تصوير أحمد سعداوي، المنصة
أوراق نقدية فئة 100 دولار أمريكي

البعض يحبها ساخنة

المركزي المصري وطرح أذون بالدولار

منشور الأحد 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

يستدعي تكرار أذونات الخزانة التي يطرحها البنك المركزي في مصر نيابة عن وزارة المالية خلال العقد الأخير، وآخرها هذا الشهر بقيمة مليار ونصف دولار لمدة سنة واحدة بمتوسط عائد 3.75%، التحليل المتعمق؛ نظرًا لكونه خطوة على مسار تنويع مصادر النقد الأجنبي للدين العام المصري، للحد من مخاطر الأموال الساخنة التي عانينا منها مؤخرًا.

وأقصد هنا بالأموال الساخنة، الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل في أدوات الدين المُقوُّمة بالعملة المحلية أي بالجنيه المصري، لا الأذون الدولارية "الأقل سخونة".

لماذا نطرح أذونًا دولارية؟

لا يخفى على متابع أن الحكومة المصرية، مثلها في هذا مثل أغلب حكومات العالم، تعتمد على الاستدانة لسد عجز الموازنة بأشكال متعددة. فمن حيث المدى الزمني؛ هناك أدوات الدين قصيرة الأجل، والمُسمَّاة بـ"أذون الخزانة"، وعادة ما يطرحها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية، وتكون لعدة شهور وبحد أقصى سنة. في مقابلها نجد السندات، التي تزيد بحكم التعريف عن سنة، وقد تطول لسنوات تتجاوز العشرين، وعائدها أعلى بالطبع.

وكل من الأذون أو السندات، يمكن إصداره بالعملة المحلية أو العملات الأجنبية المسيطرة على الاقتصاد العالمي، مثل الدولار واليورو، وتتحدد عملة الإصدار بناء على احتياجات الدين العام. ومن هنا كانت التفرقة بين الدين المحلي المُقوَّم بالجنيه المصري، العملة التي يصدرها المركزي في نهاية المطاف كجزء من ممارسة الدولة المصرية لسيادتها الوطنية، والدين الخارجي المُقوَّم عادة بالدولار الأمريكي.

يعود العزوف عن الاستدانة قصيرة الأجل بالدولار وغيره من العملات الأجنبية لعظم المخاطرة

وطبقًا لبيانات وزارة المالية، غير المحدثة منذ 2022، فإن قيمة الدين العام بشقيه المحلي والخارجي بلغت ما يساوي 87.4% من الناتج المحلي الإجمالي المصري. كانت نسبة الدين المحلي 68% من الناتج بينما كانت نسبة الدين الخارجي 19.3%. ويقدِّر صندوق النقد النسبة في 2025 عند 85% من الناتج.

من هنا نشأت مشكلة الأموال الساخنة، فمع هيمنة الديون المحلية على الدين العام، صار لاستثمارات الأجانب في الديون المقومة بالجنيه وزن كبير، وصار أيضًا لخروجهم المفاجئ من هذه الديون، كما حدث في 2022، أثر سلبي كبير على الاقتصاد المصري.

ننتقل للشق الثاني من الدين العام؛ أي الأذون الحكومية المقومة بعملات أجنبية مثل الدولار واليورو، التي لا يُعدُّ إصدارها شائعًا في البلدان النامية، مقارنة بالسندات طويلة الأجل. وبشكل عام، تمثل الأذون قصيرة الأجل بالدولار جزءًا محدودًا من إجمالي أدوات الدين السيادي في هذه الأسواق.

ويعود هذا العزوف عن الاستدانة قصيرة الأجل بالدولار وغيره من العملات الأجنبية لعظم المخاطرة، إذ تلتزم الحكومات هنا برد أصل الدين بالعملة الصعبة مضافًا إليها مدفوعات الفائدة، خلال سنة كحدٍّ أقصى.

في الحالة المصرية يبدو أن صانع القرار يفضل الأذون الدولارية، فقد بدأ هذا النوع من الإصدارات على أقل تقدير في 2011 كما يظهر في قاعدة بيانات البنك المركزي. ومنذ 2017 التزمت الحكومة بإصدار ستة طروحات من أذون أجل 364 يوم، الأجل الأكثر شيوعًا في هذا النوع من الطروحات.

بين الأذون الدولارية والأموال الساخنة

يختلف طرح أذون بالدولار بشكل مباشر عن الشكل الذي بات أكثر شيوعًا والمعروف بالأموال الساخنة، وذلك على عدة أصعدة، أولها أننا في حالة الأذون الدولارية نعرف جيدًا متى يتعين على القطاع المصرفي تدبير الدولارات اللازمة لسداد هذا الدين، أما في السوق الثانوية للأذون المُقوَّمة بالجنيه، فيستطيع المستثمر الأجنبي في أي وقت يشاء أن يبيع استثماراته في هذه الأذون ويطالب القطاع المصرفي بتحويلها إلى دولار بالإضافة لمدفوعات الفائدة قبل إرسالها للخارج، ما قد يفتح الباب لأزمات الدولار في بعض الأوقات.

ثانيًا، يشتري المصريون أيضًا الأذون الدولارية، مثل البنوك التي ترغب في تشغيل الودائع الدولارية لديها، وهذه ميزة فالدولة بأجهزتها المختلفة تستطيع التواصل مع المؤسسات الموجودة في مصر في أوقات الأزمات وتتفاوض معها لتقوم بدور يعزز من وضع الاقتصاد ويسانده، عكس المستثمر الأجنبي في الأموال الساخنة الذي لا نملك أي طريقة للتفاوض معه على دوره في سوق الديون المصرية.

وأخيرًا فإن تنويع الجانب الدولاري في الدين المصري عن طريق هذه الأذون، خطوة من عدة خطوات محمودة تمت مؤخرًا تشمل أيضًا اتفاقات تبادل عملة مع بلدان مثل الإمارات، وهو مسار آخر لسداد الالتزامات الخارجية.

على أن لجوء مصر المتزايد في السنتين الماضيتين لطرح أذون بالدولار لا يبدو أنه يقف بديلًا عن اجتذاب الأموال الساخنة، التي سجلت معدلات مرتفعة منذ 2024، ما بدا عودةً قويةً للاستثمارات قصيرة الأجل في أدوات الدين المحلية بعد تراجع من المستثمرين الأجانب في 2022، على وقع الاضطرابات الإقليمية الكبيرة في الشرق الأوسط من ناحية، وارتفاع سعر الفائدة على الدولار من ناحية أخرى.

ويعني هذا أن الأذون الدولارية تظل على الأرجح أداة محدودة الاستخدام تتعلق بجمع مبالغ صغيرة نسبيًا من الجهاز المصرفي المحلي، وإن كانت بالعملة الصعبة، فيما يظل اجتذاب المستثمرين من أصحاب الأموال الساخنة باستخدام أسعار الفائدة الحقيقية لمحلية بالغة الارتفاع تارة، وانخفاض قيمة الجنيه تارة أخرى، هو سبيل الحكومة المفضل لتلبية احتياجاتها التمويلية، رغم مرور ما يزيد عن ثلاث سنوات على الصرخة المدوية التي أطلقها الدكتور محمد معيط عندما قال "لن نعتمد على الأموال الساخنة.. تعلمنا الدرس".