فيلم F1.. دروس في الطيران بسيارة سباق

قبل سنة حلَّ براد بيت ضيفًا على برنامج Ellen Show في حلقة بدت عفوية؛ ظهر أولًا بين الجمهور بصفته واحدًا من أشد المعجبين بالبرنامج، ثم دعته الممثلة ومقدمة البرامج الأمريكية إلين دي جينيريس ليجلس على مقعد الضيف.

خلال عرض صور قديمة لبراد بيت على شاشة كبيرة، توقفت إلين عند صورة له مع كلبته وطلبت منه تفسيرًا، ليعلق ضاحكًا مقحمًا اسم توم كروز "توم صديقي سيعلق نفسه بجانب طائرة أثناء إقلاعها لأداء مشاهد الأكشن، أنا أضع الحلوى على عنقي كي تلحسها كلبتي البيتبول، لا أعلم من منِّا الأشجع حقًا!".

ربما يكشف التعليق المقتضب الحيرة داخل رأس براد بخصوص معنى الشجاعة بين نجوم هوليوود، ويفسر لنا لماذا لم يعتن فيلمه الأحدث F1، إنتاج 2025، الذي تدور أحداثه داخل مضمار سباق السيارات الأشهر في العالم فورميولا 1، بالأكشن والإثارة بدرجة تقترب من اعتناء كروز بهما في أفلامه أو حتى تتجاوزها، رغم أن مخرج الفيلم جوزيف كوزينسكي سبق وأخرج بعض أفلام توم كروز الأكثر إثارةً مثل سلسلة Top Gun وOblivion.

استدعاء اضطراري

ثمة إجماعٌ على الجودة العالية للفيلم منذ العرض الخاص له في لندن، ويضعه الكثيرون في مقارنة مع أقوى أفلام 2025 SINNERS؛ إذ تدور أحداثه داخل عالم معقد هو عالم سباقات الفورميولا 1 الرياضية ذو المضمار المحدود مقارنةً بأفلام مطاردات السيارات التي تتمتع بحرية أكبر على مستوى الجغرافيا، ما يضاعف من التحدي الدرامي. يلعب الفيلم على ثيمة البطل المعتزل التي سبق للمخرج كوزينسكي أن تبناها في فيلمه Top Gun: Maverick مع توم كروز، والفارق أن الأحداث كانت تدور في عالم الطائرات وليس سيارات الفورميولا.

في F1، يُجبر سوني هايز أحد أفضل سائقي الفورميلا في التسعينيات، دون إنجاز يذكر، على ترك مجال السباقات بعد تعرضه لحادث عنيف، ليقرر العيش بحرية تامة دون قيود، إلى أن يلتقي روبن وهو صديق قديم وأحد منافسيه، فيطلب منه الأخير مساعدته والانضمام إلى فريقه كمتسابقٍ لإنقاذ ما تبقى من موسم السباق.

أما في Top Gun: Maverick فيستدعى بيت مافريك من التقاعد لتنفيذ مهمة غاية في الخطورة، لا يستطيع طيارو الجيل الأحدث إتمامها دون الاستعانة بطيار مخضرم. الفارق أن كروز يعود مدربًا، بينما يعود بيت لاعبًا ضمن فريق، وهو الأمر الذي أضفى شعور الحنين إلى الماضي والترقب الشديد على أجواء الفيلم، إذ يعمل سوني السائق الأهم داخل الفريق رفقة جوشوا بيرس/دامسون إدريس على عكس كروز الذي لعب دور الموجه والمرشد صاحب الخبرة.

البطل العائد

تتكرر ثيمة عودة البطل المعتزل في تاريخ السينما، ومنها تنبع أفكار وأشكال عدة للتأمل في عودة البطل في ذلك الوقت تحديدًا، ومدى احتفاظه بلياقته الذهنية والبدنية لأداء المهمة.

كما تلعب أغلب الأفلام على مدى شغف البطل بشيء ما يبرع فيه بشكل كبير، ليمنحه القدر فرصة أخيرة لإثبات جدارته وكفاءته في مواجهة الزمن والأجيال الشابة، لنرى إن كان سينجح أم لا مثل ما يحدث في فيلم The Wrestler.

أدى سلفستر ستالون واحدًا من أشهر أدوار  البطل المعتزل، فروكي بالبوا بطل سلسلة أفلام Rocky يعتزل الملاكمة بعد سلسلة انتصارات وإنجازات غير مسبوقة، ليعود مرة أخرى بعد سنوات عديدة ملاكمًا مرة أخيرة، وتمر سنوات أخرى ويكبر ويصبح شيخًا ليعود مدربًا في سلسلة Creed.

مرآة السن

تلك هي المرة الأولى التي يتعامل فيها بيراد بيت مع تيمة البطل المعتزل، التي تتطلب الاعتراف بالتقدم في العمر، ومن خلالها تحضر فكرة صراع الأجيال التي تتجلى في كل جزء من الفيلم، حيث يكون البطل في منافسةٍ مع آخرين يستولون على المشهد بشكل ما. لا يعتمد الفيلم على شو السباقات، وإنما يلعب على التصاعد الدرامي بالأخص في أحداث النصف الثاني الغنية والمجنونة غير المتوقعة على الإطلاق، فكلما وصلنا لنقطة ظننا أنها النهاية نتفاجأ بأنها بداية أحداث أخرى أكبر.

كما يتفوق في إبراز الجانب العاطفي الذي يعيشه سوني مع كيت مكينا/كيري كوندون ويرسم بداية العلاقة ويحمّلها ببعض الكوميديا اللطيفة خفيفة الظل إلى أن تصل لمرحلة الذروة مع النهاية.

رغم ذلك افتقر الفيلم لعنصر الإثارة بالقدر الكافي المناسب للتوقعات. الخطورة موجودة داخل الحلبة ولها حضورها، لكن لم ترتق لمستوى خطف المشاهد وحبس الأنفاس.

عوضًا عن ذلك حاول المخرج موازنة الكفتين الدراما/الإثارة بالاهتمام بصناعة كادرات وزوايا تصوير تساعد على الانغماس بشكل أكبر داخل السباقات.

لعل ما يجعل الفجوة في الإثارة بارزة نوعًا ما هو مقارنته بالفيلم الأشهر في سباقات السيارات Rush من إنتاج سنة 2013. لو أن الفيلم كان بين يدي ممثل أكثر إخلاصًا لمشاهد الحركة والأكشن مثل توم كروز على سبيل المثال لأصبح أكثر إثارة.

رغم عنوان الفيلم الذي يبدو كأنه إعلان تقليدي عن فورميولا 1، فإن F1 واحد من أفضل أفلام 2025، ويضيف لرصيد براد بيت الذي يعيش حالة من الانتعاش السينمائي بمعدل فيلم في العام على عكس معظم ممثلي جيله الذين طالهم الكسل مؤخرًا.