مجرد فيلم آخر لمارفِل!

منشور الاثنين 21 نوفمبر 2016

يعتبر دخول شخصية دكتور سترينج Doctor Strange لعالم مارفِل Marvel السينمائي هذه الأيام نقلة نوعيه لأبطالها الخارقين، فبعيدًا عن شخصية سكارليت ويتش Scarlet Witch لم تكن هناك شخصية رئيسية تعتمد على السحر كقوة خارقة، إلى جانب أن باقي الشخصيات بما فيهم سكارليت ويتش أيضًا اكتسبوا أغلب قواهم من تجارب علمية أو أخطاء معملية، بعكس دكتور سترينج الذي امتلك قدراته السحرية بالمذاكرة والتدريب كما ذُكِرَ على لسانه شخصيًا في الفيلم، لذلك كان هناك فرصة لطرح شكل آخر من أسطورة الأبطال الخارقين.

المثير هنا أنه على الرغم مما سبق الا أن الفيلم ظهر بشكل مارفِل المعتاد، وفي اعتقادي استفاد الفيلم من هذا على الرغم مما يوحي به من التقليدية و قلة الإبداع، فعالم مارفِل السينمائي يعتبر من أنجح السلاسل السينمائية على الصعيد النقدي والجماهيري بالطبع، وأعتقد أن هذا يرجع لعدة أسباب استفادت منها أغلب أفلام السلسلة وجعلت منها أيقونات خاصة كما حاولت جاهدةً الهروب من مساوئها.

 

دكتور سترينج

عالمٌ واحد

  أعتقد أن عالم مارفل السينمائي هو أول من تناول عالم متكامل موازٍ ومتخَيَّل بهذا الشكل و هذه الضخامة في السينما، تترابط كل شخصياته و أحيانًا يكون لحكاية أحدهم تأثير على الآخر الي أن يتلاقوا في ذا أفنجرز The Avengers ومن بعده ينطلق كل منهم ويكمل رحلته في سلسلته الخاصة بل و يتم تقديم شخصيات جديدة كآنت مان Ant-man و سكارليت ويتش وفالكون Falcon وسبايدر مان Spider-Man وبالطبع دكتور سترينج.

ورغم أن بعض محبي السينما يرفضون هذا الاتجاه، إلا أن فكرة العالم الواحد أوجدت أهمية وقوة تأثير لبعض العناصر التي يمكن أن تكون غير ذات قيمة. على سبيل المثال تقديم شخصية سبايدر مان في فيلم كابتن أمريكا: الحرب الأهلية Captain America: Civil War جاءت قيمته فقط من كون الشخصية المحبوبة التي خُصِّص لها خمس أفلام سابقين عادت للظهور مرة أخرى في عالم مارفِل السينمائي، لكن في الواقع مشاهده ولقطاته لم يكن لها تأثير سلبًا أو ايجابًا على السيناريو، في حين كان التأثير على الجانبين البصري والكوميدي. وأيضًا فكرة المشاهد بعد تتر النهاية Post-Credit Scenes، التي لم تبتكرها مارفِل حقيقةً ولكنها أصرت عليها و اتخذتها في أغلب الأفلام وسيلة ربط بين الأفلام و الشخصيات و بعضها والتي تحتوي أحيانًا على شخصيات من أفلام أخري يتم التحضير لها، تُكسِب الفيلم القادم أهمية أكبر.

 وبالطبع الظهور الخاص لستان لي Stan Lee (الرئيس السابق لشركة مارفِل للكتب المصورة comics وبالتعاون مع آخرين ابتكر العديد من شخصياتها مثل سبايدر مان وآيرون مان وديرديفيل Daredevil) أصبح علامة مميزة و مصدر بهجة للمشاهد.

