مؤتمر جبهة الدفاع عن متظاهري مصر بشأن تعديلات قانون التظاهر- تصوير مصطفى بهجت

حقوقيون في مؤتمر صحفي: نطلب الحد الأدنى لإنهاء "تأميم المجال العام" (فيديو)

منشور الاثنين 11 يوليو 2016

عقدت جبهة الدفاع عن الحقوق والحريات مؤتمرًا صحفيًا بمقر مركز الحقانية للمحاماة، لإعلان مطالب الجبهة بخصوص التعديلات المنتظرة لقانون التظاهر، والتي كانت منتظرًا ان تتقدم بها الحكومة لمجلس الشعب قبل نهاية يونيو/ حزيران الماضي.

وطلبت الجبهة من اللجنة المشكلة من مجلس الوزراء لتعديل القانون 107 لسنة 2013 الخاص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، المعروف إعلاميًا باسم "قانون التظاهر"، أن تأخذ الأخيرة بمطالب الأحزاب والمنظمات الحقوقية فيما يتعلق بتعديلات القانون.

خلال مؤتمرها اليوم الإثنين، بحضور المحامي محمد عبدالعزيز رئيس مجلس أمناء مركز الحقانية للحقوق والحريات، وجورج إسحق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمحاميان كريم عبدالراضي من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومحمود عثمان من منظمة حرية الفكر والتعبير، رفعت الجبهة سبعة مقترحات طالبت اللجنة الحكومية بالالتزام بها، فيما يُمثّل تراجع عن مطالب حقوقية سابقة بإلغاء القانون من الأساس.

إلغاء "التجمهر" والعفو عن سجناء الرأي

كان على رأس التعديلات التي طرحتها الجبهة "التزام التعديلات بالنص الدستورى دون مراوغة، وإلغاء كافة المواد غير الدستورية، وتحديدًا المواد 8 و10 و11، وإلغاء كافة المواد التي تتضمن جرائم مثل العنف وقطع الطرق وغيرها مما يندرج فى قانون العقوبات متصلا بأعمال العنف والشغب، وتطهير القانون الجديد من هذه العقوبات".

وجاء المقترحين الثالث والرابع للجبهة بأن يكون ممارسه حق التظاهر بالإخطار، وتقليل مهلة التقدم به إلى 48 ساعة فقط سابقة على موعد المظاهرة أو الموكب، على أن تمتنع أجهزة الأمن عن ممارسة الفيتو (الاعتراض) فى منع وتعطيل المواكب والمظاهرات السلمية، ويكون لزامًا عليها الحصول على إذن قضائي لمنع المظاهرة حالة رفضها، وأن يكون الفيصل حكم القضاء والفصل فيه قبل موعد المظاهرة. وإلغاء عقوبات الحبس التي تصل إلى السجن خمس سنوات وغرامة 100 ألف جنيه فيما تسمى جرائم الرأي، والاكتفاء بغرامات محدودة لمخالفي القانون.

وطالبت الجبهة التي تضم 17 حزبًا ومنظمة حقوقية بـ"تشديد التعديلات على ضرورة مراعاة أجهزة الأمن لمبدأ التدرج في فض التجمعات والمظاهرات السلمية، وتشديد عقوبات مخالفة الأمن لهذا المبدأ بإطلاق الخراطيش والغاز والرصاص الحي على التجمعات السلمية، وإصدار قانون بالعفو العام الشامل عن كل سجناء الرأي".

وكان من أبرز المطالب "إلغاء قانون التجمهر (10 لسنة 1914)" الذي رأت فيه "تزيُّد تشريعي" يقترن دائمًا بقضايا التظاهر، وأدى إلى تشديد العقوبات بالحبس وليس الغرامات فقط، ومثول المتهمين أمام دوائر معينة "الإرهاب".

 

السلطة التنفيذية تُشرّع وتتجاهل الاعتراضات

صدر القانون المثير للجدل في 24 من نوفمبر/ تشرين أول 2013، في غياب مجلس النواب، وبقرار من المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، بصفته رئيسًا مؤقتًا لمصر خلال المرحلة الانتقالية، بعد إحالته له يوم التاسع من الشهر نفسه من الحكومة برئاسة حازم الببلاوي.

