جنود يتجولون على جزيرة تيران عقب الاحتلال الإسرائيلي 1967

تيران وصنافير.. وسام خيانة على صدر النظام

منشور الاثنين 19 يونيو 2017

نشرت النسخة الإنجليزية من هذا المقال بصحيفة ميدل إيست آي

ضابط جيش مصري متقاعد، أحرق زيه العسكري يوم الأربعاء الماضي. قال الرجل في فيديو متداول "لم تعد زهوًا وفخرًا بل عار".

في 14 يونيو/ حزيران 2017، تنازل النظام عن سيادة مصر عن جزيرتين بالبحر الأحمر، فيما صار يعرف الآن بالنكسة الثانية، بعد خمسين عامًا من النكسة الأولى التي منيت بها البلاد قبل 50 عامًا.

كان هناك، وسيكون هناك، العديد من المقالات التي تجادل في أن هوية جزيرتي البحر الأحمر مصريتين أو سعوديتين. لكن هذا ليس موضوعنا الآن.

موضوعنا هو ما فشل محللون غربيون عديدون في فهمه، وهو فك شفرة إعادة تشكيل عاطفة هذه الأمة. فعلى العكس مما يذهب إليه الرأي العام؛ أن المسألة مجرد بيع لجزيرتين مقابل حفنة من الأموال تقاضاها الحاكم المصري، فالمسألة بالأساس تتعلق بغرور لا يهدأ، واحتياج شديد للثقة والاعتراف السعوديين.

وراء مخاطرة السيسي اعتقاد بأنه لو لم يُقبِّل الخاتم الذهبي لمموليه فهو يخاطر بضربة أكبر توجه لنظام، ضربة قد تخلخله بأكثر مما يتصوره محللو الغرب التقليديون.

لكن؛ ربما يتعين على الرئيس أن يُعِد نفسه لموت سياسي قريب، عندما يعلم أن الشريحة الأكبر من مؤيديه لديها نقطة انفجار بعينها: وهي الربط بين الأرض بوجوهها المادي والروحي والمفهوم العاطفي للشرف.

غياب الفهم هذا، وضع الرئيس المصري في تصادم مع المفهوم المصري للشرف والخيانة.

"تيران وصنافير مصرية" هو شيء أكدته القوانين الدولية كقانون البحار وخبراء الجغرافيا، بالإضافة لواحدة من أعلى محاكم البلاد. الملكية ليست هي القضية، لكن القصة هي "الخيانة البرلمانية للإرادة الوطنية". 

                                      

جلسة النطق بالحكم في طعن الحكومة على بطلان اتفاقية

من البداية، كان محددًا ما هو حجر الزاوية في بناء الخديعة: برلمان يسهل التلاعب به، كشف تحقيق لحسام بهجت، واحد من أبرز المحققين الاستقصائيين في مصر، أن الرئيس انتقاه كما يحب.

الجهد الإجرامي الذي تقوم به المؤسسات الأمنية كي تلفق وعيًا جماعيًا مزيفًا بهذه الطريقة، كان مؤكدًا منذ نوفمبر/ تشرين ثاني 2016، وتأكد مرة أخرى الأسبوع الماضي كما كشف السياسي المثير للجدل حازم عبد العظيم، وشهادته مهمة هنا لأن هذا الرجل عينه كان جزءًا من حملة السيسي.

بطريقة تعتمد على استعراض العضلات وفرض القوة، تخطى السيسي الأحكام القضائية، وحاول أن يبتر الأذرع القانونية والقضائية التي قد تعرقله على إهداء هذه الهدية، التي قد ينطبق عليها تعريف قانون العقوبات لجريمة الخيانة العظمى.