  من النقاط السلبية لـ (العالم الواحد) بعض الأسئلة المنطقية التي أحيانًا لا بد من طرحها، فمثلًا في الجزء الثاني من أفلام كابتن أمريكا Captain America عندما تم تهديد منظمة شيلد S.H.I.E.L.D -وهي المنظمة الأمنية صاحبة مبادرة الأفنجرز- ومديرها نِك فيوري Nick Fury -الذي عمل على تكوين الفريق الخارق- ظل ستيف روجرز Steve Rogers بمساعدة بلاك ويدو Black Widow فقط هما المدافعين الوحيدين عنها، أليس الوضع خطرًا كفاية ليتدخل طوني ستارك Tony Stark وكلينت بارتون Clint Barton وباقي أفراد الفريق الذين عملوا سويًا على إنقاذ الأرض في الجزء الأول أو على الأقل من الضروري أن يُطلَب منهم ذلك؟!   كذلك الأمر في الجزء الثالث من أفلام آيرون مان عندما تم تهديد حياة طوني ستارك وبيبر بوتس Pepper Pots بشكل مباشر واضطر ستارك للهروب.

 منطقي جدًا أن يقرر الاستوديو الاستغناء عن بعض اللاعبين الأساسيين في الأفلام حتي لا تكون مكتظة وتفقد الشخصيات أهميتها وسحر ظهورها، ولكن أعتقد أنه من الضروري طرح المبررات في السيناريو لغياب بعض الشخصيات.

نقطة سلبية أخري وهي رفع سقف الطموح لكل فيلم قادم الذي ينتظر أن يفضل سابقيه وهنا يمكننا أن ننتقل بالكلام لنقاط أخري حاولوا أن يستغلوها لتطوير العالم و البعد عن التكرار مع الاحتفاظ ببصمته.

 

ذا أفنجرز

الشخصيات

طبيعي أن تتمحور أفلام الأبطال الخارقين حول الشخصيات الرئيسية لكن يبقي الاستمتاع بهذه الشخصيات عن طريق التفاعل العاطفي أساسًا مع هذه الشخصية لذلك نجد أن مقدمات الشخصيات أغلبها اعتمد على تأثيرات عاطفية فنجد عملية اختطاف طوني ستارك وتهديده بأسلحته التي صنعها بنفسه ليقرر تغيير مسار حياته (فيلم آيرون مان)، ورغبة ستيف روجرز النضالية للالتحاق بالجيش على الرغم من ضعف بنيته (فيلم كابتن أمريكا: أول أفنجر The First Avenger) أو اجتماع فريق من المأجورين واتفاقهم على إنقاذ المجرة من مخاطرها بعد تعرضهم للسجن سوية واكتشافهم أن عدوهم واحد (فيلم حماة المجرة Guardians of the Galaxy)، و أخيرًا دكتور سترينج الذي أجبره عجزه على انتهاج طرق خرافية لم يعهدها من قبل.

 ومن المثير في سيناريوهات مارفِل أنه على الرغم من كثرة الشخصيات التي يتم تقديمها سواء في أفلام منفردة أو أفلام جماعية لا يتم إغفال العنصر العاطفي لكل شخصية فنجد الأخوين ماكسيموف يكرهون طوني ستارك لسببٍ وجيه و ينقلبون على الجانب الآخر بسبب خوفهم مما ينويه آلترون Ultron (فيلم الأفنجرز: عصر آلترون Avengers: Age of Ultron). يحصل بلاك بانثر Black Panther على تعاطف المشاهد في ثاني مشاهده، ويكتفي السيناريو بتذكير الجمهور بمقولة سبايدرمان المشهورة (بالكثير من القوة تتضاعف المسؤولية) ليجتذب ذكرياتك مع قتل عمه التي تم ذكرها في أفلامه السابقة (فيلم كابتن أمريكا: الحرب الأهلية).

وأعتقد أن مارفِل استفادت أيضًا من أبطال ليسوا خارقين تمامًا كبلاك ويدو وهوك آي Hawkeye ولم يكونوا عبئًا على السيناريوهات بل أوجد لهم حلول بسيطة و علاقة شعورية مع المشاهد ومع الوقت أصبح وجودهم مهمًا، حتى إن لم يكن ضروريًا لتحريك الأحداث.

ولو افترضنا أن أفلام مارفيل كلها فيلم واحد سنجد عملية تطور رائعة للشخصيات فمن بدايتهم و اتحادهم ثم صراعهم في الحرب الأهلية نجد تصاعد شعوري يتم أمام المشاهد على مدار الأفلام، الأمر الذي كان سببًا -في هذا الفيلم- للوصول لطريق مسدود وكذلك استدعائهم للشخصيات الجديدة التي تم حقنها بمبررات ذكية دون حشوٍ أو تطويل في فيلمٍ كان من المتوقع أن يظهر مكتظًا بالشخصيات دون وجود مُبَرَّر ومؤثر.