ومنذ كان مسودة أولية طرحتها وزارة العدل في أكتوبر/ تشرين أول 2013، لاقت مواد القانون معارضة منظمات حقوقية اعتبرتها "بمثابة إعادة اعتبار سياسي لمشروع قانون التظاهر، الذي فشلت حكومة الإخوان المسلمين في إصداره في أبريل/ نيسان 2013، بل أكثر قمعًا من المسودة الإخوانية، وحذرت من أن إصداره باعتباره "يُرسّخ فلسفة الطوارئ في التشريع المصري، عبر تطبيعها وتحويلها إلى حالة دائمة".

وأدخلت الحكومة في ذلك الوقت تعديلات على آخر مسودات القانون ليخرج بالصورة الحالية، إلا أن المنظمات الحقوقية اعتبرتها "شكلية لا تمس جوهر المشروع القمعي" الذي كان من بين منتقديه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان نافي بلاي.

وانتقدت المنظمات في آخر المسودات "الإبقاء على حق وزارة الداخلية في الاعتراض على المظاهرات استنادًا لأسباب فضفاضة (مادة 10)، والإبقاء على العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية المُبالَغ فيها (المادة 20) التي تتناقض مع أبسط المبادئ والمعايير الدولية، وإتاحة استخدام القوة المفرطة والتي قد تصل إلى حد القتل- باستخدام الطلقات الخرطوش غير المطاطية دون قيود (مادة13)-، وإلغاء نص المادة 15 من نسخة 9 أكتوبر/ تشرين 2013 التي تقضي بعدم جواز استعمال القوة بأزيد مما ورد في مشروع القانون".

دفاع حكومي وانتقادات سياسية

فور صدور القانون، خرجت تصريحات عن حتمية وجوده من وزير العدالة الانتقالية آنذاك، المستشار محمد أمين المهدي، الذي قال إن مصر فى حاجة ماسة له، لمواجهة تحركات جماعة الإخوان التي اعتبرها "ليست تعبيرا عن الرأي، وليست مظاهرات سلمية بأى حال، بل إرهاب للدولة وللمواطنين وترويع لهم واعتداءات على حياتهم وإزهاق لأرواحهم وتدمير للمنشات الحيوية والعامة والشخصية".

ووقف في صفوف المؤيدين لقانون التظاهر، الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكان لايزال وزيرًا للدفاع ، واعتبره "آلية لضبط التظاهر وليس منعه".

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FAlSisiofficial%2Fposts%2F880936085266065&width=500

على العكس من ترحيب "المهدي" و"السيسي"، رفضت أحزاب سياسية أبرزها "الدستور، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والكرامة، والعيش والحرية" القانون، واعتبرته "السند لعشرات الأحكام ضد شباب الثورة"، وهو ما تحقق باستخدامه في سجن نشطاء ومعارضين مثل سناء سيف وعلاء عبدالفتاح ومؤسس حركة شباب 6 أبريل أحمد ماهر، وماهينور المصري.

وفي الذكرى الثانية لصدوره، في 25 نوفمبر/ تشرين 2015؛ جددت 16 منظمة حقوقية مطالباتها بإلغاء القانون، والإفراج الفوري عن كافة المحتجزين بسببه. كما طالبت مجلس النواب الذي لم يكن انتخب بعده بعدم إقرار القانون، وإسقاط ما ترتب عليه من ملاحقات وأحكام قضائية.

المطالبة الحقوقية بإلغاء القانون تحولت في مؤتمر اليوم إلى مطالبة بالتعديلات، والسبب في ذلك كما يقول جورج إسحاق: "في هذه الظروف غير الطبيعية، ومع الخلط بين مقاومة الإرهاب والحفاظ على حقوق المواطنين، نحن على استعداد للقبول بالتعديلات التي طالبنا بها كأضعف الإيمان، لأنها تتيح لنا فتح المجال العام، المغلق تماما الآن، ولو نفذوها فبالفعل سينفتح المجال العام إلى حد كبير، وإن كنت اعتقد أنها ستلقى مقاومة شديدة جدًا".

ويوضح كريم عبدالراضي المحامي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن المشكلة مع القوانين القمعية في مصر ليس في وجود القانون من حيث المبدأ، بل في أن فلسفة التشريع في مصر القائمة على فكرة التقييد، قائلاً: "لا موانع لدينا من وجود قانون، لكن ليحمي المتظاهرين وينظم الحق ولا يقيده".

شبهة عدم الدستورية

ورغم الاعتراضات السياسية والحقوقية، تبقى الخطوة الأهم في مواجهة القانون هي إجازة محكمة القضاء الإداري –دائرة الحقوق والحريات– في يونيو/ حزيران 2014، الطعن على المادتين 8 و10 به أمام المحكمة الدستورية العليا "نظرًا لوجود شبهة عدم توافق بينهما وبين والدستور".

وإثر الإذن القضائي؛ تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 13 سبتمبر/ أيلول 2014 بطعن ضد القانون أمام المحكم الدستورية العليا، باعتباره يخالف المادة 73 من الدستور، التي تكفل حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات.

وكان من دفوع المركز بعدم دستورية القانون: "عدم وجود أي مواد في دستور 2014 تمنح سلطة التشريع لرئيس الجمهورية في غياب مجلس النواب، إلا في حالات شديدة الخصوصية لا تنطبق في هذه الحالة"، وأحيل ملف القضية إلى هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا ، لإيداع تقرير بالرأى القانونى فى الدعوى.

ويرجح المحامي الحقوقي محمد عبدالعزيز، عضو الجبهة، أن يؤدي تعديل القانون لانقضاء الدعوى المنظورة أمام "الدستورية العليا"، لأن الطعن يصبح بلا معنى إذا عدّلت الحكومة المواد المطعون عليها بصورة تتسق مع مواد الدستور، وإلا تبقى الطعون قائمة وتواصل المحكمة نظر الدعوى.

 

الحكومة من المدح للتعديل

دافعت الحكومة عن القانون منذ كان مسودة. قال عنه حازم الببلاوي رئيس الوزراء آنذاك  أنه: "من أفضل القوانين، ويراعي حقوق الإنسان"، ليعلن بعد صدور القانون بأيام ثلاث وخلال مؤتمر صحفي عقد على هامش زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة أن مجلس الوزراء "سيبحث إمكانية تعديل بعض مواده".

استقالت حكومة "الببلاوي" في فبراير/ شباط 2014، وخلفتها حكومة المهندس إبراهيم محلب، التي أعلن وزير العدالة الانتقالية بها، المستشار إبراهيم الهنيدي، في 2 مايو/ آيار 2015 أن وزارته أرسلت إلى مجلس الوزراء الآراء التي تم الاستماع إليها بشأن تعديل قانون التظاهر، الواردة من المجلس القومي لحقوق الإنسان. ما يلغي تصريحات سابقة للوزير نفسه في 24 سبتمبر/ أيلول 2014 بأن الحكومة لن تبحثها.

ودافع "الهنيدي" في ديسمبر/ كانون أول 2014 عن قانون التظاهر بقوله في تصريحات تليفزيونية: "العديد من دول العالم مثل فرنسا والولايات المتحدة يوجد بها مثل هذا القانون لتنظيم التظاهر، وشعوبها توافق عليها".

وقُضي أمر تعديل قانون التظاهر بتصريحات المستشار مجدي العجاتي، وزير الدولة للشؤون القانونية ومجلس النواب، التي أعلن فيها 8 يونيو/ حزيران الماضي أن الحكومة تبحث التعديلات بالفعل، وأن اللجنة المكلفة بالتعديل تبدأ عملها خلال يومين، على الرغم من أن الوزير نفسه وصف القانون في مواجهة مع النواب الذين ناقشوا إمكانية تعديله في 25 مايو/ آيار الماضي بأنه: "من أفضل قوانين التظاهر فى العالم".

ويُفسر "عبدالعزيز" تراجع الحكومة في أقل من شهر عن موقفها من تعديل القانون بأنه نتيجة للضغوط سواء سياسية أو من المجتمع المدني، وكذلك الدولية التي كان منها انتقادات المفوض السامي لحقوق الإنسان للقانون الذي رآه يسهم في "تأميم المجال العام".

لا يعلم أي من أعضاء الجبهة ملامح التعديلات الحكومية على القانون، حيث لم توجه لهم الدعوة لمناقشتها. وهو ما يلقي فيه "عبدالعزيز" باللوم على الحكومة: "التي لا ترغب في التعاون مع المجتمع المدني المصري فيما يتعلق بهذه التعديلات"، ما دعا إلى إعلان معايير للتعديل عبر المؤتمر، وإلا "تظل تعديلات القانون مجرد محاولة لتجميل وجه النظام ليس أكثر".

وأكد المحامي الحقوقي أن الترحيب بالتعديلات ستكون في حال توافقها مع المادة 73 من الدستور، وأن"أية مراوغة أو تحايل على النص الدستوري الواضح، فسيتم الاعتراض والطعن على دستورية القانون مرة أخرى".