حساب إيران بالعربية على إكس
منطقة استهدفتها إيران في تل أبيب، 16 يونيو 2025

مع وقف إطلاق النار.. خبراء يحددون الرابح والخاسر في الحرب الإسرائيلية الإيرانية

محمد نابليون
منشور الثلاثاء 24 يونيو 2025

أجمع محللون سياسيون تحدثوا لـ المنصة على أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران لا يعني نهاية المواجهة المباشرة التي استمرت 12 يومًا بين الجانبين، بقدر ما يمثل محطة فاصلة تفتح الباب أمام تحولات استراتيجية أعمق في المنطقة، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هدوء الجبهة الإيرانية سيمنح إسرائيل فرصة لتصعيد عملياتها في قطاع غزة، أم أن قواعد الاشتباك المستجدة ستفرض عليها قيودًا جديدة.

وبينما اعتبر البعض أن إسرائيل خرجت من تلك المواجهة مثقلة بالخسائر العسكرية، يرى آخرون أنها حققت هدفًا استراتيجيًا بتعطيل البرنامج النووي الإيراني، في المقابل، وصف محللون الموقف الإيراني بأنه انتصار معنوي نجح في كسر هيبة الردع الإسرائيلي.

وصباح اليوم، أعلن دونالد ترامب دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ بعد 12 يومًا من الضربات المتبادلة، داعيًا الجانبين إلى عدم انتهاكه، وأشار في اتصال مع قناة NBC News إلى اعتقاده بأن الاتفاق "غير محدود وسيستمر إلى الأبد".

مكاسب وخسائر

فعلى صعيد الخسائر الإسرائيلية، يجزم السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأسبق، بأن إسرائيل أُصيبت بخسائر فادحة لم تقف عند حد الأهداف المادية، بل امتدت لتكشف عن نقاط ضعف استراتيجية عميقة، في حين أظهرت إيران قدرة على التحمل والصمود، على حد وصفه.

وعدّد رخا الخسائر على الجانب الإسرائيلي والتي أدت، على حد وصفه، إلى شلل في الحياة اليومية بالداخل الإسرائيلي"ما جعل الإسرائيليين يعيشون في المخابئ لساعات عديدة طوال الـ12 يومًا وما ساهم فيه ذلك من توقف للإنتاج والسياحة والطيران".

رخا يذهب لنقطتي ضعف أساسيتين لدى إسرائيل أظهرتهما هذه الحرب وهما "عدم تمتعها بعمق استراتيجي، بمعنى أن مساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 22 ألف كيلومتر مربع أظهرتها هشة أمام دولة بحجم إيران التي تبلغ مساحتها مليون و600 ألف كيلومتر مربع"، لافتًا إلى أن مساحة إيران الشاسعة كان لها دور بارز في عدم تأثر إنتاجها على اتساع أراضيها ما مكنها من الصمود، على عكس إسرائيل التي تأثر الإنتاج فيها كثيرًا بفعل الحرب.

لكن المحلل السياسي ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عماد جاد، لا يزال يرى أن المشهد معقد ولا يحمل انتصارًا حاسمًا لأي طرف، مشيرًا إلى أن إسرائيل ورغم ظهورها "منكشفة" عسكريًا، فإنها حققت هدفًا استراتيجيًا بتعطيل البرنامج النووي الإيراني، مؤكدًا أن نتائج الحرب الحقيقية ستحسم على مائدة المفاوضات.

ويرى جاد أن إيران تعرضت لخسارة استراتيجية كبرى هي الأخرى، على اعتبار أن الضربة الأمريكية لمفاعلاتها النووية نجحت في تحقيق هدفها الأساسي "وبالتالي إيران البرنامج النووي بتاعها تعطل على أقل تقدير"، لافتًا إلى أن ذلك التعطيل سيكلف طهران مليارات الدولارات وسنوات طويلة لإعادة البناء، مما يمثل خسارة أفدح من أي مكسب إعلامي.

لكن رخا قلّل من الأهمية الاستراتيجية للضربة الأمريكية واصفًا إياها بأنها محاولة "لتضخيم الآثار.. علشان يبينوا أنه تحقق انتصار"، مشددًا على أن هذه الضربات "إصابات في المباني، لكن الخبرة والمعامل وكل ده موجود، وممكن إصلاحه... لو في مهندس بيته اتهد، هيبني بيت أحسن منه لأنه عنده الخبرة".