وعلى الرغم من هذا تجد أن عالم مارفِل أُجبر على أن يبقي في منطقة المتعة البصرية الخيالية وعظمة البطل الخارق و لم يصبه العدوي التي أصابت شخصيات دي سي كوميكس DC Comics بعد ثلاثية كريستوفر نولان التي أنزلت البطل الخارق منزلًا إنسانيًا بحت ووصلت بالصراع بين الخير و الشر إلى نواحٍ لم تعهدها هذه النوعية من الأفلام لكن بقيت رؤية نولان رؤية خاصة جدا لهذا الصراع فعندما حاول المخرج زاك سنايدر إضفاء هذا العمق على فيلم فجر العدالة Dawn of Justice مع الإبقاء على لا إنسانية الأبطال جاء السيناريو مُدّعيًا سطحيًا.

هذا الأمر الذي -كما قلت- أفلتت منه مارفِل بذكاء فبعدت عن الادعاء وتمسكت ببساطة فكرة البطل الخارق و العدو الخارق الطامع الذي يهدد استقرار البشرية واستكفت أحيانًا بدوافع مباشرة و بسيطة كما في فيلم كابتن أمريكا: الحرب الأهلية -الذي حمل ثيمة مباشرة وهي الانتقام- عندما طلب ستيف روجرز من طوني ستارك أن يعفو عن صديقه باكي Bucky وأجابه: "ببساطة لقد قتل أمي"، كما قدموا من الأحداث و الدوافع الواضحة ما يضمن استمرار عالمهم الموازي بالأشخاص الحالية أو الأشخاص الجديدة التي يقدمونها حاليًا.

لكن كالعادة يأتي هذه الأمر و يصب في ضعف الشخصيات الشريرة الواضح في أفلام مارفِل نظًرا للاهتمام الرئيسي بالبطل، فلن نستطيع الجزم بوجود منافس قوي للأبطال إلا في حالات قليلة كشخصية لوكي Loki (فيلم ذا أفنجرز) الذي أعتقد أنه استمد قوة شخصيته من خلفيته في أفلام ثور Thor (لوكي هو أخو ثور بالتبني الذي ينافسه على عرش كوكب آزجارد Asgard)، و أضاعوا فرصة استغلال ممثل كمادز ميكيلسين Mads Mikelsen الذي لم يكن سيئًا في المطلق لكن هذا الممثل يمكن أن تصنع منه أكثر (فيلم دكتور سترينج).

 

 

المتعة البصرية

بالطبع في نوعية أفلام كالتي نتكلم عنها يكون العنصر البصري جانبًا مُسيطرًا عليها، لكننا هنا لا نتكلم عن البهرجة البصرية Eye Candy ولا أقصد جودة المؤثرات البصرية التي أصبحت علامة جودة لهوليوود، لكن المبهر دائمًا هو الابتكار و الحلول البصرية غير التقليدية التي تجعل من كل فيلم و كل شخصية مميزًا و في نفس الوقت نجد لوحة ألوان متناسقة تربط الأفلام ببعضها.

على سبيل المثال في فيلم كابتن أمريكا: جندي الشتاء Winter Soldier نجد اختلافًا في تقديم الفنون القتالية واستخدامًا رائعًا لسلاح عجيب كالدرع الخارق الذي يستخدمه ستيف روجرز وكذلك الذراع الحديدية لجندي الشتاء بخلاف التصميمات العملاقة المستقبلية للطائرات و أسلحة شيلد الأمر الذي تراه مختلفًا  عن تصميم و تحريك شخصية كـآيرون مان وظهر واضحًا في كيفية تعامله مرة مع ثور في الجزء الأول من ذا أفنجرز و مرة مع ستيف روجرز في المواجهات القتالية المباشرة في الحرب الأهلية أنه ليس مجرد روبوت أو بدلة فولاذية.

 آنت-مان في نظري كان تخوفًا كبيرًا لكن بالكثير من الإبداع أصبح تجربة بصرية جديدة تمامًا في توظيف شخصية بقدرة غريبة كتلك باستخدام زوايا التصوير العجيبة والعدسات الواسعة جدًا و تصميم رائع للحشرات واقعي بدرجة كبيرة و في نفس الوقت غير مُنَفّر.

