انتخابات تبحث عن ناخبين.. بأي ثمن
لم يختلف المشهد في أول أيام المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب عن الانتخابات الأخيرة لمجلس الشيوخ؛ لجان تبحث عن ناخبين، وحشود مصطنعة، وخروقات ومطالب بالتحقيق فيها، ولم يغب كذلك شراء الأصوات.
حتى هندسة الانتخابات لصالح أحزاب الموالاة كانت حاضرة كما جرت في انتخابات الشيوخ، التي انتهت في أغسطس/آب الماضي بفوز جميع مرشحي أحزاب مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية والشعب الجمهوري على المقاعد الفردية.
نظرةٌ سريعةٌ على كشوف مرشحي المقاعد الفردي تؤكد أن انتخابات النواب نسخة كربونية من الشيوخ، وتساعدنا في قراءة هندسة وترتيب هذه الانتخابات لصالح أحزاب الموالاة، لكن ذلك لم يمنع المنصة من التجوال على مدار اليوم أمام لجان عدد من الدوائر التي انتظرنا أن تشهد بعض المنافسة.
وانعكس النظام التي تجرى على أساسه الانتخابات على مشاهد اللجان اليوم، إذ يخصِّص نصف المقاعد للقائمة المطلقة المغلقة، والنصف الآخر للانتخاب الفردي، وكالعادة تخوض الانتخابات قائمةٌ وحيدةٌ تجمع بين أحزاب الموالاة وبعض أحزاب المعارضة وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين بعد استبعاد ترشيح القوائم الأخرى.
تراوح سعر الصوت بين 200 و250 جنيهًا بالإضافة إلى "شُنط مواد غذائية".. ويُرجح أن يصل السعر إلى 500 جنيه غدًا
كما يمكن تقسيم الدوائر الانتخابية الفردية لنوعين؛ الأولى هي الدوائر المغلقة وهي الأكثر عددًا التي تضم في قمة مرشحيها أحزاب الموالاة ومقاعدها محسومة لهم، أما الدوائر المفتوحة فلم تدفع أحزاب الموالاة بمرشحين على جميع مقاعدها في محاولة لتقاسم بعض المقاعد مع المعارضة والمستقلين، وهي التي تجولت المنصة في عدد منها.
مع نهاية اليوم الأول من الانتخابات، تكتمل غدًا انتخابات مجلس النواب للمصريين في الداخل للمرحلة الأولى التي تضم 14 محافظة هي الجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط والوادي الجديد وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان والبحر الأحمر والإسكندرية والبحيرة ومطروح.
بورصة الأصوات الانتخابية
في لجان العمرانية الانتخابية، أشعل 4 مرشحين المنافسة على المقعدين الفرديين، حيث تراوح سعر الصوت الانتخابي بين 200 و250 جنيهًا بالإضافة إلى شُنط مواد غذائية، وهي التسعيرة نفسها التي سبق ورصدتها المنصة في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة. لكن يُرجّح أن يصل السعر إلى 500 جنيه غدًا، وفقًا لناخبين تحدثت إليهم المنصة أمام اللجان الفرعية بمجمع مدارس العمرانية طلبوا عدم نشر أسمائهم.
والمرشحون الأربعة هم محمود لملوم من حزب حماة وطن، ومحمد علي عبد الحميد، وكيل اللجنة الاقتصادية السابق بمجلس النواب، والذي يخوض الانتخابات كمستقل بعد قرار حزبه "مستقبل وطن" عدم المنافسة على المقعدين. بالإضافة إلى المرشحين المستقلين جرجس لاوندي والسيد زغلول.
وأوضح ناخب تحدثت إليه المنصة أن حملات المرشحين الثلاثة؛ لملوم ولاوندي وزغلول، تشتري الصوت الانتخابي مقابل 200 جنيه يحصل على جزء منها في بعض الأحيان سماسرة يتولون حشد الناخبين وتحميلهم في السيارات.
أما حملة عبد الحميد فبدأ سعر الصوت الانتخابي فيها بـ200 جنيه للرجل و200 جنيه وشنطة مواد غذائية للمرأة، ووصل خلال الساعات الأخيرة لـ250 جنيهًا، حسبما قال الناخب.
وحول آلية شراء الأصوات، أوضح ناخب أمام مدرسة الشهيد أحمد جمال الرفاعي للتعليم الأساسي أن كل مرشح من الأربعة خصص سيارات أجرة تحمل صِوره لنقل الناخبين من منازلهم إلى لجانهم. وبعد التصويت، يمر الناخبون بتلك السيارات على مقار تابعة للمرشحين أو جمعيات مجتمع مدني بالمحيط لتلقي المبلغ.
حشد وتوجيه للناخبين في بولاق الدكرور
دائرة بولاق والمخصص لها 3 مقاعد، يتنافس عليها بقوة مرشحان عن حزبي مستقبل وطن وحماة الوطن إضافة إلى مرشح عن حزب العدل، والنائب محمد الحسيني عضو مجلس النواب لدائرة بولاق الدكرور عن حزب مستقبل وطن الذي تمرد على قرار حزبه استبعاده من قائمة المرشحين عن الدائرة هذه المرة.
