الصورة : بإذن خاص للمنصة
والد يوستينا عطية وعمها خلال التجمع في شم النسيم، أبريل 2020.

الخوف محل الفرح: كورونا يخطف احتفالات المسيحيين 

منشور الأربعاء 13 يناير 2021

اعتاد أمير ماهر، ذو الخمسين عامًا والذي يقيم في منطقة العمرانية بالجيزة، أن يذهب إلى الكنيسة ليلة كل عيد لحضور القداس الذي ينهي صيام 43 يومًا، إلا أن هذا المرة وبسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الكنيسة اضطر للبقاء في منزله "للأسف العيد هذا العام بدون روح، الخوف لا يجعلك تشعر بأي شيء، الخوف أن حد يتصاب بكورونا أو نفقد حد بسبب الفيروس".

للمرة الثانية، تلجأ الكنيسة القبطية المصرية لهذه الإجراءات في العيد، وذلك بعد إلغاء احتفالات عيد القيامة في شهر أبريل/ نيسان الماضي، إذ أعلنت عدة إيبارشيات اقتصار قداس عيد الميلاد على الكهنة والشمامسة فقط دون حضور شعبي، فيما قررت إيبارشيات أخرى إقامة قداس الميلاد بمشاركة 20 شخصًا فقط.

حتى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي اعتاد في الأعوام الماضية حضور قداس عيد الميلاد في الكاتدرائية لم يذهب الى الكنيسة، واكتفى بالاجتماع عبر الفيديو كونفرانس مع البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لتهنئته بالعيد.

ينتظر المسيحيون بمختلف طوائفهم العيد لحضور القداس والتجمع والاحتفال، تتزين الكنائس ويرتدي الأطفال ملابسهم الجديدة، فيما تتجمع العائلات داخل الكنائس للصلاة ونيل البركة؛ حالة من البهجة والروحانيات التي اختفت بشكل كبير بسبب فيروس كورونا، فحل الحزن على من رحلوا محل الفرح، وقتل الخوف من الفيروس البهجة، فألغت عائلات كثيرة تجمعاتها وفضلت الأمان على الاحتفال.

ساعد أمير زوجته في تحضير مائدة الطعام، يعيد ترتيب الطاولة من جديد، ويزيح مقعدًا بعيدًا عنها. يقول أمير إن هذا المقعد كان مخصصًا لوالده، ولكن بعد وفاته في أغسطس/ آب الماضي جراء إصابته بالفيروس، سيكتفي بعدد المقاعد المخصصة له ولأبنائه وزوجته.

يقول أمير بصوت حزين "العيد اللي فات كان مختلف عن دا أكيد، والدي كان هنا بياكل ويضحك معنا، ولكن هذا العيد لا طعم له، فوالدي رحل عنا"، مضيفًا "رغم أنه كان هناك كورونا العيد الماضي ولكن كنا نتجمع سويًا لتحضير الطعام والاحتفال ولكن هذا العيد لا".

مائدة الطعام عشية عيد الميلاد 2021 في منزل أمير ماهر. بإذن خاص للمنصة

مفيش عيد

على بُعد أمتار من أمير تقف زوجته إيمان بجوار ابنتهما روز لتحضير العشاء، تقول إيمان وهي تتذوق الطعام للاطمئنان على جودته "مفيش عيد، إحنا بس بنحاول بس نعمل أي حاجة عشان نكسر روح الكآبة، العيد ده كان ليه طعم خاص دلوقتي مبقاش، يعني كنا بنتجمع كلنا كعائلة كبيرة وكل واحد يجيب اﻷكل بتاعه معاه ونقعد كلنا بعد القداس عشان ناكل، دلوقتي لا بقى في قداس ولا بقى في تجمع".

تصمت إيمان قليلًا، لتحاول كبح دموعها، قبل أن تقول "كان نفسي أقضي العيد مع ماما ونفطر مع بعض زي كل سنة، بس خفنا طبعًا عليها لحد ينقل لها العدوى، وخصوصًا إن محدش يعرف مين عنده ومين معندوش".

لم يشترِ أمير لأبنائه الثلاثة ملابس العيد هذا العام، مبررًا أنه ليس هناك عيد أو خروج كما اعتادت العائلة، كما لم يزين المنزل بالبالونات كما اعتادوا، حيث كان اﻷطفال يساعدون والديهم في تزيينه وإعادة تغيير بعض أركانه كنوع من الاحتفال بقدوم العيد، "مفيش احتفال عشان اللي فقدناهم، وعشان الكورونا، يعني احنا محاصرين مابين الخوف من الإصابة وأحزاننا، هنصلي عشان ربنا يشيل الابتلاء من علينا".

زي أي يوم عادي

احتفل المسيحيون هذا العام بالعيد الثاني لهم خلال جائحة كورونا، الأول كان في شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي "عيد القيامة"، ولكن كان الأجواء مختلفة آنذاك، إذ لجأت بعض الأسر للتجمعات العائلية داحل المنازل للاحتفال، رغم إلغاء الصلوات داخل الكنائس والكاتدرائيات الكبرى، لكن هذه المرة تراجعت هذه العائلات نفسها، خوفًا من تداعيات الإصابة بفيروس كورونا، مع اشتداد الموجة الثانية.

على مدار الثلاثين عامًا الماضية اعتادت عائلة يوستينا عطية التجمع للاحتفال بالعيد، يحرص أفراد العائلة المكونة مما يقارب  30 فردًا على الذهاب إلى الكنيسة ثم التجمع في بيت كبير العائلة بمدينة الصف، جنوبي محافظة الجيزة، إلا هذا العام لم يتجمع أفراد العائلة خوفًا على كبار السنة من الإصابة بفيروس كورونا.

