إيمان حسين - بإذن خاص للمنصة

رحلة "بائعة الحلوى" مع السرطان: النفق طويل شوية بس أكيد النور وراه

منشور الأربعاء 14 أكتوبر 2020

 

وهي تزين الحلوى التي تصنعها وتبيعها من خلال صفحة أنشأتها على فيسبوك، تعود إيمان حسين أحيانًا بذاكرتها سنتين إلى الوراء، عندما اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي. لحظة ما "حسيت بحاجة مكلكعة" لم تعتقد في البداية أنه الاحتمال الأسوأ. 

في بداية الرحلة، تحكي إيمان للمنصة عن شعور راودها عند اكتشافها الإصابة بسرطان الثدي قبل سنتين وأربعة أشهر، بأن حياتها قد تنتهي بعد أسابيع، ولكن الواقع كان مختلفا عما كانت تفكر به، فلم تنتهِ حياتها بل تحولت بفعل رحلة تعلمت منها الكثير وتخلصت في نهايتها من السرطان.

تبلغ إيمان العمر 31 عاما، تعدد عملها الأساسي في مجالات متنوعة منها الكول سنتر وتعليم العربية للأجانب، ولكنها إلى جانب هذا كله أسست صفحة على فيسبوك، تبيع من خلالها الحلويات التي تصنعها "من زمان وأنا بعمل حلويات حلوة قوي بشهادة الجميع، وفي 2016 قررت بعد دعم كتير من صحابي إني أعمل صفحة لعرض الحلويات بتاعتي، وده يبقى مشروع جنب شغلي الأصلي لأن المشاريع دي في بدايتها مش بتجيب عائد كبير قوي، لكن هيكون حاجة بحبها اشتغلها لحد متكبر بجانب شغلي الأساسي".

 

إيمان مع أحد قوالب الحلوى التي تصنعها - بإذن خاص للمنصة

وتضيف "فضلت اتنقل من شغل لشغل لحد 2018 ووقتها كنت بعلم عربي للأجانب جنب الحلويات، فجأة حسيت بحاجة مكلكعة، بس متخيلتش أبدا أنه يكون حاجة وحشة".

تابعت إيمان "كنا في شهر رمضان محستش إن الموضوع ممكن يكون خطر، قلت أنا هصلي وأدعي الـ30 يوم في رمضان أنه يكون خير، وسألت واحدة صاحبتي على دكتور أورام حلو فرشحت لي دكتورة في المعادي، قلت لها هروح لها آخر رمضان ومش هنجيب سيرة لحد لا لصحابنا ولا لأهلي، لحد ما نطّمن، وبالفعل رحت في آخر رمضان، قعدت الأول مع المساعد بتاعها اللي خد مني البيانات كاملة، ولما دخلت للدكتورة وكشفت عليا قالت لي إن الكلكعة دي مش كيس دهني، وطمنتني إنه ممكن يكون ورم حميد، بس اللي هيحسم ده هو الماموجرام".

شعرت إيمان أنها ستدخل رحلة جديدة من الرحلات التي كانت تستمع إليها في الماضي لمحاربات السرطان، ستكون هي البطلة "خفت طبعا، الكلمة نفسها تخوف، بس قررت أكمل ما أعرّفش حد، ورحت أعمل ماموجرام يوم عيد ميلادي اللي صحابي قرروا يعملوا لي فيه عيد ميلاد، وفضلت كل حاجة تمشي زي ما هي من غير ما حد يحس بحاجة، وبعدين اتأكدنا إن الورم خبيث، وهنا مكانش مسيطر عليا غير ماما، إزاي هقولها وهي عاشت نفس التجربة مع خالتي الله يرحمها، قلت لإخواتي واتفقنا إننا نقولها إن الورم حميد علشان متخافش، ورحت للدكتورة اللي قالت إنه لازم نستأصل الورم في خلال 10 أيام وإلا ممكن ينتشر في الجسم كله".

صمتت إيمان لفترة وهي تتذكر تلك الفترة بمشاعرها المركبة "حددنا يوم العملية وطلع يوم خميس وكان في اليوم ده بنوتة حاجزة معايا تورتة وكل أصحابي وأهلي تخيلوا إني هلغي الأوردر بس أنا قررت إني هعمله عادي وبعدين أطلع على العملية، مكنتش عاوزة أفكر في أي وجع، مكنتش عاوزة أفكر غير في الحاجات الحلوة وبس، ولو خلاص هسيب الدنيا بعد أيام ولا شهور، فهسيبها وأنا بعمل حاجة حلوة".

