IMDB
من فيلم The Breadwinner

فيلم The Breadwinner: حكاية "برفانا" من المخيم لشاشة السينما

منشور الخميس 1 مارس 2018

 

منذ أن التقطت عدسة المصور الصحفي الأمريكي ستيف ماكوري وجه الفتاة الأفغانية شربات جولا، أثناء زيارته لأحد مخيمات اللاجئين الأفغان بباكستان عام 1984، وخلده في "بورتريه" فوتوغرافي تصدَّر غلاف مجلة ناشيونال جيوجرافيك في العام التالي؛ صارت ملامح تلك الفتاة ونظرات عينيها التي تجمع بين التحدي والخوف، أيقونة تروي حكاية دولة عاش شعبها على حواف صراع الإمبراطوريات، فطالته توابع حروب لا شأن له بها.

ألهم وجه شربات شركة كارتون صالون Cartoon Saloon الأيرلندية، فصدرّت وجه فتاة أفغانية أخرى هي برفانا نور الله على واجهة الملصق الدعائي لأحداث أفلامها المَعيلة The Breadwinner. وهو فيلم رسوم متحركة من إنتاج عام 2017، مقتبسة أحداثه عن  سلسلة روايات مبنية على أحداث حقيقية، للكاتبة والناشطة الكندية ديبورا إليس.

فتاة الـ"باشا بوش"

                         

لقطة من الفيلم

بعد انتهاء الحرب السوفيتية الأفغانية وسقوط أفغانستان تحت حكم طالبان، زارت الكاتبة "ديبورا إليس" عام 1997 أحد مخيمات اللاجئين الأفغان بباكستان. وتعرفت من خلال مجموعة من النساء على الظروف الصعبة والحياة القاسية التي يحيينها في ظل حكم "طالبان". ولكن، استوقفتها حكاية فتاة صغيرة قصت شعرها وارتدت ثياب الصِبيان، وتحولت إلي ما يُعرف في بلادها بالـباشا بوش، لتساعد عائلتها في كسب العيش.

والـباشا بوش تقليد مُتبع في أفغانستان تلجأ إليه الأسر التي لا يوجد بها أفراد ذكور، حيثُ تجعل الأسرة إحدى الفتيات ترتدي ملابس الذكور، ما يسمح لها بحرية الحركة كالرجال للدراسة والمشاركة في العمل لكسب العيش. كما تلجأ بعض العائلات لهذا التقليد تجنبًا لوصمة العار الناتجة عن عدم إنجابها لذكور. 

كانت حكاية فتاة الـ"باشا بوش" التي التقطتها "ديبورا إليس" داخل المخيم، هي عماد الرواية التي نشرتها عام 2000 بعنوان The Breadwinner أو المعيلة، التي تتناول حياة الفتاة الأفغانية برفانا التي تبلغ من العمر 11 عامًا، والصعاب التي تواجهها هي وأسرتها لكسب لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة في ظل حكم طالبان لبلادها.

وأعقبت الرواية الأولي سلسلة روايات أخري نُشرت تباعًا حملت عناوين: "رحلة برفانا" و"مدينة الوحل" و"اسمي برفانا" التي اختتمت بها السلسلة عام 2012.

وبعد خمسة أعوام من نهاية السلسلة ظهر أول الأفلام السينمائية المأخوذة عنها عام 2017 من إخراج نورا توماي، في ثالث تعاون لها مع  استوديوهات كارتون صالون التي قدمت معها من قبل فيلمين هما: سر كيلز The secret of Kells وأغنية البحر The song of the sea. وتولت الممثلة والمخرجة الأمريكية أنجلينا جولي دور المنتج المنفذ للفيلم.

ظل الحرب

القصص تظل بالقلب عندما يرحل كل شيء آخر.

تجلس برفانا إلى جوار والدها "المُعلم نور الله"، االشيخ الذي فقد إحدي ساقيه في الحرب السوفيتية، يفترشا الموقع المخصص لهما داخل السوق، وقد وضعت برفانا أمامها ثوبها الصغير، أغلي ما تملك، عارضةً إياه للبيع لتوفر بثمنه الطعام لأسرتها، وأثناء انتظار برفانا ووالدها قدوم مشترٍ، يحكي لها أبيها حكاية عن "طريق الحرير" وأرض "أوديانا" القديمة.

من الفيلم

يتعرض "المُعلم نور الله" إلى التعنيف من قِبل أحد أعضاء تنظيم طالبان بسبب اصطحاب طفلته إلى السوق، دون أن يُغطي (البُرقع) وجهها. وفي المساء، بينما تتناول الأسرة عشائها، يُلقى القبض على المُعلم نور الله باعتباره "عدوًا للإسلام"، حيث أنه يسمح لنساء منزله بالخروج دون غطاء الوجه. كما تجد المجموعة التي تداهم منزل نور الله كتابًا مُنع تداوله، ويظهر من غلافه الخارجي وكأنه كتاب لحكايات قديمة أشبه بـ"ألف ليلة وليلة".