للناس رأي آخر

                            

مظاهرات الاحتجاج على التنازل عن تيران وصنافير

هل تشك في أن معظم المصريين يعارضون هذه السرقة الفجّة للأرض المصرية؟

عليك أن تنظر فقط إلى أحدث استطلاع صدر عن المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، وهو مركز يرى كثيرون أنه مؤيد للرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا المركز قال إن أقل من خُمس المصريين فقط يقبلون التنازل عن الجزيرتين، 47% ممن استجابوا للاستطلاع كانوا ضد التنازل عن الجزيرتين، وفقط 11% وافقوا. بينما 42% قالوا أنهم لا يعرفون.

كانت هناك عشرات الطلبات للحديث أمام رئيس البرلمان على عبد العال، وتقول النائبة أنيسة حسونة أن القاعة كانت تفيض براغبي الحديث من البرلمانيين عندما أعلن عبد العال غلق باب المناقشة ثم الموافقة على الاتفاقية.

لكن سؤال الـ25 مليار دولار (مجموع المساعدات الاقتصادية السعودية المقدمة لمصر منذ 2013) هو: لماذا أصر السيسي على الإقدام على هذه المغامرة السياسية في الوقت الذي يخضع فيه لوضع بالغ الضعف محليًا بسبب الإخفاقات الأمنية والاقتصادية؟ الخريطة النفسية للرئيس تحمل لنا الإجابة.  

حفظ ماء الوجه

عبد الفتاح رجل عنيد، وحفظ ماء الوجه بالنسبة له أولوية قصوى. لا يمكنه أن يعد شركاءه السعوديين ويتخلي عن وعده. عند مرحلة ما، وبعد لحظات تردد عديدة مع السعوديين الذين لم يتلقوا الدعم غير المشروط الذي انتظروه من مصر في اليمن وسوريا، أراد السيسي أن يغير المسار، وأن يبدى امتنانه حتى لا يتوقف "الرز".

وبالفعل؛ رؤوس الحكم في السعودية توقفوا عن دعمهم، في الوقت الذي بدأ السيسي فيه يعاني اقتصاديًا، منذ ما يسبق التعويم في نوفمبر/تشرين ثان 2016.

بينما يثبِّت السيسي دعائم حكمه محليًا بالقوة المفرطة، بعد أن خسر رأس ماله السياسي قبل أن يبلغ منتصف مدته الرئاسية الأولى، فإن إصراره قاد إلى الاعتقاد بأن "هذا أيضًا سوف يمر".

السيسي مخطئ في هذا الصدد. فبعد ساعات من الإعلان عن اتفاقية الجزيرتين في أبريل/ نيسان 2016، وبعد مدة قصيرة من مغادرة الملك السعودي لأجواء القاهرة، ظهر هاشتاج #عواد_باع_أرضه.

ربما لا يدرك الرئيس أن دوافعه صارت واضحة للجميع. سياسته وإدارته لمسألة الجزيرتين كانت معجونة بالسذاجة السياسية، لم يدرك أنه حتى لو فشل المعارضون للاتفاقية في حشد مظاهرات ضخمة، يظل الأثر  الضار لإدارته للأزمة  ملتصقًا برئاسته إلى الأبد.

بداية؛ السعودين سيزداد تشككهم في السيسي. فما دام قادرًا على عقد اتفاق كهذا، فهو سيبيعهم هم أيضًا عند أول فرصة.

                               

الملك سلمان والرئيس السيسي 

وسام الخيانة

ثانيًا؛ وهو أمر لا يقل خطورة سياسيًا، سيتزين صدر كل من ساهم في هذه الصفقة للأبد، بميدالية التي لن يحبها أبدًا: الميدالية الذهبية للخيانة.

الرجل المحاط بجيش صغير من الحراس الشخصيين في كل خطوة يخطوها سيواجه "رعب الاحتمالات التي ستقتله 20 مرة في اليوم الواحد" كما كتب الصحفي المصري يسري فودة في رسالته للسيسي هذا الأسبوع.

أي شخص يتمتع بقدرة متوسطة على فهم العلاقة المعقدة بين المصريين وأرضهم ومفهوم الشرف لديهم، كان يجب أن يرى أننا على مشارف انفجار أو صدام كبير على أقل تقدير.