واختار الحسيني لنفسه رمز الأوتوبيس وترشح مستقلًا في محاولة للفوز بأحد مقاعد الدائرة الثلاثة، لكن المواجهة شرسة في الدائرة التي تبدو "مغلقة" حسب الحصص والتنسيق والترتيبات الانتخابية.
وقدمت أحزاب الموالاة ثلاثة مرشحين حصلوا على الأرقام الأولى؛ مرشح حزب مستقبل وطن حسام مندوه الحسيني، نائب الدائرة الحالي، ومحمود توشكى عن حزب مستقبل وطن، نائب الدائرة الحالي، فيما دفع حزب حماة الوطن بمرشح جديد على الدائرة عربي زيادة، بعدما تنازل مستقبل وطن في اتفاقات الكواليس عن حصته الكاملة في مقاعد الدائرة.
وشهدت بعض اللجان الانتخابية في بولاق إقبالًا متوسطًا حتى منتصف اليوم، بعد إقبال محدود في بداية اليوم.
ورصدت المنصة وصول عشرات النساء وكبار السن إلى مدرستي الشيخة جواهر وطه حسين والمعهد الأزهري الابتدائي في عربات ميكروباص وحافلات صغيرة تحمل صور عدد من المرشحين.
كما رصدت انتشارًا مكثفًا للوحات وبانرات دعائية لمرشحين أمام مراكز الاقتراع، مع وجود أطفال وشباب يحملون رايات أحزاب الجبهة الوطنية ومستقبل وطن وحماة الوطن، وآخرين يوزعون بطاقات دعائية بصور مرشحين.
وداخل مراكز الاقتراع لم يختلف الحال كثيرًا، حيث عمل مندوبون، ارتدى بعضهم سترات زرقاء مطبوع عليها شعار حزب مستقبل وطن، على حث الناخبين على اختيار مرشحيهم.
وبدت الأوضاع داخل اللجان الفرعية أكثر هدوءًا، وأكد رئيسا لجنتين انتخابيتين في مدرسة طه حسين الابتدائية لـ المنصة انتظام عملية التصويت وعدم وجود مشكلات لوجستية تتعلق بالبطاقات أو غيرها، مع توفير بطاقات اقتراع بطريقة برايل للمكفوفين.
مخالفات جسيمة
لم يكن ما رصدته المنصة أمام اللجان بمعزل عن تقارير المراقبين والأحزاب، فمثلًا طالب الحزب المصري الديمقراطي الهيئة الوطنية للانتخابات بالتدخل الفوري لوقف عدد من "الخروقات والتجاوزات"، والتحقيق فيها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد مرتكبيها.
وقال الحزب في بيان اطلعت عليه المنصة إن غرفة عملياته لمتابعة الانتخابات رصدت مخالفات وصفتها بـ"الجسيمة" شابت العملية الانتخابية، وأضاف أن "بعض أحزاب الموالاة وزعوا دعاية انتخابية داخل وحول مقار اللجان، كما تم توزيع كراتين تحتوي على مواد تموينية ورشاوى انتخابية بغرض التأثير على إرادة الناخبين".
وأوضح أنه "تم منع بعض المرشحين ومندوبيهم من دخول عدد من اللجان الانتخابية، بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص ويقوّض نزاهة العملية الانتخابية"، لافتًا إلى رصد "حالات توجيه الناخبين بشكل ممنهج للتصويت لصالح مرشحي أحزاب الموالاة داخل بعض اللجان"، ما اعتبره الحزب "انتهاكًا واضحًا لحياد القائمين على العملية الانتخابية".
وفي بيان لاحق، رصد "المصري الديمقراطي" توزيع كراتين مواد غذائية واستخدام دعاية انتخابية داخل مقار اللجان في مدرسة الثورة ومدرسة النصر بمحافظة أسيوط، ووثق توجيهًا للناخبين وشراء أصوات وتوزيع أوراق دعائية لصالح مرشحين بعينهم أمام اللجان في مجمع المدارس وقسم الطالبية ومدرسة أحمد عرابي ومدرسة أم المؤمنين ومدرسة السادات ومدرسة هدى شعراوي ومدرسة الشهيد هشام شتا بمحافظة الجيزة. كما رصد منع بعض المندوبين من دخول اللجان الفرعية في مدرسة ميدوم الإعدادية بمحافظة بني سويف، وهو ما تكرر أيضًا في مدرسة الكيمان الابتدائية بالأقصر، حيث تم إخراج المندوبين وإيقاف التصويت مؤقتًا.