يطلق أصدقاء إيمان عليها اسم "بائعة الحلوى" وهو الاسم الذي اختارتها لصفحة فيسبوك التي مارست من خلالها عملًا تحبه. "قبل العملية بيومين صحابي عملوا لي حفلة كنوع من أنواع الدعم، وده كان مهم قوي بس أنا كنت طول الوقت صورة خالتي اللي ماتت بالكانسر في بالي".

أجرت إيمان العملية بنجاح، ولكن الطبيب بعدها أخبرها ما لم يكن في الحسبان "سألت الدكتور اللي عملها ها إيه الأخبار، فقالي إنه شال الغدد الليمفاوية وبناء عليه لا يمكن اتعرض لحرارة أو جرح أو لسع في دراعي ولا هقدر أخد حقنة، وهنا تنحت إزاي وشغلي كله في مجهود بإيدي وقدام الفرن وبتعرض طول الوقت للسعات، إزاي ممكن معملش الحاجة اللي بحلبها بعد كده، ده اللي كان مسيطر عليا مكنتش سامعة حاجة من الدكتور، وطلبت منه يعيد اللي فاتني قالي إنه هنحدد الفترة الجاية هحتاج علاج كيماوي ولا إشعاعي".

حدد الطبيب 8 جلسات كيماوي لإيمان تنتهي في 168 يوما، ولكنه أكد أن المحاذير المتعلقة بعدم تعرضها للهيب النار أو الجروح أو اللسعات مستمرة معها طوال الحياة "فضلت أعد الـ168 يوم ساعة ساعة، ومخاوفي من إن الحياة تنتهي بعد الرقم ده أو تقف، فقررت أدور على ناس مرت بالتجربة وعاشت وكملت، فتحت فيسبوك وقعدت أعمل بحث عن محاربات للسرطان، ولقيت أماكن كتير لدعم محاربات السرطان، وناس أكتر ليهم تجارب نجحت، وبالفعل رحت واحدة من الجمعيات اللي بتدعم مصابات السرطان، وطلبت منهم أقابل تجارب عايشة ومكملة، كنت بدور على أي أمل يخليني اتشعلق بالحياة وأمسك فيها أكتر وأكتر، والزيارة دي كانت قبل بداية الجلسات".

 

إيمان مع أحد قوالب الحلوى التي تصنعها - بإذن خاص للمنصة

التقت إيمان العديد من النماذج لأمهات وسيدات مررن بنفس التجربة، وهي تردد "دي مش الرقدة الأخيرة"، وهي مؤمنة أن النهاية لن تكون عند تلك المحنة "بعد أول جلسة كيماوي تقريبا في اليوم السادس شعري كله وقع، والوجع والألم بيزيد وغير محتمل، 168 يوم وجع بس مفيش أي مسكنات ممكن تجيب معاه نتيجة، وأسال الدكتور يقولي ده طبيعي متقلقيش، وقبل الجلسة التالتة بيوم كنت بقطع ليمونة وأنا بفكر في التعب اللي هيحصل لي بكرة سرحت والسكينة جرحت صباعي، ببص لقيته في إيدي الشمال بتاعت العملية والتحذيرات، جريت على المستشفى فضلوا ينضفوا في الجرح ساعة واتخيط 5 غرز، وأنا عمالة أفكر هو ممكن زي ما الدكتور قالي دراعي يورم وميرجعش تاني؟، ويوم الجلسة سألت الدكتور قالي إن مفيش حاجة مضمونة، يمكن يورم ويمكن لأ، انت وحظك، وحظي الحمد لله طلع حلو ومورمش، يمكن علشان مكنتش هتحمل ده".

وزير التعليم العالي الأسبق وعضو اللجنة العليا لعلاج الأورام بوزارة الصحة حسين خالد أوضح في تصريحات نشرتها بوابة أخبار اليوم أن هناك "23 ألف حالة أورام ثدي جديدة كل عام" في مصر، وهي نسبة تبلغ نحو 35% من إجمالي النساء اللاتي يصبن بالسرطان. 

وتخصص منظمة الصحة العالمية شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، للتوعية بسرطان الثدي في بلدان العالم كافة من أجل "زيادة الاهتمام بهذا المرض وتقديم الدعم اللازم للتوعية بخطورته والإبكار في الكشف عنه وعلاجه، فضلا عن تزويد المصابين به بالرعاية المخففة لوطأته".