وعلى اتفاق جاد مع ما قرره رخا من أن تلك الأزمة كشفت عن ضعف داخلي في المجتمع الإسرائيلي، انعكس في هروب أعداد كبيرة من الإسرائيليين حاملي الجنسيات المزدوجة، بحثًا عن الأمان خارج البلاد، غير أنه يرى أن حسم نتائج الحرب لن يكون في الميدان، بل على طاولة المفاوضات، موضحًا أن إسرائيل وحلفاءها سيدخلون المفاوضات بهدف رئيسي هو ضمان إلغاء قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، عبر فرض أن "يكون التخصيب في الخارج" وإذا تحقق ذلك، ستكون إسرائيل هي الرابح الأكبر استراتيجيًا.

مستقبل البرنامج النووي

وحول مستقبل الملف النووي الإيراني، يرفض أستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات عمرو هاشم ربيع المغالاة في تصوير إيران وكأنها الطرف المنتصر بصدور قرار وقف إطلاق النار، مؤكدًا أنها تعرضت خلال هذه الحرب لـ"انكسار عسكري وهزيمة سياسية".

ويرى ربيع أن إيران "فلتت من هزيمة محققة بفعل التمثيلية اللي اتعملت واللي كان بطلها قطر"، غير أنه يلوم عليها عدم اللجوء لمخرج سياسي أفضل من ذلك عبر إعلانها الخروج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما كان سيضمن لها التحلل من الأعباء الكبيرة التي تنتظرها مستقبلًا فيما يخص عودة التفاوض بشأن برنامجها النووي والسماح بدخول مفتشين لأراضيها.

وتابع "لو كانت إيران ردت على ضرب مفاعلاتها النووية بالانسحاب من تلك الاتفاقية، لكان ذلك أفضل بكثير لها على المستوى الدولي وحسابات المكسب والخسارة من خيار الرد بضرب قاعدة العديد الأمريكية بقطر"، واصفًا الضربة بـ "التمثيلية السخيفة".

ووافقت لجنة برلمانية أمس، على خطة عامة لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما لم تقرر السلطات الأعلى في إيران الأمر نفسه.

وحول المكاسب التي كانت ستحققها إيران من وراء الانسحاب من الاتفاقية، قال ربيع "مكنش حد من المفتشين أو غيرهم هيخشها ولا يفتش ولا يعمل أي حاجة وموضوع ملفها النووي كان هيبقى صندوق أسود تلعب فيه زي ما هي عايزه".

ومع ذلك لا ينفي ربيع أن إسرائيل تضررت صورتها إزاء تلك الحرب، خاصة مع ظهور مشاكل لديها في منظومة القبة الحديدية ودفاعتها الجوية.

الأثر على غزة

وحول أثر قرار وقف إطلاق النار بين الجانبين على الأوضاع في غزة، وما إذا كانت خطة ترامب المعلنة للسلام ستتضمن وقفًا للحرب الممتدة لأكثر من عام ونصف على القطاع من عدمه، يرى ربيع أن عدم تطرق ترامب للحديث عن الأسرى الإسرائيليين في كلمته أمس، يبعد من تقديرات أن ينسحب ما أعلنه من اتفاق سلام على الوضع في غزة.

فيما يربط رخا بشكل مباشر مصير الحرب في غزة بموقف ترامب، قائلاً إن الأمر "يتوقف على موقف ترامب" الذي أدرك أن التكلفة السياسية للدفاع غير المشروط عن إسرائيل أصبحت باهظة"، متهمًا الإدارة الأمريكية والإسرائيلية بتحويل المساعدات الإنسانية إلى "مصيدة لتصفية الشعب الفلسطيني".

لكن جاد يرى أن "موقف غزة بقى أضعف"، حيث أن إيران المنشغلة بخسائرها لن تكون قادرة على تقديم الدعم السابق، مؤكدًا أن مستقبل التهدئة أصبح مرهونًا "بتراجع من حماس" وقبولها بالتوافق مع السلطة الوطنية لتشكيل جبهة تفاوضية موحدة.

وبدأت الحرب الإسرائيلية على إيران فجر الجمعة قبل الماضي، بينما كانت الأخيرة تستعد لجولة محادثات جديدة مع أمريكا، وشنَّت تل أبيب هجومًا مباغتًا على إيران "لمنعها من امتلاك سلاح نووي"، تمكّنت في بدايته من تصفية قيادات عسكرية من بينها رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري، بالإضافة إلى علماء نوويين، فيما ردت طهران بإطلاق موجات من الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل.