السفارة الفرنسية بالقاهرة
محمد لطفي، مؤسس المفوضية المصرية للحقوق والحريات أثناء تسلمه الجائزة

احتفال بجائزة وزوجة في سفارة فرنسا

منشور الخميس 20 ديسمبر 2018

 

التغاضي عن كتابة التفاصيل الصغيرة، هذه الأيام قد يعد انحيازًا غير مقصود خلال توثيق التاريخ. وكذلك حجب أي معلومة، هو فعل يعبّر عن تخوف، قد يكون غير مشروع، وربما ناتج عن ميراث من الألم، حتى لو كانت الكتابة عن مجرد احتفال صغير داخل مقر السفارة الفرنسية في القاهرة.

تلقيت، الأسبوع الماضي، اتصالًا من المستشار الثقافي للسفارة الفرنسية بالقاهرة يسألني إن كان موقع المنصة مهتمًا بتغطية الأحداث التي تجري داخل السفارة الفرنسية أم لا، ودعاني لاحتفال السفارة بالمحامي محمد لطفي، مؤسس المفوضية المصرية للحقوق والحريات، لتسليمه "جائزة حقوق الإنسان وسيادة القانون الفرنسية- الألمانية" لعام 2018.

حين وصلت إلى مقر السفارة، لاحظت تغيّب الصحفيين المسؤولين عن تغطية أخبار السفارات في الجرائد الحكومية والخاصة، ربما لانشغالهم وربما لتوقع احتمالية عدم النشر. رغم أني اعتدت أن أقابلهم في احتفالات أخرى مثل استقبال سفير جديد، أو توديع آخر. لكن جائزة "حقوق إنسان" ممنوحة لشخص مصري ضمن 14 مدافعًا عن حقوق الإنسان حول العالم؛ هذا عنوان قد لا يحمّسهم، خاصة وأن الاحتفال لم يقتصر على مناسبة منح محمد لطفي جائزة حقوق الإنسان، بل أيضًا كان احتفالًا بقرار إخلاء سبيل زوجته أمل فتحي، بعدما قررت محكمة جنايات جنوب القاهرة قبول الاستئناف على قرار حبسها، واستبدال الحبس الاحتياطي لها بتدابير احترازية، صبيحة يوم تسلم زوجها - لطفي- للجائزة.

 

محمد لطفي وزوجته - المصدر صفحته الشخصية على فيسبوك

 

حُبست أمل احتياطيًا لاتهامها بـ "الانضمام لجماعة إرهابية"، بحسب محاميها، بعد نشر فيديو على حسابها الشخصي على فيسبوك تنتقد فيه ظاهرة التحرش الجنسي. ألقي القبض عليها في مايو الماضي مع زوجها وطفلهما زيدان، قبل أن يفرج عن الزوج والطفل، وتوجه لها النيابة اتهامًا بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر فيديو على فيسبوك للتحريض على قلب نظام الحكم، وتقرر حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيق.

بعد أن حصلت أمل على إخلاء سبيل بكفالة، ضمتها النيابة إلى قضية أخرى ووجهت لها اتهامات من ضمنها الانضمام إلى جماعة إرهابية، وإذاعة أخبار وشائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة، قبل أن تقرر المحكمة إخلاء سبيلها بتدابير احترازية أمس الثلاثاء.

العمل في ذروة الأزمة

نجح لطفي في تأسيس المفوضية المصري للحقوق والحريات في 2013، في ظل أزمة منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، وأثناء أهم نقطة تحول سياسي يشهدها التاريخ المصري المعاصر، وهو من ضمن أسباب فوزه بالجائزة، بحسب ما قال السفير الفرنسي خلال كلمته، أثناء تقديمه الجائزة لمحمد لطفي.

خلال كلمته التي ألقاها بعد تسلمه الجائزة، قال مؤسس المفوضية المصرية للحقوق والحريات؛ "بعد صيف 2013 الحار نعيش في ضباب الخريف، لا يزال الشتاء قادمًا قبل أن تكتمل الدائرة أخيرًا، لقد استحكم مناخ الخوف في مصر ضد الذين يعبرون عن آراء ناقدة أو معارضة، كمدافعين عن حقوق الإنسان، اخترنا المقاومة".

وواصل "ندفع ثمنًا باهظًا جراء دفاعنا عن حقوق الإنسان. إن سجن زوجتي، أمل فتحي، هي أصعب تجربة مررت بها حتى الآن، كانت زيارة نجلي زيدان إلى والدته مفجعة، بعد أن أبعدتهما جدران السجن والاتهامات المزيفة عن بعضهما، كان أول عناق بينهما أكبر من قدرتي على حبس دموعي، مع كل زيارة إلى السجن كنت أتوق لرؤيتها لأنهي قلقي على حالتها الصحية".

"لدي احترام وعرفان لكل من فرنسا وألمانيا، حيث أثَّرت ثقافتهما كثيرًا في تربيتي حتى وصلت لمرحلة النضج، عندما كنت تلميذًا في جنيف، كنت أعرف اللغة العربية وقليلًا من الإنجليزية، وكنت مضطرًا لتعلّم الألمانية في المدارس السويسرية على يد مدرسين فرانكفون، بعد عدة سنوات تمكنت من اللحاق بزملائي الناطقين بالفرنسية لكنني لم أتمكن من نطق جملة صحيحة بالألمانية، ولتجنب المزيد من الإحراج اخترت البكالوريا العلمي عندما دخلت ليسيه في فرنسا".

