دار الشروق- فيسبوك
صورة أرشيفية لمعرض كتب خاص بدار الشروق.

حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ: سياسات السوق تفرض كلمتها

منشور الأحد 26 سبتمبر 2021

صعدت من جديد أزمة حقوق نشر أعمال الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ (1911 – 2006) مع اقتراب انتهاء العقد الموقع بين الأستاذ ودار الشروق للنشر والتوزيع. 

في نهاية أبريل/ نيسان المقبل ينتهي العقد بشكل رسمي مع الشروق ويكون لورثة محفوظ الحق في توقيع عقد جديد مع الدار التي احتكرت أعمال العربي الوحيد صاحب نوبل للأدب منذ عقدين، أو اختيار دار نشر أخرى يسند إليها نشر الأعمال. 

يأتي هذا مع إعلان مؤسسة هنداوي التعاقد مع أسرة الأديب الراحل لإتاحة كامل أعماله العام المقبل؛ لتكون في يد القارئ العربي عبر الموقع الإلكتروني وتطبيق هنداوي كتب

مصدر في إدارة دار الشروق قال إنه لا توجد أزمة من جانبهم، وأضاف للمنصة، طالبًا عدم ذكر اسمه "هناك تصريحات من جانب واحد، هو ورثة الأستاذ نجيب، لكن من جهتنا عقدنا لا زال ساريًا حتى العام المقبل".

حالة الإنكار التي تحاول تصديرها دار الشروق، سواء بعدم الرد بشكل رسمي على ما يثار بشأن تجديد العقد مع ورثة نجيب محفوظ، أو بالتأكيد على أن الوقت مبكر للحديث عن تجديد العقد، تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العلاقة بين الدار وأعمال محفوظ، خاصة مع ظهور بعض الكتابات في الفترة الأخيرة تهاجم أسرة نجيب محفوظ، والتي اعتبرتها هدى نجيب محفوظ في حديث مع المنصة بأنها "محاولات لإيقاف العروض الجيدة لنشر الأعمال".  

تقول هدى "منذ وفاة أبي وهناك خلافات كثيرة مع دار الشروق وأبلغتهم منذ سنة أني أبحث عن ناشر آخر. دار الشروق أضرت بمحفوظ وأسرته وأنا لا أرغب في التعاون معهم". 

وتوضح أن دار الشروق وقعت عقدًا في عام 2000 لنشر نسخ إلكترونية من أعمال نجيب محفوظ، وأضيف في 2005 الكتاب الورقي وكل أشكال نشر أعمال نجيب محفوظ بما فيها تحويل أعماله لأفلام ومسلسلات، وكل التعاقدات مع الشروق تنتهي بداية من مايو/ أيار المقبل.

وفي عام 2000 كتب الأديب والكاتب الصحفي الراحل جمال الغيطاني، مقالًا نشر في صحيفة البيان الإماراتية بعنوان "مليون محفوظ"، كشف فيه تفاصيل التعاقد ورد فعل نجيب محفوظ عليه.

"كنت مهمومًا بما سمعته وأفكر في أطراف عديدة, لي بها صلة وثيقة. من نجيب محفوظ علمنا أنه يمر بحالة من التوتر، إذ جاءه الناشر ابراهيم المعلم منذ يومين وعرض عليه شراء أعماله كلها لنشرها بالطرق الحديثة، بالاسطوانات المدغمة وعبر شبكة الاتصالات الدولية، وطرق أخرى لم أستوعبها جيدًا، قال إن إبراهيم المعلم عرض عليه مبلغًا ضخمًا يعد سابقة في تاريخ النشر والناشرين، مليون جنيه تدفع كاملة، ودفعة واحدة". 

وترى ابنة صاحب نوبل في الأدب أن عددًا من الأدباء الذين كانوا يحيطون بنجيب محفوظ في حياته اتفقوا بعد سنوات قليلة من وفاته على القول بأن مبيعات نجيب انخفضت "بينما وقتها المبيعات كانت جيدة في العربي واللغات الأجنبية".

هل الأزمة مالية فقط؟

يقول مصدر له علاقة بسوق النشر في مصر إن الأزمة بين الشروق وورثة نجيب محفوظ "تجارية في الأساس"، لافتًا إلى أنه من حق ورثة نجيب محفوظ وضع التقييم الذي يرونه مناسبًا لنشر الأعمال، وكذلك من حق الشروق، وأي دار أخرى أن تجري حساباتها بمنطق المكسب والخسارة، "لكن هذا بشكل عام لا يعني أبدًا التقليل من القيمة الأدبية لنجيب محفوظ".  