هذا الأمر الذي تطور كثيرًا في الحرب الأهلية -وأعتقد أن الفضل يعود للأخوين روسّو Russo مخرجي هذا الفيلم والجزء الثاني من ثلاثية كابتن أمريكا- فكان لكل شخصية ثيمة قتالية خاصة بها تم تجميعها في مونتاج أقل ما يقال عنه إنه رائع، فلم يغفل تصميم المعارك وتحريكها مثلًا عنصر الخبرة الذي ظهر واضحًا في القتال بين كابتن أمريكا وسبايدر مان و البصمة القتالية المميزة التي ظهرت في الشكل القططي لحركة بلاك بانثر و أسلوبًا مميزًا في حركة هوك-آي  وبلاك ويدو كجواسيس وليسوا أبطالًا خارقين.

 

 قدَّم فيلم حماة المجرة أشكالًا جديدة لكائناتٍ وآلاتٍ مختلفة تبتعد عن أفلام أخري تناولت فاناتازيا الفضاء ويضع بصمة خاصة وساحرة لعالم مارفِل الفضائي وأعتقد أن لوحاته الملونة الرائعه مهدت لعالم يربط الأرض بعوالمٍ أخري في دكتور سترينج الذي استفاد من مدرسة كريستوفر نولان البصرية في Inception وInterstellar وجمع بينها وبين فانتازيا مارفِل وألوانها المبهجة بل و تصميم مشاهد قتالية رائعة بتوظيف السحر و الفنون القتالية معًا بشكل مختلف تمامًا عن عالم سحري آخر كعالم هاري بوتر، فنستطيع أن نقول أن فيلم دكتور سترينج أفضل دليل على كيفية الجمع بين الأساليب البصرية المختلفة مع الاحتفاظ ببصمة خاصة وممتعة في نفس الوقت و أعتقد أن هذا أفضل ما قدمه الفيلم فعلًا، مع مشهد صراع الأرواح في المستشفي بالطبع!

لا أستطيع إغفال اللوحات التي أصر المخرج جوس ويدون Joss Whedon على طرحها للأفنجرز مجمعين خصوصا في الجزء التاني عصر آلترون سواء في المشاهد القتالية المباشرة أو حتي في تتر النهاية الأكثر من رائع.

 

أفنجرز: عصر آلترون

                                                                                           


بخلاف كل ما سبق بقي لمارفِل بعض السمات المميزة في المطلق، فنجد الكوميديا عنصرًا أساسيًا وحيويًا في أفلامها وهو شيء محبب وذو بصمة قوية، حتى أنهم أحيانًا يجعلون من بعض تفاصيل عالمهم مزحة، كالتي علًّق بها سبايدر مان على درع كابتن أمريكا بأنه لا يتوافق مع أي قانون من قوانين الطبيعة. إلا أن درجة الكوميديا تختلف بالطبع بين شخصية و أخري فطوني ستارك وسكوت لانج (آنت-مان) وبيتر باركر (سبايدرمان) شخصيات ساخرة بعكس شخصيات جادة ككابتن أمريكا وبلاك ويدو وبلاك بانثر مثلًا، إلا أن الكوميديا وصلت للقمة مع دكتور سترينج التي كانت أحيانًا مبالغًا فيها.

في النهاية لا أستطيع أن أنكر أن عالم مارفِل السينمائي طرح رؤية جديدة للعوالم السينمائية المترابطة و ليس مجرد أجزاء تتابعية أو سابقة لأفلام أخري و أعتقد أن هذه النقطة بالتحديد -سواء اقتنعت بجودة أفلامها أم لا- ستحتفظ لمارفِل بجزء من ذاكرة السينما الأمريكية على الأقل وها هي العوالم الأخرى بدأت تسير على نفس النهج فنجد عالم دي سي كوميكس المتواضع جدًا في رأيي رغم ثراء شخصياتها النظري يمضي على نفس الطريقة. لكن الرهان على عوالم أخرى ذات سلاسل ممتدة، حتى لو كانت مختلفة عن عوالم الكوميكس، مثل عالم هاري بوتر الثري جدًا الذي ننتظر امتداده مع نزول فيلم Fantastic Beasts and Where to find them.