"في عام 2013 اخترت تغيير مسار حياتي باتخاذ قرار العودة إلى مصر، وهكذا استقريت هنا وتزوجت ورأيت أول مولود لي، وأسست المنظمة المصرية للحقوق والحريات مع شريكي أحمد عبد الله. من خلال المفوضية التقيت مئات المدافعين عن حقوق الإنسان من جميع أنحاء البلاد، مشمئزون من الاتجاه الذي سارت فيه البلاد، فهم نماذج لشباب مصر الطموح، وهكذا أصبحت المفوضية طريقي للإسهام في استئصال عقود طويلة من الظلم الهيكلي، ومن ثم إتاحة الفرصة لهم في الدفاع عن حقوق الإنسان باحترافية وشغف".

ضجت القاعة الصغيرة بالتصفيق بعد انتهاء كلمته. 

المأساة الحقوقية

يُعد محمد واحدًا من القلائل الذين بدأوا عملهم بعد 2013، وأحد النجاحات التي تتميز بها المفوضية المصرية للحقوق والحريات هي استمرارها في ظل التضييق الذي تمارسها الحكومة المصرية على المنظمات العاملة في المجتمع المدني، لدرجة جعلت الرئيس عبد الفتاح السيسي، ينفعل رافضًا إثارة هذه القضية معه خلال مؤتمر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ظلت الأزمة مستمرة بين مصر ودول أوروبا الغربية خلال السنوات السابقة، حتى جاءت زيارة الرئيس السيسي الأخيرة إلى ألمانيا، وقتها نشر السفير الألماني مقالًا في جريدة الشروق عن أهمية المجتمع المدني في أي دولة بالعالم، ودوره في الحفاظ على الاستقرار والتواصل بين الشعب والحكومة.

أسأل محمد لطفي عن كيفية العمل خلال السنوات الخمس المنقضية، فيجيب؛ "في 2013 ظهرت أكثر من منظمة، وكانوا مهتمين بحجم المأساة الحقوقية التي نعيشها، تلقينا ضربات كثيرة لكننا كنا نتجاوزها ونكمل عملنا. مُنعت من السفر في عام 2015 حيث كنت مسافرًا إلى ألمانيا بالتزامن مع زيارة الرئيس السيسي إلى هناك. اعتقل أحمد عبد الله الأمين العام للمنظمة مع مينا ثابت الباحث معنا. تعرّض موقعنا للحجب ضمن مواقع أخرى حقوقية. وآخر الضربات كان القبض على زوجتي". 

أسأله عن إذا كانت صدفة الإفراج عن أمل بالتزامن مع تكريمه داخل السفارة الفرنسية فيرد؛ "موضوع أمل كان بسيطًا، مثل أي امرأة مصرية تعرضت إلى التحرش مرتين في غضون ساعة، أثناء قضاء بعض المشاوير في المؤسسات الحكومية، تعرضت إلى ضغط رهيب في ذلك اليوم حتى انفجرت وحاولت تفريغ طاقتها على فيسبوك".

التفاوض مع السلطة

يقول لطفي عن التفاوض المباشر مع السلطة "عمرنا ما حاولنا نتفاوض مع السلطة من منطلق أننا مؤمنون بدولة القانون، وأن المسار الطبيعي للأشياء يكون عن طريق القوانين والالتزامات التي تفرضها المواثيق الدولية والدستور المصري".

وماذا عن تأثير المجتمع المدني في القوانين طالما لا يملك اتصالًا بالدولة؟ فيجيب "من خلال العمل على تقديم المعلومات بشكل مفهوم لعدد أكبر من الناس. مثلًا؛ حملة الاختفاء القسري استطاعت أن تسمّع وتفرض قضية الاختفاء على الملف الحقوقي. نحن كمجتمع مدني لدينا أدوات كثيرة، منها التوعية والحشد الإعلامي والتقاضي وطرح بدائل للسياسات، كلها أدوات نستخدمها لتسليط الضوء على المشاكل والإشارة لحلولها".

أقاطعه؛ "لكن الدولة لم تعترف بالاختفاء القسري سوى بعدما نشر المجلس القومي أسماء المختفين وأجبار وزارة الداخلية على الاعتراف بوجودهم داخل السجون". فيرد "أرى أن الدولة لا تعترف بالمجتمع المدني، بل لا تعترف بالمجتمع، تعاملنا الحكومة بصفتنا أشياء ليس لدينا أي رأي، مجرد رعايا نعيش ضيوفًا على هذه الأرض، والمطلوب مننا النزول فقط وقت الانتخابات للتهليل والتصفيق".

عن أثر التقارير التي تتسرب حول تعديل مواد فترة الرئاسة في الدستور على المنظمة، وإن كانوا يجهزون حملات مضادة؛ يجيب "الساعة لا ترجع إلى الوراء، والتاريخ لا يعيد نفسه بنفس الشكل، الزمن غير الزمن، الناس غير الناس، والحكام غير الحكام، غير متوقع إعادة إنتاج للتاريخ نهائيًا. لكن على أي حال لدينا فرصة كمجتمع مدني لطرح بدائل للسياسات، عن طريق ابتكار حلول لتحسين الوضع السياسي والاقتصادي والتي فرضت علينا خلال الـ7 سنوات الماضية".

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.