فيما تقول هدى إن دار الشروق عرضت التعاقد لإعادة نشر بعض الأعمال مرة أخرى، لكنها (الدار) طلبت شراء حقوق النشر الورقي لروايات نجيب مدى الحياة، وأنها في المقابل طلبت منهم 25 مليون جنيه، كقيمة لهذا الطلب، وتوضح "لم أرغب في بيع روايات والدي مدى الحياة ولا أي شيء، ولكنه كان شرطًا تعجيزيًا".

وتضيف هدى بأنها بالفعل تلقت عروضًا كثيرة لنشر أعمال نجيب محفوظ، وبعضها كانت بمبالغ مالية كبيرة من دور نشر مصرية وأخرى عربية، "لكنني لم أكن أبحث عن العقد الأغلى، أنا فقط أبحث عن ناشر أمين". 

مؤكدة "أنا لا أضع إرث والدي الأدبي في المزاد العلني كما يروّج البعض، نحن نسعى للاحتفاظ بحق الأديب العالمي الأدبي، وحقوق الورثة المادية التي لا تتعارض أبدًا مع أحد سوى أصحاب المصالح". 

مصدر الشروق رفض الإفصاح عن أرقام التوزيع الخاصة بأعمال نجيب محفوظ، لكنه أكد أن الدار حريصة طوال الوقت على إعادة نشر أعمال محفوظ، وطرحها في المكتبات، وفي المعارض التي تشارك فيها، نافيًا كذلك أن يكون هناك انخفاضًا في مبيعات أعمال نجيب محفوظ، وقال إن "الشروق كأي ناشر في النهاية لن تطبع عملًا يخسر". 

حاولت المنصة الوصول إلى المدير العام لدار الشروق، أحمد بدير، لكنه لم يجب على الهاتف أو الرسائل، لكنه قال في 2018 لموقع المصري اليوم، إن الدار "منذ 2005 تعمل على الحفاظ على تراث نجيب محفوظ ووفرنا ما كتبه على 3 منصات إلكترونية بأسعار رخيصة جدًا، بالإضافة إلى إصدارات الشروق ولا يوجد إصدار واحد غير موجود كل إصدارات نجيب محفوظ موجودة في المكتبات وأعلى نسب بيع وتطبع بشكل مستمر 58 عملًا و4 أعمال للأطفال أي مجموعة 62 عملًا لأديب نوبل تطبع بشكل مستمر".

تصريحات بدير وقتها كانت ردا على بيان نشره مجموعة من المثقفين يناشدون فيه وزارة الثقافة للتحرك ضد دار الشروق، لنزع حق ملكيتها نشر روايات نجيب محفوظ، معتبرين أن الشروق "تسببت في اختفاء مجموعات قصصية عديدة" لمحفوظ بعد احتكار نشر أعماله.

هل تتدخل الدولة؟

ومع تجدد أزمة عقد الشروق مع ورثة نجيب محفوظ مؤخرًا عاد السؤال عن إمكانية وجود دور للدولة دور في هذه الأزمة. 

الكاتب الصحفي، والمحرر الثقافي سيد محمود، يبدي مخاوفه من أن تقسَّم أعمال نجيب محفوظ بين أكثر من دار نشر، مشيرًا في حديثه مع المنصة إلى أنه طالما فتح الباب بقبول تعاقدات جديدة، وهناك تسابق على أعمال نجيب محفوظ، فلماذا لا تتدخل وزارة الثقافة بمؤسسات النشر التابعة لها، وتتقدم إلى أسرة نجيب محفوظ بعرض مناسب للحفاظ على إرث نجيب محفوظ، وإتاحته للجمهور في منافذها، وتابع "هذا يحدث مع كبار الكتاب في العالم".

لم تتشجع هدى نجيب محفوظ إلى هذا المقترح، وترى في حديثها مع المنصة أن لديها تخوف من ذلك، وتساءلت "هل لدى الوزارة الميزانية التي تضمن أن الأعمال تكون متوفرة باستمرار؟".

"طول عمري كنت أعمل في قطاع خاص وهو مختلف كليًا عن طريقة العمل في القطاع العام ولذلك يوجد عندي هذا القلق"، أوضحت هدى.

وهو المقترح الذي يواجه الكثير من التحفظات، حيث يرى فريق من الكتاب ضرورة أن يتوقف دور الدولة على "الدعم وليس النشر"، مؤكدين على أن التجربة أثبتت أن الدولة عادة تستخدم النشر في التوجيه.