في أبريل/ نيسان كتبت على تويتر أن السيسي قد تعامل مع مسألة الجزيرتين كما يتعامل المستشرق الذي لا يفهم أبسط درجات الارتباط بين المصريين وفكرة الشرف والأرض. هذا قرار كارثي وسوف يدفع له ثمنًا غاليًا. تجاوز عدد من رأوا هذه التغريدة 65 ألف شخص، وضربت على وتر صعب، وعكست ضعف الحنكة في اتخاذ القرار لدى الرئيس.

الربط بين مصر والأرض والشرف واضح جدًا لكل مصري تربى في هذه البلد وتغذى على الانتاج الأدبي والسينمائي كفيلم الأرض مثلا.

في مشهد عظيم من الكلاسيكية السينمائية التي يعود تاريخها لعام 1968 للعبقري يوسف شاهين، يقوم ضابط أمن مصري ينوب عن الاحتلال الإنجليزي بربط الفلاح إلى حصان، وجره لينثال دمه على أرضه التي ترمز لكل شيء يمثل قيمة لهذا الفلاح: شرفه وروحه.

من يرون في هذه الخطوة كارثة وتحرك غير محسوب أقدم عليه الرئيس، قد يقود إلى موته السياسي السريع، سيرون أن هذا التفكير المتفائل لا يُترجَم إلى معجزات

قانون التظاهر الصادر في نوفمبر/ تشرين ثان 2013، بعقوبته التي تصل إلى ثلاث سنوات لكل من يلقى القبض عليه، وعذاب قد لا ينتهي في متاهة لا تنفك تتمدد من السجون، حيث تغلق الأبواب على 60 ألف مواطن، ما يجعل المعارضة أمرًا محفوف بالخطورة.

وفوق كل هذا، ولمدة غير قليلة من السنوات الست التي تلت الثورة العظيمة، استثمرت النظم المتوالية كثيرًا من الوقت والطاقة لتبني حائط الخوف العظيم في مصر.

هذا النظام يمهد طريقه للوصول بمصر إلى نسخة من كوريا الشمالية، بمحاولات مستميتة للسيطرة على الصحافة، أوصلته لحجب 93 موقعًا على الإنترنت، بالإضافة إلى القانون المعيق الذي صدر للسيطرة على الجمعيات الأهلية.

وحتى مع هذه الإجراءات، لا زالت الحكومة تطارد من وجهوا إليها ضربة 2011، ومساء الأربعاء، بعد القرار الخسيس للبرلمان بتمرير الاتفاقية، بادرت إلى حملتها التقليدية للقبض على المعارضين في تحرك احترازي.

طوفان الغضب

هناك طوفان من الغضب يتراكم. انظر إلى المصريين على وسائل الاتصال الاجتماعي، وسترى أنه في أي لحظة لن يكتفي هؤلاء بنعت أكبر رؤوس النظام بالخائن الأعظم، واللص العميل.

لو عادت جولدا مائير رئيس الوزراء الإسرائيلية السابقة من قبرها وزرعت عميلها الخاص ليخترق الهيراركية المصرية ويدمر البلد من الداخل لما وجدت من هو أكثر إضرارا ممن تقدّم بإرادته الحرة لبيع الأرض.  

هذه الحقائق لا تضمن هبة شعبية

سيذهب الرئيس للنوم الليلة عالمًا بأنه قد عاش يومًا آخر على كرسيه، ولكن: اعلم سيادة الرئيس أن عدم قدرتك على الربط بين الشرف والأرض والخيانة، سيكلفك كثيرًا في يوم من الأيام.

يا سيادة الرئيس: هاتان الجزيرتان، وبكل ثقة جغرافية وقانونية، مصريتان كما الدماء التي أغرقت أرض سيناء.

ولا تخطئ في تحديد تلك النيران البادية من شقوق الأرض، هذا ليس نورًا يسعى بين قدميك، بل حمم بركانيه.