الصوفيون.. مُريد يلوذ بحضرة الدولة

منشور السبت 25 نوفمبر 2017

 

305  قتلى و128 مُصابًا حصيلة المذبحة التي شهدتها أمس الجُمعة منطقة بئر العبد غرب مدينة العريش في محافظة شمال سيناء واستهدفت مسجد الروضة التابع لطريقة الصوفية الجريرية الأحمدية.

ولم تعلن أي جهة، حتى صباح اليوم السبت، مسؤوليتها عن الهجوم، لكن تنظيم ولاية سيناء الذي يبايع تنظيم الدولة الإسلامية هو الجهة التي اعتادت تنفيذ هجمات مسلحة في سيناء، وسبق أن استهدف الصوفية، سواء بتفجيرات أضرحة أو قتل أحد شيوخها، كما وقع عام 2016 بتفجير ضريحي "شميعة" و"صبيحة" بالقرية نفسها التي شهدت تفجير المسجد وبإعدام أحد أكبر مشايخ الطريقة الصوفية الشيخ سُليمان أبي حراز، ذبحًا.

اقرأ أيضًا: نَصّ كلمة السيسي إلى الأمة بعد هجوم مسجد الروضة في شمال سيناء 24/11/2017

بين الدولة والآخرين

تقاتل التنظيمات المتشددة الصوفيين باعتبارهم "فاسدي العقيدة"، بينما تعاديهم تيارات إسلامية أخرى مثل السلفية خاصة الجهادية التي تراهم "مبتدعة يُحدثون في الدين".

ومن منظور سياسي أكثر منه أيديولوجي، كانت الخصومة بين جماعة اﻹخوان المسلمين وبين الصوفية تضرب بجذورها إلى خمسينيات القرن الماضي، حين والى الصوفيون السلطة الحاكمة بعد 1952 ضد الإخوان، وتطور الخلاف بين الجانبين بمرور الأعوام وصولاً لـ30 يونيو 2013 حين نشطت الطُرق الصوفية في جمع استمارات "تمرد" وانخرط شبابها في المظاهرات التي نادت بإسقاط حكم الجماعة، ومن بعدها إعلان "مُبايعة" المشير عبد الفتاح السيسي رئيسًا للبلاد عام 2014، قبل أن تتكرر "المُبايعة" الآن لفترة رئاسية ثانية.

يتعامل خصوم الطُرق الصوفية معها باعتبارات لا تنظر فقط للجانب العقائدي، بل تشمل الجانب الدنيوي، إذ ينظرون لها كحركات منضوية بأبنائها المُقدّرة أعدادهم بـ15 مليون شخص تحت لواء النظام الحاكم، وتوالي أجهزته على اختلاف تخصصاتها.

ذهب النظام وسيفه

لا يُنكر قادة الصوفية مزاعم اتصالهم بالنظام الحاكم وأجهزته بل يفاخرون بها، فقادتهم التقوا السيسي عام 2014 حين كان مُرشحًا للرئاسة، وكانوا يرون فيه واحدًا منهم، كما يصفون الرئيس الآن بأنه "مؤيد من الله ورسوله"، ويلتقون القيادات الأمنية علنًا ودون تحفّظات على هامش قوافل دعوية  يسيّرونها في المحافظات، بل تتماهى القيادات الصوفية مع النظام حد دعم هيئاته في معارك سياسية خارجية.

ويُبادر الصوفيون- تحديدًا قادة ومشايخ الطُرق الصوفية- إلى التعاون مع الجهات الحكومية، حتى الأمني منها، كما كان حين طالبوا وزارة الداخلية بإلغاء الاحتفال بذكرى استشهاد الحُسين، المُقدسة لدى الشيعة، وتأمين مسجد الحُسين في القاهرة ضد أي جموع شيعية تحاول الوصول إليه، وهي المبادرات التي تجد استعدادًا طبيعيًا لدى الأمن للاستجابة لها.

وعلى الرغم من العلاقة التي تبدو محكومة بالانسجام بين النظام والصوفية، إلاّ أن الأمر ليس تمامًا كما يبدو، فأجهزة الدولة تُكشر عن أنيابها أحيانًا، والصوفيون كغيرهم اكتووا بنار قرارات وسياسات لم تكن بالمُفَضّلة لديهم، خاصة بسطاء الطريقة من مُريدي الموالد والأضرحة، والمنع والحظر لم يكن بعيدًا عن أمور تتعلق بطقوسهم، في وقائع مُتعددة ولا يُمكن إنكارها وإن لم تزحزح الصوفية عن ولائها للنظام قيد أنُملة، إذ أنه حتى في وقت الاستنكارات أو الرفض لإجراءات رسمية، تخرج استغاثاتهم للرئيس وأحيانًا شيخ الازهر.

كان من الخلافات بين الصوفيين وأجهزة الدولة، ما وقع العام الماضي بينهم ووزير الأوقاف مُحمد مختار جُمعة، ﻷنه منع شيوخ الصوفية من إلقاء دروس في "مساجد آل البيت" التي يقيمون بها حضرات مثل مسجد الإمام الحسين والسيدة زينب، واحتدم الأمر بينهما حد مناشدتهم الرئيس والأزهر التدخل لحل الأزمة.