عائلة يوستينا عطية خلال التجمع في عيد القيامة، أبريل 2020. بإذن خاص للمنصة 

"اليوم كان صعب، في الطبيعي إن اليوم ده بيعدي بسرعة وبنسهر كمان عشان نكمل اليوم، بس السنة دي الأمر مختلف جدًا، حتى عن العيد اللي فات، يمكن عشان مش حاسين بالعيد، اليوم زيه زي أي يوم عادي"  بهذه الكلمات تصف يوستينا عطية إحساسها بالعيد هذا العام.

"باب البيت مكنش بيتقفل من كتر ما أفراد العيلة كل شوية حد يجي، إنما السنة دي متفتحش أصلًا. إحساس إننا نتجمع ونحتفل فحد يجيله كورونا مخيف ومؤلم جدًا، بيسرق منك شعور إن في مناسبة سعيد المفروض تحتفل بيها، إحنا بنستنى اليوم ده كل سنة عشان نتقابل فيه ونحتفل، بس متجمعناش ولا في العيد ولا رأس السنة، ولا حتى هنتجمع في عيد الغطاس (19 يناير) لو الوضع ده استمر". 

فيه حاجة مسروقة منك

تمثل رأس السنة مناسبة خاصة لدى عائلة جون نبيل، الذي اعتاد في السنوات الماضية أن يجتمع أفراد أسرته المكونة من 22 شخصًا في منزل أحد أفرادها، عقب حضور الكنيسة بوسط القاهرة، إلا أن هذا العام الأمر اختلف كثيرًا، فلم تتجمع العائلة ولم يذهبوا إلى الكنيسة أيضًا.

يقول جون للمنصة "اعتاد أبي أن يجمع العائلة، كل واحد بيجي بأولاده وبتبقى فرص عظيمة نتجمع فيها، لأن التجمع ده بيبقي من السنة للسنة، بس السنة دي معملناش التجمع عشان بابا مات في أغسطس اللي فات بسبب كورونا". 

توفي ثلاثة أفراد من عائلة جون في الفترة من مايو/ أيار حتى أغسطس/ آب، نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، وكان آخر تجمع لهم في ديسمبر 2019، وكان من المفترض أن يجتمعوا خلال احتفال نهاية العام، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب الجائحة.

"للأسف خفنا نتجمع كعائلة بسبب كورونا، مش عارف لو اتجمعنا هنفقد مين تاني، فقدان ثلاثة أشخاص من العائلة في وقت قصير تجربة صعبة نخشى أن تتكرر مرة أخرى، فاكتفينا إن كل واحد في بيته لوحده، مكنش فيه حياة في البيت زي كل سنة، ولا فيه فرحة إن السنة انتهت ونستقبل سنة جديدة، فيه حاجة مسروقة منك"، يشرح جون مشاعره. 

قائمة محدودة

على بُعد كيلومترات قليلة، تزينت مطرانية الجيزة بأفرع الانارة المبهرجة وسط هدوء لم تعتده الكنيسة من قبل في مثل هذه الوقت من السنة، ولم يكسر رتابة الأجواء سوى ضجيج أبواق السيارات وأصوات المارة.

وعلى أبواب الكنيسة يقف العديد من أفراد الأمن في تأهب، وسط إجراءات احترازية مشدََّدة، خوفًا من الفيروس القاتل وتحسبًا ﻷي هجمة إرهابية قد تستهدف المكان، وعلى بعد خطوات قليلة من البوابة تقف أماني ميلاد في كامل أناقتها لحضور القداس، إلا أنها مُنعت من دخول الكنيسة لعدم وجود اسمها ضمن قائمة تضم 20 شخصًا فقط سُمح لهم بالحضور.

تقول أماني "حُرمت من حضور القداس الذي اعتدت على حضوره منذ أن كنت طفلة، كورونا حرمتنا من نيل بركة احتفالات العيد، الأمر مؤلم جدًا الحقيقة".


اقرأ أيضًا: كورونا يغير عادات المسيحيين في الأسبوع المقدس


على الجانب الآخر ووسط إجراءات مشددة رأس البابا تواضروس الثاني، صلاة قداس عيد الميلاد بكنيسة دير الأنبا بيشوي بصحراء وادي النطرون، شمال غرب القاهرة، الذي اقتصر على الكهنة وبعض الشمامسة، قداس اعتاد كبار رجال الدولة والمجتمع حضوره لتهنئة الأقباط بعيدهم، الا أنهم اكتفوا ببرقيات تهنئة. وقال البابا خلال عظته التي بث على عدد قنوات فضائية إنه يصلى من أجل كل المصابين ومن أجل من رقدوا، مشددًا على ضرورة التأكيد على الإجراءات الصحية في كنائسنا ومنازلنا، وكل حياتنا، وربما توقف الصلوات يسبب ضيقًا عند البعض، ولكن التجمعات تكون وسيلة لنشر العدوى، وعدم الاحتراس يسبب مشكلات أكبر، وكل إنسان مسؤول عن نفسه وكل من حوله، طالبًا من الله السلام والهدوء للجميع.

 عقب انتهاء القداس اجتمعت عائلة أمير حول المائدة، يتلون صلاة شكر لأنهم لا يزالون على قيد الحياة ويجتمعون معًا، طالبين من الله الحفاظ على الباقين من أفراد الأسرة، متمنين الرحمة لمن رحلوا.

يقول أمير متمنيًا "يارب نفضل متجمعين ومحدش يرحل من العيلة كفاية كده، أتمنى نفضل زي ما احنا لحد العيد اللي جاي".