صفحة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- فيسبوك
طلاب جامعة

لا استثناءات بعد اليوم.. الدولار يغلق أبواب جامعات مصر أمام السوريين

منشور الأربعاء 9 أغسطس 2023 - آخر تحديث الأربعاء 9 أغسطس 2023

تحاول الطالبة السورية لُبانة زهير فضلون، المقيمة في مصر، استيعاب صدمتها، فالفتاة ذات السبعة عشر عامًا، صارت على شفا الحرمان من حلمها في استكمال تعليمها الجامعي في مصر، رغم حصولها على 81% في الثانوية العامة، وذلك بعد تحديد وزارة التعليم العالي رسوم قيد الطلاب الوافدين في الجامعات بألفي دولار. "كنت عايشة متساوية مع أصحابي المصريين في كل حاجة، بنتعلم ونخرج ونعمل كل حاجة مع بعض، وفجأة أنا أقعد في البيت وهما يكملوا تعليمهم، صحيت على كابوس التفرقة وصدمة إني أجنبية"، تقول لبانة.

في 12 يوليو/تموز الماضي، أعلنت الصفحة الرسمية لمنصة ادرس في مصر على فيسبوك، التابعة للإدارة المركزية لشؤون الطلاب الوافدين، أن رسوم القيد الجامعي للطلاب الوافدين في مصر 1990 دولارًا، موزعة كالتالي؛ 170 دولارًا مقابل خدمة تقديم، و170 دولارًا خدمة تنسيق، و150 دولارًا اشتراك نادي، و1500 دولار قيد جامعي، وتُسدد هذه الرسوم لمرة واحدة، وتختلف عن الرسوم السنوية للكلية أو الجامعة التي يلتحق بها الطالب.

القرار الجديد لم يستثن السوريين حاملي شهادة الثانوية العامة المصرية، من سداد رسوم القيد بالدولار كما الحال خلال الأعوام الماضية، بدءًا من مطلع 2012، حيث بلغت الرسوم المقررة على السوريين العام الماضي 4 آلاف و500 جنيه فقط.

يا عمّ.. من أين الطريقْ؟

لُبانة الابنة الكبرى لأبوين، لديهما ولدان وبنتان جميعهم في مراحل دراسية مختلفة، ويعمل زُهير في مصنع بلاستيك ولا يتجاوز أجره 4 آلاف جنيه مصري، يُسدد منها قرابة 1500 جنيه إيجار شقة وفواتير، وتحاول الأسرة تدبير مُتطلباتها بما يتبقى من راتب الزوج. "من وين بنجيب 2000 دولار؟ إحنا بنحاول نكفي حاجاتنا الأساسية علشان نعيش"، تقول لُبانة للمنصة.

وفقًا لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية يعيش في مصر قرابة مليون ونصف المليون سوري، منهم طلاب حاصلون على الثانوية العامة المصرية، مهددون بعدم استكمال تعليمهم الجامعي، بسبب ارتفاع رسوم التسجيل وعدم تمكنهم من توفيرها في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، من بينهم حمزة الحلواني.

حصل حمزة على الثانوية العامة من مدرسة الفاروق عمر في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، بمجموع 57%، ويتمنى أن يلتحق بالجامعة كشقيقته الكبرى راما التي تخرجت في كلية تربية لغة فرنسية، لكنه اصطدم بالمبلغ المطلوب، إذ قُيدت شقيقته بالجامعة عام 2018 مقابل 1500 جنيه.

يعمل أيمن الحلواني البالغ من العمر 66 عامًا، والد حمزة، على نحو متقطع بسبب سنه وظروفه الصحية، تساعد زوجته في إعالة الأسرة ببيع بعض الوجبات ووصفات الطعام، ويبلغ إجمالي دخل الأسرة نحو 6 آلاف جنيه، منها 2500 جنيه إيجار شقة وفواتير، ويذهب باقي المبلغ لتوفير احتياجات الأسرة الأساسية، وفقًا لوالدة حمزة.

تعليمات رئاسية

حاجة الدولة إلى الدولار تقف خلف قرار التعليم العالي، وفقًا لمصدر رفيع في الإدارة المركزية لشؤون الوافدين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي تحدث للمنصة، مضيفًا "هناك تعليمات رئاسية بضرورة تحصيل رسوم التسجيل في الجامعات للطلاب الوافدين بالعملة الأجنبية لجميع الطلاب، عربًا كانوا أو أجانب بدون أي استثناءات".

وتسعى مصر خلال الفترة الحالية لزيادة عائداتها الدولارية من خلال مبادرات مثل سيارات المصريين في الخارج، وطرح حصص في الشركات الحكومية سواء في البورصة أو لمستثمر استراتيجي من أجل سد الفجوة التمويلية التي يقدرها صندوق النقد الدولي بنحو 17 مليار دولار في الفترة المقبلة.