ويبدى الكاتب أحمد ناجي تحفظه على مقترح أن يكون للدولة دور في النشر، من باب أن هذا الدور سيؤدي إلى منافسة "غير متكافئة" بين الدولة ودور النشر،  لافتًا إلى أن الدولة وظيفتها توفير مكتبات عامة تتيح للناس الكتب وليست أن تكون ناشرًا لها، وأن تعمل على تحديث هذه المكتبات بشكل دوري.

"هنداوي" في الصورة

تظهر مؤسسة هنداوي، غير الهادفة للربح، في الصورة، بعد حصولها على حقوق نشر أعمل أديب نوبل إلكترونيًا على موقعها وتطبيقها، وإتاحتها مجانًا للجمهور.

ورفض مدير النشر في هنداوي، إسلام حسني، في حديث مع المنصة الكشف عن تفاصيل التعاقد مع ورثة نجيب محفوظ، ولا قيمته، مشيرًا إلى أن المؤسسة تكتفي بالبيان الذي نشرته بشأن التعاقد. فيما قالت صحيفة الدستور إن قيمة التعاقد بين مؤسسة هنداوى وأسرة نجيب محفوظ وصل إلى ستة ملايين جنيه.

هدى نجيب محفوظ من جهتها، قالت إن هنداوي قدمت عرضًا "مرضيًا"، لنشر جميع كتب والدها بصورة إلكترونية فقط، على أن يبدأ سريان التعاقد، ابتداء من مايو المقبل، بعد انتهاء التعاقد مع دار الشروق، لافتة إلى أن التعاقد مع هنداوي "غير حصري"، ما يعني أنه يمكنها التعاقد مع دور نشر أخرى على نشر الأعمال الكاملة ورقيًا وإلكترونيًا.

لماذا تتيح هنداوي أعمال محفوظ مجانًا؟

بحسب بيان مؤسسة هنداوي، فهذا التعاقد يأتي "انطلاقًا من رؤية مؤسسة هنداوي ورسالتها التنويرية في تحقيق الريادة في إثراء المعرفة وإتاحتها للناطقين باللغة العربية في كل أنحاء العالم".

وأنه "استكمالًا لنشر أعمال العديد من كبار المفكرين والأدباء، أمثال: طه حسين، ويوسف إدريس، وزكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا، وحسن حنفي، وعبدالغفار مكاوي، وغيرهم".

مؤسسة هنداوي، بحسب وصفها على موقعها الإلكتروني، "مؤسسة غير هادفة للربح، تهدف إلى نشر المعرفة والثقافة، وغرس حب القراءة بين المتحدثين باللغة العربية".

الكاتب أحمد ناجي نشر على حسابه على فيسبوك معلومات بشأن مؤسسة هنداوي، لافتًا إلى أنها "مسجلة في إنجلترا كمؤسسة غير ربحية هدفها نشر الثقافة والقراءة بالعربية".

وأشار إلى أن تسجيلها في إنجلترا يمنحها الكثير من الامتيازات التى توفرها القوانين الأوروبية والأمريكية، التي من بينها الحصول على إعفاءات ضريبية وجمركية، وكذلك تسمح لها بتلقي المنح والتمويلات من الجهات الحكومية والأهلية، وتلقي التبرعات والتمويل من الشركات والأفراد على أن يخصم ذلك من سجلها الضريبي. 

وأكد ناجي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية أن نموذج مؤسسات النشر المسجلة كشركات غير هادفة للربح واحد من أكثر نماذج النشر انتشارًا في العالم السنوات الأخيرة، لافتًا إلى أنه في أمريكا بعض دور النشر المهمة تحولت مؤخرًا لشركات غير هادفة للربح أشهرهم دار نشر "ماكسويني". 

ولفت ناجي إلى أن "دور النشر وجدت أن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تمكنهم من منافسة أمازون والتحالفات الكبيرة لشركات النشر التي يتجاوز رأس مال بعضها المليارات".

على أي حال، يُعد دخول دار نشر هنداوي على الخط في حقوق نشر نجيب محفوظ خبرًا سعيدًا لمحبي القراءة الإلكترونية، كما يعتبر إيذانًا بتغيير قواعد اللعبة، إذ ينهي احتكارًا دام لأكثر من عشرين عامًا من جهة واحدة لأعمال محفوظ. وربما تشهد الفترة المقبلة دخول لاعبين جدد إلى سوق النشر، مما يحسن المناخ العام للقراءة في مصر.