كأس الجمهورية العربية المتحدة.. بطولة رمزية في سياق رمزي
في 22 فبراير/شباط 1958 أُعلنت الوحدةُ بين مصر وسوريا. بهذا صار البلدان دولة واحدة من الناحية الإدارية والسياسية فيما عرف وقتها بـ"الجمهورية العربية المتحدة".
لكن لننح الشؤون السياسية جانبًا ونتحدث أكثر عن كرة القدم، ونتساءل كيف سارت الأمور فيما يخص نشاط اللعبة الشعبية الأولى؟ هل اندمج البلدان كرويًّا نتيجة الوحدة؟ هل ضمت أندية مصرية لاعبين سوريين أو العكس؟ هل انتظمت، أو حتى كان هناك مشروع، لانتظام مسابقة دوري عام يضم أندية مصرية وأخرى سورية؟ هل تشكل المنتخب الوطني، أو القومي، من لاعبين بغض النظر عن أصولهم إن كانوا مصريين أو سوريين؟
دولة واحدة ومنتخبان ومفارقات
بالطبع، شيء من هذا لم يحدث، ولم يكن ليحدث، لأنهما ببساطة بلدان فعليًا، والكرة في كل بلد لها سياقها ومسيرتها، كما أن هناك فارق تطور كبير لصالح الكرة المصرية، التي كانت تمارس النشاط منذ أكثر من ستين عامًا "وقتها"، والأندية هنا لها جماهير، وهناك لاعبون نجوم، وأمور كثيرة كانت واقعيًا تمنع الاندماج، أو حتى بداية الاندماج، في النشاط.
لا نعلم إن كان المسؤولون في الدولة انتبهوا لهذا في بداية الأمر مباشرة، فكما نعلم أن الوحدة أُعلنت دون ترتيبات أو تمهيد أو بحث أو دراسة للأوضاع على الأرض عمومًا، غير أن ملاحظة تغطية الأهرام لبطولة كأس الأمم الإفريقية 1959 يمكنها أن تساعدنا على رسم صورة.
من الناحية الرسمية لا توجد دولة اسمها "مصر"
تأسس الاتحاد الإفريقي 1957، قبل إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وكان يضم مصر والسودان وإثيوبيا - إلى جانب حديث عن دولة جنوب إفريقيا، نتركه الآن لأنه متشعب. المهم أن مصر اشتركت في الاتحاد بصفتها "مصر"، وشاركت وفازت بأول نسخة من كأس الأمم الإفريقية 1957، وفي 1959 كان موعد النسخة الثانية، وكانت الوحدة قد أُعلنت.
المباراة الأولى كانت أمام منتخب إثيوبيا، وفاز المنتخب المصري بأربعة أهداف نظيفة ونشرت الأهرام تغطية اللقاء بعنوان تقليدي، مصر تفوز على إثيوبيا في الدورة الإفريقية 4/صفر. وهنا تنبهنا للمشكلة، إذ إنه من الناحية الرسمية لا يوجد دولة اسمها "مصر".
حسنًا، ماذا نكتب؟ هل نقول "الجمهورية العربية المتحدة" تفوز....؟ بالطبع لم يكن هذا بدوره ممكنًا، فالفريق المشارك لا يمثل "الجمهورية العربية المتحدة"، اللاعبون مصريون وليس بينهم سوريون، وعضوية الاتحاد الإفريقي لمصر، إذ إن سوريا؛ شطر الجمهورية المتحدة مكانها في آسيا، فهذا أيضًا لا يجوز، ماذا نكتب؟
اهتدت الأهرام للصيغة التالية في لقاء النهائي أمام السودان (كانت البطولة لقاءين فقط)، فكتبت "الإقليم الجنوبي" يحتفظ ببطولة الدورة الإفريقية لكرة القدم.
وكان هذا حلًا معقولًا وامتدادًا للعديد من الشؤون والمسائل في الكرة وغير الكرة، عندما يتضح أنه في الواقع لا توجد دولة بل دولتان، فاعتدنا على تعبير "الإقليم الشمالي" في الإشارة لسوريا، و"الإقليم الجنوبي" في الإشارة لمصر.
