تصميم أحمد بلال، المنصة 2025
الرئيس عبد الفتاح السيسي والأكاديمية ليلى سويف ونجلها المبرمج والناشط علاء عبد الفتاح

مثلث السيسي وعلاء وليلى.. إخراج المشهد الأخير

منشور الثلاثاء 3 يونيو 2025

لا أخبار في المواقع والجرائد المصرية الكبرى عن مستجدات الأيام الأخيرة المتعلقة بحدثٍ نادرٍ في تاريخ مصر الحديث؛ أستاذة جامعية مرموقة، ومن عائلة معروفة، وصلت إلى مرحلة الخطر القصوى بسبب إضرابها الممتد عن الطعام، مطالبةً بالإفراج عن ابنها المسجون ظلمًا بالمخالفة للقانون، بعدما أكمل مدة عقوبته.

هذا الابن الذي خلقت السُلطة من أجله إجراءً عقابيًا جديد؛ بحساب مدة عقوبته بدايةً من تصديق الحاكم العسكري على الحكم في يناير/كانون الثاني 2022، وليس من يوم حبسه احتياطيًا، مثلما ينص القانون.


خبر بارز في موقع صحفي بارز: الفنانة .... تزور الفنانة .... في بيتها، تعتذر لها، فتتصالحان


الإضراب عن الطعام حتى الموت حادثة نادرة في واقعنا. على الأقل، لا أعرف حادثة مماثلة لإضراب ليلى سويف من أجل حرية ابنها علاء عبد الفتاح. ندرك جميعًا نُدرة هذه الحالات، ونعرف في عالم الصحافة أن الندرة صانعة الخبر. يضاف إليها في هذه الحالة الشهرة، التي تجعل حضور الخبر ضروريًا ومنطقيًا؛ شهرة الأشخاص المعنيين بهذه الأزمة، ودرجة الانتشار الواسعة التي نالتها الأخبار المنشورة عنها في عشرات الصحف والمواقع العالمية.

الشهرة عامل وأداة تمييز اجتماعي وطبقي، منفرة للكثيرين من بيننا حين تتدخل في طريقة التعاطي مع أي قضية. فمن المفترض ألَّا يوضع الشخص في مكانة مميزة عن الآخرين لكونه مشهورًا. إلا أن الواقع الإعلامي الرديء لا يدع مفرًا من الاهتمام بالمشاهير. وفي حالة سَجْن علاء عبد الفتاح وإضراب ليلى سويف عن الطعام، لا يمكن لأحد أن يغفل عاملي الانتشار والشهرة.

عالم موازٍ تمامًا تعيش فيه الصحافة المصرية بمعزل عنّا نحن

ليلى سويف في وقفة أمام نقابة الصحفيين لإحياء ذكرى النكبة 15 مايو 2025

قررت الصحافة المصرية، عدا موقعين أو ثلاثة من المواقع المستقلة أو المعارضة التي تتعرض للحجب ولديها صحفيون في السجن، أن تتجاهل تمامًا تطورات هذه القضية وكأن لا وجود لها، ولو بمجرد تقرير خبري صغير مكتوب بأكثر لغة حيادية ممكنة. قررت أن تتجاهل وجود مثلث مُشكَّل من السيد الرئيس، وعلاء عبد الفتاح، والدكتورة ليلى سويف.

مفارقة غريبة تتناقض مع حقائق ندرة خطر الموت نتيجة الإضراب عن الطعام، وشهرة علاء وعائلته الواسعة منذ ثورة يناير، حيث احتلوا مانشيتات صحف وبرامج حوارية وإخبارية. بل ومن قبل الثورة، فلعائلة ليلى سويف حضور بارز في الوسط الثقافي والعلمي؛ أختها أهداف سويف أديبة معروفة، وأمها، الأكاديمية الراحلة فاطمة موسى، من أبرز ناقدات الأدب. وأبوها الدكتور الراحل مصطفى سويف كان أول رئيس لأكاديمية الفنون.


خبر في جريدة: الشاب المتهم بالقتل، ابن الوزيرة السابقة، يؤلف في محبسه كتابًا للتنمية البشرية


عالم موازٍ تمامًا تعيش فيه الصحافة المصرية، بمعزل عنّا نحن، مستخدمي السوشيال ميديا من المصريين والعرب والأوروبيين المتابعين لحالة ليلى سويف، ونحن نطالب منذ شهور طويلة عبر صرخات/كلمات يائسة بالإفراج عن ابنها علاء وإنقاذ حياتهما.

فلا حس ولا خبر عما يحدث، ولو بإشارة صغيرة يشعر عبرها قرّاء الجرائد والمواقع الكبيرة بأن صحفييها يتابعون الواقع المعاش ومستجداته، ولا ينفصلون عنه تمامًا، بالأخص في هذه القضية ذات الأبعاد الدولية.

بدأت النكتة المريرة قبل دخول ليلى سويف مرحلة الخطر التي لا عودة منها؛ فإما الموت أو تبعات صحية لا علاج لها نتيجة الإضراب. النكتة المريرة القديمة هي أن هذه الصحافة تغطي مكالمات ومباحثات الرئيس مع المسؤولين البريطانيين، دون أن تتعرض لما تصدره الحكومة البريطانية من بيانات عن مطالبة رئيسِ الوزراء البريطاني، الرئيسَ المصري، بالإفراج عن علاء عبد الفتاح، وإنهاء هذه الأزمة/المأساة.