مع كل جلسة من جلسات الكيماوي، كانت تتعرض إيمان لمواقف مؤلمة بجانب الألم الجسدي من تأثير الجلسة "في الجلسة الرابعة قبلها بيوم وقعت ورجلي اتكسرت واتجبست، بس كان جوايا يقين إن بعد الضلمة دي كلها يجي نور في آخر النفق الطويل من الوجع والمشاعر الملخبطة، يمكن النفق طول شوية، بس أكيد النور وراه، وقبل الأربع جلسات الأخيرة، روحت مؤتمر تبع جميعة لمرضى الكانسر، وشفت فيه حالات كتير أصعب مني بمراحل، حسيت وقتها إن ربنا بعت لي الامتحان على قدي وأقدر اتحمله".

سقوط الشعر مرحلة سبقت سقوط الحواجب والرموش، وهي المرحل التي عاشتها إيمان مع الأربع جلسات الأخيرة، والتي وصفتها بالأصعب من الجلسات السابقة "اكتشف إن لسه في وجع أكتر وأنا كنت فاكرة نفسي وصلت للآخر، الوجه بيزيد من أول الجلسة الخامسة، ورموشي وحواجبي بيقعوا".

بعد انتهاء جلسات الكيماوي علمت إيمان من طبيبها أن الرحلة لم تنتهِ بعد، وهناك جلسات جديدة ستمتد سنة كاملة اسمها "العلاج الموجه"، وهو العلاج الذي يستهدف الخلايا السرطانية لمنع انتشارها، بمعدل جلسة كل 21 يوما، وهو يحدث بالتوازي مع العلاج الإشعاعي الذي بدأ عقب الكيماوي، والذي يعمل على تقليص حجم الأورام وقتل الخلايا السرطانية "فضلت أعيط وأنا نفسي الرحلة تخلص بقى، كنت بقول لربنا طول الوقت يبعت لي رسايل تطمني إن الرحلة هتخلص بسرعة، وأنا مصدقة إن بعدها حياة جديدة".

بعد انتهاء العام وانتهاء الجلسات، وانتهاء العلاج الإشعاعي والموجه، قررت إيمان العودة لعملها الذي تحبه "قررت أرجع أعمل الحلويات تاتي وأنا واخدة بالي كويس وبحذر، مكنش ينفع أبعد عن الحاجة اللي بحبها والحاجة الحلوة اللي في حياتها، وكمان حسيت وقتها إن ربنا بيقولي كملي أنا معاكي لما لقيت واحدة صاحبتي بتكلمني إن في مدرسة محتاجين فيها مدرسة لمادة مش أساسية يعني الموضوع مش تعب أوي، وهيكون مناسب جدا ليا، فحسيت إن دي الرسالة هرجع أعمل شغلي اللي بحبه في الحلويات، وكمان في شغل جديد يوفر لي دخل".

رحلة العلاج التي خاضتها إيمان كانت رحلة مليئة بالوجع والدموع وأيضا الإنجازات "كنت بشوف واحدة مش شبهي خالص، من غير حواجب، تخينة من الكورتيزون، أنا مش أنا، بس دلوقتي ببص في المراية لقيت نفسي من جديد، شعري بدأ يرجع تاني، وحواجبي ورموشي رجعوا، النفق المظلم خلص وطريق النور جه، حياتي بقت أفضل، وبحمد ربنا على التجربة".

بعد سنة من بداية الرحلة ذهبت إيمان لإجراء مسح ذري جديد، للتأكد من عدم عودة الورم مجددا، لتلتقي حالات جديدة في بداية رحلتها. دموع لفتيات وسيدات قبل خوض التجربة "لما لقيت ناس كده قررت أطمِّن أي حد أقابله إن الرحلة مش نهاية العالم، وإن الرحلة مصيرها تنتهي وإن أنا أهو تعبت وشعري وقع وتخنت، بس رجعت تاني وبقيت كويسة، وزي ما أول مرة خالص أروح المستشفى شفت طفل عنده 9 سنين من أسوان كان بيطبطب عليا ويقولي معلش وإن هو كان بيجي كل شهر مشوار طويل، أنا كمان قررت أدعم اللي هيخوضوا التجربة والرحلة بعدي".