هل يعيد إلغاء الدعم للاقتصاد المصري توازنه؟
هل الدعم هو أساس أزمات الاقتصاد المصري؟ وهل تخفيض مخصصات الدعم أو إلغائها من شأنه خفض ديون مصر أو عجز الموازنة؟ هل يحقق إلغاء الدعم العدالة الاجتماعية؟
أسئلة كثيرة تطرحها الخطط الحكومية لإصلاح الاقتصاد والتعامل مع عجز الموازنة من خلال تخفيض الدعم، الذي تتحمل آثاره الطبقات الكادحة، ما يزيد من معدلات الجوع بينها ويُقلل من فرص خروجها من دائرة الفقر.
ولكن بالعودة إلى السنة المالية 2010-2011، التي سبقت ثورة يناير وتصاعد المطالب الاجتماعية، يتبين أن من هتفوا بالعيش والعدالة الاجتماعية في الشوارع، فعلوا ذلك في ظل ميزانية دعم أكثر سخاء من الوقت الراهن.
صحيح أن قيمة الإنفاق على الدعم ارتفعت من 123.1 مليار جنيه في 2010-2011 إلى 742.5 مليار في موازنة 2025-2026. ولكن ذلك لا يعكس ارتفاع نسبة الدعم إلى إجمالي المصروفات مقارنة بباقي البنود.
انخفضت نسبة الدعم إلى إجمالي مصروفات الموازنة من 30.6% إلى 16.2% خلال نفس الفترة. كما انخفضت نسبة الدعم إلى إجمالي استخدامات الموازنة من 28% إلى 11%.
وبالتركيز على دعم المنتجات البترولية، نلاحظ اقتطاعات كبيرة من قيمته انعكست على الحياة اليومية في صورة قرارات زيادة أسعار الوقود، وخلال السنة المالية الجارية فقط انخفضت قيمته من 154.5 مليار إلى 75 مليار جنيه، وبذلك تراجعت نسبة دعم المنتجات البترولية لإجمالي مخصصات الدعم خلال تلك الفترة من 24.3% إلى 10.1% في آخر موازنة.
أما دعم السلع التموينية فقد انخفض نصيبه من 35% في 2019-2020 إلى 21.5% في 2025-2026. إضافة إلى تثبيت نصيب الفرد في البطاقات التموينية بمبلغ 50 جنيهًا منذ 2018 وحتى الآن، رغم معدلات التضخم الاستثنائية خلال السنوات الأخيرة.
في مقابل بنود الدعم التي كانت تنكمش، أضيفت بنود أخرى إلى إجمالي الدعم لا يستفيد منها المواطن بشكل مباشر، لكنها تساعد على تضخيم قيمته بصورة خادعة، من أبرزها ما يطلق عليه "مساهمات في صناديق المعاشات"، وهذا البند هو جزء من قسط سنوي تعهدت وزارة المالية بسداده لصناديق المعاشات الحكومية لمدة 50 سنة، تعويضًا عن أموالهم التي ظلت تستولي عليها لعقود.
ديون المالية للتأمينات التي تُعدُّ عملية سداد ديون وليست إنفاقًا اجتماعيًا، بلغت نحو 21% من ميزانية الدعم في 2025-2026.
إجمالًا، إذا نظرنا إلى مخصصات الدعم، سنجد أنها تتآكل وتنخفض عامًا تلو آخر، خاصة في ظل معدلات التضخم الاستثنائية خلال الأعوام الأخيرة.
روشتة الصندوق لم تعالج العجز
بدأت مصر تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان تحسين أحوال المالية العامة من أبرز التوصيات المعلنة لصندوق على مدار خمسة عقود. وفي سبيل الحد من عجز الموازنة خُفّض وزن رغيف العيش وزادت الضغوط على حياة المصريين، فهل أصبحت المالية العامة في حال أفضل بعد عقود من إجراءات الصندوق؟
الواقع أن عجز الموازنة ما يزال عند مستويات مرتفعة ويبدو كمرض مزمن للمالية المصرية، مع توقعات أن يبلغ في الموازنة الحالية نحو 7.3%، وهو أعلى من المتوسط العالمي الذي يبلغ وفق تقديرات الصندوق نحو 5%.
هذه المستويات المرتفعة للعجز تأتي رغم التقشف الواضح الذي تعكسه المؤشرات السابقة في ميزانية الدعم، ما يقدم دليلًا على أن الدعم لم يكن وحده العامل الضاغط على المالية العامة كما كان متصورًا من قبل.
الواقع أن العامل الأكثر إلحاحًا في الحالة المصرية هو الدين العام، والذي تتضخم قيمة أقساطه وفوائده بصورة متسارعة، لتمحو أي أثر لإصلاحات مالية يتم تطبيقها على حساب حياة المواطن ورفاه معيشته.
إذا نظرنا في موازنة 2025-2026 سنجد أن الأقساط والفوائد وحدهما يسيطران على نحو 64.8% من إجمالي استخدامات الموازنة، وبالتالي لا يتبقى سوى 35% فقط من الموازنة، ومع ذلك تجد من يردد أن مخصصات الدعم عبءٌ على الاقتصاد المصري ويتجاهل مشكلة الديون.
الخروج من دائرة الديون لن يتحقق بالمزيد من التقشف، ولكن عبر إصلاح الاقتصاد الحقيقي، وتوجيه الاستثمارات إلى قطاعات ذات طابع تنموي مثل التي يقتصر نصيبها من الناتج الإجمالي المصري على نحو 14%، وفق تقديرات البنك الدولي.
نحتاج لاستراتيجية جديدة للتنمية الصناعية والزراعية بما يؤدي إلى زيادة الصادرات وتحسين وضع ميزان المدفوعات وسعر الصرف، وأن نتوقف عن تحويل مخصصات الدعم إلى شماعة لفشل السياسات الاقتصادية.
يتطلب ذلك أولاً وقف الاستدانة إلا لمشروعات التنمية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وهو ما يسمح بالخروج من الأزمة ووجود فوائض يمكن توجيهها لسياسات الحماية الاجتماعية ومن بينها الدعم.
لا تحملوا الدعم مسؤولية السياسات الاقتصادية المتبعة. وواجهوا الأسباب الحقيقية للأزمة.