تحاول فاطمة، الزوجة وأم برفانا، الحصول على تصريح لزيارة زوجها داخل السجن، إلا أنها تتعرض للضرب من قبل أحد أعضاء تنظيم طالبان بسبب حملها صورة لزوجها، وهي من الأمور المحرمة، فتعود للمنزل وتنزوي في أحد أركانه منقطعة عن العالم. فلا تجد برفانا أمام انقطاع رزق الأسرة وغياب الأب سوي أن تتحول إلى "باشا بوش"، فتقوم بقص شعرها وارتداء ثياب أخيها الراحل سليمان، لتكسب العيش لأسرتها.

تتنقل برفانا بين الأعمال اليومية المختلفة، وتصطدم أثناء ذلك بفتاة أخري، كانت قبل حكم طالبان صديقة لها بالمدرسة، تحولت هي الأخري لـ"باشا بوش"، فيرتبط مصيرهما سويًا، ويصبح هدف برفانا جمع المال لدفعها كرشوة لحرس السجن حتى تستطيع لقاء أبيها، بينما تحاول صديقتها جمع المال لزيارة شاطئ البحر.   

 

نجحت المخرجة نورا توماي في تحويل النصوص التوضيحية التي ذيّلت بها الكاتبة ديبورا إليس صفحات الرواية، وكذا معجم المصطلحات اللغوية في نهايتها إلى أحداث ومواقف على شاشة السينما، قدمت من خلالها صورة شاملة عن تاريخ أفغانستان وأحوال شعبها قبل وأثناء حكم "طالبان" لها. فجاءت حكاية الأب لبرفانا في بداية الفيلم لتحكي تاريخ بلاده وموقعها الجغرافي، وكيف تعاقب عليها الغُزاه، وأعادوا ترسيم حدودها عدة مرات، إلا أن شعبها ظل هو أعظم كنوزها.

كما يستعرض الفيلم من خلال تلك الحكاية، كيف عاش المُعلم نور الله-الأب- في زمانه، وكيف نَعُم بالسلام في طفولته، حين استطاع الصبية والفتيات اللعب معًا والذهاب إلى المدرسة، إلى أن جاء زمان الحرب الكبرى، التي دفع الشعب ثمنها من تكوينه الثقافي حتى يستعيد أمنه. لتتوقف الحكاية عند النقطة التي يريد الفيلم مناقشتها، وهي حال المرأة بعد التغيُر الثقافي الذي فُرض على المجتمع الأفغاني، فيظهر من خلال حياة برفانا كيف مُنعت من التعلم أو العمل، حتى أنها لا تستطيع الشراء أو السير في الأماكن العامة إلا إذا كانت بصحبة أبيها أو زوجها.  

                          

من الفيلم

ولأن الفيلم مُوجّه إلى الطفل، فقد استخدمت المخرجة نورا توماي إحدي فنون الحكي القديمة المعروفة في منطقة شبه القارة الهندية وافغانستان، وهو فن "عرائس الظل Shadow Puppets"، الذي صاغت منه نورا توماي حكاية الأب عن "طريق الحرير" في بداية الفيلم، ثم حكاية "الفتي الذي حارب الملك الفيل"، التي كانت تسردها برفانا طوال أحداث الفيلم، لأخيها الصغير أو صديقتها شازيا، وأحيانا أخري لنفسها فقط لتُذكِرها بأبيها وتمدها بالشجاعة لمواجهة واقعها.  

ورغم سير الفيلم في حكاية رئيسية هي حكاية برفانا، وأخرى فرعية هي حكاية "الفتي الذي حارب الملك الفيل"، إلا أنه لم يحدث أن تشتت الفيلم بين الحكايتين أو انحرف عن فكرته الأساسية، فتحكي برفانا حكاية الفتي الذي حارب الملك الفيل، والتي يظهر تشابه فصولها مع حياة الفتاة. كما ساهمت تلك الحكاية في النهاية بالكشف عن تاريخ عائلة برفانا.

جاءت نهاية الفيلم، كما قدمتها الكاتبة ديبورا إليس في روايتها نهاية مفتوحة بها بعض السعادة، حيث ينتهي الفيلم كالرواية بخروج الأب من السجن، ولكن تترافق حرية الأب مع شتات شمل الأسرة مع اندلاع حرب جديدة، وتبدأ برفانا سعيها للاجتماع مع عائلتها مرة أخري. وقد تكون تلك النهاية هي بداية سلسلة أفلام جديدة تقدمها شركة كارتون صالون، تسير فيها علي خطي سلسلة روايات ديبورا إليس لاستكمال حكاية "برفانا" وعائلتها. 

عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي tiff في دورته 42 من العام الماضي، حصل بعدها على توزيع داخل دور العرض السينمائية في الولايات المتحدة، و كندا، وأيرلندا، ولوكسمبورج. رُشح الفيلم لجائزة جولدن جلوب كأفضل فيلم رسوم متحركة للعام الحالي، ومرشح أيضًا لنيل جائزة أوسكار، في الاحتفال الذي سيقام الأسبوع المقبل.