تصميم سيف الدين أحمد، المنصة 2025
معارك حماية دولة القانون

ثلاث معارك عنوانها دولة القانون

منشور الثلاثاء 24 يونيو 2025

في مصر الآن تشتعل ثلاث قضايا ساخنة تتعلق في جوهرها بالدفاع عن دولة القانون، وتصبُّ في خانته. لا تدور تلك المعارك فقط في أروقة المحاكم بل تمتد إلى الشارع والرأي العام، وتتفاعل معها السوشيال ميديا بدرجات مختلفة.

بعنوان جامع، هناك قوى اجتماعية تُقاوم من أجل فرض سلطة القانون وترسيخ قواعده. وبمنطق الأمر الواقع، يتلقى مبدأ "إرساء دولة القانون" ضربات قوية طوال السنوات الماضية.

في تقرير مشروع العدالة العالمي لعام 2024، وهو المؤشر الذي يُقيِّم مدى احترام سيادة القانون في بلدٍ ما، ويشمل عوامل مثل الشفافية والمساءلة والعدالة الجنائية، تحتل مصر المرتبة 135 من بين 142 دولة في مؤشر سيادة القانون. وعلى مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تأتي مصر تاسعةً.

وفي انتصار الفئات المجتمعية الثلاث التي تخوض معاركها، تحصين للمجتمع كله، وخطوة على طريق التقدم، ليس فقط في مؤشرات العدالة والحقوق.

المحامون وميكنة الخدمات

وقفة احتجاجية لمحامين أمام محكمة غرب طنطا الابتدائية رفضًا لـ"رسوم الميكنة"، 29 مايو 2025

من بيت المدافعين عن العدالة انطلقت شرارة المعركة الأولى.

المحامون، عبر نقابتهم، في مواجهة حادة مع قرارات صادرة عن مجلس رؤساء محاكم الاستئناف تفرض رسومًا كبيرة عليهم تحت مسمى "خدمات مميكنة".

هكذا وبلا مقدمات قانونية، بات على المشتغلين بالمحاماة قبول تغييرات كبيرة طارئة على واقعهم المهني والمادي. زيادات ضخمة ومفاجئة استفزتهم ونقابتهم، لتنتفض رفضًا لما اعتبرته قرارات باطلة وغير دستورية ولا تستند إلى قانون.

أحوال المحامين الاقتصادية ليست في أفضل حال منذ سنوات، والضغوط تتزايد على الشباب منهم بالذات.

في القرارات التي أشعلت المعركة ما يضرُّ بحق التقاضي ذاته، ويحمّل المتقاضين ما لا يطيقون من رسوم مالية في ظرف اقتصادي صعب.

وفي الإضرار بهذا الحق، الذي يضمن استقرار المجتمع، لعب غير مأمون في مساحات خطرة.

من الحوار والتفاوض مرورًا بالإضراب الرمزي عن الحضور أمام المحاكم والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات، وصولًا للدعوة لجمعية عمومية للنقابة تدور المعركة التي هي في القلب من قضية دولة القانون.

فالاعتراض على الرسوم لا ينفصل عن الاقتناع بعدم جواز فرضها بلا قانون وبلا حوار مجتمعي يحمي الفقراء من المزيد من الضغوط الاقتصادية، إذا ما قرروا اللجوء إلى القضاء كحقٍّ دستوريٍّ أصيل.

قبل يوم واحد من انعقاد جمعيتهم العمومية التي كانت مقررةً السبت الماضي، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا بإلغاء قرار مجلس النقابة بدعوة الجمعية واعتبرت أنه "تضمن عرض خيارين على الجمعية العمومية، إما الإضراب العام أو الاعتصام بمقار النقابات الفرعية" وأن هذا "توجه نحو فرض أمر واقع خارج الأطر الدستورية والقانونية، يؤدي إلى تعطيل مرفق العدالة، والنيل من حق التقاضي والإخلال بمبدأ دولة القانون".

وأضافت "وإن كانت النقابة تملك قانونًا إدارة شؤونها والدفاع عن مصالح أعضائها، فإن توظيف هذه الصلاحيات لا يجوز أن يتم خارج الحدود الدستورية، ولا أن يتستر خلف حرية الرأي والتعبير، إذا تجاوز ذلك إلى الإضرار بحقوق أطراف غير منتمية للمهنة، كالمتقاضين وطالبي العدالة".

معركة ساخنة لا تزال فصولها تتوالى دفاعًا عن العدالة وحق التقاضي على أمل الوصول لحلول مُرضية تحترم دولة القانون.

وفي ظني أن فصولًا أخرى ستتواصل، لا سيما أن النقابة التي ألغت الجمعية العمومية بدأت بالتفكير في وسائل أخرى للدفاع عن حق المحامين وعن القانون على السواء.

الصحافة وتصريح التغطية

باجتماع النواب الصحفيين مع أعضاء مجلس نقابتهم الشهر الماضي بدأت المعركة الثانية، التي هي جزء من خطوات الدفاع عن دولة القانون. إذ دعا خالد البلشي نقيب الصحفيين إلى اجتماع مع النواب من أعضاء النقابة للبدء في الحوار والتفاوض من أجل تعديل نص المادة 12 من القانون رقم 180 لسنة 2018، التي تُلزم الصحفي بالحصول على "تصريح رسمي" بالتغطية الميدانية في الشوارع. 