يوضح المصدر المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الوزارة ليست صاحبة القرار "تعلميات وبنفذها"، يقول المصدر، متابعًا "رسوم البوابة تختلف عن رسوم الدراسة الجامعية، واﻷخيرة حسب الكلية والجامعة".

وأنشأت الوزارة بوابة "ادرس في مصر"، وعلى جميع الطلاب الوافدين الراغبين الدراسة في البلاد سواء جامعات حكومية أو خاصة أو أهلية، التسجيل عبرها وسداد الرسوم المقررة، و"دون التسجيل لن يتمكن الطالب من الالتحاق بأي جامعة مصرية"، بحسب المصدر.

حصيلة سنوية

9 مليارات دولار حصيلة الرسوم التي سددها الطلاب الوافدين لصالح الإدارة المركزية لشؤون الوافدين، خلال العام الداراسي 2019-2020، وفقًا لرشا كامل، الرئيسة السابقة لإدارة شؤون الوافدين.

وأوضحت رشا، في تصريحات صحفية سابقة، أن متوسط المصروفات التي يسددها الطالب الوافد في الجامعات الحكومية خلال العام الدراسي يصل إلى 8 آلاف دولار، منها 6000 مصاريف أساسية، والباقي رسوم إدارية وقيد وتسجيل.

تقليص "الامتيازات"

مع القرار الأخير تتقلص امتيازات السوريين في مصر. وتقول رائدة مجتمعية بمنظمة أممية*، إن الامتيازات التي كان يحصل عليها الطلاب السوريين في مصر تراجعت تدريجيًا خلال 10 سنوات، ففي عام 2012 أصدر وزير التعليم العالي قرارًا بمعاملة الطلاب السوريين معاملة المصريين، بالتالي أُعفي السوريون من رسوم القيد الخاصة الوافدين، مع إبقاء تنسيقهم ضمن تنسيق الوافدين، واستمر العمل بهذا القرار حتى العام الدراسي 2015-2016، قبل أن يُعدّل مع مطلع العام الدراسي التالي.

وتوضح الرائدة المجتمعية المعنية بملف اللاجئين السوريين، بدءًا من العام الدراسي 2016-2017 أصبح الطالب السوري الحاصل على الثانوية العامة السورية يدفع 50% فقط من رسوم قيد الطلاب الوافدين بالجامعات بالدولار الأمريكي، بينما يُعامل السوري الحاصل على شهادة ثانوية عامة غير مصرية وغير سورية، معاملة أي طالب وافد بالتنسيق، ويدفع الرسوم الخاصة بالطلاب الوافدين كاملة.

وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في مصر، فإن الصندوق الألماني لمبادرة ألبرت أينشتاين الأكاديمية للاجئين (دافي) يدعم الطلاب المسجلين في الجامعات الحكومية، ويتم الإعلان عن المعلومات المتعلقة بالبرنامج في وقت مبكر عندما يتم قبول دفعة جديدة.

وهذه المنح يستفيد منها اللاجئون المسجلون لدى المفوضية فقط، والبالغ عددهم نحو 149 ألف لاجئ سوري فقط من أصل مليون ونصف بحسب إحصائية منظمة الهجرة.

وأشارت الرائدة المجتمعية إلى أن السوريين "كانوا بيدرسوا في المدارس المصرية علشان يستفيدوا من تخفيض رسوم القيد"، في وقت "بعضهم ظروفهم تسمح بالسداد، لكن الغالبية الغالبة بالكاد توفر قوت يومها".

على مستوى قانوني، فإن اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ، وبروتوكولها لعام 1967، هما الوثيقتان القانونيتان الأساسيتان اللتان تحددان أوضاع اللاجئين في أي دولة، وكفلت الاتفاقية حق تلقي التعليم الأساسي، أي ما قبل الجامعي، بـ"التالي فإن الحكومة المصرية غير مُلزمة بتوفير التعليم الجامعي للاجئين الموجودين على أرضها"، وفقًا لعصام حامد المحامي المتخصص في شؤون الأجانب، قبل أن يستدرك "ينبغي تمكين اللاجئين في بلاد اللجوء، ما يعني تزويدهم بالتعليم وإتاحة دخولهم سوق العمل".

بين ما يتيحه القانون الدولي للاجئين ومطالب المهتمين بالملف بزيادة "الامتيازات"، تعيش لُبانة وحمزة حالة نفسية سيئة، ويخشيان حرمانهما من استكمال تعليمهما الجامعي؛ حتى يتمكنا من البحث عن وظيفة مناسبة توفر لهما مصدرًا للدخل "يغنيني عن ذل السؤال" بتعبير لُبانة.


* طلبت عدم الإفصاح عن هويتها بسبب قيود الوظيفة.