أمنية البدري بطلة الجمهورية في الجري (ألعاب القوى) لذوي الاحتياجات الخاصة مع والدتها.

في عيد الأم ويوم "متلازمة داون".. أنا أب محظوظ

منشور الثلاثاء 22 مارس 2016

 

أمس احتفل الملايين بعيد الأم، وبالأمس أيضًا احتفلت آلاف الاسر حول العالم باليوم العالمى لمتلازمة داون. 

لكن ما حدث في مصر أن العيون اتجهت لعيد الأم وحده، استيقظ الناس أمس على احتفالات وورود وأغاني عيد الأم، لكن مصر أغمضت عينيها عن أطفال وشباب متلازمة داون وأهملت الاحتفال بهم.

لكن لأنى محظوظ فتحت عينى على العيدين، أنا وأسرتي احتفلنا أمس ككل أسرة أخرى بأمهات العائلة والأصدقاء، وهنأنا صديقات أمى بعيد الأم ودعيت لوالدتي الراحلة بالجنة ونعيمها. لكننا احتفلنا أيضًا بابنتى "أمنية البدري"، وبكل بنت وكل ولد مثل بنتى ولد مصابًا بمتلازمة داون. 

وكان سؤالى الذي سبق الاحتفال بالمناسبتين، لماذا جاءت المناسبتان في نفس التوقيت؟! كنت فى البداية حزين لأن طبيعى أن هناك مناسبة منهما ستطغى الأخرى. هذا يوم الأم، ومن حقها أن يتم الاحتفال بها متفردة بلا منافسة، وكمان من حق أولادنا الاحتفال بهم متفردين. أحسست فى البداية أن اختيار اليوم فيه إجحاف لحق أولادنا؛ لكن وبعد تأمل للمناسبتين وللأشخاص المحتفل بهم فيها، تبدل حزني لسعادة ووجدت فى اختيار ذات اليوم تكريم أكبر لأبنائنا ممن ولدوا بمتلازمة داون.

عندما ربطت بين المحتفل بهم، استعدت الحديث الشريف الذي يبشر بأن الجنة تحت أقدام الأمهات .. ووجدت في ابنتي وأصدقائها ملائكة تمشى على الأرض. وجدت اليوم يحمع في الاحتفال بين رمز العطاء.. ومصدر السعادة، وجدت الطهر.. ووجدت البراءة. ورأيت أمام عيني في بيتي التحدي الذي يجمع الاثنين؛ أم تتحدى الزمن ومصاعب الحياة لحفظ أبنائها.. وابنة تتحدى الإعاقة لإثبات ذاتها. 

ووجدت أنى محظوظ واحتفلت بالمناسبتين، وكان نفسى كل مصر -اللى غمضت عينيها- تشاركنا الاحتفال. 

أردت في هذا اليوم أن أعلن وفائى لذكرى أمي، بينما أعلن فخري بابنتى المولودة بمتلازمة داون.

عندما جلست لكتابة هذا المقال؛ استرجعت حكاية ابنتي من يوم ميلادها، وضحكت لما افتكرت والدكتور يخبرنى بعد ما اتولدت مباشرة إنها طفلة داون، يومهامفهمتش حاجة، "يعنى منغولى" قال الدكتور، برضه مفهمتش حاجة. حاولت أفهم منه ومن غيره بعد كده يعنى إيه داون، فى الوقت الذي حمدنا فيه ربنا على ما أعطى أيا ما كان؛ عرفنا أنها طفلة وليدة مثل أي طفل، لكنها مختلفة عن أي طفل أيضًا. اجتهادنا لنعرف ماهية الاختلاف وأسبابه، وعرفنا أنه نتيجة خلل فى الكرموسومات بزيادة كروموسوم، وأنه يحدث كنتيجة لكبر سن الأم، أو زواج الأقارب أو تعاطي الأم لأدوية أثناء الحمل، أو تعرضها لإشعاع ما، وكل هذا لم يحدث في حالة ابنتي أمنية. 

في النهاية وبعد بحث واطلاع مني أنا ووالدتها، واستطلاع بعض أراء الأطباء أرجعوا السبب لكونه طفرة وراثية، وطبعا إحنا من قبل دا كله، كنا راضين. البحث كان غرضه معرفة حجم المشكلة وطبيعتها حتى نتمكن من العامل معها على أساس علمي، رفضنا تمييز أمنية فى التعامل والتربية عن أي طفل فى سنها، وطبقنا مبدأ الثواب والعقاب في تربيتها مثل أي طفل آخر وتعاملنا معها بشكل طبيعى جدًا، ولكن زدنا من تكرار تلقينها المعلومة الواحدة عدة مرات أكثر. دمجناها فى المجتمع بكل الصور، اصطحبناها فى الزيارات والخروجات، بل وألحقناها بحضانة كأي طفل بعد شرح حالة أمنية للمعلمة، وهكذا حظت ابنتي بطفولة عادية جدًا مع كثير من الصبر من والدتها ومنى، رفضنا أن يعاملها أفراد العائلة والأصدقاء باستخفاف أو بشفقة، رفضنا دا بقوة وبمواقف.

انتقلنا لمرحلة ثانية: اكتشاف قدراتها وتنميتها، اتعلمت الموسيقى وعزفت على البيانو، ومارست الرياضة وأصبحت بطلة جمهورية.

ألحقناها بمدرسة عادية مع أخواتها أُلحِقَت فيها بفصول الدمج ووصلت للصف الخامس الابتدائي ومكملين معها إن شاء الله لأقصى مستوى تعليمي. قصة كفاح حقيقية للاستثمار فى بناء إنسان مميز.

الأسرة كاملة الأم وأنا، حتى أشقائها رغم أنهم أصغر منها -فهى الأخت الكبرى- إلا أنهم وبالحوار معهم وإفهامهم اختلاف أمنية ساعدونا، وهذا الحب والتعاون ساعدنا كتير فى تحقيق أملنا فيها.

 

لكن الأهم هي أمنية نفسها، التي لا تكسُل عن مساعدة نفسها، وساعدتنا عندما وضعت أمامها هدف البطولة، هدف التمييز فى كل مجال تقتحمه؛ هى عارفة إنها مختلفة لكنها الأفضل. 

رحلة كفاح ساعدنا فيها ناس زادونا ثقة فى خطواتنا، وقابلنا خلال الرحلة ناس إنهزامية، شخصيات هدامة زادونا تحديًا وإصرارًا. 

فى البداية أبدى البعض التعازي لمولد أمنية مختلفة، واليوم هم ذاتهم أصبحت أمنية بالنسبة لهم مثلاً يُحتذى به. كل هذا النجاح لأمنية وعشرات غيرها من الأطفال والشباب المميزين الناجحين الذين يقدموا نماذجًا للنجاح وللتحدي في كل خطوة في حياتهم، لم تدفع مصر لفتح عينيها، ومعرفة قيمة أبنائها من المولودين بمتلازمة داون.

لكني أظل فخورًا بالرحلة.. رحلة عانت الأم فيها واجتهدت وصبرت وزرعت وحصدت بطلة من متلازمة داون. فوجدت نفسى محظوظًا: بأمي، وبزوجتى الأم المثالية لأروع بنت، وبابنتى أمنية البطلة من متلازمة داون، وبأبنائى سيف وفرح شركاء النجاح. 

 فصار 21 مارس هو يوم عيدي واحتفالي بحظي السعيد، أما مصر؛ فنأمل أن تفتح عينيها وتدرك قيمة متلازمة داون وتبذل الجهد وتضع السياسات التي تعطي لهؤلاء الشباب والأطفال ما يستحقوه.