو أنها خطوة استفزازية من الجانب السعودي، نظرًا لأن الروس والحكومة السورية تعتبر جيش الإسلام فصيلًا إرهابيًا لا يجب إشراكه في المفاوضات.
إذا أخذنا المعطيات السابقة في الحسبان ووضعناها بجانب البيان الصادر عن جيش الإسلام يتضح أكثر فأكثر بأنه ليس هناك رغبة حقيقية لوضع حد للصراع السوري في الوقت الراهن على الأقل، فالروس يشعرون بأن ثمة المزيد من الانتصارات الميدانية في الطريق وهو ما يضعف من موقف المعارضة وبالتالي رعاتها الإقليميين أثناء التفاوض، فيبدو أن كلا الطرفين يريد تحقيق مزيد من الانتصارات على الأرض قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، وهو نفس السبب الذي لأجله تأجلت محاولة الحل مرارا وتكرارا استنادا إلى رغبة كل طرف في إحراز تفوق ميداني يمكنه من فرض شروطه على سير عملية التفاوض والحصول على أفضل المكاسب الممكنة منها.
البيان يطالب بالسماح للدول الشقيقة بتزويده بالصواريخ المضادة للطائرات، وفي أغلب الظن يخاطب هنا جيش الإسلام الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا والتي تتحكم في صنبور السلاح الذي يتم تقديمه للمعارضة المسلحة في سوريا، والمعني بالدول الشقيقة هنا هي قطر والسعودية التي تمول تسليح المعارضة السورية المسلحة. فبمجرد أن بدأ التدخل الروسي في الصراع ومع بداية حملة عسكرية من الجيش السوري مدعومة بغطاء جوي روسي في منطقة سهل الغاب في ريف حماة حتى بدأ إستخدام "صواريخ تاو المضادة للدبابات الأمريكية الصنع" بكثرة لوقف تمدد القوات السورية النظامية وبالطبع تمر تلك الأسلحة النوعية مثل صواريخ تاو عبر تركيا.
صدر البيان قبل أسبوعين فقط من الموعد المقرر لبدء مفاوضات جنيف 3 بين النظام السوري والمعارضة السورية المسلحة، وصدور هكذا بيان من فصيل مسلح بوزن وثقل جيش الإسلام لا يمكن أن يتم بدون إذن الراعي الرسمي وهو السعودية، فهل بالفعل السعودية الجريحة في اليمن وفي سوريا والمستاءة من الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، هل بالفعل ترغب في تطوير الصراع الدائر في سوريا ونقله إلى مرحلة جديدة؟ وهل من الممكن أن تسمح الولايات المتحدة بمثل تلك الخطوة؟ أم أن البيان برمته مجرد فرقعة إعلامية تستخدمها الرياض قبل بدء المفاوضات؟ ولكن ما يمكن التكهن به هو أنه إذا فشلت مفاوضات جنيف لأي سبب من الأسباب فإن ذلك سوف يعني أن ينفتح الصراع على أفق قد لا يُعلم مداه.
في النهاية ما أود أن أؤكد عليه، هو أن الصراع السوري ترك ليصبح الحال على ما هو عليه الأن، فسمح الغرب لتركيا بترك حدودها بلا رقيب أو حسيب يدخل ويخرج منها الجهاديون تحت أعين المخابرات التركية، كما ترك الأوروبيون العديد من الأشخاص يذهبون إلى سوريا تحت أعين المخابرات الأوروبية المختلفة أيضا، وكذلك الحال بالنسبة للسعودية، فيما يبدو وكأنه إجماع عالمي بأن تصبح سوريا هي مصب كل جهاديي العالم فتصبح سوريا الكبش الذي يُفتدي به العالم.
وفي نفس الوقت سُمح لإيران والنظام السوري باستقدام الميليشيات الشيعية من كل حدب وصوب، بدءًا من حزب الله اللبناني انتهاءً بالميليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية، ثم ترك الصراع يغذي نفسه بنفسه فلا يسمح بإسقاط الأسد كما لا يسمح بهزيمة المعارضة، ترك الطرفان يقتتلان فيما بينهما حتى يستنزف كلا منهما الأخر.
ويبدو أن الهاجس الذي أصبح يسيطر على العديد من القوى المتدخلة في الصراع السوري هو، ماذا نفعل في كل هؤلاء الجهاديين المتواجدين على الأراضي السورية؟ وعلى الجانب الأخر ماذا سوف يحل بكل تلك الميليشيات المحلية منها او تلك المستجلبة من الخارج والتي تقاتل في صف النظام؟
تُرك الصراع السوري حتى بدأ يشعر بأثاره القاهرة الأوروبية التي تنوء تحت وطأة موجات الهجرة والتخوف من القيم الثقافية التي يحملها معهم هؤلاء المهاجرين ناهيك عن التخوف الأكبر من فكرة وجود "دواعش" بين هؤلاء المهاجرين، موجات الهجرة تلك والتي أصبحت تستخدمها تركيا كوسيلة إبتزاز للجار الأوروبي.
التدخل الروسي في الصراع أحدث نقلة ودفعة نوعية بالطبع لصالح النظام الأسدي الذي يبدو أن قواته أكتسبت قدرًا ما من الثقة مكنتها من إحداث خروقات في جبهات كانت عصية لسنوات مثل بلدة سلمى في ريف اللاذقية المفتوح على تركيا وكذلك في ريف حلب الذي أستهلت المعارك فيه بفك الحصار عن مطار كويرس العسكري كما أوضحت في بداية المقال.
ولكن وبالرغم من التقدم النوعي الذي يحققه النظام السوري تحت الغطاء الجوي الروسي، ولكن ذلك لا يعني أنه بالإمكان إنهاء الصراع لصالح أحد الأطراف، على الجميع أن يعلم أنه لن يكون هناك رابح من هذا الصراع ولكن هناك خاسر واحد وهو الشعب السوري الذي تهجر ما يزيد عن نصف سكانه من بيوتهم ما بين لجوءا ونزوح.
على العالم أن يعي ويدرك مسؤوليته في إنهاء أحد أسوء الصراعات التي شهدها العالم، هو أحد أسوء الصراعات لكونه يتركز في تلك البقعة الصغيرة من الأرض التي تم تحويلها لساحة محايدة لتسوية الخلافات بين القوى الإقليمية (إيران والسعودية) والدولية المختلفة.