وشهد الصوفيون أزمات أخرى، فمولد السيد البدوي صار مُهدد أقامته بسبب مشكلات على حيازة الأرض التي تستضيف احتفالاته، ومولد السيدة نفيسة الذي أقيم في مارس/ آذار الماضي، كاد أن يُلغى لدواعٍ مادية بعد قرار من حي الخليفة برفع أسعار الخدمات التي يُخصصها للمولد، جعل صوفيون يتهمونه بـ"افتعال أزمة".

وبعد أزمة مولد السيدة نفيسة بستة شهور، انتقل خلاف الصوفيين وأجهزة الدولة في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى أسيوط، حين منع العاملين على خدمة ضريح الإمام جلال الدين السيوطي مريديه من الاحتفال بمولده، وفقًا لشكاوى بعضهم ممن اتهموا وزارة الأوقاف بـ"التعنت وافتعال الأزمات".

تعليق احتفالات الصوفيين يأتي أحيانًا بسبب أمور إدارية كقرارات زيادة الرسوم أو إغلاق الضريح، أو حتى عدم توفير الخدمات اللازمة لإقامتها كما كان في أزمة عدم توفّر مياه صالحة للشرب لمُرتادي مولد أبي الحسن الشاذلي، الذي أقيم في أغسطس/ آب الماضي، في مدينة مرسي علم بمحافظة البحر الأحمر.

اقرأ أيضًا: مقتل 235 شخصًا في هجوم على مسجد في شمال سيناء.. والسيسي يتوعد بالثأر

ولكن في أوقات أخرى يأتي المنع بعيدًا عن العراقيل الإدارية، وبأوامر صريحة من جهات حكومية مثل إلغاء الاحتفال بالليلة الختامية لمولد السيدة زينب، أبريل/ نيسان الماضي، والذي أعلنته الطرق الصوفية نفسها تحسبًا للعمليات الإرهابية، ولكنه انطوى على ممارسات شكا منها صوفيون من قبيل "منع الأمن لهم من نصب الخيام وإقامة السرادقات بالشوارع الجانبية" بعد أن قدموا من المحافظات للقاهرة كي يحتفلوا.

في كثير من الأحيان يمتثل الصوفيون- ولو على مضض- لقرارات الدولة إزاء فعالياتهم، ولكن في أحيان أخرى كانت المواقف تحتدم ويبدي أبناء الصوفية غضبًا واحتجاجًا، كالذي كان عام 2009 حين منعت السلطات احتفالهم بمولد السيدة زينب كإجراء احترازي لمنع انتشار أنفلونزا الخنازير بين الجموع التي تحتشد للاحتفال، في قرار وصفه الصوفيون بـ"ذي الأبعاد السياسية"، وحذرّوا من تسببه في "فتنة طائفية".

وتكررت غضبة الصوفيين من قرارات الدولة مرّة أخرى، لكن هذه المرّة كان النظام السياسي تحول من يد مبارك للإخوان، بسبب قرر اتخذه وزير الأوقاف في ذلك الوقت طلعت عفيفي، يقضي بإشراف الدولة على الموالد وبإلغاء تراخيص حلقات الذِكر، والذي تسبب في هجوم شنّه الصوفية على الوزير عبر منبرها الإعلامي، بل ولوّح صوفيون بالوقفات الاحتجاجية، ذلك السلاح غير المألوف استخدامه نسبيًا من أبناء الدولة البارّين منذ الخمسينيات.

ودّ موصول

ولم يمنع ودّ الصوفيين مع النظام من توجيه سهام النقد- ربما الهجوم- لجهات وشخصيات تتبعه، فوزير الأوقاف الحالي هوجم أكثر من مرّة، حد وصف رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية علاء أبو العزايم له بـ"السلفي"، وذلك في حوار أجرته معه صحيفة "الوفد"، تحدث فيه عن "علاقة قوية الآن بين السلفيين وحهاز الأمن الوطني".

في ذلك الحوار، كانت بيّنة "أبوالعزايم" في ربطه بين السلفيين والأمن الوطني بعلاقة، صراع وقع بين الصوفيين والسلفيين على إمامة أحد المساجد وحُسم لصالح الطرف الآخر، على الرغم من توجه الصوفيين بشكواهم للأمن الوطني.

توجه الصوفيين للأمن الوطني وفقًا لـ"أبي العزائم"،  وهذا ليس بالمُثير للدهشة لمن يعرف الصوفية، فحين يأتي الأمر للمساجد والأضرحة، يطلق الصوفيون لمخاوفهم وغضبهم العنان، كما ظهر وقت التهديد بإزالة ضريح الإمام الحسين، سبتمبر/ أيلول 2017، المطلب الذي أعاد لهم شبح تهديدات حاقت بمساجد تابعة لهم بعد ثورة 25 يناير، ودفعتهم في أزمة "الحُسين" للتصعيد حد اتهام الأوقاف بـ"التواطؤ مع السلفيين"، وذلك في استغاثة لم يطلقوها إلاّ للرئيس، فالولاء للدولة محفوظ والودّ موصول رغم أي تكديرات.