معركة نقابة الصحفيين تصب ليس فقط في خانة الدفاع عن المهنة بل عن القانون والمجتمع ذاته

عقب فوزه في انتخابات النقابة التي جرت بداية مايو/أيار الفائت، أطلق البلشي حملةً لتعديل المادة التي أثارت جدلًا واسعًا وزادت من القيود المفروضة على مهنة الصحافة طوال السنوات الماضية.

المادة 12 التي آن أوان تعديلها وردت في قانون 2018 لتنظيم عمل الصحافة، وثبتت بالممارسة أضرارها الكبيرة، بمنعها الصحفيين من كل صور التغطية الميدانية دون تصريح وزارة الداخلية!

تنص المادة على أن "للصحفي أو الإعلامي في سبيل تأدية عمله الحقَّ في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، وذلك بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك".

هذا النص المبهم والشاذ وضع عشرات الصحفيين، خصوصًا المصورين، تحت طائلة القانون، وتسبّب في احتجاز العديد منهم بزعم عدم حيازتهم تصريحًا بالتغطية.

البداية جاءت من نقابة الصحفيين، التي تسعى إلى تعديل المادة 12 قبل فضّ دور الانعقاد الحالي للبرلمان، والمقرر أن ينتهي في يوليو/تموز المقبل. ويعتزم النقيب، حسب تصريحاته، التقدّم بأجندة تشريعية كاملة إلى البرلمان الجديد لاحقًا.

معركة نقابة الصحفيين ليست دفاعًا عن المهنة وحدها بل عن القانون والمجتمع بأسره. فالمعرفة هي أحد الحقوق الثابتة للمواطنين في العالم أجمع، وترسيخ الحصول على المعلومات دون عوائق هو حق قانوني ومجتمعي مهم.

في القضية القانونية الجديدة التي تقودها نقابة الصحفيين ما يستدعي تضافر جهود المدافعين عن حرية الصحافة، دعمًا لدولة القانون، وحق المجتمع في إعلام حر يُعبّر عن صوته وقضاياه.

فلسفة القوانين العادلة في العالم تقوم على التنظيم لا المنع، وعلى الإتاحة لا التقييد. وفي هذا السياق، تبدو معركة النقابة كأنها تمهّد لقضية قانونية ساخنة تطرق الأبواب.

ليلى سويف.. إضراب دفاعًا عن القانون

ليلى سويف وابنتها سناء سيف في مؤتمر التضامن مع ليلى ومع المعتقلين السياسيين في النادي السياسي لحزب المحافظين، 16 مايو 2025

في نضال الدكتورة ليلى سويف الأستاذة الجامعية المعروفة من أجل حق ابنها علاء عبد الفتاح في الحرية دفاعٌ مؤكدٌ عن دولة القانون.

ليلى التي دخلت إضرابًا عن الطعام منذ ما يزيد عن المائتي يوم تخوض معركة لتأكيد حق ابنها في الحرية بعد أن انتهت مدة حبسه القانونية كاملة ومع ذلك لا يزال سجينًا.

السوشيال ميديا فاضت بالدعاء للأم التي أضحت على وشك الموت بعد أن رفضت أي تدخل طبي يكسر إضرابها المستمر عن الطعام.

هي معركة قانونية بامتياز تُضاف إلى قضايا الدفاع عن دولة القانون قبل أن تكون ممارسة سياسية من أمٍّ تدافع عن حق ابنها في الحياة وتبذل حياتها دونها.

علاء عبد الفتاح مبرمج وناشط سياسي معروف، وأحد أبرز الوجوه الشابة التي شاركت في ثورة 25 يناير 2011. قضى نحو عشر سنوات سجينًا، على فترات متقطعة، بسبب نشاطه السياسي.

وكل ما تطالب به الأم هو الإفراج عن ابنها مؤكدة أن مدة حبسه القانونية انتهت. وعلى أثر قناعتها هذه، اتخذت الأم كل الإجراءات اللازمة، بداية بالتماسات وشكاوى لرئيس الجمهورية والنائب العام ومجالس حقوق الإنسان، مرورًا بكل الخطوات القانونية التي التزم بها المحامون.

فعلت ذلك قبل أن تقرر أن النضال السلمي عبر الإضراب عن الطعام قد يكون إحدى الوسائل المشروعة للدفاع عن الابن والقانون في آن واحد. وهكذا بدأت معركة قانونية جديدة تُضاف إلى سلسلة معارك ترسيخ دولة القانون في مصر.

في انتصار كل الدعوات التي تطالب بالعدالة وسيادة القانون نصرٌ للمجتمع. وفي تراكم النضال السلمي من أجل دولة القانون خطوة في سبيل مستقبل أفضل، يكفل الكرامة والمساواة للجميع.

هذه حقائق مؤكدة. فلعل من بيدهم الأمر يدركون ما يستحقه هذا البلد وأهله.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.