رفع أهالي قرية أولاد إسماعيل بسوهاج شعار "بلدنا مش للبيع" أمام مقر أحد المرشحين
ومع بداية التصويت صباح اليوم، أعلنت النائبة السابقة نشوى الديب المرشحة المستقلة في انتخابات مجلس النواب 2025 على المقاعد الفردية عن دائرة إمبابة والمنيرة الغربية بالجيزة، انسحابها من الانتخابات بعد ساعة من فتح باب الاقتراع اليوم، اعتراضًا على "غياب نزاهة العملية الانتخابية وغياب الشفافية وحسم المقاعد مسبقًا".
وشكت نشوى الديب من "مخالفات واضحة وغياب لمعايير النزاهة والشفافية وغياب تكافؤ الفرص بين المرشحين"، مردفة "مينفعش الانتخابات قبل ما تتعمل تبقى محسومة".
وقبل إعلان انسحابها كانت نشوى الديب تتنافس على مقعدين للدائرة مع المرشح عن حزب مستقبل وطن وليد المليجي، والمرشح عن حزب المحافظين إيهاب الخولي، والمرشحة المستقلة شادية ثابت.
السوشيال ميديا كذلك وثقت عددًا من المخالفات، وانتشرت فيديوهات على فيسبوك لأشخاص حاولوا شراء أصوات الناخبين في مراغة بمحافظة سوهاج ما دفع الأهالي إلى توقيفهم، وهو ما نبذه أيضًا أهالي قرية أولاد إسماعيل بالمحافظة نفسها، رافعين شعار "بلدنا مش للبيع" أمام مقر أحد المرشحين.
كل شيء هادئ في إمبابة
في إمبابة عُقدت اللجان الانتخابية في 24 مدرسة، وبدا المشهد أمام مقار اللجان هادئًا مع ضَعف إقبال واضح طوال ساعات اليوم.
وفي جولة المنصة على اللجان الانتخابية بمدارس خديجة بنت خويلد والمنيرة في شارع الوحدة، وإمبابة الثانوية التجارية في شارع المعلمين وأحمد عرابي الابتدائية في شارع النيل، تكرر مشهد الحشود المصطنعة، من خلال حشد مجموعة من النساء والشباب ورصهم أمام المدرسة بإشراف شباب يرتدون فيست يتبع حزب مستقبل وطن، ثم تصويرهم بالهاتف أو الدرون وبعد ذلك ينفضون فورًا، ويستقلون سيارات أجرة للانتقال لمدرسة أخرى.
ولم تلحظ المنصة شراء أصوات أمام لجان إمبابة، وأكد عدد من الناخبين عدم حصولهم على أي أموال مقابل تصويتهم في الانتخابات.
لكن رصدت المنصة تجمعًا على أحد المقاهي القريبة من مدرسة بها لجنة انتخابية وقيام أحد الأشخاص بتوزيع مبالغ مالية على مجموعة من الشباب بدا أنهم يشاركون في دعم أحد المرشحين وأن هذه الأموال مقابل وقوفهم أمام مقار اللجان.
وبخصوص انسحاب المرشحة نشوى الديب من السباق الانتخابي، لم ترصد المنصة وجودًا لحملتها أمام اللجان، بعكس حملات لباقي المرشحين خاصة مرشح حزب مستقبل وطن وليد المليجي، ومرشح حزب المحافظين وتحالف الطريق الحر إيهاب الخولي، والمرشحين المستقلين شادية ثابت وأحمد العجوز وغيرهم.
وانتشرت لافتات وصور المرشحين في شوارع إمبابة الرئيسية وعلى بعض سيارات الأجرة والتكاتك.
ليست اللافتات وحدها، فبالمخالفة لحظر الدعاية في محيط اللجان الانتخابية، نشر إيهاب الخولي فيديو على فيسبوك للناخبين أمام إحدى لجان إمبابة يحملون كروتًا دعائية بصورته وبياناته الانتخابية، معلقًا "الأصوات الحقيقية مش في الكلام.. الأصوات في الشارع".
ومن المقرر أن تجرى جولة الإعادة لهذه المرحلة للمصريين في الخارج يومي 1 و2 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وللمصريين في الداخل يومي 3 و4 من الشهر نفسه.
أما المرحلة الثانية فتبدأ للمصريين في الخارج يومي 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وللمصريين في الداخل يومي 24 و25 من الشهر نفسه، بمحافظات القاهرة والقليوبية والدقهلية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ والشرقية ودمياط وبورسعيد والإسماعيلية والسويس وشمال سيناء وجنوب سيناء، على أن تتم جولة الإعادة بالخارج يومي 15 و16 ديسمبر، وفي الداخل يومي 17 و18 من نفس الشهر.
ووفقًا للقانون، يتكوّن مجلس النواب من 568 عضوًا منتخبًا، بواقع 284 بنظام الفردي و284 بنظام القائمة، على أن يعيّن رئيس الجمهورية عددًا لا يزيد عن 5% من الأعضاء (28 عضوًا)، ليصل الإجمالي إلى 596 نائبًا.
وحسب الجدول الزمني المعلن من الهيئة الوطنية للانتخابات، فمن المقرر إعلان النتائج النهائية أواخر ديسمبر المقبل.