لكن النكتة امتدت، كبرت، ووصلت للمنطقة الحرجة؛ أنه في لحظة ما، سيحدث شيء ما، لن يكون بإمكان الصحافة المصرية تجاهله: إمّا قرار جمهوري بالعفو عن علاء عبد الفتاح، أو وفاة ليلى سويف.


مانشيت في جريدة: غضب الوزير السابق، الـ"شو مان الأثري الشهير"، من جهل محاوره بالأهرامات


كيف ستتعامل الصحافة المصرية الكبيرة، التي جُردِّت عنوة من مصداقيتها واستقلاليتها منذ 2013، مع أيّ من الحدثين اللذين سيقع أحدهما في أي لحظة، ليصبح المشهد الأخير في هذه الأزمة؟!

لا تملك الصحافة تجاهل أيهما، سواء موت أكاديمية مُضربة عن الطعام من أجل ابنها المسجون في قضية سياسية، بكل ما سيفجره من صخب وغضب في مصر وخارجها، أو قرار الرئيس الإنساني بالعفو عن "خصم" سياسي، وهو قرار لا بُد له من مهللين، يصفقون لمشهد علاء صاعدًا الطائرة التي تحمله للمنفى، وإن لم نره.

فجأة سيجد القارئ جريدته أو موقعه يخبره عن قضية/أزمة لم يتحدثا بوضوح ومهنية أبدًا عن مقدماتها، وأصولها، وتبعاتها. عن معركة حقيقية أحدثت الكثير من الضوضاء في بعض اللحظات، من بينها مؤتمر المناخ الشهير في شرم الشيخ، الذي توقع الكثيرون وقتها أن ينال علاء خلال انعقاده عفوًا رئاسيًا.

كلمة الخصم الموضوعة بين علامتي تنصيص أعلاه مقصودة. لكن محرر الجريدة لن يستخدمها وقتها، لأنه لا يستطيع تبريرها أمام قراء جريدته. رغم أننا جميعًا نعرف أن قضية علاء عبد الفتاح في يد مؤسسة الرئاسة مباشَرَة منذ سنوات. ونعرف أن مصيره لا يتقرر عبر أيّ من القنوات الاعتيادية لمؤسسات الدولة، أو بالضغط الإعلامي، أو بقرارِ من أي مؤسسة أمنية.

نعلم أن المحرر لن يخبر قراءه بشفافية أن قرار تجاهل هذه القضية لم يكن في يده. ولن تستطيع الجريدة أن تحكي كيف تعاملت دولة عريقة وضخمة مع معارض سياسي شاب وكأنه خصم شخصي لها، لا متهمًا/مدان يُطبَّق عليه القانون. فكيف يتحدث الصحفي أو المحرر عن قانون التنكيل المبهم الذي لا يعرف أحد معاييره وشروطه، وإلى أي مدى سيمتد؟! لن تقول الجريدة إنها لم تنشر عن هذه القضية، وعن الإضراب عن الطعام، وعن خطر موت أكاديمية مصرية بارزة علّمت الآلاف من شباب وشابات البلد، بسبب تعليمات شفهية بالتجاهل أتت من أعلى مؤسسات الدولة.


مانشيت كبير أخير في جريدة رابعة: جهود الوساطة تتقدم.. هناك أمل في هدنة


لا داعيَ للتبريرات أو التفسيرات في هذه اللحظة التي ستأتي، سواء بموت ليلى سويف أو بالعفو الرئاسي عن علاء. فالقرّاء يعلمون جيدًا ما لا يقال ولن يقال. نعرف كيف تدار المسألة، وإن جهلنا التفاصيل. لكن إخراج هذا المشهد الأخير، الذي نتمناه مشهد تصفيق للعفو الرئاسي، لن يكون سهلًا، وسنترقبه جميعًا لأنه سيكون فارقًا في تاريخ الصحافة والسياسة والحريات في بلادنا.

لماذا أكتب هذا المقال الآن؟! ما جدواه؟! قراء المنصة متابعون جيدون لتطورات قضية ليلى سويف وعلاء عبد الفتاح، قرأوا عشرات التقارير عنها، وشاهدوا فيديوهات حوارية، فما الجديد؟!

لا جديد. فقط بضع كلمات إضافية ربما يجدها في المستقبل مَن لم يعيشوا أيامنا هذه، فيعرفون وقتها عن هذه الأم التي ذهبت باتجاه الموت بإرادتها. ليس فقط من أجل حرية وحياة ابنها، وليس فقط من أجل حرية كل سجناء الرأي والسياسة والنشر، بل من أجل حرية وكرامة مجتمع وبلد كاملين. أن يعرفوا اسمها: ليلى سويف، التي اختارت مقامرة الموت أو إجبار السلطة مطلقة الجبروت على الاعتراف بحق ابنها في الحياة والحرية. من أجل أن نستطيع القول في زمننا القبيح هذا أن هناك من يدافعون عن الحق والعدالة والقيم الإنسانية وإن كلفتهم حياتهم.


عناوين الأخبار الواردة في هذا المقال حقيقية بتصرِّف من الكاتب

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.