غير أن هذا لم يكن مريحًا للحريصين على "الوحدة"، فكان أن تسمى المنتخب القومي (أو الوطني) المنتخب العربي، ورسميًا منتخب الجمهورية العربية المتحدة، وكان الموعد التالي مع دورة الألعاب الأوليمبية 1960 بروما، وهو فعلًا ما حدث، والسؤال هنا هل كان تشكيل المنتخب يطابق تسميته؟
في الواقع لا، كان المنتخب مصريًا، والتشكيلة مصرية، تضم فقط لاعبًا واحدًا سوريًا هو موسى شماس (الذي لقبته الصحافة بالسلطان) كمشاركة رمزية من "الإقليم الشمالي" وحتى يمكن القول إنه منتخب "الجمهورية العربية المتحدة"، وكانت هناك نية لزيادة المساحة الرمزية فيما بعد، ربما يتحول الرمز يومًا إلى واقع.
محليًا لا وحدة ولا تنافس
لكن ماذا عن المسابقات المحلية؟ الدوري والكأس وغيرها من البطولات التي تجري داخل كل دولة من دول العالم؟
لم يتسن أن يكون هناك شيء من هذا القبيل للأسباب التي أسلفنا ذكرها، فضلًا عن المسافة، وصعوبة التنظيم، فبقي الدوري المصري مصريًا، وأقيمت نسخ 1959، 1960، 1961 من الدوري المصري بأندية مصرية ولاعبين مصريين، ومرة أخرى لم يكن هذا مريحًا للحريصين على "الوحدة".
من هنا جرى التفكير في تنظيم بطولة "رمزية" شأنها شأن المنتخب الرمزي، ولكن بقي الأمر لأكثر من عامين عصيًا على التنفيذ، إذ أن الأجندة المصرية مزدحمة، والأندية لها ارتباطات، والمنتخب كذلك، وفضلًا عن بطولة الدوري كان وقتها الاهتمام كبيرًا بتنظيم لقاءات "ودية" مع كبار كرة القدم في العالم، مثل استضافة منتخب البرازيل مايو/أيار 1960، بقيادة بيليه شخصيًا، وهو ما أعاق تنظيم البطولة "الوحدوية" حتى كان عام 1961.
لم يكن مريحًا أن يكون لقاء الكأس بين ناديين من "الإقليم الجنوبي"
في مايو 1961، أخيرًا تمكن المسؤولون من تنظيم "شيء ما"، وهو كأس "الجمهورية العربية المتحدة"، بمشاركة بطلي الدوري والكأس في "الإقليم الجنوبي"، مع ناديين من "الإقليم الشمالي"، بحيث يلتقي كل ناد مصري من الناديين مع نظيره السوري في نصف النهائي، ثم يلتقي الفائزان في المباراة النهائية التي يحصل الفائز بها على الكأس.
كان بطل الدوري والكأس في مصر هو النادي الأهلي الذي جمع البطولتين، وهذا أمر سهل، إذ تقرر إشراك نادي القناة وصيف الكأس مع النادي الأهلي ليكونا ممثلي الإقليم الجنوبي في البطولة الرمزية، وهكذا يلتقي الأهلي مع أهلي حلب، والقناة مع أهلي دمشق، ولكن هناك أمرًا ما.
بطبيعة الحال، وطبقًا للمستويات، فإن الناديين المصريين من المفترض أن يفوزا بسهولة على الناديين السوريين، من ثم فإنهما يلتقيان في النهائي، ومرة أخرى لم يكن مريحًا أن يكون لقاء الكأس بين ناديين من "الإقليم الجنوبي" وحده، إذ ما الفارق إذن بينه وبين كأس مصر؟ ما العمل؟
على أحد الناديين المصريين أن "يتراخى" أمام شقيقه السوري، وبما أن النادي الأهلي (المصري) هو الأكثر شعبية بين الأندية المشتركة جميعًا، كان "التراخي" واجبًا على نادي القناة الذي أفسح المجال أمام أهلي دمشق (المجد السوري سابقًا) لأن يكون الطرف الثاني أمام الأهلي المصري في اللقاء المرتقب "نهائي كأس الجمهورية العربية المتحدة".
في 2 يونيو/حزيران 1961، فاز الأهلي المصري على أهلي دمشق برباعية مقابل هدف، وحاز على كأس البطولة، وبالطبع لم تُقم نسخ أخرى من "كأس الجمهورية العربية المتحدة"، إذ إن الجمهورية العربية المتحدة نفسها لم تعد هناك وإن احتفظت مصر باسمها "رمزًا" ككل شيء تقريبًا.


